مقالات

المشروعات الوحدوية الإريترية .. وإدمان التشظي : عبد الله محمود*

8-Nov-2010

المركز

ظلت القوى السياسية الإريترية ،منذ اعوام ما قبل الإستقلال ، تهدر وقتاً ثميناً في الحديث المكرور عن الوحدة الوطنية (و تعني بها الوحدة الإندماجية بين التنظيمات )، وتهرق مداداً كثيفاً بكاءاً على أطلالها ونواحاً على حائطها ، ومع ذلك فإن هذا البكاء والنواح لم يعصمها من المضي قدماً في طريق الإنشطارات الأميبية والتشطي اللامتناهي بمتوالية هندسية ، حتى اكتظ المشهد السياسي الإريتري بكيانات مجهرية ( تثقل الأرض من كثرتها ثم لا تغني في أمر جلل ).

ولقد أطلعت قبل أعوام على دراسة معمقة رصدت واستقصت جميع المحاولات الوحدوية والإنقسامات التي حدثت في فترة ما قبل الإستقلال ، وقد خلصت الدراسة إلى نتائج مفادها أن أي مشروع وحدوي لم يلبث أن تناثر إلى مكوناته الأصلية قبل أن يكمل أعواماً لم تتجاوز أصابع اليد الواحدة ، بل يخرج أحيانا بعدد أكبر من مكوناته الأصلية . وتخرج التنظيمات التي انفضت عن المشروع الوحدوي خائرة القوى واهنة العزم لاسيما وأنها قد استهلكت جميع طاقاتها في المماحكات البينية مما يجعلها في حاجة ماسة إلى إعادة تأهيل لمواصلة مشوارها النضالي . وفي الغالب فإن هذه التجارب الوحدوية الفاشلة تخلف وراءها جموعاً يثقل كاهلها ركام اليأس والإحباط فتؤثر الإنصراف إلى خاصة شئونها وتنسحب من المسرح السياسي. ولم تتعظ القوى السياسية الإريترية ، بعد الإستقلال ، من السير على درب التجارب الوحدوية الفاشلة ، ولم تستوعب أن عهداً جديداً قد أطل على الشعب الإريتري بعد اندحار الإستعمار الإثيوبي ، وإعلان إريتريا دولة مستقلة ، ولم تتواءم مع الظروف الجديدة التي تتطلب قدراً عالياً من التفكير وإعمال الذهن خروجاً من عباءة التجارب السابقة واستحداث طرائق وأساليب جديدة في التعاطي مع الواقع الجديد . إلا أن المفارقة تكمن في أن القوى السياسية الإريترية أشهرت ذات الأسلحة التي استهلكت في فترة ما قبل الإستقلال بما فيها إجترار الحديث المكرور عن الوحدة ،دونما تطوير لتطبيقاتها، بطريقة تقارب أسوار العبثية واللامعقول . الجديد في الخطاب الوحدوي عند معظم قوى المعارضة الإريترية في العقد الأول من الألفية الثالثة أن الشعار المرفوع قد تغير من صهر جميع الكيانات بمختلف افكارها وتوجهاتها في بوتقة واحدة إلى الحديث عن اندماج التنظيمات ذات البرامج المتشابهة ، وكانت أول ضحايا الشعار الجديد التنظيمات السبعة التي توحدت تحت إسم حزب المؤتمر الإريتري وهي ( حزب التعاون الإرتري ، حركة المقاومة الديمقراطية– القاش سيتيت ، جبهة التحرير الإرترية – التنظيم الوطني الموحد ، الجبهة الوطنية الديمقراطية ،حركة مبادرة الإرتريين للتحالف ، الجبهة الإسلامية الإرترية – قوات قذائف الحق ، حزب الوفاق الإسلامي ) في يوليو2005م ، ولم تلبث أن تناثرت كأوراق الخريف ، وأصبحت هشيماً تذروه رياح الخلافات العدمية . التجربة الثانية هي تجربة جبهة الإنقاذ الوطني التي تشكلت بذرتها الأولى في مدينة كاسل الألمانية ،لتتواصل الجهود الوحدوية بين التنظيمات الثلاث ( المؤتمر الوطني، الجبهة الديمقراطي الثورية سدقئ ، الحركة الشعبية ) وتتوج بمؤتمر توحيدي في العام 2006م وتتمخض عنه ( جبهة الإنقاذ الوطني الإريترية ) والتي ما لبثت أن افترقت إلى مكوناتها الأصلية عبر مراحل متعددة أكتملت فصولها عام 2009م . التجربة التي نحن بصددها اليوم هي تجربة حزب الشعب الديمقراطي المكون من ثلاث تنظيمات وهي ( حزب الشعب ، الحزب الديمقراطي الإريتري، الحركة الشعبية الإريترية ) والتي تخلق جنينها في فرانكفورت عام 2004م عبر التفاهمات التي حدثت بين الحزبين وانضمت اليهم مؤخراً الحركة الشعبية بقيادة أدحنوم قبرماريام وتم إعلان الكيان الموحد باسم حزب الشعب الديمقراطي في فرانكفورت آواخر عام 2009م ، وقبل أن يكمل الحزب الجديد عامه الأول طالعنا مكتبه التنفيذي بتصريح صحفي بتاريخ 31 أكتوبر يقضي بإيقاف أحد مكونات الحزب الثلاث عن المشروع الوحدوي وهو ( الحركة الشعبية بقيادة أدحنوم قبرماريام ) ، ولسنا هنا بصدد استعراض الأسباب التي ساقها التصريح الصحفي ، إلا أن اللافت للنظر أن الخطوة لم تكن مثاراً لاندهاش المتابعين لأوضاع الساحة الإريترية ، ليس ذلك لامتلاكهم ناصية التحليل أو بعد نظرهم بما يضاهي زرقاء اليمامة ، وإنما لأن المعطيات الموضوعية كانت تشير إلى ذلك قياساً على تجربتي جبهة الإنقاذ وحزب المؤتمر الإرتري.التجربة الوحيدة الناجحة و التي شكلت استثناء في عالم التجارب الوحدوية هي تجربة الوحدة الإندماجية بين جبهة التحرير والمجلس الوطني في العام 2000م مما يستدعي الدراسة الواعية للأسباب والعوامل التي أدت إلى نجاح هذه التجربة في تحقيق ما فشلت فيه الأخريات .خلاصة القول أن على قوى المعارضة الإريترية أن ترتدي ثوب الواقعية وتنزع عنها غلالات أحلام الوحدة الكثيفة ، وأن لاتهدر وقتها وجهدها في تجارب لن يكتب لها النجاح ، ويمكن الاستعاضة عنها وتحقيق الأهداف المرجوة منها عبر صيغ الكيانات جبهوية برفع سقف الإتفاق والتنسيق في مختلف المجالات إلى حده الأعلى مع الإبقاء على الجسم التنظيمي الخاص ، خروجاً من دوامة الصر اعات الشخصية والتجاذبات الداخلية التي تنتج في المحصلة كيانات متشظية منهكة لا تقوى على المضي قدماً في درب المعارضة الوعر .* نشر في صفحة نافذة على القرن الإفريقي – صجيفة الوطن السودانية -5نوقمبر2010

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى