مقالات

دور البطل القومي في توحيد الأمة :حامد سلمان

1-Sep-2009

المركز

يعتبر” الشعور القومي” من أهم مميزات الثبات والإستقرار الذي يحافظ على وحدة الكيانات ويدرء عنها الكوارث التي تنشأ عن التمايزات الإثنية والصراعات الدينية داخل جسم الأمة، وبالنظر إلى محفزات الشعور القومي المتجانس ، فإننا نجد أن للبطل القومي دور محوري في تكوين هذا الشعور والمحافظة عليه بقصد تماسك الأمة ووحدتها ، فمثلا كل الأمم “تقريبا” لديها بطل قومي تنجذب إليه القلوب وتكن له احتراما مطلقا لا تتجرؤ عليه الألسن ،

ولا تسمح الأمم بخدش رمزية بطلها القومي من اي كائن كان، لأن الأمة تتجسد في شخصيته وبالتالي فإن القدح في تلك الشخصية يعتبر اعتداء على الأمة بأكملها ،أو تمردا على مفهوم الأمة وانفصالا نفسيا صريحا عن كيانها في حالة بروز مثل هذه النزعة من أحد مكونات الأمة . اذهب إلى ليبيا وتحدث عن عمر المختار بسوء، اذهب إلى الهند وتحدث عن المهاتما غاندي بسوء، أو اذهب إلى السعودية وتحدث عن الملك عبد العزيز بسوء، إن فعلت ذالك! تأكد أنك تجازف بحياتك، سوف تتقاذفك الأيدي وتنهال عليك الجموع صفعا وركلا ولعنا ، وبالتأكيد سوف تبيت ليلتك في ضيافة أحد السجون.إذا، البطل القومي يمثل دماغ الأمة و قلعة من أهم قلاعها ، سواءا كان البطل موضوعيا أتى بعمل مفصلي بطولي غير اعتيادي تعترف به الأمة، أو كان بطلا اسطوريا انتزعته الأجيال وصنعته من رحم تأريخها القديم لتهتدي به وتسير على دربه ليكون مصدرا لكرامة الأمة ورمزا لوحدتها.للحديث عن ماهية البطل القومي بالنسبة للأمة الأرترية يستحسن بنا أولا الحديث عن مكونات هذه الأمة وإن بشكل مختصر .إن مفهوم الأمة مطلوب لذاته لتعزيز وحدة الوجود، والحالة الأرترية ليست بدعا من غيرها، فالكيان الأرتري يتألف في الأساس من مجموعات إثنية متقاربة من الناحية السلالية (في الغالب الأعم)، ترتبط ارتباطا تأريخيا ضرب بجذوره في أعماق البقعة الجغرافية التي نطلق عليها اليوم ” دولة إرتريا” ، نعم هناك فرقات غير جوهرية (لو استثنينا عاملي الدين والخلفية الثقافية)، لدينا عشر قوميات ( هنا تجدر الإشارة إلى أن الجبرته يشكلون قومية بحد ذاتها لها إرثها التاريخي المتميز ولا يقبل أفرادها بضمهم قسرا إلى أي مجموعة إثنية أخرى)، هذه القوميات العشرة يمكن تحجيمها إلى مجموعتين متقابلتين كبيرتين من حيث الخلفية الثقافية والطموحات التأريخية والإنتماء الديني، بالإضافة إلى مجموعة ثالثة لها خصوصياتها الثقافية المتميزة ولا يمكن دمجها في إحدى المجموعتين بأي حال من الأحوال ، إلا على سبيل التعاون والمجاورة بالحسنى في ظل حكومة مركزية تعامل مواطنيها على أساس العدل والمساوات المبنية على المواطنة دون التحيز لصالح مجموعة بعينها على حساب المجموعات الأخرى ، تلكم هي مجموعة الكناما (بادين) التي يقطن أفرادها في هضبة بارنتو وما حولها في سهول المنخفضات الغربية.أما المجموعتات اللتان تشكلان النسبة الأكبر من المجتمع فيمكن تسميتهما (مجازا) بحسب التواجد الجغرافي الكثيف إلى:(1) سكان المنخفضات.(غالبيتهم العظمي تنتمي إلى الديانة الإسلامية).(2) سكان الهضبة (غالبيتهم العظمي تنتمي إلى الديانة المسيحية).لو قمنا باسترجاع الأحداث التأريخية التي مر بها الكيان الارتري ، فإننا نجد تجاذبا ثقافيا ودينيا وسط هذين المجموعتين، فمنذ نشوء فكرة الكيان الإرتري، نجد أن الإختلاف أخذ يطفو في السطح ولكنه لم يتحول إلى صراع دموي، على الأقل حتى الآن ، اختلاف في كل شيئ تقريبا بدءا من فكرة الدولة الإرترية وكينونتها وليس انتهاء بالخلاف حول هوية الأمة ولغتها الرسمية وأساليب إدارتها.إن عقلية الصراع التي نشأت بالتماهي مع نشوء فكرة الكيان الأرتري نفسه، لم تجد علاجا منطقيا يكبح جماحها ، وبالتالي أخذت تتنامى بشكل مضطرد حتى أصبحت تشكل خطرا حقيقيا على وجود الكيان الأرتري بأكمله، إن سياسة الغالب والمغلوب التي وجدت طريقها في قلوب أفراد هذين المجموعتين، لو قدر لها أن تستمر على حالها وبنفس الوتيرة التي عليها، فإن وجودنا كأمة واحدة سوف ينسف من قاعدته وحينها لن نجد من يبكي على حالنا ، بل سنجد ذئابا عن يميننا وعن يسارنا، تريد أن تتاقسمنا فريسة سهلة الإبتلاع.إن الشقاق الوطني الأرتري عميق جدا لدرجة يصعب السيطرة عليها، وقد وصل حد الخطورة البالغة بفعل سياسة المكابرة وتقزيم الطرف الآخر التي انتهجتها الجبهة الشعبية، لا سيما بعد الإستقلال ، فالجبهة الشعيبة ومنذ تكوينها حملت بذرة الشقاق الوطني لأنها نشأت في ظل الإحتقان الطائفي في سبعينيات القرن الماضي، وبما أن نواة التكوين والدينمو المحرك للجبهة الشعبية يرتكز على قاعدة طائفية نشأت على يد مجموعة من الراديكاليين المسيحيين من سكان المرتفعات بقيادة اسياس أفورقي ( رئيس الدولة الحالى)، فإنها تبنت سياسة الأقصاء والإستبعاد أوالإبتلاع المتدرج للمجموعة الثانية (سكان المنخفضات)، ضاربة عرض الحائط بكل القيم والمثل العليا التي بنيت عليها فكرة الدولة الأرترية. وعلى ذات النسق فإن الجبهة الشعبية التي تحولت إلى اسمها الجديد ” الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة” بعد التحرير، لم تقم بأي خطوة من شأنها جمع شتات الأمة وتوحيدها في ظل الإحترام المتبادل والتنوع الإجابي المثمر، بل على العكس تماما، كثف التنظيم ،بعد تقلده مقاليد السلطة في البلاد، من أسلوب القمع والإبتلاع الممنهج لكل مكونات المجتمع الإرتري وحاول جاهدا صبغ المجمتع بأكمله بصبغته الخاصة التجرينية. هناك حقائق جوهرية واضحة لا يمكن تجاهلها ، ويعتبر التلاعب بها ومحالة طمسها تلاعبا بالنار ولا يمكن السكوت عليها، بل علينا جميعا التصدي لها مهما كلف الأمر. على رأس هذه الحقائق تأتي الثنائية الثقافية والدينية ، بالنسبة للثنائية الثقافية فإن اللغة العربية واللغة التجرينية هما اللغتان الرسميتان للدولة الإرترية ، ليس هناك عائق يذكر أمام اللغة التقرينية حتى الآن، لأن الجبهة الشعبية ومنذ نشوئها أخذت على عاتقها نشر هذه اللغة وإجبار المجتمع الأرتري بأكمله على التعامل بها. ولا أحد ينكر أن هذه اللغة هي اللغة الرسمية (غير المعلنة) للدولة الإرترية في ظل حكم الجبهة الشعبية الشوفينية الطائفية، أما اللغة العربية التي هي خيار المجموعة الأولى (سكان المنخفضات) فإنها مستبعدة وتتم محاربتها والتضييق عليها من قبل الجبهة الشعبية التي تتمسك بالحكم من أجل محق أي أثر للثقافة العربية في أرتريا.يمكن للمسؤولين المخولين برسم سياسة تنظيم الجبهة الشعبية أن يتوهمو بإنهم يمكن أن يحققو تقدما في غرس لغتهم التجرينية وبالمقابل طرد اللغة العربية من البلاد، لأنهم لا يدركون مدى تمسك سكان المنخفضات بهذ اللغة، هنا لا يسعني إلا أن أقول لهم، يمكن أن تخدعو أنفسكم إلى حين،ولكن عليكم أن تتأكدو بأنكم تحرثون في البحر ، فبمجرد ذهابكم إلى مزبلة التاريخ سوف نعود إلى تدريس ابنائنا باللغة التي اختارها لنا آبائنا وأجدادنا ولن نتنازل قيد أنمله. هذا خيار سكان المنخفضات الذين ظلو يتمسكون به رغم كل العواصف العاتية، ويجب احترام هذا الخيار واعتبار الإخلال به من أخطر مهددات الأمن القومي الأرتري، إن كل من يحاول الإخلال بهذه الثنائية الثقافية أو يتلاعب بها فإنه غير وطني، وعليه أن يبحث له عن مكان آخر يمارس فيه أنانيته الثقافية.بالنسبة للثنائية الدينية فالإسلام والمسيحية هما الديانتان الرئيسيتان في البلاد بالإضافة إلى المذاهب الدينية الأخرى ، ويمكن تعزيز دور التسامح والتعايش السلمي والإحترام المتبادل بين أتباع هذه المذاهب و الديانات بما فيها الديانة التقليدية (الطوطمية) التي تنتشر بين أبناء المجموعة الإثنية (بادين- كنامه). ليس هناك ما يشير إلى القلق من قيام حرب دينية في إرتريا لكن هناك مؤشرات قوية وخطيرة فيما يتعلق بالإحتراب الطائفي.إن الشقاق الوطني الذي أحدث شرخا نفسيا خطيرا في جسم الأمة الأرترية هو من أخطر مهددات أمننا القومي، وقد امتدت آثاره السلبية كما نرى اليوم على المعارضة كما يبدوا من المماحكات غير الرسمية بين جبهة التضامن الوطنية وتنظيمات حزب الشعب والديمقراطي ومن في دار في محورهم، الشقاق واضح ، وخلفياته واسبابه لا تحتاج إلى كثير عناء ، فجبهة التضامن ليست تنظيما دينيا بأي حال من الأحوال (حتى تثبت عكس ذالك)، وليس من العدل ولا من الحكمة أن نسمي الأشياء بغير مسمياتها، إن قيادات جبهة التضامن التي بح صوتها وهي تحارب من أجل إيصال رسالتها إلى الجميع، لاسيما الطرف الآخر للمعادلة الأرترية العتيقه، فمثلا السيد أبو سهيل يصرح ” نحن لسنا ضد أحد، نحن فقط ضد النظام الحاكم، وسوف نعيد الحقوق إلى أصحابها” السيد حسين خليفه يؤكد نفس الكلام، السيد حامد تركي ينافح عن أن التضامن مستعد للتعاون مع جميع الأطراف. لكن الطرف الآخر لا يرغب بالإستماع !! في الطرف الآخر السيد ولديسوس عمار يصرح لا نريد تجربة وادي سوات في ارتريا، موقع مسكرم يستهل حملة تعبئة ضد التضامن، نفس العقلية (جبهة- شعبية) التي أتلفت كل الأشياء الجميلة التي حافظت على وجودنا معا لحقب تاريخية طويلة. الحقيقة التي لا يمكن الهروب منها هي أن المعسكرين، جبهة التضامن في كفة واحدة والشعب والديمقراطي في الكفة المقابلة يمثل كل منهما مكونا أساسيا من مكونات الأمة الأرترية، وعلى الطرفين أن يعترفا بذالك ويجلسا للتحاور حول كيفية الخروج بالأمة الأرترية من عنق الزجاجة الذي وصلت إليه بفعل سياسة المكابرة وإنكار الآخر (سياسة الجبهة الشعبية) ، المطلوب في هذه المرحلة هو التفكير بهدوء وعدم الفقز على الحقائق، قادة التضامن صرحوا أكثر من مرة بأنهم يمثلون طموحات وأحلام سكان المنخضات، ولكنهم ايضا يعملون من أجل عتق رقاب الشعب الأرتري من هذا الكابوس الجاثم على صدره، ما العيب في ذالك ؟. على الأقل هناك وضوح في الرؤية بالنسبة للمراقب.الطرف الآخر ما زال يكابر ، نفس سياسة الجبهة الشعبية، على قادة الشعب والديمقراطي أن يعلموا جيدا قبل التمادي في أسلوب العناد وإنكار الطرف الآخر، بأن هذا الأسلوب ليس في مصلحتهم ولا في مصلحة الشعب الأرتري، إن الإصرار على حشر جبهة التضامن في زقاق ” الإرهاب” الضيق ، سوف لن يأتي بالبديل الأفضل، لأننا سوف نخسر هذه المبادرة التي تمثل الوضوح والمكاشفة، وربما حصلنا على بديل يمثل تجربة وادي سوات على حقيقتها.بالعودة إلى الفشل والعار الإستراتيجي الذي سجله تنظيم الجبهة الشعبية الحاكم في إرتريا، فيما يتعلق بوحدة وتماسك النسيج الإجتماعي الإرتري ، فإن كل الأمثلة تشير إلى ذالك بوضوح ، في الفاتح من سبتمبر من كل عام تحتفل الأمة الأرترية بذكرى اندلاع الكفاح التحرري المسلح ضد الإستعمار الأثيوبي، تلكم الإنطلاقة التي تمثل رمزا لكبرياء الأمة الأرترية وعزتها . الجبهة الشعبية ومنذ نشأتها تحاول تحقير هذه المناسبة أو الإحتفال بها على مضض واسياس أفورقي شخصيا يتمنى لو أنه استيقظ من نومه يوما فوجد الشعب الأرتري وقد نسي هذه المناسبة ومحاها من ذاكرته، لسبب واحد فقط هو أن مفجر الثورة وقائدها كان من المنخفضات، مفجر الثورة الأرترية التي قلبت موازين القوى في القرن الأفريقي كان الشهيد المغوار حامد إدريس عواتي ، يعتبر الشهيد حامد عواتي (بالنسبة للأمة الأرترية) بطلا قوميا وعملاقا تتقزم أمام عظمته جميع القامات، حامد عواتي هو قلعة ثمثل شموخ الإرادة الإنسانية أمام جبروت السلاح، حامد عواتي هو ذالكم الجلمود الذي لم تطرف له عين وقد وقف في إباء وشموخ تحسده عليه الأسود، لقد علمنا الشهيد عواتي ماهية أن نكون أو لانكون، هناك في جبل أدال ، تعلمنا على يد الشهيد حامد عواتي ما معني أن تكون أرتريا وتقف أمام العاصفية بل وتتغلب عليها. الأقزام والخونة الجبناء هم فقط من يتحاشون ذكر اسم الشهيد عواتي في يوم عيد الأمة لأنهم يعلمون جيدا أنهم لا يرقون مرقاه وهم أصغر من أن يظهرو أمام حضوره الباهي . والطائفيون يعلمون تماما مكانة الشهيد حامد إدريس عواتي في قلوب الملايين الأرترية، ولكنهم يكابرون لأنهم بلا ضمير.هكذا لا تحتفل الحكومة الأرترية بعيد ميلادنا ، العيد الثامن والأربعين لإنطلاقة ثورتنا ، نعم الحكومة لا تحتفل بهذا اليوم التاريخي العظيم في قلوبنا، فقط وعلى سبيل التمويه والمماطلة ومن أجل ذر الرماد على عيون أطفالنا، يصدر اسياس افورقي أمرا إلى مدير مكتبه بإصدار تصريح صحفي مقتضب جاف وخالي من العواطف الوطنية (باسم الجبهة الشعبية بمناسبة بحتي مسكرم ) وليس باسم الحكومة الأرترية ،حتى يرفع عن نفسه الحرج، إنه الحرج بعينه، أن يصدر تنظيم الجبهة الشعبية تصريحا صحفيا بمناسبة انطلاقة ثورتنا المجيدة ، ويستنكف الخبثاء الذين أصدرو هذا التصريح عن ذكر اسم الشهيد حامد عواتي، لأنهم يخجلون من نفوسهم ومن أفعالهم الإجرامية، الرسالة واضحة، لقد وصلت رسالتكم ، شكرا يا عبدالله جابر وشكرا يا على عبده وشكر يا سلمى حسن وشكرا لبقية افراد الجوقة على هذا الخداع . نحن نعرف كيف نحتفي بشهيدنا، أبو شهدائنا ، إنه في قلوبنا ، إنه تاج على رؤوسنا ورؤس أطفالنا، تاج لن يسقط أبدا مهما اهتزت الأرض من تحت أقدامنا. للتعليق: articlesforeritrea@gmail.comنقلا عن عواتي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى