مقالات

انفصال جنوب السودان .. ظلاله على أفريقيا عموماً وأثيوبيا خصوصاً :و. يلما *

3-Nov-2010

المركز

أعده للنشر وحرره : عبد الجليل سليمان
نتقفى في وسائل الاعلام المختلفة تداعيات وإحداثيات الاستفتاء المُزمع في المستقبل القريب في السودان، والذي سوف يتقرر على ضوء نتيجتة مصير شعب جنوب السودان إما بالإنفضال وإقامة دولة مستقلة أو بالبقاء في إطار السودان الموحد. وبحسب المعلومات الواردة من مصادر مختلفة فلا مناص من أن يصبح الجنوب دولة جديدة في شرق أفريقيا، واعتقد أن هذه الدولة الجديدة ستكون بؤرة لصراعات أخرى في المنطقة. وإذا لم يتم معالجة الاستفتاء بطريقة صحيحة سيعم الصراع المُحتمل كل دول شرق أفريقيا. وباعتباري أفريقياً وأثيوبياً على وجه الخصوص فإنني أشعر بمخاطر محدقة يمكن أن تؤثر على أثيوبيا بشكل كبير.

تزيد مساحة جنوب السودان قليلاً عن نصف مساحة أثيوبيا، وهو منطقة زراعية يمتهن أكثر من 90% من سكانها الزراعة تربية المواشي ويعيشون نمط حياة بدوية. تعج هذه المنطقة بالعديد من المشكلات الاقتصادية والإجتماعية، فالناتج الزراعي متدنٍ إلى تحت حد الكفاف، وتطبع الصراعات الداخلية حول الأراضي الرعوية والمواشي حياة الناس اليوميه وتمتد هذه الصراعات إلي جنوب وغرب أثيوبيا وإلى مناطق الرعاة في كينيا وأوغندا، وإلى جانب البترول فإن جنوب السودان غني بموارد طبيعية أخري غير مستغلة لإنعدام البُنية التحتية والحرب الأهلية التي استمرت عقوداً طويله.أسباب الصراع بين جنوب السودان وشماله متعددة وتتضمن عوامل سياسية واقتصادية ودينية فاقمتها التدخلات الأجنبية الواضحة غير المبررة والتي أزكت جذوة الصراع وأججته بين الجانبين، ومن وجهة نظري إن من أهم الاسباب التي جعلت دولة كبرى كالولايات المتحدة إلى التدخل في الشأن السوداني الداخلي هي الموارد الضخمه التي يزخر بها جنوب السودان بما في ذلك الاحتياطي النفطي الهائل بطبيعة الحال.إن الاعتقاد السائد بأن أكثرية شعب جنوب السودان تدين بالمسيحية ورغم ان هذا أمر غير مهم في الصراع من وجهة نظري، إلا أن هذا الاعتقاد غير صحيح فبأستثناء كريم المعتقدات الروحانية التقليدية التي تختلف بين أثنية وأخرى فأن الغالبية العظمى من شعب جنوب السودان ليس لديهم دين على الإطلاق ولا يشكل المسيحيون سوى من 10% أو أكثر قليلاً من نسبة سكان الأقليم، ويتمركزون في المناطق التي ينشط فيها التبشير وتقدم فيها المساعدات الإنسانية، لكن الدول الغربية ظلت تضخم هذه المسألة (العامل الديني) بهدف صرف أنظار شعوبها عن سياساتها الخارجية ولتبرير تدخلاتها العدوانية إلى جانب سعيها الدؤوب لخدمة مصالحها القومية طويلة الأمد من خلال خلق صراعات مستمرة والعمل على تقسيم دول المنطقة إلى كيانات صغيرة وضعيفة، وأثيوبيا ليست محصنة ضد هذه المؤامرات على كل حال. مؤسف أن نقول إن السياسات غير الرشيدة التي اتبعتها النُخب الحاكمة في القارة الأفريقية هي التي أوصلت إلى هذه النتيجة المؤلمة في شرق أفريقيا بأسرها والشاهد على ذلك الإضطرابات التي تسود الاقليم كله، فإذا حدث مثل هذا الأمر في السودان اليوم فأنه سيمضي إلى بقية الدول غداً، وظلت الولايات المتحدة تلعب دوراً هداماً في سياستها تجاه المنطقة بناء على معلومات مضللة تقدمها منظمات ومجموعات ضغط وعناصر سياسية فاسده، وبناء على ذلك أقرت الولايات المتحدة رسمياً انفصال جنوب السودان وها هي تشارك بهمة في وضع اللمسات الأخيرة في لإصدار وثيقة الطلاق بين شعبي الجنوب والشمال في السودان،بينما تستمر النخب الأفريقية، ولا أدري متى ستتوقف عن ذلك؟ في اللعبة القذرة بإتباع سياسات خاطئة وخطرة رسمتها لها قوى أجنبيةعلى حساب شعوبها، وفي ظني أنه لن يحصل شعب أفريقي فقير على قطعة خبز (تقيم أوده وتسد رمقه) بمجرد الإنفصال وتكوين دولة خاصة به، بل على العكس فإن الإنفصال لن يحقق السلام في العالم ولن يملأ البطون الخاوية، وإن إرادة النخب السياسية الأفريقية في صنع سلام حقيقي هي التي تمنح الفرصة للأفريقي الفقير كيما يعتمد على نفسه ويقوم على قدميه. على مدى عقود وبسبب تلك السياسات الخاطئة ما زال الأفريقيون يتسولون الطعام، وما زالت النخب تعتنق أخطاءها، وهنا دعوني أقول بوضوح إن القيام باستفتاء في بلد غير ديمقراطي تبلغ نسبة الأمية فيه أكثر من 80% لن يحقق سلاما لأي من الشعوب، خاصة تلك الشعوب التي تعيش تحت فوهات البنادق، حيث لا يمكن تصور إمكانية تطبيق أسس ومبادئ القانون و الديمقراطية والعدالة أو حتى تحقيق تقدم تنموي ذو أبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافيه، استفتاء في ظل هكذا شروط لن يكون سوى في صالح النخب السياسيه وحلفائهم الغربيين فقط، وفي تقديري أن الشعوب لن تجني شيئاً منه كما لم تجن شئ من الحرب التي دارت من أجله، لأم في كلا الحالتين يظل المستفيد الوحيد الوحيد (ثابتاً) وهو النخب، وخير شاهد على ذلك الاستفتاء على استقلال إرتريا.إن من يُسمون بمقاتلي حرب التحرير دوما ما يطلقون ذات الشعار أينما وجدوا وهو الديمقراطية لصالح الشعوب، و هذا بالطبع شعار فارغ أنكشف وأضحي أمره في الوقت الراهن مكشوفا ومفضوحاً للجميع، وقد عرف بعض الشعوب أسوأ سيناريوهات يمكن أن تحل بها عقب استفتاءات أجريت في ظروف ومعطيات و وقائع مماثلة، وانه لأمر يدعو إلى الحسرة أن تستمرئ النخب السياسية في أفريقيا جرجرة شعوبها البائسة إلى هكذا سيناريوهات مجربة و مضمونة النتائج، وكان الأجدى بالسودانيين أن يحلحلوا مشاكلهم لوحدهم عوضاً عن الإنجرار نحو التورط في وضع لا يثمر عن أي نجاحات سواء للحكومة أم للحركات المتمردة عليها، وأفريقيا التي كانت في حقبة الاستعمار وطناً لإبطال كثر ضحوا بحيواتهم من أجل حرية شعوبهم وانعتاقها أضحت الآن ملأى بمثقفين إنتهازيين وتجار سُلطة هدفهم الوحيد بيع أوطانهم وإعادة شعوبهم إلى عصور العبودية من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية فحياة الملايين من الأفريقيين لا قيمة لها عند هذه النخب ولا عند الغرب خاصة الولايات المتحدة الأميركية التي تسعي لتأمين مصالحها القومية فقط، وعندما أقول ذلك لا أنفي ما تعرض له شعب جنوب السودان من بأساء وبؤس، ولكني أشير إلى أنه متى ما توفرت الإرادة والرغبة لحل المشاكل فإن هنالك دوماً مخرج ما. لست بصدد تناول موقف الإتحاد الأفريقي إزاء قضية استفتاء جنوب السودان حول تقرير مصيره، ولكني أود الأشارة إلى أنه إذا كان هذه المنطمة فعالة وتهدف بالفعل إلى توحيد أفريقيا وتعمل على الحفاظ على مصلحتها المشتركة فإن عليها تسعى لخلق المناخ المواتي لتحقيق تسوية ما بين جنوب السودان وشماله من شأنها الإبقاء والحفاظ على وحدتهما لأن الإنفصال في حد ذاته ليس ضمانة حقيقية لتحقق السلام والإزدهار الإقتصادي، ومن الغباء أن يقف الاتحاد الأفريقي متفرجاً طالما ان هنالك خيارات أخرى على الطاولة، ومن يدري فربما أمر انفصال الجنوب سيلقي بظلال قاتمة على منطقة شرق أفريقيا برمتها. من جهة أخرى سيكون صعباً على حكومة جنوب السودان المستقل السيطرة بكفاءة على أوضاع عسيرة ستجري في أراضٍ شاسعة وقصية في مساحة بها كثير من التعقيدات وفي ظل إمكانيات شحيحة وبالتالي فإن أي مجموعات أخري تنوي التأمر على أثيوبيا أو أي دولة أخرى مجاورة للجنوب المستقل ستجد فرصة جيدة فيه وتستغل التفلت الأمني المُرجح حدوثه هناك لتحقيق مآربها، وهنا ينبغي الإشارة إلى (وعدم تجاهل) العلاقة والروابط التاريخية بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والجبهة الشعبية الحاكمة في أسمرا والتي ربما تنجح في فتح جبهة ثالثة ضد أثيوبيا منطلقة من الجنوب، هذا إلى جانب أن أمر تسليح أي عناصر متمردة أخرى تستهدف وحدة أثيوبيا يُشكل مصدر قلق آخر. أعرف أن اللعبة انتهت، وأضحى لا مفر من أن يصبح جنوب السودان جاراً جديداً لأثيوبيا، ولست متأكداً إلى أي مدى سيلقي ذلك بظلاله على أثيوبيا، لكن هنالك احتمال (افتراضي) وهو أن تأثيراً ما سيحدث على أثيوبيا وبالنسبة لي هذا ما يمثل القضية الجوهرية التي يجب أن نهتم بها، فترسيم الحدود بين الأراضي السودانية والأثيوبية لم يتم بشكل نهائي، علاوة على أن الحدود بين البلدين تتعايش عليها مجموعات منسجمة وأخرى متباينة، ومن السهل على بعض هذه المجموعات الحصول جنسيات مزدوجة (أثيوبية – جنوب سودانية)، كما أن استفحال ظاهرة نهب الماشية والعبور بها إلى هنا وهناك ضاعفت من فقدان الثقة البينية بين هذه المجموعات مما ينجم عنه ميلاً نجو الأفكار التي تنحو صوب النزاع دون التعايش السلمي والتعاون والتفاهم فيما بين تلك الشعوب، وما حدث بين أرتريا وأثيوبيا فيه مثال يُحتذى. لن إدعي أن بمقدوري الخوض في وحل تفاصيل تداعيات استقلال جنوب السودان بكفاءة بالغة ولكنني سأقدم بعض ما يمكن أن اسميه مقترحات يمكن للاطراف المتنازعة أخذها بعين الاعتبار، والحوار حولها بصورة أكثر تفصيلاً واتساعاً، ولكني اسعى في المقام الأول لمد قرائي بأراء ومعلومات إضافيه، عبر تحريك بعض الأسئلة والاستنتاجاتإلى أي حد يمكن أن يؤثر استقلال جنوب السودان على الأوضاع الجيوبولتيكية في شرق افريقيا عموما وأثيوبيا على وجه الخصوص؟ وما هي الفائدة التي يمكن أن تجنيها أثيوبيا من هذا الأمر؟، وهل سوف تصبح الضحية التالية لتآمر القوى الغربيه؟ آخذين في الاعتبار أن علاقة الحركة الشعبية مع أثيوبيا ليست ثابتة في كل الأحوال.إذا لم تتعامل الحكومة المرتقبة لدولة جنوب السودان بقدر كافٍ من الذكاء أخشى أن تصبح الدولة الوليدة على شاكلة جمهوريات الموز في أميركا اللاتينيه، ما أود التبيه له هو الدرس الذي ينبغي أن تعيه أثيوبيا حكومة ومعارضة مما يجري حالياً في السودان وأن نتعاطي معه بحذر وأن نفكر جيداً قبل أن نقوم بالخطوة التالية التي ربما أدت إلى تعريض وحدة وسلامة أراضي أثيوبيا لخطر ماحق وداهم، لذا علينا أخذ العبرة من جيراننا والعمل على إدارة خلافتنا السياسية بطريقة متحضره وذكية، فالأوضاع المأزومة القائمة في كل من الصومال والسودان تشير لنا بأن علينا التوقف عن لعبة الرقص مع الذئب، تلك الرقصة التي تسمح للأجانب بالدخول إلى حلبتها وتمنحهم الفرصة للتدخل في أمورنا الداخلية، وفيما إذا فشلنا في معالجة مشاكلنا الداخلية فيجب أن ننتظر حصتنا في مما حاق بالسودان طالما أن القرارات السياسة لمنطقتنا تُسبك في طنجرة واشنطون. ______ * كاتب أثيوبي أعده للنشر وحرره : عبد الجليل سليمانAigaforum.comنشر في موقع تمت تحريره وترجمته (بتصرف) بعد الإطلاع على نشرة دايجست

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى