مقالات

قرنيلويس والتهور السياسي :وقفة على إدعاءات الحركة الديمقراطية لتحرير كوناما حول عواتي -بقلم صالح قاضي (جوهر)

15-Sep-2012

hglv;.

عندما بنى الفراعنة تمثال ابوالهول في الجيزة، لا شك وانهم راعوا كل مقومات الجمال من براعة التصميم والتشطيبات انتهاءً بطلائه بألوان زاهية، ولكن الزمن وما يستصحبه من عوامل الطبيعة كالأمطار والرياح والحرارة والبرودة، أدت الى تآكل التمثال، وزوال الألوان ، ليبقى التمثال بشكله الباهت. والحال نفسه ينطبق على المسلات في اكسوم وأطلال مطره في أكلي جوزاي التي واجهت نفس المصير. ورغم ان العوامل المذكورة هي السبب ولكن لا يمكن لوم الطبيعة بل يمكن أن نعزي ذهاب ألق هذه المعالم التاريخية إلى غياب الرعاية والإهتمام الكاف من البشر الذين يجب ان يستصحبوا تأثيرات هذه العوامل ومن ثم التقليل من تأثيراتها.

إن البطل الشهيد حامد إدريس عواتي هو بمثابة ابو الهول إرتريا، وعليه لا يمكن لأي وطني غيور أن يسمح أن يُمس اسم عواتي بسوء أو تشوّه سمعته بسبب غياب الحماية والاهتمام الكافيين، وبعد قراءتي لعشرات الادانات والاستنكار لمحاولة التطاول على الشهيد البطل حامد ادريس عواتي خلال الايام الماضية ، فرحت بها لأنه من الواجب ان تكون الرد في مثل هذه حالات سريعة ومباشرة.اهمية الرموز للهوية الوطنيةعندما اجتاح صدام حسين الكويت في اغسطس 1990م، عمد الى تغيير اسماء الشوارع، وتغيير كل المعالم التي ترمز الى دولة الكويت في محاولة لكسر الروح المعنوية، واجبار الشعب الكويتى على نسيان هويته، وهذا هو ذات المسعي الذي حاوله من قبل الامبراطور هيلى سلاسي مع الشعب الارتري مبتدراً بانزال العلم الارتري. ومعلوم إن الجسور تقوم على ركائز وكل من يريد إزالة الجسر ما علية إلا نسف الركائز لينهار الجسر بسهولة، وكذلك محاولة تحطيم الامم تبدأ بتحطيم رموزها التي تعتبر عامل تماسكها وتمييز هويتها الوطنية.على مدى السنوات الماضية حاول كثير من الاستفزازين المغرضين التعرض لرموز الشعب الإرتري محاولة منهم لاختبار عزيمته، ولكن كافة تلك المحاولات باءت بالفشل، والفشل الذريع. ويبدو أن هؤلاء المغرضين ازدادوا جرأة في محاولاتهم وهم يشاهدون نظام الهقدف يسعى عامدا الى التقليل من شأن هذه الرموز والمعالم التاريخية، ويبدو انهم وصلوا الى استنتاج خاطئ أن هذا هو الوقت المناسب لأنه موسم التعدي على الرموز الارترية. إن مساعي الهقدف للتقليل من قيمة الرموز الارترية وابطال نضاله، هو محاولة لطمس الذاكرة الجمعية لهذا الشعب، ليبدأ نظام الهقدف صياغة ذاكرة جديدة تقدس اسياس وعصابته، وكانت احدى المحاولات هي استبدال العلم الراسخ في ذاكرة الشعب الارتري ذو الارضية الزرقاء وغصون الزيتون الخضراء بعلم قبيح لا معني له ولا ضرورة ولاقيمة معنوية. وللأسف ان هذا هو نفس المنهج الذي اتبعه الامبراطور هيلى سلاسي في التقليل من قيمة العلم الارتري، ورموز نضاله الخوالد وفي مقدمتهم البطل عواتي وصحبه من الرعيل، ولكن يحزّ في المرء ان هذه المحاولات في استهداف رموز ومعالم شعبنا تأتي هذه المرة من قبل الذين يفترض فيهم انهم ينضالون ضد الواقع الذي فرضه ورسخ له اسياس وعصابته .معلوم ان الهوية الوطنية الارترية هي نتاج معركة مريرة خاضها شعبنا طوال عقود واجيال، ولايمكن الفصل بين هذه الهوية الوطنية دون التأكيد على الفاتح من سبتمبر وجبل آدال، حيث انطلقت الشرارة الاولى لمعركة الكرامة الارترية، كما انه يستحيل المرور على ذكرى سبتمبر دون التأكيد على بطولة حامد إدريس عواتي مفجر الثورة، وبالمثل فإن تشويه صورة عواتي تعادل تشويه الفاتح من سبتمبر ومن ثم تشويه معركة الكرامة التي صاغت هويتنا الوطنية الارترية. إن هذه المحاولات البائسة هي اعتداء صارخ على الهوية الوطنية، وكل من يتبنى مثل هذه المحاولات بالتأكيد لا يمكن ان يصنف إلا في خانة العدو الذي يسعى لتفتيت عزيمة هذه الشعب ولا يمكن ان نتوقع انه يريد خير هذه الأمة .عواتي الرمز المستهدفعلى مدى الخمسة عقود الأخيرة ، ظلّ الوطنيون الارتريون يحتفلون بذكرى الفاتح من سبتمبر، ومفجر الثورة القائد الشهيد حامد إدريس عواتي، ولكن المفارقة انه في هذا العام وبالتحديد في الفاتح من سبتمبر، اختارت الحركة الديمقراطية لتحرير كوناما ارتريا أن تصدر بيانها الاستفزازي تهاجم فيها رمز الثورة وقائدها عواتي. ومهاجمة عواتي في حد ذاته غير جديد إذ ظل البعض يسير على درب الامبراطور هيلي سلاسي في التقليل من شأن عواتي، ولكن الارتريين الوطنين ظلّوا يتحملون ذلك، ولا يعيرونه اهتمام كبير، وعليه فإن بيان الحركة الديمقراطية لتحرير كناما إرتريا في ذاته لا يعكس إلا ضحالة وجهل قيادة الحركة بالتاريخ الارتري الحديث، حيث نجد مثلاً في نص البيان (ان تصوير حامد إدريس عواتي كبطل قومي هو خديعة ماكرة من صنيعة نظام الهقدف) أنه من المحزن أن نكتشف أن الحركة الديمقراطية لتحرير كناما ارتريا تعتقد في هذا التصور الملتوي لحقائق التاريخ، إذا كان الحال كذلك فإن من باب أولى أن لا تلام فيما يصدر عنها، بيد أن الأمر لم يتوقف على بيان الحركة الصادر في الفاتح من سبتمبر، حيث انه في الثامن منه كتب رئيس الحركة السيد قرنليوس عثمان على صفحته في الفيس بوك مستخدماً إسم أرتي ميلام (Arte Mailam)وهو الاسم الحركى الذي يستخدمه في صفحته التالي:(إن ظهور وافول نجم عواتي في الساحة الارترية يجب ان لا يكون مقابلاً لأنطلاقة الكفاح المسلح في الفاتح من سبتمبر، وأرجوا أن لا تكون مكانة عواتي كمكانة الأمبراطور هيلى سلاسي عند الجامياكيين، او بهتا حقوس للإرتريين الناطقين بالتغرنيا، وعليه فإن اتباع عواتي يجب ان ينظروا من زواية أخري. الحركة الديمقراطية لتحرر كناما ارتريا لديها تحفظ كبير على تصوير عواتي على انه رمز وطني، وعليه فإن إرتريا الديمقراطية، والمؤمنين بالديمقراطية من شعبها ان يستصحبوا تحفظاتنا. إن حالة الاستعداء وبيانات الادانة لا يمكن ابداً ان تساعد في بناء مستقبل مشرق لإرتريا، إن إرتريا التي لا تحس بآلام قومية الكوناما والقوميات الأخري لا يمكن أن تكون دولة للجميع، وعليه فأنه يجب الإنتباه، إننا في الحركة لا يمكن أن نخاف من بيانات الإدانة والاستعداء، ولو أننا نخاف من ردود الافعال المماثلة لما اعلنا الحرب على نظام الهقدف)وهنا لا يمكن القول إلا ان ركاكة اسلوب السيد قرنليوس قد خذله في التعبير، ذلك أن نجم عواتي لم ولن يأفل ابداً، بل ذات متوهجاً، وقد حقق أحفاده امنيته ومبتغاه، ورغم أن ركاكة عبارات السيد قرنيليوس تجعلها عصية على الفهم إلا انه يتصور أن أنصار عواتي يقدسونه كتقديس الجامايكيون للإمبراطور هيلى سلاسي، والإرتريون الناطقون بالتغرنيا للسيد بهتا حقوس، وبما أن السيد قرنيلوس قد جعل من نفسه خبيراً في تقسيم الولاءات، ولكنه تجاهل حقيقة أن الرموز الوطنية الارترية تنتمى الى الشعب الارتري كافة وليس الاقليم او القومية التي ينتمى اليها ذلك الرمز، ويندرج في ذلك السيد بهتا حقوس. ولو كان السيد قرنليوس يدرك ذلك لما نسب السيد بهتا حقوس فقط للناطقين بالتغرنية. ويتمادي السيد قرنليوس مستخدماً اسلوباً ابتزازياً فحواه، إن الذين يعترضون على تصريحاته ومواقفه بالتأكيد هم ممن لا يحسون بالآم قومية الكوناما والقوميات الأخري، ولأن ابتزاز قرنليوس لا يقوم على أساس فأننا نتجاوزه لنتساءل، إذا كان الارتريون يتخذون من عواتي رمزاً، والجامايكيون يقدسون هيلي سلاسي، فمن هو رمز السيد قرنليوس ؟! ولعلم السيد قرنليوس إن الاتريين لا يقدسون او يعبدون عواتي، وهذا التوصيف فيه إساءة لهم جميعاً، لأن التقديس والعبادة هي لله وحده، ولكنهم يعتبرون عواتي بطلاً ورمزاً وطنياً، وقد اكتسب تلك المكانة نتيجة لشجاعته وإقدامه ونكران الذات، وهم بالتالي يحاولون أن يقتدون به وهذا ليس عبادة. وعليه، إذا كان لقرنليوس او غيره مشكلة مع مكانه عواتي لدى الشعب الارتري، فهو لا يعدو ان يكون مشوشاً يبحث عن كبش فداء، ولكن إن إفتراءته تلك بضاعة بائرة ولن تجد من يلتفت لها من الشعب الارتري وصيحاته يائسة لن تجد اذن تصغي اليها. على كل فإن عهد هيلي سلاسي قد تطاول عليه الزمان نسبياً، وإن كانت الجروح والالآم التي خلفها نديه في ذاكرة الارتريين الذين كانوا ضحايا ممارساته البشعة، ولكن الذاكرة الإرترية لم ولن تخطئ ممارسات عهد نظام الدرق، خاصة التي تمت بواسطة بعض الإرتريين الذين كانوا بين صفوفه، والتي فقط مجرد التفكير او ذكر عواتي تسبب لهم حالة من الكوابيس، لأن ذكر عواتي مرتبط بالنضال من أجل الحرية كما كان حلم بها وناضل لها البطل عواتي، ولكن المحللين حتى الآن لا يرغبون في الغوص الى هذا العمق، وعليه ليس من مصلحة قرنليوس في ظل هذه الحقائق استفزاز مشاعر الارتريين لأنه من السهولة استدعاء نوع هذا التحليل للتأريخ الى السطح.صديق لى ضحك على كمية ونوعية الاهتمام والادانات التي جاءت كرد فعل على بيان السيد قرنليوس، وتبريره لذلك هو انه اذا هاجم قزم عملاق يجب على العملاق ان يهرب رأفة بالقزم أن يتضرر. تمنيت لو كانت الامور كذلك، ففي نظري قرنليوس ليس قزماً عاديا، بل للإسف هو قيادي في المعارضة الارترية ويتربع على كرسي عضو مكتب تنفيذي في المجلس الوطني للتغيير الديمقراطي الذي يعتبر اكبر مظلة جامعة للمعارضة الارترية، وكذلك فإن الحركة الديمقراطية لتحرير كناما ارتريا عضو مؤسس في التحالف الديمقراطي الارتري، وعليه يتقلد قرنليوس موقعا قياديا قي التحالف، ويضاف الى ذلك معرفتي الشخصية بالسيد قرنليوس في مواقف افضل، ولأكون صادقاً فإني امقت هذه اللحظة التي جعلتنى اتصدى له في الاعلام لقناعتي ان بيان قرنليوس يتستحق الرد عليه بهذا الشكل.كنت في البداية بعد اطلاعي على البيان، قد اصبت بحالة من الانزعاج ككل الارتريين، وقررت الاتصال بقرنليوس أملاً في اقناعه بضرورة سحب البيان الاستفزازي، واضع في الحسبان انه لا يزال تحت مظلة حركة الكوناما مقاتلين ارتريين شجعان يضحون بارواحهم في مقاومة نظام الهقدف وبحثاً عن الحرية، وان الحركة عضو مؤسس في كل من المجلس والتحالف، ولكن قبل ان ابدأ الخطوة العملية في الاتصال بقرنليوس، رأيت قرنليوس وقد خلع عن نفسه كل صفاته الرسمية ويردد ما ورد في بيان حركته (والذي يحمل السمات الشخصية لقرنليوس) ويدافع عن البيان المذكور من خلال ما كتبه في صفحته في الفيس بوك، حينها قررت التصدي للبيان وكاتبه علناً وانا على يقين من ان السيد قرنليوس يقود الحركة الى طريق يستعدي فيه الجميع ولا إدري لمصلحة من يفعل هذا؟!.السياق التاريخي للأسف فإن قرنليوس وامثاله ينطلقون في كراهيتهم لعواتي من حكايات غابرة في التاريخ غير موثقة، عندما كانت ظواهر قطع الطريق ونهب المواشئ والانعام سمة سائدة خاصة في منطقة قاش ـ بركا، وذلك تاريخ سابق لوجود إرتريا ذات الكيان السياسي المعروف، وهي تلك العهود المظلمة حيث كان عصابات دجيات (وبيه) وغيرهم من امراء الحروب الأحباش يغيرون ويستعبدون سكان الاقليم. وربما تكون تلك احداث عميقة في ذاكرة التاريخ، ولكن حتى في التاريخ القريب نجد ان منطقة القاش- بركا كانت تشهد ظواهر تنقل القبائل مع ماشيتها بحثاً عن المراعي والماء والكلأ، وكانت ظواهر الاغارة ونهب ابقار الآخرين علامة من علامات الرجولة وسمة من سمات الفروسية ( يمكن الرجوع الى الرواية التي كتبنها السيد الم سقد تسفاي بعنون ودي حدرا بالتجرنيه) وفي ظل تلك الظروف فإن تدخل عواتي كان ضروياً وملحاً لمقاومة ظواهرالاغارة والنهب في ظل غياب كامل للسلطة ومن ثم السلام والأمن، وقد حمل هو ورفاقه على عاتقهم حماية شعبهم وممتلكاتهم، وقد قاوموا بشكل طوعي كافة عصابات قطاع الطرق، وبالتأكيد خلال رحلة المقاومة الباسلة فإنه اجبر الكثير من تلك العصابات الفرار او التوقف عن نشاطها العدائي، ولكن آخرون استعانوا بالأمبراطورية الاثيوبية، وقد شهد التاريخ أن الامبراطورية الاقطاعية في ذلك العهد كانت تشجع كافة تلك العصابات على القيام بتلك الانشطة الهدامة ومحاربة كافة الوطنيين الارتريين .إن تاريخ منطقة القاش ـ بركا معقد جداً وملئ باحداث محزنة وبملاحم البطولة والشهامة كذلك، وعليه فإن قرنليوس وامثاله بامكانهم المحاولة ولكنهم لن يستطيعوا ان يعيدوا كتابة تاريخ المنطقة وفق رغباتهم، ولعل ابرز سمات هذا التاريخ هو الصراع المستمر بين الرعاة والمزارعين المستقرين نسبياً، وكان امثال (دجيات قبري قال) الذي كان يعمل من مدينة بارنتو يزيد من تأجيج الصراع، وقد تبنى هذا العقيد (أو دجيات) سياسة اقامة المستوطنات، وعليه قام بطرد كافة الرعاة واصحاب المواشي، وقد اسهم باحضار التركتورات، والتمويل المالي ووفر الحماية العسكرية لهذه المستوطنات. ولتنفيذ تلك السياسات قامت الحكومة الاثيوبية بتكوين مليشات مسلحة وكان هدف هذه المليشات هو القضاء على كل معترض على السياسة الاثيوبية وقيام المستوطنات، وعليه فإن هذه المليشات كانت إداة الحكومة الاثيوبية لمطاردة طلاب الحرية أمثال عواتي، لذا فإن اى مواجهات تمت في تلك المرحلة مع عواتي، او اتباعه من بعده يجب أن ينظر اليها في هذا السياق، ومن المفيد التأكيد أن مثل هذه الأنشطة والمواجهات امتدت الى اقاليم أخري ولم تكن حصراً على اقليم قاش ـ بركا ، بمعنى اياً تواجد الاثيوبيون جندوا مليشات لمقاومة الوطنين الأحرار.هذا هو السياق الذي يجب ان ينظر فيه الى الأحداث في هذا الأقليم بدلاً عن طى عنق الحقائق او المبالغات في تصوير الأحداث، ولكن للأسف فإن كراهية قرنليوس لعواتي لم تكن مبنية على اى اساس منطقي او حقيقة تاريخية او بحث علمي، بل على اساس حقد قبائلي وتفسير خاطئ للصراعات التاريخية. إن قرنليوس قصد ان يصدر بيانه الاستفزازي في الفاتح من سبتمبر، وهو الذي يفترض فيه انه قائد في المعارضة الارترية التي بدأت احتفالاتها بالفاتح من سبتمبر ومفجر الثورة حامد إدريس عواتي، هل يعقل أن يكون قرنليوس بهذه السذاجة السياسية؟ هل تبلغ سذاجته لدرجة الاساءة الى رمز الثورة ورمز كل المعارضة الارترية بما فيهم حلفائه؟ وهل يمكن أن يكون هذا التصرف نتيجة غرور وجهل وتضخم ذاتي أفقده البصيرة؟ في هذه المرحلة لا املك إلا أن أطرح الاسئلة ، والاسئلة فقط.التاريخ يعيد نفسهالكثير من الارتريين تجاهل البيان الاستفزازي لقرنليوس عازين البيان ربما الى حالة من الاحباط تعتري كاتبه، آملين انه سيثوب الى رشده حال انقشاع الحالة، وربما السيد قرنليوس نشأ في بيئة مختلفة وتلك البيئة أثرت في طريقة تصرفاته ومن ثم ردود افعاله، ولكن المحزن حقاً ان اتهامات قرنليوس ومن هم على شاكلته لعواتي هي طبق الأصل للتخرصات الاثيوبية في عهدي هيلى سلاسي ومنغستو هيلى ماريام من بعده، قد يكون مقبولاً ان لا يتحدث قرنليوس وامثاله عن المليشات العميلة لأثيوبيا والتي خانت شعبها، وكانت تقتل وتعذب المناضلين الارتريين الشرفاء، ولكن إذا فتح ذلك الملف فإن ذاكرة الارتريين سوف تستدعي المذابح في عونا، بسكديرا، قمهوت، عد ابرهيم، وكي دبا وشعب، وحوادث لا تحصى ولا تعد يمكن ان يعددها كل من جانبه. وقرنليوس ليس من الغباء بحث لا يدرك انه في حال اختيار شخصا ما الاصطفاف الى جانب اثيوبيا، ومن ثم حمل السلاح واخذ الرواتب لمواجهة المناضلين الشرفاء، انه هذا الخيار سوف يحرم صاحبه من المنطلق الاخلاقي للحديث او محاسبة الابطال امثال عواتي وصحبه الميامين، فهؤلاء على عكس العملاء حملوا همّ شعبهم وقضيته، ولأنها كانت معركة مفتوحة بين العملاء والشرفاء، وكأي معركة لابد من أن يكون فيها رابح وخاسر وفق ظروف المعركة، وهؤلاء الذين خسروا وماتوا في مثل هذه المعارك، يجب ان نعترف بانهم كانوا في الجانب الخاطئ للتاريخ وأن عواتي كان أسير قدره وكان يسير في مسار طبيعي رسمه له التاريخ.ومع هذا يجب ان نتذكر ان الثورة التي صنعها عواتي لم تتوقف يوماً عن محاورة ومحاولة اعادة هؤلاء العملاء الى الجانب الصحيح من التاريخ، بما في ذلك المليشيات مدفوعة الثمن من قبل نظام الدرق، ومعلوم انه بحلول السبعينيات خلال مسيرة النضال الشاقة والدؤوبة فإنه كل مجموعة او قومية او اقليم او دين في ارتريا كان جزءاً من الثورة ويقاتل من أجل الحرية، وما كان ذلك ليتم لولا رؤية عواتي، وكانت تلك الملحمة الوطنية هي مهمة عواتي وهدفه عندما اطلق الشرارة الاولى. لقد كان عواتي بحق بطلاً قومياً يرى ارتريا كوحدة واحدة غير قابلة للتجزئة، وان شعبها لهم مصير مشترك سراء كان اوضراء، واى شخص لا يدرك ذلك ولا يحترم ذلك يجب ان يعلم ان لديه مشكلة ذاتية وكما يقول الشاعر العربي قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماء من سقم وللأسف فإن قرنليوس اختار ان يقلل من قيمة عواتي الوطنية وكان يتوقع ان يكون معتزاً وفخوراً به.ما يجب ان يكونيبدو أن قرنليوس لديه ميل للإعتقاد انه الحلقة الرابطة او حارس البوابة الذي من خلاله يجب ان يتم التواصل بين الكوناما وبقية الارتريين من غير الكوناما، وإذا كان ذلك اعتقاده فإنه بممارساته سوف يقوم بعزل الكوناما عن بقية الشعب الارتري، وهنا يجب التأكيد أن الكوناما او غيرهم من الوطنيين الارتريين هم ابناء عواتي، ولن يسمحوا لأى احد ان يحدد شكل علاقتهم ببعضهم البعض، اى كانت معتقداتهم او لغاتهم او اصولهم العرقية. ومثل هذه الحواجز التي صنعت بين مكونات الشعب الارتري يجب ان تهدم على الفور، ويتم تجاوزها، ومن باب الانصاف ان نذكر في هذا المقام ان مئات من المناضلين الشجعان من أبناء الكوناما ضحوا بحياتهم من أجل حلم عواتي في الحرية والانعتاق وقد عرف عنهم الشجاعة والولاء المطلقين، وذلك بشهادة كافة الذين جمعتهم الصدفة أن يكونوا جنب الى جنب احد افراد هذه القومية ابان مرحلة الكفاح المسلح، فلن تسمع سوى الاشادة والتقدير العاليين في قصص اقرب الى الاساطير، والكاتب صاحب تجربة شخصية اثناء معركة ليلية مع العدو الاثيوبي وجدت نفسي ضمن مجموعة من المناضلين في كمين اثيوبي، وكان مصيرنا الموت المحقق لولا شجاعة البطل (ابو ريحا) احد المقاتلين الشرسين من قومية الكوناما الذي انقذ حياتنا، لقد كان ابو ريحا بحق فارس بمعنى الكلمة واحد ابناء عواتي البرره، اسال الله ان يحفظه اينما كان.لعله من نافلة القول ان قرنليوس ظلّ يتصرف خارج عن المألوف لفترة غير قليلة تحاكي تصرفات الكاوبوي في الافلام الامريكية، فهو الوحيد الذي كان يحضر اجتماعات قيادة التحالف وهو يتمنطق مسدساً تحت ابطه، ويحرص على إظهاره، ولعل ذلك يعطيه الاحساس بمزيد من الأهمية والتميّز عن الآخريين، ولكن هل يمكن لهذه التصرفات ان ترهب رجال لم ترهبهم مواقف اكثر سوءاً من محاولات قرنليوس البائسة؟ وهل هذا يجعله يحس انه اكثر سلطة وتأثيراً؟ ومن الذي يقف وراءه حتى وصل الى هذه المرحلة؟ ولماذا هو دون الآخريين؟ هذه الاسئلة وغيرها هي مفتوحة واتمنى ان يجد احد ما الاجابة عليها، حتى يعلم الشعب الارتري ما وراء الاكمة. كما أتمنى ان يفهم قرنليوس إنه يجب على كل إرتري في هذه المرحلة ان يناضل لرفع المعاناة عن أخيه المواطن الضحية، بغض النظر عن انتمائه العرقي، وإن تبنى المبادرات الوطنية هي مسئولية الجميع، ويجب ان لا تنحصر المبادرات على مجموعات محددة بناء على إنتمائها العرقي او القبلي. وإنه من واجب الارتريين استشعار معاناة بعضهم البعض، وعلينا عدم التعاطي مع المجموعات القومية وكأنها وكالات احتكارية مثل رخص مطاعم الماكدونالدز.الخلاصة:في الختام انني ادعو قرنليوس وحركته لسحب البيان الاستفزازي والاعتذار، وان يتوقفوا عن الهوس بمحاولات التقليل من شأن عواتي، واذا كانت لديهم مظالم حقيقة كانت او متخيلة ضد عواتي فإن الافضل تقديمها في سياق علمي متماسك يستند الى بحث علمي تاريخي موثق ورصين حتى تكون موضع للنقاش الحقيقي والبناء. ولكن اذا واصل قرنليوس على هذا النهج فانه سوف يفقد الشرعية التي تجلعه يشارك في قيادة المعارضة بمختلف مكوناتها، ولا اعتقد ان في المعارضة من يرغب في فقدانه. ودون شك ان البيان الاخير تجاوز كافة اصول اللباقة والاعراف السياسية المألوفة، وهو ما يعرض وحدة المعارضة الى مخاطر حقيقية. إن المجلس الوطني والتحالف الديمقراطي مطالبون اليوم قبل الغد بتصحيح ومعالجة هذا الخطأ بإجراءات وقائية وتأديبية صارمة، ويجب ان لا يخضعوا للابتزاز. إن شخصاً لا يشارك المعارضة مصدر الهامها وفخرها لا يمكن ان يكون شريكاً فيها دع عنك أن يكون في قيادتها.المجد والخلود لروح عواتي(ملحوظة: صدر هذا المقال لأول مرة بالأنجليزية في موقع عواتي وتم ترجمته بمبادرة من الأخ عبد الرازق كرار ويشكره الكاتب جزيل الشكر.)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى