مقالات

خصوصية القصة الارترية القصيرة في زمن الرواية:ماليليا بخيت

28-Dec-2010

المركز

راجت مؤخرا موجة عارمة في المشهد الأدبي العربي تمثلت في ما يمكن تسميته بـ ” الهجرة الجماعية” للقصاصين والشعراء نحو عالم “الرواية ” كغواية جديدة تستهوي القارئ ، أو كنتيجة موضوعية لرواج هذا النمط الأدبي الذي يبدو أنه أضحى أكثر حضوراً في المشهد الثقافي من غيره من الأنماط ،إلى الدرجة التي دفع بدورية جادة مثل “أخبار الأدب” إلى وصف الحالة بـ “الانفجار الروائي ” في مانشت عريض ..فيما ذهب بعض النقاد كرجاء النقاش إلى التأكيد أننا في “زمن الرواية “..الأمر الذي ولد نوعاً من النقاش بين المعنيين تعلق بإعادة التفكير في ما ظل متعارف عليه “أن الشعر ديوان العرب “!

الأمر الذي دفع عدد من المهتمين بالنقد الأدبي في إعادة العبارة لجادة التفكير الموضوعي بعيدا عن “مأثورية” القول ، حيث يقول مثلا الناقد جعفر حسن ان هذه العبارة المأثورة تتأسس على مرجعية أيديولوجية ذلك ” بتمجيدها لدائرة من دوائر الفن المنتج من قبل الإنسان ، وعملها على إدخاله في دائرة المقدس” مما يتطلب إعادة التفكير بعيدا عن “التأسيس على القول الجاهلي ” لصالح إخضاع مأثوراته للنقد ، أو لمستحدثات المشهد الأدبي ومخرجاته الجديدة .وبعيدا عن الولوج في أسباب وعوامل سيادة “نمط أدبي “محدد في فترة تاريخية ما ،وتداعيات ذلك على المشهد ككل ، فإن ما ينبغي الاهتمام به في تصوري يتعلق بدراسة مدى مساهمة تلك “الهجرة الجماعية ” في “تجويد” النمط الروائي .وهو السؤال الذي –حتما- انه يحتاج الى دراسة متكاملة من قبل المختصين ، وما نحاول الوقوف لديه في هذه – العجالة- لا يبعد عن كونه محاولة للنظر بعين المتلقي للنصوص المهجورة سرداً وشعراً !ويبدو ان التعريف الأدبي المرافق لصاحب ” الإنتاج” أضحى مقلقاً للبعض .. حيث أضحت مثلا مفردة “روائي ” أكثر إغراءً من مفردة “شاعر” أو “قاص” ، بالرغم من أن كل من النمطين السابقين يمثلان روافداً مهمة للتجربة ككل .ولا أدري إلى أي مدى نجح “القاص” في إعادة نتاجه لجهة خلق عوالم شاسعة تتطلبها “أجواء الرواية” دون أن يقع في دائرة “المط” والإغراق في السرد الممل والطويل تحقيقا لغاية إنتاج عمل روائي اعتمادا على المقدار الكمي .والواقع أن البعض ظل يعتقد أن “القصة القصيرة” ما هي إلا “رواية” مصغرة تم اختزالها كمياً وبالتالي هناك إمكانية إلى تحويلها الى عمل روائي ! وهو قول يجانب الصواب نظرا لتمتع كل من النمطين السابقين بخصوصيات وشروط فنية تختلف عن بعضها . و لا اعتقد أن التجارب التي غرفت من هذه المقولة قد حققت نجاحا كبيرا إلا لجهة اعتمادها على شروط محددة كما هو الحال مثلا بالنسبة لتجارب كل من : إبراهيم أصلان ، يحيى الطاهر ومحمود الورداني . فالفارق الموضوعي بين النمطين لا يكمن في التفاوت الكمي بقدر ما يتعلق في تكنيك التناول وفي خاصيتي “التفصيل / والتكثيف ” ففي حين يحرص الروائي على خلق أبعاد كثيرة للشخصية الواحدة ويمعن في سرد التفاصيل الدقيقة لجهة خدمة الفكرة وغواية الحكي ، يحرص القاص في ” التكثيف ” اللغوي و الرمزي وفي اختيار القالب المناسب لسرده الذي قد يٌختزل فأكثر يندرج في ما أضحى يعرف اليوم بـ “القصة القصيرة جدا” والواقع انه لا مناص من الاعتراف أن كل تلك التعريفات والنظم النظرية لا تزال متأثرة بالجانب الكمي .رغم الفوارق النوعية المتعلقة بالتقنية ،فـ “براند ماثيوز ” احد النقاد الأوائل للقصة القصيرة ظل يؤكد “ان القصة القصيرة لا يمكن أن تكون جزءاً من رواية، كما انه لا يمكن ان يتم التوسع فيها كي تشكل رواية”، كان ذلك قبل قرن من الزمان وقبل “زمن الانفجار الروائي ” !وإذا ما عدنا إلى المشهد الأدبي الارتري وحاولنا البحث في ميداني الرواية على حداثتها والقصة القصيرة على ندرتها سنكتشف ان ثمة تقاطع ما يحدث هناك ، فالقارئ للرواية الارترية سيكتشف غالبا أنها ” مشروع قصة/ حكاية” تم الاجتهاد – في الغالب- الى تحويلها لنمط روائي . والأمر في المشهد الارتري يتقاطع فيه الكمي بالنوعي – للأسف – فنظل ندور في فلك / أو بٌعد واحد للشخصيات ضمن حبكة تبدو في الغالب مفككة الأوصال إما كنتيجة لاعتماد الرواية على “حدوتة واحدة ” بناءً وفكرة ،وبالتالي فإن محاولة (الروائي) في إيجاد عوالم روائية متشعبة (على المستوى الخارجي ) لعمله تساهم في إخراجه مشتت الرؤى . فضلا عن إمعان بعض الأعمال في “التقريرية ” التي تساهم -حتما- في إغراق العمل في الوصف المباشر للأحداث دون الاشتغال المضني فى اللغة و في التحليل الفلسفي للأحداث ناهيك عن الولوج عميقا في الجوانب الخفية لذوات الشخوص .فالرواية الارترية لا تزال متأثرة فكراً وسلوكاً بمسيرة “الثورة” وهذا غير معيب في حد ذاته إلا أن ” المخرجات ” غالبا مرتبطة بوصف تقريري مباشر ، وهي في الآن نفسه ” رواية انتصارية ” لا تلامس الأبعاد الأخرى ، كما لا تجرأ على “كسر التابوهات ” سواء المتعلقة بمسيرة الشخوص الروائية او حتى بالمسيرة الجمعية / حيث لا تمارس نقداً ذاتيا للتجربة الجمعية ، كما لا تقوى على سبر أغوار الشخوص وتعري ذاتها !والواقع أن اي عمل لا يقوى على إعادة عقارب الزمن لتوقيته الخاص قد لا ينجح في إبهار القارئ ، ولا يمكنه ان يمثل إضافة نوعية في المشهد .. وبعيدا عن التعميم المخل ، فإن روايات “احمد عمر شيخ” مثلا قد تبدو نوعا ما استثناء مشهوداً في مسيرة الرواية الارترية ، سواء لجهة قاموسها اللغوي العميق ، او لمحاولتها الخروج عن المألوف والتحليق بعيدا في فضاءات خصبة وجديدة .يبقى التأكيد هنا على أن “القصة القصيرة”هي التي صنعت الفارق الموضوعي في المشهد الارتري ، لجهتي القالب والجوهر، خاصة قصص كل من : عبد القادر حكيم ، عبد الجليل سليمان، الغالي صالح ، وجمال همد .وهي حالة ينبغي الاهتمام بها كخصوصية ارترية صرفة قادرة على تصدر المشهد الادبي العربي والعالمي في حال توفر شروط النشر والترويج المعرفي لها .. بعيدا عن السقوط في فخ “غواية الرواية ” في غياب الشروط الموضوعية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى