مقالات

جيبوتي وإريتريا .. تصريحات مأزومة : عبد الله محمود*

30-Oct-2010

المركز

بالرغم من الإتفاقية التي أعلنها أمير قطرالشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بين جيبوتي أسمرا بتفويض من قيادتي البلدين بتاريخ 8 يونيو الماضي ، وذلك في أعقاب صدور قرارين أممين هما القرار1882 الذي نص على انسحاب القوات الإريترية من المناطق المتنازع عليها في رأس دميره ، والقرار1907 القاضي بتنفيذ عقوبات ضد إريتريا بسبب رفضها سحب قواتها من المناطق المتنازع عليها وتدخلها في الشأن الصومالي ،

إلا أن الرئيس الإريتري لم يغادر بعد محطة الخلاف الأولى بين البلدين التي ادت إلى اندلاع حرب حدودية أزهقت فيها عشرات الأنفس من الطرفين ،وما زال متخندقاً في مربع رفض الإعتراف بوجود مشكلة حقيقية بين البلدين بل ظل يردد المفردة الأثيرة لديه وهي أنها مشكلة ( مفتعلة ) و (مفبركة ) .
ففي الحوار الذي أجرته معه صحيفة الوطن القطرية بتاريخ 12 أكتوبر الجاري والتي خصصت 25 سؤالاً حول النزاع بين إريتريا وجيبوتي والإتفاقية الموقعة بين البلدين بوساطة قطرية يمكن تلخيص إجابات الرئيس الإريتري في الآتي : ليس هنالك مشكلة بين إريتريا وجيبوتي وهي مشكلة مفتعلة .. هنالك جهات تود خلق مشكلات بين إريتريا وجيبوتي ..أن إريتريا لم تلجأ للحل العسكري .. ليس هنالك إعلان لوساطة قطرية وهي تعمل في الإطار الأسري ..ليس هنالك انسحاب (للقوات الإريترية ) .. ليس هنالك مناطق متنازع عليها ..لست متابعاً للاتفاقية القطرية بين إريتريا وجيبوتي .. لا أعرف ما إذا كان هنالك ترسيم لحدود بين البلدين والقضية في يد الشريك المصلح ( قطر) .
التصريحات أعلاه تنسف الأسس التي قامت عليها الوساطة القطرية وتنسف كذلك الوثيقة التنفيذية ذات البنود السبع التي أعلنها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وذلك بنفي الشق الأول المتعلق بالمشكلة بين الطرفين بجميع تفاصيلها.. وتجاهل الشق الثاني بإدعاء عدم المتابعة وعدم معرفة التفاصيل بما يتعلق بالوساطة القطرية وبنودها .. بل وإنكار إعلان الوساطة القطرية صراحة ونعتها بالأسرية في تنصل من واضح من الزاميتها القانونية فضلاً عن نفي انسحاب القوات الإريترية .
وبشكل عام فإن التصريحات التي أدلى بها أفورقي تمثل طعنة نجلاء في خاصرة الوساطة القطرية ، وتشكك في صدقية القيادة القطرية سيما وأن أمير قطر قد ذكر عند إعلان الوساطة القطرية أن الإتفاقية التي تمت تفويضه بصياغة بنودها قد وقع عليها رئيسا البلدين بالإضافة لأمير قطر وسيطاً وشاهداً ..وقال إن دولة قطر لاحظت انسحاب القوات الإريترية من المناطق المتنازع عليها مع جيبوتي ، كما نصت الوثيقة التنفيذية للإتفاقية على تشكيل لجنة مشتركة يترأسها أمير قطر بعضوية ممثل لكلا الطرفين (تهدف إلى إنهاء الخلاف الحدودي بين الطرفين والعمل على ترسيم الحدود بين بلديهما)بواسطة شركة عالمية مختصة بترسيم الحدود ترفع تقريرها للجنة ويعتبر قرارات اللجنة نهائية وملزمة للطرفين ..وينص البند السادس من الوثيقة على انتشار قوات مراقبة قطرية على الحدود بين البلدين .
تصريحات أفورقي إذا تمت قراءتها مع تجاهل وسائل الإعلام الإريترية للوساطة القطرية، وعدم نشرها لأخبار الزيارات المتكررة للوفود العسكرية القطرية إلى أسمرا بغرض ترتيب أوضاع القوات القطرية في المناطق المتنازع عليها، بالإضافة لإستقبال أسمرا الفاتر لبنود الإتفاقية ، وعدم تسلم وزيري خارجية البلدين نسخاً من الإتفاقية وفق ما تقرر عند إعلانها،يمكننا أن نتوصل إلى نتيجة مفادها أن موافقة الحكومة الإريترية على الاتفاقية ابتداءاً جاءت في سياق الإنحناء لعاصفة العقوبات الدولية الهوجاء.. كما أنها تأتي في إطار المجاملة الدبلوماسية لدولة قطر التي تعبر الحليف الرئيس لأفورقي في المنطقة العربية .. ويبدو أن الإتفاقية قد استنفدت أغراضها بالنسبة لأفورقي وأدت مفعولها بإشادة المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية التي ظلت تتوجه بإدانات متتالية لرفض أسمرا سحب قواتها من المناطق المتنازع عليها .
لقد أسدت القيادة القطرية خدمة جليلة لأفورقي وقدمت له طوق النجاة بإعلانها للإتفاقية وكانت قرارات العقوبات الأممية حينها قد شارفت الدخول إلى حيز التنفيذ ، كما أسهمت الإتفاقية في تخفيف حدة الضغط الدبلوماسي على أسمرا من قبل المؤسسات الإقليمية مثل الإتحاد الإفريقي ومنظمة المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية ،علاوة على أن الإتفاقية تأتي في إطار سعي قطر لتغيير الصورة الذهنية التي ترسخت لدى الأوساط العربية عن إريتريا باعتبارها الدولة المشاكسة والمحاربة بناء على استهدافها لثلاث من الدول الأعضاء في الجامعة العربية ( السودان ، اليمن ، جيبوتي) وبالتالي تخفيف الضغط الإعلامي على الحكومة الإريترية خاصة في وسائط الإعلام العربية .
ويرى بعض المراقبين إن حرص قطر على الإتفاقية بين البلدين على الرغم من تعنت أفورقي يأتي في إطار إضافة إنجاز جديد إلى سجلها الدبلوماسي يرفع عنها حرج استمرار المفاوضات بين الحكومة السودانية ومتمردي دارفور لفترات طويلة دون التوصل لإتفاق نهائي .
خلاصة القول إن القيادة القطرية مطالبة بوضع حد للتصريحات الإستعلائية التي يدلى بها أفورقي بين الفينة والأخرى تجاه جيبوتي ، وإلزامه بالتعاطي الإيجابي والمسئول مع بنود الإتفاقية ، وذلك حرصاً على صدقية القيادة القطرية ومواقفها ، في ظل تصريحات افورقي غير المسئولة التي فتحت الباب مشرعاً أمام التكهنات حول تنفيذ الإتفاقية وبنودها.
* نشر في صفحة نافذة على القرن الإفريقي-صحيفة الوطن السودانية -29اكتوبر2010م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى