مقالات

بين ابتهاج النظام وشعور المواطن الاريتري بالمرارة : حسن أسد*

1-Jun-2011

المركز

دشن النظام الحاكم في اريتريا احتفالاته الباذخة بمناسبة الذكرى العشرين لإعلان استقلال اريتريا التي صادفت الرابع والعشرين من مايو منذ وقت مبكر في الشهر الجاري، حيث استنفرت كل مؤسسات حكومة افورقي حزبا وحكومة لإحياء هذه الذكري بكرنفالات وصخب إعلامي رصدت له مبالغ طائلة من خزينة الدولة بهدف قلب الحقائق والتظاهر باستقرار سياسي زائف، في وقت تشهد فيه المنطقة انتفاضات شعبية واسعة النطاق ضد الظلم والقهر وفرض وصاية نخب السلطة على الشعوب،

وتغييب دورها والنيل من حقوقها المشروعة في المشاركة السياسية وصناعة القرار الوطني، خاصة في عصر المتغيرات والتطورات الكبيرة التي تعيد صياغة الحاجات الحياتية للأجيال الحديثة. وتحدث تلك الانتفاضات ضد أنظمة حكم في دول راسخة البنيان الاجتماعي والاقتصادي، حققت فيها حكوماتها المتعاقبة الكثير من الانجازات على الصعيد السياسي والاقتصادي، لكنها لم تواكب متطلبات التقدم المتجددة دوما ولم ترقى إلى مستوى طموحات الشعوب، بل أن تلك الانجازات أخذت تتدهور نتيجة لاستشراء الفساد وتزايد القبضة الأمنية وانحسار مساحة الحريات مما أدى إلي اتساع الهوة بين الطبقة الحاكمة والجماهير العريضة. وبطبيعة الحال لا يمكن المقارنة بين ما حققته حكومات تلك الدول من انجازات وطنية وبين انجازات حكومة اسياس المزعومة بما يتناسب مع عقدين من الزمان منذ إعلان استقلال اريتريا. لقد فشل نظام اسياس افورقي خلال العقدين المنصرمين في وضع مرتكزات بناء الدولة التي تعتبر الوحدة الوطنية حجر الزاوية فيها. وبذهنية احتكارية فاقت كل تصور نسب اسياس افورقي انتصار الثورة الاريترية المتمثل في تحرير التراب الاريتري من الاحتلال الإثيوبي إلى شخصه ولا نقول إلى الفصيل الذي قاده.ولم ينكر نظام افورقي دور فصائل الثورة التي شاركت في الحاق الهزيمة بالاحتلال الإثيوبي ودور مختلف المكونات الاريترية في ملحمة الثلاثين عاما من الكفاح المسلح فحسب بل أنكر أيضا حق الشعب الاريتري أن ينعم بالحرية بممارسة التعبير عن راية، وان يحصل على استحقاقه المشروع في وطن بذل من اجل تحرير ترابه الغالي والنفيس ليس من اجل استبدال جلاد أجنبي بأخر من وطنه، فأقام دولة بوليسية تعد على المواطن أنفاسه وتراقبه في حله وترحاله. وجعل المواطنة مشروطة بالانتساب ألقسري إلى حزب الرجل الواحد. وللمفارقة أطلق عليه حزب الجبهة الشعبية للعدالة والديمقراطية. وبعد ثلاثة سنوات فقط من إعلان استقلال اريتريا شنت الدولة البوليسية حملات اعتقالات واسعة النطاق طالت كل من اتضح لها انه يرفض ممارسة إرهاب الدولة ضد المواطنين، ويطالب بالحرية وحكم القانون، بتهم تهديد امن البلاد والارتباط بأجندة خارجية. كما شنت حربا شعواء على القيم الدينية في محاولة لصياغة إنسان اريتري بديل منسلخ عن قيمه. وبدلا من العمل لإعادة اللاجئين الاريتريين إلى وطنهم بعد التحرير تبنت سياسة تعيق عودتهم، وأعادت إنتاج لجؤ الاريتريين إلى خارج وطنهم بسياسة القمع والإرهاب، وقانون الخدمة الوطنية المفتوحة بلا اجل محدد. وزج اريتريا في حروب هي في غنى عنها أسفرت عن تدهور علاقة اريتريا مع الدول والشعوب المجاورة. كل ذلك بسبب نزاعات كان يمكن حلها بطرق سلمية. كما أنكر على رفاق دربه في مسيرة الجبهة الشعبية حق الاعتراض على انفراده بالسلطة بعيدا عن التنظيم والحكومة في لحظة أدركوا فيها إن الرجل وزبانيته يقودون البلاد إلى حافة الهاوية خاصة بعد إشعال حرب مدمرة مع إثيوبيا كان حصادها إزهاق أرواح عشرات الآلاف من الشباب الاريتري بدلا من ادخار طاقاتهم لبرامج تنموية تنهض باريتريا، فزج بهم في غياهب السجون ليواجهوا الموت تحت التعذيب لا لشيء بل لأنهم طالبوا بدولة قانون من خلال تطبيق دستور اشرف على سنه اسياس بنفسه وأجرى التعديلات المطلوبة لتوطيد سلطته الفردية مدى الحياة، ولكنه ألقى به في سلة المهملات عندما أريد لذلك الدستور بكل علاته أن يصبح إطارا يحكم قراراته. ودأب نظام اسياس افورقي على اتهام خصومه على مدى العقدين الماضيين بالعمالة لقوى خارجية، ومن سخرية القدر انه يتهمهم بالتجسس لصالح المخابرات المركزية الأمريكية أل(سي.أي.إيه) صاحبة الفضل في شق طريقه إلى حكم اريتريا المستقلة بعد أن اطمأنت إليه في خدمة مصالحها التي لم يقصر في خدمتها بشجاعة يحسد عليها، فكالت له الوكالة جميل المديح وأجزله قبل ارتكابه ما تسمى بغلطة الشاطر في قراءة الدور الموكل إليه. ومنذ بضعة سنوات اتخذ النظام الاريتري من مناكفة السياسة الأمريكية في المنطقة غطاءا لتبرير استمرارية نهجه الدكتاتوري وسياسته المهددة لأمن واستقرار المنطقة، معتبرا الديمقراطية بضاعة أمريكية فاسدة ومفسدة للشعوب ومخالفة لتقاليدها وارثها التاريخي. وأنها لا يمكن أن تقود إلى تطور متوازن في العالم الثالث. وظل هذا الخطاب محور حديثه في ذكرى عيد الاستقلال الاريتري في السنوات الأخيرة، وأشار في كلمته التي ألقاها بمناسبة احتفاله بعيد الاستقلال هذا العام، بان القسم الأكبر من السنوات العشرين الماضية شهدت مؤامرات ضد اريتريا من قبل ما اسماها قوى الهيمنة والاحتكار التي تشكلت بعد الحرب الباردة على حد زعمه، وبروز ما يسمى بالنظام العالمي الجديد الذي تزامن مع الاستقلال الاريتري. وهنا يتجاهل افورقي في غمرة غضبه بان وصوله إلى سدة الحكم في اريتريا كان من إفرازات هذا أل ما يسمى بالنظام العالمي الجديد الذي جاهر بتأييده له منذ وقت مبكرا عارضا استعداده وخدماته لمحاربة ما يسمى بالإرهاب الدولي، داعيا القوى التي يسميها بقوى الهيمنة ألان لاتخاذ اريتريا قاعدة لانطلاق عملياتها ضد ما أطلق عليه الإرهاب الدولي. واشتكى كثيرا من مواقف عسكرية ودبلوماسية واقتصادية اتخذت ضد نظامه من حلفاء الأمس في إشارة إلى العقوبات التي أعلنت ضد اريتريا بقرار مجلس الأمن رقم 1907. وجاءت هذه الإشارة بعد أن كشف النقاب عن وعوده الجوفاء بالتنمية في إطار قائمة مطولة من الخطط التنموية! وكأنه أراد بها أن تكون ذريعته لتبرير الفشل عن انجاز تلك الخطط على ارض الواقع في احتفال العام القادم. لقد جاءت احتفالات هذا العام كسابقاتها وسط سخط وغضب عارمين في صفوف الجماهير الاريترية التي تعاني من ضنك العيش على هذه الحكومة التي اعتلت سدت الحكم منذ عشرين عاما، وظلت تنكل به على مدي هذه الأعوام العجاف وتحرمها من حقوقها الإنسانية، لتتحدث دون حياء عن انجازات في بناء الدولة والمجتمع الاريتري لا اثر لها على ارض الوقع، بل على العكس أن سجل نظام افورقي حافل بصور من التدمير المنهجي للمجتمع ومشروع الدولة في اريتريا، تتجلى في غياب حكم القانون واحتكار حزب الجبهة الشعبية للعدالة والديمقراطية!! للحياة السياسية وتدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية، وممارسات زرع الفتنة بين مكونات الشعب الاريتري عبر خطط التغيير الديمغرافي المجحفة في حق بعض هذه المكونات، واستمرار تدفق اللاجئين الاريتريين إلى دول الجوار بأعداد هائلة وركوبهم المخاطر من اجل الوصول إلى ملاذات أمنة، حيث تكشف التقارير عن مآسي اللاجئين الاريتريين على الحدود المصرية الإسرائيلية وأعالي البحار. هذا فضلا عن مخاطر اندلاع حرب جديدة مع إثيوبيا. * نشر في صفحة نافذة على القرن الافريقي – صحيفة الوطن السودانية -يوم 27مايو 2011م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى