مقالات

الموت القادم من الجنوب ( 1و2 – 3 ) :آدم الحاج موسى

26-Nov-2010

المركز

قبل عشر سنوات أو أكثر لا أذكر بالضبط السنة التى شاهدت فيها المسلسل العربى السورى (( الموت القادم من الشرق )) والذى كانت تدور أحداث حلقاته حول مملكة كان يسود فيها الامن والاستقرار فى ربوعها ويعيش شعبها فى سلام ووئام منقطع النظير

تربط علائق المودة والرحمة فيها بين الملك والرعية الى أن أتت اليها عصابة منظمة كانت تعمل فى السابق فى قطع الطريق والغارات على ديار وأحياء القبائل المختلفة بغرض النهب والسلب والإرتزاق وقد دخلت هذه العصابة المنظمة تلك المملكة وتغلغلت فى مفاصلها وأصبحت قربية بصورة وأخرى من الملك وحاشيته الى أن تمكنت من فرض سيطرتها بفضل خبرتها فى إشعال الفتن وتماسكها الداخلى على تقاليد الامور فى تلك الممكلة مستغلة الصراعات الضيقة التى عادة ما تدور فى دولاب السلطة والنفوذ مستخدمة وسائل وعمليات الغدر من قتل وسجن بغية التخلص من أبناء المملكة الغيورين على سيادتها وكرامة شعبها وبعد أن حازت تلك العصابة على ثقة الملك واستولت على مقدرات المملكة حتى تجرءوا على عزل ملكها المخدوع واتجهوا الى اتباع اساليب القهر والقوة والقمع لاخداع الشعب الذى كشف فى وقت مبكر عن مؤامراتهم الخبيثة وبدأ الشعب يخطط للثورة ضد أولئك الأغراب الذين ما أن استولوا على مقاليد الحكم عاثو باسم مملكتهم الفساد فى البلاد والعباد فقامت ضدهم ثورة الشعب التى انتصرت لنفسها لتستعيد له حريته وسيادة مملكته المغتصبة بفعل حكم العصابة البائد الذى اغتصب كل مظاهر الحياة من ارض وسيادة الممكلة المنهوبة . وما أشبه ما كان يدور فى تلك المملكة المنهوبة من واقع الاحداث الدرامية للمسلسل العربى السورى وما يجرى فى الوقت الراهن فى الدولة الاريترية المختطفة من أبنائها الشرفاء الذين سكبوا على أرضها الطاهرة دماؤهم وعرقهم فى سبيل حريتها وسيادتها الوطنية . إنها حقاً كارثة الكوارث أن تنتهى نتائج الثورة الاريترية فى أيدى جلاديها الذين جعلوا من الدولة الاريترية مؤسسة للأقوياء بعد أن تمكنوا من حيازة مصادر القوة فى المجتمع كالسلطة والثروة والسلاح ليتمتعوا بالامتيازات التى تنتجها لهم فرصة السيطرة المطلقة على موارد المجتمع ثم يصوغون الحياة الراهنة والمستقبلية للمجتمع وفق أغراضهم بتنصيب انفسهم مشرعين فيضعون الدساتير ويركنوها فى سلة المهملات ويسنون قوانين أخرى أكثر ملائمة لاهوائهم ويرسخون العلاقات المرغوبة لهم ويجرمون السلوك الذى لا يرغبون فيه فجعلوا من المؤسسة العسكرية والاجهزة الامنية مظاهر للهيمنة والسيطرة على الضعفاء والمسحوقين من عامة الشعب الذى دمروا كل مقدراته المادية والبشرية فى حروب عبثية لم تجلب له إلا الهزيمة والانكسار . إن كل القوانين وجميع الاجهزة الخدمية وأجهزة الامن وجميع رجال الشرطة فى الدولة مسخرون للعمل ضد المسحوقين والفقراء والمستضعفين لمصلحة هؤلاء الاقوياء المسيطرين تحت سياط والوان من العذاب والمهانة تجلد الشعب كل الشعب فى كل لحظة لتصنع فى نفس اللحظة مصادر أرباح لهم من دم وعرق الشعب المقهور الذى يئن تحت أقدامهم بعد أن صنع وأوجد لهم الحياة كلها كلها برمتها والتى لم يتذوق لها طعماً على الاطلاق ولكنه يعيش ذليلاً حقيراً فقيراً تنهشه الامراض وتتقاسمه الفاقة والملاجئ ويشل إرادته الجهل . وإذا كانت هذه هى الصورة القاتمة والماثلة أمامنا فلا خيار لنا سوى العمل على تغيير وازالة واقع الهيمنة والسيطرة إلا من خلال خيارين إثنين هما الإصلاح والتطوير أوالثورة الشعبية . إذن فماهو مفهوم الاصلاح والتطوير ؟ إنها عملية تنحصر فى ترميم النظام القديم ( وتتم عادة سلميا ً) أو استبدال تدريجى لبعض أجزائه وعمل بعض الإضافات عليه مما يؤدى الى نوع من التوافق بين المصالح المتعارضة دون القضاء على النظام القديم نفسه . والسـؤال الذى قد يطرح نفسه هنا هو هـل من الممكن ان يغنى الاصلاح عن الثورة الشعبية واستعمال العنف الشعبى ؟ الاجابة تأتى بنعم إذا توفر شرطين إثنين الاول : أن لاتكون أسس النظام القائم قد انهارت تماماً بحيث لم يعد الاصلاح نفسه غير ممكن بالمرة وهذا ما ينطبق على الحالة الاريترية بجكم إن النظام لا يعتمد فى حكمه على الشرعية التى تعنى رأى الشعب وهو فى هذه الحالة مقهور يئن تحت اقدام السلطة الحاكمة والمشروعية التى تعنى قوة القانون يعنى إعمال مبدأ القانون فى مقاليد الحكم وهذا ما لم يكن موجوداً على الاطلاق والمبدأ السائد هو انا السلطة إذن أنا القانون . الثانى : حرص أصحاب الامتيازات فى النظام القائم على السلطة نتيجة الخوف من تقديم تنازلات عن إمتيازاتهم التى يحرصون على عدم التنازل عنها لانها فى الاصل مغتصبة والمغتصب إقصائي بفطرته . إن أي محاولة للاصلاح والتطوير فى ظل الاوضاع السائدة محكوم عليها بالفشل بحكم طبيعة مؤسسات الدولة القائمة الآن والتى يتربع فيها النظام الحاكم وهكذا فان جميع عمليات التغيير ستكون قاصرة وغير مؤثرة إذا لم تكن جذرية تستهدف تدمير بنية المؤسسة العاملة ضد الشعب المتكونة أصلاً على أنقاض كيانه الخاص تدميراً كاملاً كما إن جميع عمليات التغيير التى يراد إحداثها فى سبيل استرداد سلطة الشعب سيتم إجهاضها على الأقل أو تدميرها كلياً إذا جرت فى التركيبة التقليدية لمؤسسة الدولة القمعية . إذن فما العمل ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الموت القادم من الجنوب ( 2- 3 ) إذا كان من غير الممكن القيام بأعمال الاصلاح والتطوير فى إصلاح أمر الدولة الاريترية وإنقاذها من الهاية السحيقة التى تهوى اليها من علو إرتفاع شاهق بنته معانات الشعب وعرق المناضلين ودم الشهداء الأبرار على مدى قرن كامل من الزمان فإنه يصبح من الواجب الوطنى والحتمية الضرورية الإجابة على التساءل الواقعى ( مالعمل ؟ ) وتأتى الإجابة أن فجروا ثورة شعبية مسلحة مصحوبة بعنف شعبى هدفه إجتثاث شجرة النظام الظالم من جذورها فاذا كان الخيار التلقائى والمناسب لدفع الواقع المتردى الراهن هو الثورة الشعبية فما هو مفهوم الثورة إذن ؟ الثورة هى حركة هدم سريعة وشاملة للنظام السياسى والاجتماعى القديم وبناء نظام جديد يحل محله ويتماشى إنسجاماً مع مصالح جماهير الشعب ورغباتهم وآمالهم وطموحاتهم فى الامن والاستقرار وتأتى الثورة عادة باستخدام العنف الشعبى بصوره المختلفة للقضاء على النظام القديم وبناء نظام جديد على أنقاضه فى زمن قياسى بإعتماد عناصر السرعة والمباغتة والفجائية ليكون الناتج تغييراً مدروساً شاملاً وجذرياً ليصبح المستفيد الاول فيه هى جماهير الشعب عامة لأنها بذلك قد حققت التخلص من نظام القهر والاستبداد وفق رؤية ثورية تقوم على الجانبين أدناه الجانب الاول أن نجعل القيمة الثورية قاعدة لدولة وأساساً لمؤسسات سياسية وإقتصادية الجانب الثانى أن لا نفكر كثيراً بالدولة وبالمؤسسات فى الوقت الراهن على الأقل وإنما نصب اهتمامنا كله على الجانب التطبيقى للمفاهيم الثورية محاولين استخلاص علاقات جديدة وصحيحة وترسيخها كقاعدة للتعامل فى المجتمع .ذلك بغية التمكن من إطلاق كافة القدرات والقوة من عقالها لتعمل بأقصى ما تستطيع لتبدع عالماً جديداً حراً خالياً من التعسف والتخلف والمرض والجهل فبالعنف تبدأ الطبقة المسحوقة ثورتها وتحسم الأمر لمصلحتها من خلال العمل على تملك أدوات وآليات ووسائل التغيير بغية إزالة الواقع الاستعمارى الجديد والاليم من خلال العمل لتحقيق الأهداف الوطنية على جبهتين إثنين . الاولى : العمل على إسقاط النظام الديكتاتورى باستخدم جميع الوسائل المشروعة والتى من شأنها تحقيق التغيير السياسى الشامل والسريع من خلال قوة سياسية وعسكرية وتنظيمية تقوم على مبدأ وقيم العدل والمساواة والحرية والديمقراطية والسلام الثانية : العمل على بناء نظام سياسى ديمقراطى يعتمد المؤسسية والتعددية نظاما للحكم يكفل لكافة أبناء الشعب الاريترى الحريات السياسية والاجتماعية فى إطار التحول الديمقراطى من خلال انتخابات حرة ونزيهة تتجسد فيها المشاركة الشعبية .ولعل الشيء الذى سيواجه صعوبة هو تنفيذ إطلاق كافة القدرات والقوات من عقالها مالم يتلقفها جيل من المناضلين مدفوع بروح التمرد والتحدى والمجازفة مدعوم بآمال وتطلعات وأحلام أجيال متعاقبة من بنى جلدته الذين عانو الأمرين من التسلط والقهر والاستعباد والسيطرة والتجهيل لينظم هذا الجيل نفسه فى تنظيم ثورى يحدد واجباته الوطنية فى قيادة الجماهير بتحريضها على الثورة والكفاح من أجل إقامة نظام حكمها والقضاء على نظام الحكم الديكتاتورى الغاشم بأشكاله المتعددة والمختلفة .إن التقدم والتخلف والعدل والظلم والحرية والاستعباد هى متناقضات لا تتعايش معاً فى ظل أوضاع صراع بالغ الحدة والمواجهة الدامية التى تحتدم يومياً بين فريقين كل منهما أحد الطرفين فى المعادلة لتستقيم بعد ذلك جدلية الصراع الاجتماعى الجذرى بين نموذجين متناحرين نموذج رجعي ظالم متخلف ونموذج تقدمي عادل ونحن نتبنى الطرف الأخير من المعادلة بحكم مالدينا من قيم سامية تحدد معالم المجتمع الذى لن يتحقق إلا بفعل التغيير الجذرى الذى نسعى الى إحداثه فى الواقع سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً .وحتى نتسم بالواقعية فإن ذلك يتطلب مراحل طويلة من الكفاح والصراع المرير سيعبرها التنظيم الثورى من قبل ومن بعد أن يتمكن من تحريض الجماهير على الثورة والانقضاض وحينها سيخلق ذلك التنظيم الثورى جدلية خصبة لنشأة صراع عنيف بين متناقضات لا سبيل الى تهدئة الحساسية بينها . إذن ماهى ملامح التنظيم الثورى ؟ آدم الحاج موسى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى