مقالات

حراك ..” حدي لبي” يحتاج دوزنة :ماليا بخيت

25-Nov-2012

المركز

الأصل في أي أمر هو التعدد والإختلاف، لأن في التعدد ثراءً باذخاً في التجارب والرؤى، وفي الإختلاف نعمة التعاطي مع الآخر بكل ما يحمله من تمايز فكري و معرفي، وحتى في تقدير المواقف وابتكار الحلول، لذلك لم يكن من الصدفة أن نخلق مختلفين في كل شيء بدءً برؤانا وليس انتهاء بألواننا وصورنا الخارجية، تماماً كما تصوراتنا ومواقفنا تجاه عدد من القضايا .

لذلك صدق من قال أن “اللون الواحد لا يمكن أن يشكل أية لوحة فنية” دون أن يتناغم / يتناقض مع الألوان الأخرى التي تبين حسنه وتظهر دوره المركزي في صناعة اللوحة ككل، وهكذا يشكل التعدد جمالاً وإضافة الى مفردات العمل الفني، وكذلك الأمر في شتى مناحي الحياة، سيما ما يتعلق منها بالجانب السياسي والفكري. هذا المنطق وحده يمكن أن يضمن سيرورة الحياة، محافظاً على تعددها وثراءها، دون اختزال أو إقصاء، لأي من ألوانها وبذخها المعرفي.. فإذا كانت تلك هي مميزات وإيجابيات التعدد والإختلاف، فإن “الأحادية” تفرض منطقاً مغايراً، حيث تختزل كل شيء في صورة محددة.. في رأي واحد، وفكر واحد .. أو حتى رجل أوحد !و إذا ما تمعنا في واقعنا الأرتري فإن أحد أهم مشكلاته تتعلق بمحاولات “الأحدنة” بكل أشكالها وصورها المقيتة، بدء بالمقولة التاريخية المشؤومة التي عصفت بمسيرة الثورة الأرترية، عندما تم تبني هراء ” أن الساحة الارترية لا تحتمل أكثر من تنظيم” و ما أفضت اليه تلك الفكرة المجنونة من حروب أهلية دامئة ومكلفة، وهي ذات الفكرة التي أمتد تاثيرها ومنطقها الى عصر ما بعد الثورة الذي أعاد افراز ذات المنطق وبالتالي ذات النتيجة .. حيث لا مجال للتعددية السياسية ولا مجال للتباين الفكري، او التماييز في الرؤى والتصورات .. وها نحن نعيش تجربة “حدي هزبي ..حدي لبي ..حدي بارتي ..حدي مراحي.. الخ” !منطق أحادي بإمتياز نحسد عليه حتماً ..وبالتالي كان على القوى المعارضة أن تعزز المنطق المغاير، من خلال اطلاق كل طاقات التعدد لتطفوا على الساحة دون أن يعترض ذلك اي من اشكال التضييق، او الشعور بالقلق على تمايز الرؤى وتباين الأفكار سواء على مستوى القناعات الأيدولوجية والفكرية، او التصورات الموضوعية لمخارج الصراع وأدارته و وسائله . إلا ان هذا المنطق غالبا ما يصطدم مع حقيقة عدم تجذر تلك المفاهيم في تجارب هذه القوى، من حيث القناعات او التجارب . فمعظمها سليل تلك المقولة المشؤومة او نتيجة مخاضاتها .. هذا بالنسبة للقوى التقليدية، اما القوى التي تصف نفسها بالحديثة (على الأقل على مستوى التكوين التنظيمي او الحراكي) فهي الأخرى بدت –في الغالب- اما متأثرة بالتجارب السابقة، أو قوى تحاول الفكاك من محددات تلك الذهنية الأحادية، دون أن تجد ذاتها في موقع متقدم من المنصة النضالية، او تبتكر منظومة جديدة على المستويين الفكري والعملي .. وحتماً هناك من هو استثناء من هذا التوصيف، والذي يواجه أعاصير عاتية بدوره من القوى المحافظة على مستوى الفكر والتوجه .لكن الأغرب أن نجد معظم العبارات والشعارات المكررة على مستوى المواقع و وسائط الاتصال الحديثة التي يستخدمها في الغالب الجيل الجديد من الارتريين، عبارات من قبيل ” نبذ الإختلاف” و ” رأب الصدع ” وهنا السؤال أي صدع وعلى أي جدار ؟! فإذا كان الإختلاف في الرأي وفي الأطروحات يعد صدعاً وفق تلك المفاهيم التي تطالعنا في المواقع والجروبات، فإن المؤكد أن هناك مشكلة حقيقة في بنية التفكير، لأن الاعتقاد ان الجميع ينبغي أن يكونوا على مستوى واحد من التفكير والطرح يعد امراص مناقضا لحقائق الوجود ومتطلبات النضال .. البعض يتجاوز ذلك ليسمي اي اختلاف في الطرح والرؤى بـ ” الشقاق”، ويقدم لك نصيحة أخوية نصوحة أن لا تختلف مع الجمع .. لأن الاختلاف يؤدي الى وأد النضال وفق تصوره ! وإن حدث و أن اختلفتن فينبغي إما ان تتحمل عواقب فعلك ( والعواقب هنا غالبا تتفاوت بين الاتهام بالعمالة والإندساس او الطائفية، وخدمة جهات معينة بما فيها النظام)ن وبالتالي فإن من المهم أن تشارك في معزوفة يؤديها الجميع بذات الإتقان ولا بأس أن يتصدر “مايستور” ما ذلك الجوق ليضبط ايقاعاته .. وبالطبع ليس من المعقول أن تمثل نشازاً في هذا الأداء الجماعي .. وهنا لا يسعك إلا أن تلاحظ ضخامة الإشكالية وأنت تردد مع الرائع محمد مدني :”أحتاج دوزنة وترا جديد لا يضيف الى النشد سوى النشاز لغة تفتش على اراضي خصبة شمس تغير طعم فاكهة الشتاء ”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى