مقالات

المعارضة الارترية بين حراكها ورؤاها الرمادية وحالة التيه التي تعيشها (الحلقة الأولى ) : حمد كل*

19-Apr-2012

المركز

من أبجديات العمل السياسي او النضالي لقوى الطلائع الوطنية التي تتاهب لخوض نضال ضد قوة غاشمة جاثمة على صدر الوطن. لابد من التاكد من نضوج العوامل الذاتية وهو الرصيد الذي تنطلق به وله، معرفة القوى الاقليمية والدولية، تقييم الخصم او العدو الذي تعد له العدة مكامن قوته ومواقع ضعفه.

إن تجربة الثلاثون عاما من القتال اوجدت ارثا نضاليا لا يمكن الاستهانة به، وكان حريا بنا ان نستفيد منه. مع تحرير ارتريا واستقلالها وانفراد الجبهة الشعبية بالحكم ورفضها للتعامل مع التنظيمات الارترية بهياكلها، وارتضى البعض للذهاب الى الوطن والعمل في اطار الحكومة الارترية ورفض التنظيمات الانصهار في الحكومة الارترية، وفضلت النضال والمواجهة اما للاعتراف بها وبحقها في مشاركة الحكم او السعي لاستقاطه. ومع تحرير واستقلال ارتريا برزت معطيات ومستجدات جديدة على مستوى الساحة الارترية والاقليمية والدولية. على مستوى الشعب الارتري كان الحديث يقول اعطوا لحكومة الشعبية فرصة لانها اتت بالاستقلال وهي حديثة العهد وعلى المستوى الاقليمي والدولي تم الاعتراف بهذا الاستقلال الناجز والذي فرض نفسه على الواقع الاقليمي والدولي، وهكذا وجدت المعارضة الارترية نفسها معزولة بل تم تضييق الخناق عليها على السمتوى الاقليمي. ولم يمضي زمن طويل حتى بدات الخلافات والنزاعات تدب بين النظام الارتري ودول الجوار، بدأت بالسودان ثم اليمن واخيرا اثيوبيا ثم مؤخرا تلتها جبوتي. وهنا تنفست المعارضة، بدأ السودان يقدم لها كل التسهيلات، ثم تطورت الامور واصبحت ثلاث دول تقدم للمعارضة الارترية دعمها ممثلة في حلف “صنعاء”. لكن اللافت للانتباه ان المعارضة الارترية بدا مازقها منذ بدء معارضتها للنظام الارتري، مع التحرير والاستقلال برزت معطياة ومستجدات جديدة، فالنظام الذي بدات تعارضه هو نظام ارتري وليس اثيوبي والقوى التي ستواجهها هي قوى ارترية، وهنا فان الالية القديمة التي كنت تواجه بها اثيوبيا قد اصبحت عتيقة ولا تصلح للواقع الجديد، قديما كنت تقاتل مستعمرا يحتل الارض، الان انت تريد ان تقاتل نظاما ارتريا معترفا به دوليا ومحليا وله من يسانده من الشعب الارتري اقله في بدايات الاستقلال.المعارضة استمرت بنفس نهجها القديم وهو الارتكاز على القتال، والسؤال هنا ان الارض التي تنطلق منها، فالنقل في البداية هو السودان، وهذه الدولة لها مصالحها ولها حسابات مع يحفظ امنها القومي، واذا دعى الداعي فانها قد تتصالح مع النظام الارتري او يبادر النظام الارتري فيعالج خلافاته مع السودان وهذا ما حدث. المعارضة الارترية لم تستفد كثيرا من هذه المرحلة ومن مرحلة حلف “صنعاء” ولم تجدد آلياتها وفق الواقع الجديد، او لانها مريضة بالانقسامات، ثانيا وعند احسن الظن ان هذه المعارضة وهي تقاتل النظام الارتري الديكتاتوري لم تدرس طبيعة هذا النظام مراكز قوته ومواقع ضعفه بل قاتلته بنفس اسلوبها القديم ولهذا بادر النظام الارتري بمعالجة وضعه مع السودان واليمن، بقت فقط اثيوبيا، والنظام الاثيوبي له مخططاته وله اطماعه، يحتل ارضا ارتريا في “بادمي” و “عد-مروق”، وله حسابات مستقبلية من اجل اقامة دولة “تجراي الكبرى” ويسعى لاقامة ميناء لهذه الدولة القادمة في المنطقة ما بين “مرسى فاطمة” و “طيعو”، ولان هذا لا يتحقق الا بعد سقوط النظام في ارتريا وهو يحلم بان يسقط النظام في ارتريا وياتي بنخبة ارترية ينتقيها هو لتكون بيدقا في شطرنجه، وهكذا احتضن المعارضة وصرف ويصرف عليها بالتقطير حتى من ميزانية حلف “صنعاء”، وهذا لا يعني ان النظام الديكتاتوري في ارتريا حريصا على ارتريا بقدر حرصه على كرسيه، فقط اردنا الاشارة الى مآرب النظام الاثيوبي. اوقف السودان نشاط المعارضة الارترية علنا لكنه لم يضايقها للعيش فيه، واستباحت مخابرات النظام الارتري المدن السودانية الحدودية، لكن هذا لم يمنع نشاط المعارضة الارترية في السودان في السر، لكنها فضلت الذهاب الى اديس ابابا، والنظام الاثيوبي رحب بها، واستكانت له، بل لا نجافي الحقيقة ان قلنا ان البعض في المعارضة صور له او تخيل ان الدبابة الاثيوبية يمكن ان تحقق له احلامه. من الناحية السياسية لم تدرس او تقيم المعارضة الارترية الاوضاع السياسية داخل النظام الارتري، ولانها قاصرة في قراءاتها ولانها فاقدة التقييم السياسي الصحيح للوضع في ارتريا فانها ترى ان الجبهة الشعبية عبارة عن آلة صماء تقاد بفكر رئيسها ولم تعطي اي اعتبار لتلك التفاعلات التي تمت داخل الجبهة الشعبية منذ الاستقلال وما قبله، هي لم تقرأ حركة “منكع” وحركة ما قيل لها “باليمينيين” وكيف تمت تصفيتهم، هي لم تقرأ ولم تلتفت للحركة التي قامت يوم 20 مايو 1993 والحركة التي تمت في عام 1996 وتمرد الـ 15 قياديا في عام 2001، المعارضة تجهل تماما كل هذه الحوادث، هي لم تفكر يوما لتوجيه خطابها للداخل الارتري، هي لم تعطي اي اعتبار لهؤلاء الهاربين من الخدمة الوطنية، اذا كان هؤلاء الهاربين المتذمرين من النظام الا يعقل داخل النظام من هو متمرد مثلهم وصابر حتى تاتي لحظة ينفجر الوضع ليقضوا على النظام، هناك اناس كثيرون في الداخل ينتظرون هذه اللحظة، وبمعنى آخر وباكثر وضوحا اليس في الجبهة الشعبية وطنيين يحسون بماسات هذا الوطن؟ يمكن القول هم اكثر اكتواءا مني ومنك. الخطاب السياسي للمعارضة الارترية يعاني من جهل مزري، كيف يمكنك ان تهز ركائز النظام، هل هناك مصلحة للشتائم التي توجه للجبهة الشعبية وكما يقولون “نظام الهقدف” بكل غباء، اشتم النظام الارتري، اشتم المرتبط بالنظام او اصحاب المصلحة في النظام لكن لا تعمم، حاول ان تكسبهم كما نجحت جبهة التحرير الارترية بعد مؤتمرها الوطني الاول في عام 1971 في كسب “الكوماندوس” باعتبارهم جزء من الشعب الارتري. وانت تتعامل مع النظام الاثيوبي هل يكفي ان يقول لك انتم تريدون ازالة النظام الارتري ونحن متضررون منه؟ هل يكفي هذا؟ هل وضعتم استراتيجية الصداقة ما بين الشعبين الاثيوبي والارتري؟ وبحكم تواجدكم في اثيوبيا هل بنيتم علاقة مع الشعب الاثيوبي؟ هل اتفقتم ماذا يريد النظام الاثيوبي من ارتريا وماذا تريدون انتم؟ هل ناقشتم متى سينفذ قرار المحكمة الدولية من “بادمي” و “عد-مروق”؟ ما هو مدى ارتباطكم بالنظام الاثيوبي؟ هل هي علاقة صداقة ام علاقة “تابع”؟ وانتم غارقون في خلافاتكم وانقساماتكم هل تابعتم ما جرى في الشرق الاوسط؟ لا يكفي زيارة لمصر او تونس، بل دراسة ما جرى هناك وكيفية الاستفادة من هذه التجربة. كان عام 2011 بحق عام التحولات العميقة في الشرق الاوسط اسس لمرحلة لما سيليها، حيث بدأ عام 2011 المنصرم كمنعطف تاريخي جديد فتح عدد من التطورات المفاجئة او كزلزال سياسي قوي انهارت بفعله انظمة ديكتاتورية بقلاعها الشامخة، لعل افضل تقييم او تشخيص لهذه الودعية الانتقالية المكتسبة بفعل قوى وطنية اكتشفت قدراتها الذاتية الكامنة في اطار مشهد دولي يزداد التباسا وسخونة سياسية.فان اول ثورة شعبية سلمية معتمدة على ذاتها فاجأة حتى لاصحابها كانت في تونس، ثم سرعان ما انتقلت الى مصر وبعد ذلك الى البلدان العربية الاخرى، ليبيا، اليمن، سوريا. لقد اطلق الواقع الجديد في العالم العربي قوى ذاتية، وكشف عن حقائق مغيبة، ان الجماهير قادرة معتمدة على قواها الذاتية انهاء عهود الظلم والاستبداد ورفعت بذلك عاليا قيم الحرية والعدالة والمشاركة في تداول السلطة دون الاتكال على الاجنبي وبالتحديد في تونس ومصر، اليمن سوريا. ______________________________________* ديبلوماسي ومحلل جيو-سياسي ارتري مقيم في بريطانيا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى