مقالات

اللاجئون الإرتريون ..ضحايا أم جناة ؟ : عبد الله محمود*

26-Mar-2011

المركز

محنة تطاول ليلها وامتد لأكثر من أربع وأربعين عاماً منذ أن عبر أول فوج من اللاجئين الإرتريين إلى السودان عام 1967م وذلك نتيجة لاستخدام الاستعمار الإثيوبي بقيادة هيلي سلاسي آلة القتل والدمار ضد الشعب الأعزل فلم يترك له خياراً سوى الرحيل عن البلاد والبحث عن مكان آمن يستأنف فيه حياته فكان السودان هو الملاذ.

امتد المحنة لأربع وعشرين عاماً قبل التحرير وعشرين عاماً بعده ولم يتغير في الأمر شيء .. المعاناة ..الظلم ..البطش.. جميع هذه المفردات تشكل حضوراً في الحالة الإرترية ..ما تغير هو أنها تتم بأيد إرترية بدلاً عن مستعمر خارجي.
المفارقة أن اللجوء استمر بعد التحرير دون أن يتغير من الأمر شئ بل وازدادت وتيرته في الآونة الأخيرة بسبب الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان من اعتقال وتعذيب وبطش وتنكيل بالإضافة إلى خدمة عسكرية قسرية غير محددة بقيد زمني.. ليسفر اللجوء هذه المرة عن وجه جديد من المعاناة بدخول عصابات الاتجار بالبشر كعامل يفاقم من مأساة هؤلاء اللاجئين الفارين بحياتهم .
عصابات الإتجار بالبشر المكونة من مجموعات من قبيلة معروفة ترابط على الحدود بين السودان وإرتريا لترصد جموع الفارين من بطش افورقي فتقوم باختطافهم والمطالبة بفدية من ذويهم لا تقل عن الف دولار ويتعرضون في فترة الاحتجاز لأبشع صنوف التعذيب والمعاملة القاسية ولكما تأخر دفع الفدية زادت المعاملة قسوة وربما تصل العقوبة إلى القتل إلى تعذر دفع الفدية ..هذا باختصار الوجه المتجدد لمعاناة اللاجئين الإرتريين .
جرائم عصابات تهريب البشر لم يقتصر عملها على الحدود بين السودان وإرتريا بل امتد لتهريب اللاجئين عبر مصر إلى إسرائيل حيث أوردت صحيفة اليوم السابع المصرية يوم الاثنين الماضي خبر يفيد ( بعثورالسلطات المصرية على أربعة متسللات إريتريات بصحراء مدينة غارب شمال محافظة البحر الأحمر ( المصرية )في حالة إعياء شديد وبهن إصابات متفرقة ومعتدى عليهن جنسيا،) .
وليس بعيداً عما سبق قصة معاناة أكثر من مائتين إرتريا تحتجزهم عصابات الإتجار بالبشر في مصر مطالبة ذويهم بدفع مبالغ باهظة مقابل إطلاق سراحهم فيما عجزت أسرهم عن توفير المبالغ المذكورة وبدأ المهربين في قتل عدد منهم إنذاراً لأسر المتبقين من أن أبناءهم سيلقون نفس المصير إذا لم يقوموا بسداد المبالغ المطلوبة منهم..والقصص في هذا المجال كثيرة ومؤلمة ولا تتسع المساحة لسردها واستقصائها.
وفي إطار مكافحة ظاهرة تهريب واختطاف البشر سنت ولاية كسلا عام 2010م قانوناً صارماً (ويعاقب القانون كل شخص يقوم بإدخال شخص لحدود الولاية أو يقوم بجمع أشخاص متسللين داخل الولاية بقصد تهريبهم إلي خارج السودان بطرق غير شرعية وكل شخص ينشي أو يدير أو يشرع في إنشاء منظمة أو شبكة تعمل في تهريب البشر إلي خارج السودان أو داخله بالسجن لمدة لا تقل عن ستة أشهر والغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه الي جانب مصادرة وسيلة النقل المستخدمة في عملية التهريب او الشروع فيه وملحقاتها لصالح حكومة الولاية ).
وذهب القانون أيضاً ( إلي معاقبة أي شخص يقوم بخطف شخص أو يرغمه أو يغريه بأي طريقة من طرق الخداع علي أن يغادر مكانا أو يحجز في مكان ما بقصد طلب فدية مقابل أطلاق سراحه يعاقب بالسجن لمدة لا تقل عن عشر سنوات أو الغرامة التي لا تقل عن 100 ألف جنيه أو العقوبتين معا مع مصادرة الوسيلة المستخدمة في الخطف ).
وبشأن المهرَبين المختطَفين إذا كانوا أجانب ينص القانون على أن ( يعادوا إلي دولهم التي قدموا منها وفقا للقانون.. ).
واهتماما بهذه الظاهرة نظمت المفوضية السامية لشئون اللاجئين ورشة عن قضية الإتجار بالبشر وتهريب الأشخاص بولاية كسلا في فبراير الماضي دعا خلالها د. محمد دعالي مساعد مفوض اللاجئين بالولايات الشرقية لي ضرورة وضع استراتيجية واضحة لمكافحة الظاهرة في شرق السودان علي وجه التحديد .
وفي اعتقادي إن إفراغ قضية اللاجئين الإرتريين من محتواها الإنساني وإلباسها ثوب تهريب البشر والتعامل معها وفقاً لهذه الفرضية يعد ظلماً كبيراً للاجئين باعتبارهم ضحايا للتهريب ويجري استغلالهم بواسطة عصابات المهربين وابتزازهم وتعذيبهم ، وعليه ينبغي التعامل مع الإرتريين الفارين من بطش افورقي وفقاً لقانون اللجوء حيث أنهم خرجوا من بلادهم بسبب (الخرق السافر لحقوق الإنسان )الذي تعيشه إرتريا و(الخوف من الاضطهاد بسبب العرق او الجنس أو الدين أو الرأي )بما يعد مطابقاً لتعريف اللاجئ في القانون الدولي.
ختاماً نوصي السلطات السودانية في ولاية كسلا وغيرها بالتعامل مع الإرتريين الفارين ما إرتريا والذين يتم استغلالهم بواسطة عصابات تهريب البشر وفقا لقانون اللجوء لعام 2010م وعدم ابعادهم إلى إرتريا باعتبار أنهم سيتعرضون للإعتقال والتعذيب وربما القتل بواسطة السلطات الإرترية كما نوصي المجتمع الدولي والمنظمات المعنية بحقوق اللاجئين بتهيئة مراكز إيواء اللاجئين في شرق السودان وتوفير ابسط مقومات الحياة فيها حتى لا يضطر اللاجئ للفرار منها بحثاً عن لقمة العيش ، كما ندعو إلى تطبيق عقوبات رادعة على المهربين وتجار البشر حتى نضع حداً لمعاناة الشعب الإرتري.
•نشر في صفحة نافذة على القرن الإفريقي – صحيفة الوطن السودانية -25مارس 2011م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى