مقالات

النهضة الديمقراطية للمعارضة الارترية (2) بقلم الدكتور عبدالله النور

2-Jul-2014

عدوليس

الديمقراطية هي التفكير الديناميكي للتحول نحو الافضل خلال ربع قرن من فشل الحزب الحاكم في أرتريا لتحقيق أية أسس أو بنية تحتية خدمية أو ادارية او سياسية للدولة الوليدة ، وباعترافه وتململ داعميه ، وتضررهم من الوضع علي كل المستويات الفكرية والمادية . كان لابد للتنظيمات والاحزاب المعارضة من الانشغال بالتمرين الديمقراطي لتوفير الوسيلة الاهم لتحقيق البديل الافضل للشعب الارتري في الداخل وفي المنافي والملاجئ . إذ كان من الممكن جر النظام عبر اقناع المواطن الارتري ، الي بذل جهده من اجل اثبات افضليته بالوسائل الديمقراطية باي مستوي وفي اي جانب . يؤكد ذلك ردود الافعال التي يقوم بها النظام اثناء وبعد المناشط التي تقوم بها المعارضة الارترية وعلي مستويات مختلفه . وهي واضحة للملاحظ السياسي الفطن والمتابع . ان من الذكاء الفكري جر الطرف الاخر ، لإستخدام نفس وسائلك وأساليبك ولغتك في العمل وإدارة الصراع ، وهو ما يشبه جر المتصارع إلي ميدان لك الخبرة فيه والدعم ، وهو ما يمكنك من الانتصار بنسبة عالية او استدراجه الي موقع محايد لينتصر فيه الافضل والاقوي ، ومن ثم توفير موقع ومادة محددة للصراع ، يمكن للطرف المهزوم أن يدرس فيها نقاط ضعفه ويعمل تقوية مراكز قوته ، وللطرف المنتصر زيادة تقوية وتحصين مراكز القوة في نفس الميدان . وهذه هي الفلسفة العميقة للفكر الديمقراطي ، لأن يقود الاطراف جميعا المتنفذة والعاملة ثم الاطراف الناقدة المعارضة للصراع نحو ميدان العمل التنفيذي لخدمة الانسانية في المنطقة .

و بالعكس فان النظام الحاكم تمكن من جر المعارضة لاستخدام اسلوبه وحدد موضوع الصراع وميدانه و هذا ما مكنه من البقاء حتي الان ، وهو ايضا ما يقنع به الجهات الاقليمية والدولية والمحلية ، من ان اسلوب المعارضة القائم لا يبشر بخير ويمكن ان يهدد الاستقرار في المنطقة اكثر مما هو عليه مع وجوده . وهذا ما سيمكنه من الاستمرار اذا لم ترعوي المعارضة وتجدد فكرها واسلوبها نحو الديمقراطية المفروضة عالميا في هذا العصر . لقد فاتت فرص كبيرة علي القوي المعارضة الارترية كان يمكن لها ان تبكر بتحقيق التحول الديمقراطي الداخلي لكل مؤسسة فيها . ورغم ذلك فان الفرصة لاتزال مؤاتية للعودة للمربع الذهبي لصياغة الفكر والعقل الارتري نحو الديمقراطية وجعلها الميدان والموضوع المحدد للصراع وتقديم الافضل . وبدلا من تقديم الشباب والطلاب نحو إلي مذبحة القوة القتالية لتحقيق الغايات والاهداف النبيلة ، والتي لم تحقق حتي الان ثمرة تذكر ، لأنها ميدان ومادة الطرف الآخر الذي حق فيه انتصاراته لجولات مستمرة . لا بد من تحوير الفكر والجهد الشبابي والطلابي ، ليتخذ الشكل الديمقراطي موضوعا له خلال هذه الفترة ، لينضج وتتضح صورة المستقبل الارتري من خلال ممارستهم ، ودراستهم لهذا الموضوع ، ومحاولة المؤسسات الراعية لمشاهدة وتطوير التجربة الديمقراطية الخاصة بهم والعامة بأرتريا ، باعادة صياغة مؤسسات الشباب والطلاب ذات المسميات العمومية ، علي اساس المنافسة الديمقراطية . وستحسب لكل مجموعة مبادرة الي ذلك رصيدا من الاجر المعنوي والسياسي ، في سبيل المواطن الارتري المنهك والمظلوم . ومحور هذه الفكرة لايتعارض مع اية نظام وقانون لأي دولة يقيم فيها الارتريون ، بداية من السودان الذي يحبذ هذه الاساليب الديمقراطية ويعيشها ، واثيوبيا الجارة الحديثة في هذا الموضوع والمتفاعلة الراغبة في توفر رؤية مستقبلية للوضع الارتري ، كما هي الفاعل الاقلمي الاكبر والمستشار الدولي الاول في اقناع المنظمات الدولية بشكل المستقبل الاقليمي والدولي من خلال المفردات المحلية . اما اوروبا واشباهها فهم اباء الديمقراطية ويرحبون بكل محاولة افريقية لتبني افكارهم وعلي اي مستوي واسلوب . فالديمقراطية مدارس لصناعة الاستقرار ثم التنمية والتقدم . أعطي تجمع شباب دبرزيت صورة واضحة لمواطن القصور في الممارسة الديمقراطية الارترية ، رغم قبول الحضور جميعا بكل خلفياتهم لميدان الحوار والصراع ، والقبول بالنتائج الاولية . وكان عليهم الصبر علي المولود الشبابي الديمقراطي الاول ، وتاخير النقد والحوار حول التجربة للمؤتمر الثاني ثم الثالث ثم الرابع وحتي النضج ووضوح معالم واسلوب الممارسة والتنفيذ الديمقراطي لهم ولجميع الارتريين . الا ان خلفية الشباب الفكرية الموروثة من التجربة السياسية للمجلس الوطني الارتري للتغيير الديمقراطي ومكوناته ، اوضحت توارثا لطريقة التفكير وادارة الصراع ، وخلط التجربة بالواقع المباشر وبروز المخاوف غير المبررة اضافة الي الضعف الكبير في مواجهة الممارسة الديمقراطية نفسها . وهو طبيعي لحداثة التجربة واقعيا بعد الحديث الطويل والحلم بها . الا ان استمرار التجربة والمؤتمرات والصبر علي نتائجها والاستعداد للمؤتمر القادم بعد دراسة مستفيضة للاهداف والوسائل ، كان يمكن ان يحقق نتائج ايجابية اكثر ،وتجربة افضل ، وهوايضا ما يمكن ان يدعم الفكرة وممارستها . والفرصة الاثيوبية غير مضمونة التكرار لعدة مرات فلا بد من استثمارها ورجوع الشباب بعقلية باحثة وناقدة للذات قبل الغير .وهنا نرفض مبدأ الانسحاب الذي قامت به بعض المجموعات الشبابية والتاجيل المفضي الي ضياع المؤتمر نفسه . إن تجربة شباب دبرزيت وغيرها من التجارب الشبابية كانت هي محور اهتمام الداعم الدولي والاقليمي لهذا المشروع والفكرة ، في اطار الجملة العمومية لتطوير العمل الديمقراطي للمعارضة الارترية ، ولابد من كل من يخوض هذه التجارب الديمقراطية القادمة ، وعلي كل المستويات والمواقع ، ان يعلم ان المجتمع الاقليمي الدولي تستفزه اية محاولة لممارسة الفعل الديمقراطي في هذه الدائرة الاقليمية ، ذات الاهمية البالغة والحساسية العالية . كذلك لابد من الترويض الداخلي لهذه التجارب ، حتي نحدث العالم الديمقراطي بلغته من توصيل أفكارنا وتحقيق اهدافنا ، وتقليل الخسائر الناتجةعن استمرار فشل الدولة الارترية القائمة ، وحتي لا يكون فشلا مزدوجا للارتريين حكومة ومعارضة . من المثير للدهشة خلال الممارسة الديمقراطية في ملتقي الحوار الديمقراطي الارتري وبعده مؤتمر اواسا ، أن أضعف الحلقات في الممارسة هذه كان ارتريوا اوروبا ! كيف ولماذا لم يستفيدو من الحياة والفكر والزخم الديمقراطي الذي يحيون فيه ، ويتنعمون بفضله بملذات الحياة ويمتلكون به جوازات فخمة . لم يبرز ارتريوا اوروبا واخواتها مهارات مفترضة للفعل والعمل الديموقراطي بكل تصنيفاتهم المؤسسية المدنية والسياسية وغيرها من المخبوءات اللازمة للحياة الديموقراطية . وكان للمجموعات القادمة من دول الجوار الارتري ودول الخليج التي لم تري الديمقراطية الا علي شاشات الاخبار ، كان لها الفكر والممارسة الافضل والاعلي درجة في النجاح الديمقراطي . اليس هذا شئ عجاب ؟! فهل كان للترف المعيشي دور في ضحالة الفكر والممارسة الاوروبية للعملية الديمقراطية ، وللرغبة في حياة افضل وبذل الفكر والجهد من اجل ذلك في مجموعات المشاركين من دول الجوار الارتري ، فعل في تحقيق ممارسة ديمقرطية ناجحة لهم وابراز فكر ديمقراطي متقدم ، وقبول للنتائج و التفكير للعمل من اجل تحسينها في المؤتمر القادم . وهل هذه بشري خير للمجتمع الارتري والاقليمي ان هذه الجموع اللاجئة والفقيرة تتفهم معني الديمقراطية وتعيش فلسفتها ، ولن يتكرر منها فعل الصومال الأحمق ؟! كان يفترض لهذه المجموعات الاروبية المترفة بفضائل الديمقراطية والحياة الحرة والفكر التقدمي المستنير ان تحقق الدرجة الكاملة في الممارسة وامتحان الديمقراطية في اواسا سابقا ، ورغم ذلك فانني متفائل بانهم يمكن وبقليل من المراجعة ان يتواصلوا مع ركب الديمقراطية الذي بدات بوادر نهضته بين الارتريين تتنامي وتبذر مستقبلا افضل . فالنظام الذي يعيشونه والتخطيط الذي يتبنونه ، نتيجة لحياة ديمقراطية سليمة في اوروبا ، كفيل بان يدعم رغباتهم الحقيقية نحو التقدم . كما يمكن عبرهم اقناع المؤسسات الدولية والاوروبية بنضج الفكر والممارسة الديمقراطية لدي المجتمع الارتري ، وازالة مخاوفه . وهذا لا يتاتي الا بعد تمارين خفيفة في الممارسة بين كافة مستويات واشكال التجمعات والتنظيمات الارترية داخل وخارج اوروبا . كما عليهم التقليل من التظاهر في اوروبا لدعم قضية الارتريين ، لان التظاهر والخروج هو ابغض الحرام والحلول الديمقراطية ، لقربه من الاحتكاك مع الاجهزة ومن ثم انفراط العقد اللؤلؤي للديمقراطية المنشودة . فمهما كانت التظاهرات سلمية في اوروبا ، لن يكون هنالك ضمان مستقبلي لسلميتها في افريقيا . وهكذا يفكر الاوروبيون والديمقراطيون . فالفرصة الديمقراطية الناشئة للمعارضة الارترية ، تحت عيون ومجهر المؤسسات الاقليمية والدولية تراقبها بكل جدية ، وتنظر نتائجها المحلية لتتخذ القرارات الكبري للتحول في الاقليم والدولة الارترية . ان المعارضة الارترية الواقعية لابد ان تكون ضد الجهل والفساد والفقر الديمقراطي داخل المؤسسات الارترية المعارضة ، وليس ضد النظام ، فهو عار تماما وبدون مفاتن للغرب ، ولا يحتاج لشرح وتفصيل فيه او صراع معه . ان تحقيق مؤسسات ديمقراطية معارضة هو الاولي الان ومستقبلا ، لضمان نجاح وفرض التحول المنشود في ارتريا . ولن تنجح اية محاولة لتلوين الوضع وتصبيغه لممارسة الافعال اللاديمقراطية السابقة باسم الدين او القبيلة او الجهة ولن تفيد الفاعل والمفعول به من اجل مستقبل ارتريا والارتريون ، القابعون في السجون والهاربون من جحيم الي هلاك محتم . فالمجتع الدولي والاقليمي يمكنه السكوت علي ضياع الارتريين ، مقابل الاستقرار والسلام النسبي في المنطقة ، وهو ما يقوم به خلال الفترة السابقة ، رغم هول الفظائع الانسانية في الداخل والممارسات اللاانسانية التي يعاني منها الشعب الارتري خارج بلاده من بيع وتجارة في اعضاءه ، واستثماره كبضاعة رابحة بالاف الدولارات التي كان يمكنها ان تضخ في نهضة واستقرار ارتريا والاقليم . فمسؤولية المعارضة الارترية اكبر بكثير من مسؤولية الحكومة الارترية فيما يحدث ، فخطأ الناقد اسوء كثيرا من خطأ المذنب . فالنعرف اين ومتي وكيف نعارض ، ولنواكب الحياة فلا مكان لمتخازل في صراع الديمقراطية ، وخير الناس الذي يخالط الناس ويصبر علي اذاهم من اجل تصحيحهم وتنويرهم . والقدوة الحسنة افضل بكثير من الف خطبة وكتاب . الديمقراطية هي عدم الهروب من الواقع ، ومحاولة مواجهته باسلوب ارقي . في جلسة مع مسؤول غربي وعربي في اثيوبيا ، قال لي العربي : نحن لا نضمن سلامة الاقليم وعدم تكرار المشكلة الصومالية في ارتريا بعد اسياس . وقلت له ما هي معطياتك التي انتجت منها ذلك . قال عدم ديمقراطية احزابكم وفشلكم في المؤتمرات التي اقمتموها في أثيوبيا . واكد الغربي علي ذلك مضيفا ان اسياس سلح كل الشعب الارتري ليزيد من مخاوف المجتمع الاقليمي والدولي وهو يعرف مخاوفهم . فسألتهم عن مدي معرفتهم الشخصية بافراد إرتريون ، فقالوا انها معدومة ويعتمدون علي خبرات ومعلومات خبراء اقليمين في قراءاتهم . فقلت لهم اذا هي قراءة غير سليمة ومخاوف غير مبررة ، لانكم فقط تنظرون الي مخاوف في عقولكم وليس علي ارض الواقع . فالارتريون خليط اجتماعي متجانس جدا . ليس فيهم نقاء قبلي . ورغم المواجع لم يتسببو في مشكلة محلية او اقليمية حتي الان . انظر الي العفر مسلحون الا انهم اكثر انضباطا وتفهما للوضع الاقليمي والدولي للمنطقة وعلي مصالحهم ، وكذلك معظم التنظيمات المعارضة المسلحة فهي ارقي معارضة مسلحة في العالم حتي الان . وسردت الكثير من المعلومات التي تفيد اقناعهم بخطأ مخاوفهم المزعومة ، ولا حظت ذلك في عقولهم !. فقال الغربي باختصار: اذا عليكم ان تكونوا اكثر ديمقراطية من النظام . اذا هذا هو المطلوب ، وعلينا ذلك ليس طاعة لهم بل تحقيقا للمصلحة العامة للارتريين والاقليم . وعلينا صناعة الضوء والفرصة الديمقراطية التي سندخل منها الي ساحة الاستقلال .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى