مقالات

جنرالات أفورقي .. وصراعات النفوذ والمصالح : عبدالله محمود

26-Oct-2007

المركز

ما تزال تداعيات الأزمة الناشبة على خلفية محاولة اغتيال مسؤول الأمن الداخلي في إرتريا سيمون قبردنقل في الثالث عشر من أكتوبر الجاري مستمرة حتى الآن ، حيث تعيش البلاد وضعاً استثنائياً تمظهر في الحراسات المشددة التي تبدو أمام المرافق الحيوية مثل المطار وغيره من الوزارات الهامة

كما أن حملة الاعتقالات الواسعة التي طالت عشرات الجنرالات من الجيش والشرطة والتي أكدها وزير الإعلام الإرتري في حديثه لرويترز تدل على أن الأزمة بين طرفي الصراع في الجبهة الشعبية على شفير الانفجار. وبالرغم من مرور الحزب بأزمات سابقة نجم عنها انشقاق قيادات عليا في الحزب والدولة خرج بعضهم إلى المنافي ملتحقاً بالمعارضة الإرترية وطالت يد النظام غالبيتهم حيث ما زالوا رهن الاعتقال في غياهب سجون غير معروفة لمدة فاقت الستة أعوام دون محاكمات إلا أن خطورة الأزمة الحالية تكمن في توصيفها بصراع المصالح والنفوذ بين القوى الأمنية والعسكرية وذلك لأن السبب الرئيس لمحاولة إغتيال سيمون حسب مصادر معارضة يتمثل في ترؤسه لجنة التحقيق لرجل الأعمال الشاب فقري (36 عاماً ) الذي توفي في ظروف غامضة أثناء التحقيق وبالرغم من رفض وزير الإعلام الإرتري التعليق على هذه الرواية إلا أن عدم كشفه للدوافع الحقيقية يدل على إنها تتمتع بقدر كبير من الصدقية .وبالمقارنة بين الأزمة الحالية والأزمة السابقة المتمثلة في مجموعة ال15 نجد أن الأزمة الأولى لم تحدث الأثر المتوقع داخل النظام بالرغم من الأسماء اللامعة التي شاركت فيها وذلك لأن الأفراد في غالبيتهم كانوا خارج دائرة التأثير الحقيقية في الجبهة الشعبية المعتمدة أصلاً على القبضة الأمنية والعسكرية ويمثل قادة المناطق العسكرية الخمسة الحكام الفعليين لإرتريا حيث يعملون بتوجيه مباشر من مكتب الرئيس الذي يمثل بدوره مجلس الوزراء الحقيقي في إرتريا بينما ينعقد مجلس الوزراء الديكوري بصورة غير منتظمة ويعتبر دوره بروتوكولياً وشكلياً إذ كيف يتسنى لدولة أن تظل بلا وزير خارجية لفترة فاقت العام كما أن وزير الإعلام لم يتم تنصيبه وزيراً على وقت قريب مما يدل على إن كل الخيوط يمسكها رأس النظام ويديرها عبر مكتبه والجنرالات الخمسة ويتم تعزيز الوضع في البلاد بالقبضة الأمنية المشددة ، كما أن الارتفاع الذي تشهده إرتريا في الإنفاق على المؤسسة العسكرية والأمنية والذي يعتبر الأكبر من نوعه حيث بلغ الإنفاق العسكري لوحده وفقاً لميزانية 2004م 151مليون دولار مما يؤكد على صرامة النهج البوليسي للدولة.ومن المعلوم أن أفورقي استطاع أن يستميل جميع جنرالات الجيش بسكوته لفسادهم المالي وتجاوزاتهم التي أصبحت ذائعة الصيت في إرتريا وأضحى الجنرالات يتصدرون قائمة رجال الأعمال وذلك عبر استخدامهم للأيدي العاملة المجانية المتمثلة في مجندي الخدمة الإلزامية عبر برنامج سخرة يندى له جبين الإنسانية حيث يتم استغلال المجندين في المشاريع الزراعية للجنرالات بدون أجر وبتسهيل كامل من الدولة ويعود ريع هذه المشاريع إلى جيوب الجنرالات هذه غير تصرفهم في ميزانيات الفرق العسكرية وتحويلها لمنعتهم الشخصية ، هذا الوضع أسهم في ولاء جنرالات الجيش لأفورقي ، ولكن صراع المصالح الحالي قد يؤدي إلى إنحياز الرئيس إلى إحدى المجموعات المتصارعة ومما يمكن أن يشير إلى هذا الإفتتاحية المنشورة في جريدة إرتريا الحديثة ( الصحيفة الوحيدة في البلاد ) بتاريخ 24 أكتوبر والتي أتت بعنوان ( الفساد غدر لأمانة الشهداء ) وجاء فيها ( إن بلادنا إرتريا وبقدر التضحيات التي دفعناها من أجلها حتى يعيش شعبها بأمان ورفاهية واستقرار ، يتوجب علينا محاربة كل ظواهر الفساد مهما كان حجمها دون تردد أو تراخي ، إن الفساد ظاهرة معيبة في كل المجتمعات ، أما في إرتريا فهي ليست معيبة فحسب ، بل خيانة لدماء الشهداء واستهتاراً وعربدة بوصاياهم وجريمة لا تغتفر ، ولذا ينبغي أن لا نعطي الفرصة في هذه الأرض المخضبة بدماء الشهداء للمفسدين واللصوص والجشعين والمتطفلين من عديمي الضمير الوطني الذين يمتصون دماء الشعب ولا بد من ضربهم بيد من حديد .. إن مهمة محاربة الفساد ينبغي أن تؤخذ كأولى المهام في الحفاظ على أمانة الشهداء حيث ينبغي تنسيق كل الجهود الحكومية والشعبية للتصدي لهذه الظاهرة ، واقتلاعها من جذورها ..)العبارات المذكورة آنفاً تستبطن تهديداً للجنرالات الوالغين في الفساد ولكنها تكشف أيضاً عن انحياز الرئيس لمجموعة مسؤول الأمن الداخلي في صراعها ضد مجموعة جنرالات الجيش والتي أشارت مصادر معارضة إلى تورط أحد الجنرالات الخمسة الكبار قرزقهير( وجو) في محاولة الإغتيال بالإضافة إلى محاولة الهروب الفاشلة التي قام بها أحد مساعديه إلى إثيوبيا حيث تم اعتقاله وهو في طريقه إليها من مدينة عدي خالا عبر مروحية عسكرية .وربما يكون الهدف من التلويح بكرت الفساد رسائل مبطنة لجنرالات الجيش مفادها إن أي محاولة منهم لتصعيد الصراع فإن حيثيات إسقاطهم جاهزة وكما تم إسقاط مجموعة ال(15 ) وسط قواعد الجبهة بتهمة الخيانة الوطنية سيتم إسقاط هؤلاء الجنرالات لكن بتهم حقيقية هذه المرة ويعلم تفاصيلها الشعب الإرتري بأسره .كل ما سبق يدل على أن الصراع بين القوى المؤثرة داخل النظام المتمثلة في جنرالات الجيش والأمن سيؤدي إلى إرتخاء القبضة الأمنية المشددة ومن ثم ربما يؤدي إلى إنهيار كامل في بنية النظام خاصة وإذا استمر الصراع الدائر الآن بهذه الوتيرة فإن السناريو الوحيد الذي يمكن توقعه هو الانهيار الكامل لبنية النظام مما يتطلب من قوى المعارضة رص صفوفها ولم شعثها حتى تصبح البديل ، لأن تطور الأوضاع الحالية في ظل عدم جاهزيتها سيؤدي إلى تحول البلاد إلى مستنقع للفوضى .نقلاً صفحة رسالة إرتريا التي يحررها المركز في صحيفة الوطن السودانية -26/10/2007م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى