مقالات

( تيتانيكات أفريقية ).. العبور إلى بر الثلج / بقلم: محمد الأصفر

10-Sep-2014

عدوليس

عن دار نشر «دارف» بلندن، صدرت هذا الأسبوع الترجمة الإنجليزية لرواية «تيتانيكات أفريقية» بتوقيع المترجمة كارس بريداين، للروائي الإريتري أبوبكر حامد كهال، المقيم حاليًا في الدنمارك، بعد نجاحه في الحصول على لجوء إنساني عقب أحداث ثورة ليبيا التي أجبرته على النزوح إلى تونس.

ويأتي صدور تيتانيكات باللغة الإنجليزية، بعد أقل من عام من صدورها بالتركية بتوقيع المترجمة عليا أفغان عن دار مانا بإسطنبول. يذكر أن الرواية تلقّت عرضين للترجمة إلى الروسية والماليزية، وكان قد سبق أن رفض الروائي كهال بشدة عرضًا لترجمتها إلى العبرية وصله من إحدى دور النشر الإسرائيلية.
أول صدور للرواية، بلغة الضاد كان عام 2008 م، عن دار «الساقي»، حيث انضمّت فور صدورها للروايات الأكثر مبيعًا.وربما هي الرواية الأولى بالعربية، التي تناولت موضوع هجرة العرب والأفارقة إلى أوروبا باستفاضة من خلال مرحلتين: الأولى برية عبر الصحراء، والثانية بحرية عبر البحر، وفي كلا المرحلتين يعيش المهاجر الأهوال والشدائد، سواء من غدر الطبيعة أو من عجرفة الإنسان من شرطة وسماسرة ونخاسين.
سيرة الهجرة
لم يكن الروائي بعيدًا عن عوالم الهجرة، فقد عاشها شخصيًا، من خلال هجرته من إريتريا إلى ليبيا، ثم معايشته للمهاجرين الأفارقة في طرابلس، أو في عدة مدن ليبية أخرى، يزورها ككاتب مشارك في أنشطة ثقافية هناك. عاش أبوبكر فترة طويلة بليبيا وعمل في رابطة الكتاب الليبية عدة سنوات؛ حيث احتك بأدباء ليبيين وعرب معروفين، بالإضافة لتواصله اليومي سكنًا ومعايشةً، مع كاتبين ليبيين مهمين ومؤثرين جدًا، هما رضوان بوشويشة والراحل جيلاني طريبشان، الأمر الذي مكّنه من العيش في ورشة إبداعية دائمة، سارعت في صقل موهبته وتفجيرها على الورق.
بداية الرواية
كانت بداية أبوبكر في مجال الرواية بـ«رائحة السلاح»، صدرت عن مجلة المؤتمر، ثم أعقبها برواية «بركنتيا» التي صدرت عن مجلس الثقافة العام، وكلاهما تناول فيهما الشأن الإريتري الداخلي، السياسي والاجتماعي، حيث تغذتا بشكل كبير، على الصراع بين المستعمرتين الإيطاليتين السابقتين إريتريا وطن الكاتب وإثيوبيا جارته، ليصور النضال الوطني الإريتري ضد الاحتلال الإثيوبي الطامع في منفذ على البحر الأحمر عبر ميناء مصوع ينقذه من حالة الانغلاق الجغرافي.
كذلك صدر للكاتب عن منشورات مجلة «المؤتمر» كتاب تناول فيه سيرة حياة صديقة الشاعر الراحل جيلاني طريبشان بعنوان «القصيدة الإنسان».لكن في روايته الثالثة «تيتانيكات أفريقية» غادر الهم الوطني والداخلي ليتناول قضية عالمية يعانيها الشمال والجنوب معًا ولها جذور وتداعيات تاريخية تتعلّق بالرق والاستعمار وهي قضية الهجرة.
حيث تناول فيها هجرة الأفارقة والعرب إلى الغرب، عبر الطرق الخطيرة والتي تولّدت عنها مشاهد ووقائع مأساوية، في الصحاري والبحار.بطل الرواية فنان مهاجر من ليبيريا، يشاركه بطولة الألم شخوص من إريتريا منهم الفتاة ترحاس مع شخصيات عربية أخرى في الرواية من المغرب والجزائر ومصر وتونس ومن ليبيا بالطبع عبر شخصية السمسار.
أساطير الشعر
النص كما يخبر عنه كهال مترع بالشعر والأساطير الأفريقية والعربية وخليط من مفردات اللغة السواحلية التي يتكلم بها قسم كبير من سكان القرن الأفريقي والصحراء الكبرى، وما تضمنته هذه المفردات من أسماء لأعلام وتوصيفات مناخية وتعابير مشحونة بالشعر الذي ولده الجفاف والعطش وعوالم السراب المفضية إلى الجنون. بالطبع وقائع الرحلة الطويلة في الصحراء وما تخللها من حكايات وتداعيات كلها مؤلمة ومميتة، ورغم النقص العددي الذي يطرأ على أفراد الرحلة، إلّا أن هناك من هو مؤمن بالأمل ومتمسك به لعبور المرحلة الأولى قبل ركوب البحر «اللعنة السائلة».
الرحلة عبر الصحراء مليئة بمشاهد الكوارث والموت عطشًا والإهانات والمعاملات غير الإنسانية في مراكز الشرطة في بلدان المرور، بالإضافة إلى صلف السماسرة وحيلهم لامتصاص مال ودم المهاجر.
كل شيء حالك وكارثي لا يخففه سوى البطل الفنان الليبيري وحبيبته الإريترية ترحاس بالغناء وبالنظرات الواثقة من عبور المأزق نحو الحياة غير الشبيهة بالحياة التي هرب منها هذا الرهط وغيره. حب جمع غرب أفريقيا لليبيريا بشرق أفريقيا إريتريا، جناحان عاجزان عن التحليق، قادران على الزحف عبر الرمل. عبر الماء للوصول إلى ثلج الأمان الأبيض حيث الديمقراطية التي تنشدها الحياة.
يقول الناقد والشاعر البلجيكي أقذافية لوفين رئيس قسم الفلسفة واللغة بجامعة بروكسل الحرة، الذي كتب نقدًا عن الرواية في مجلة «قضايا أفريقية» الصادرة عن جامعة ميتز: «إنّ الهجرة الشرعية وغير الشرعية أصبحت موضوعًا مهمًا في الأدب العربي منذ عشرات السنين، فكتب عنها كتّاب مصريون كإبراهيم عبدالمجيد ومغاربة كيوسف فاضل ولبنانيين كحنان الشيخ. لكن روايات هؤلاء المؤلفين تخص هجرة العرب إلى الغرب أو إلى الخليج مثلاً، أبطال، أو ضحايا، الهجرة كلهم عرب».
وحول رواية «تيتانيكات أفريقية» يضيف أقذافية لوجين: «لكن رواية أبوبكر حميد كهال يعطينا شهادة من الداخل، هي رواية أفريقية وعربية في الوقت نفسه، تعطي الأدب العربي بعدًا جديدًا، إنّ اللغة العربية أصبحت لغة إبداعية خارج حدود العالم العربي. وإن تيتانيكات أفريقية من أجمل الروايات العربية وأدقّها فيما يخص ظاهرة الهجرة الحديثة إنها رواية عالمية، عبرت الحدود كأبطالها».
يقول أبوبكر قبل أن تصدر الرواية عن دار الساقي عام 2008 م: «بدأت في نشرها على حلقات في صحيفة (أويا)، وبعد آخر حلقة اتصلت بي منظمة تعني بالهجرة وتتعاون مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وطلبت مني أن تنشر الرواية، كونها تتكلم عن الهجرة غير الشرعية في طبعة فاخرة وحيدة للإهداء فقط بمقابل مالي كبير، ووقتها كانت قد وصلتني موافقة دار الساقي على توقيع عقد النشر لديهم ، وحين استشرت الأصدقاء ومنهم الناقد الليبي المعروف منصور بوشناف، أشار عليّ بقبول عرض الساقي والاعتذار للمنظمة الدولية لأنك حسب ما قال لي (لن تموت من الجوع وستكسب الرواية حياة عبر نشرها للقراءة وليس للإهداء).
نقلاً عن بوابة الوسط .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى