مقالات

صراع الحضارات :الحلقة (4)- عمر جابر عمر

10-Apr-2006

المركز

الحضارة الاسلامية (3)
هناك حضارات سادت ثم بادت ولكن بعض تلك الحضارات ( عادت ) او هى فى طريقها للعودة.الصين كما ذكرنا فى الحلقة الثانية هى من الحضارات التى عادت فى شكل جديد ومحتوى مختلف ويشكل تحديا للحضارة الغربية .

الشعوب الاسلامية – اليوم عانت كثيرا ليس من الانظمة الاستعمارية الغربية فحسب بل ومن النظم التى تولت الحكم واصبحت حكومات تمثل تلك الشعوب ويفترض بها أن تعمل على رفعة شأن من تحكمهم والتخفيف عن معاناتهم الاقتصادية والاجتماعية وامام اصرار الغرب على المضى فى نهجه الاستعلائى وفرض سيطرته الاقتصادية والسياسية على تلك النظم وامام عجز تلك الحكومات الاسلامية عن مواجهة الهجمة الغربية وفشلها فى كسب ثقة وتأييد شعوبها – امام هذا الوضع انقسم العالم الاسلامى الى فرق واحزاب – تيارات وتوجهات – موالين ومعارضين – حكاما ومحكومين.وحتى يسهل تناول هذا الصراع الاسلامى – الاسلامى لابد من تقسيم القوى المؤثرة والفاعلة والمتفاعلة ( باختصار المكونة لذلك الجسم ) الى اقسام ثلاث :· الحكومات – الموجودة فى السلطة · التيارات والاحزاب الاسلامية المعارضة · الشعوب الاسلامية (ما يسمى بالشارع الاسلامى ) اولا : الحكومات :· بعضها جاء بانقلابات عسكرية (مصر – سوريا – السودان – موريتانيا – اليمن – باكستان – ليبيا – تونس ) · وبعضها توارث الحكم أبا عن جد ( السعودية – المغرب – الاردن – الخليج ) · والبعض الاخر جاء عقب ثورة شعبية قادها رجال الدين ( ايران) · وهناك حكومات جاءت عن طريق الالية الغربية ( الانتخابات ) ولكن بعضها رفضه الغرب علانية ( حماس) والبعض الاخر يواجه ضغوطا دولية ويعيش مخاطر اقليمية وتحديات داخلية وعدم استقرار اقتصادى واجتماعى ( تركيا اندونيسيا – نيجيريا ) معظم تلك الحكومات اخذت النظام الغربى شكلا ( برلمان وانتخابات ) وذلك بهدف اضفاء الشرعية على انظمتها ولكنها بالمقابل – وفى محاولة لتملق عواطف ومشاعر الشارع الاسلامى وضعت فى دساتيرها عبارة مكررة تقول الشريعة الاسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع.وهى بذلك وقفت فى مفترق طرق – فلا هى اقنعت الغرب ولا هى كسبت ولاء وثقة شعوبها .اصبحت معلقة فى حالة شد وجذب كلما هاجمها الغرب لجأت الى الشارع الاسلامى تستثيره وتحركه لمواجهة ( الهجمة الغربية على الاسلام ) وكلما واجهت ضغط الشارع ومطالبه المشروعة هرعت الى الغرب تستنجد به ليخلصها من(الاصوليين والارهابيين)!! ومن اجل فهم دور وموقع تلك الحكومات لابد من تسجيل بعض المظاهر التى صاحبت توسع وانتشار الحضارة الاسلامية فى الماضى وادت الى تراكم وترسيب اشكاليات اثنية وثقافية ما زالت حتى اليوم تتفاعل وترمى بظلالها على حركة وعلاقات ومواقف الانظمة الاسلامية المعاصرة.1/ مشكلة الاكراد ( الكرد كما يحبون ان يطلق عليهم )صحيح ان الاستعمار هو الذى قام بالتقسيم ورسم الحدود حيث توزع الاكراد على عدة دول تركيا – العراق – ايران- سوريا.ولكن ما حصل بعد ذلك بعد حصول تلك الدول على استقلالها شهد ممارسات وتشريعات عكست حرمان الكرد من حقوقهم كاقلية فى تلك المجتمعات.كان الاضهاد العرقى والتهميش الثقافى جزءا من برامج تلك الدول.تركيا التى يحكمها حزب اسلامى يوجد فيها تمرد كردى وقائدهم ( عبد الله اوجلان ) ما يزال فى السجن.ايران وهى ايضا بها نظام اسلامى غيبت دورهم ولم يجدوا فيها ما هو مقسوم ومعترف به للاقليات بالفهم الاسلامى.كذلك الحال فى سوريا – اما العراق فان الكرد وجدوا فرصتهم لانشاء (دويلة ) فى شمال العراق باسم الحكم الفدرالى ولكن امامهم خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها –بعضها من الغرب وبعضها من تركيا وعرب العراق (خاصة السنة ) . لماذا حدث ذلك وباسم ماذا ؟ كان للكرد رموز ساهمت فى بناء الحضارة الاسلامية – والمسلمون حتى اليوم يفاخرون بصلاح الدين الايوبى (كردى ) وانتصاراته العسكرية.وفى بداية القرن العشرين كان منهم بديع الزمان (سعيد النورسى ) صاحب (رسائل النور ) وهو كردى من تركيا – كان داعية ومفكرا جمع الترك والكرد والعرب وكتب كثيرا لتاصيل الهوية الاسلامية واعتقل وعذب ولكنه ترك رسالة متواصلة وله الاف الاتباع حتى اليوم .مرة اخرى لماذا كان ما كان – هل هو قصور فى فهم الاسلام ودعوته للمساواة بين بنى البشر ؟ ام هو التعصب وروح التعالى القومى والتى ننكرها على الغرب ؟ النتيجة هى ان تلك الممارسات ادت الى انعزالهم عن المحيط الاسلامى بسبب النزعة القومية التى سادت فى الدول التى يعيشون فيها .2/ الظاهرة الثانية – هى ما يسمى بالخلاف السنى – الشيعى ، لا اريد ان ادخل فى تفاصيل الخلافات الفقهية والفهم المتباين لبعض نصوص الشريعة الاسلامية – فالاسلام واحد لدى الطرفين – فرائضه واصوله وثوابته وهذاهو المهم. والاختلاف موجود حتى بين المذاهب السنية فى التفاصيل.القضية فى اعتقادى تتجاوز ذلك وترتبط بموروثات وتراكمات سياسية واجتماعية تتمحور حول مسألة واحدة هى: السلطة.لدى المذهب الجعفرى (الشيعة ) قراءة للتاريخ الاسلامى تختلف عن قراءة اهل السنة – وتلك القراءة تدرس فى مدارسهم وتنشر فى صحائفهم يتشربها الاتباع جيلا بعد جيل وتكون بمثابة البوصلة التى توجه حركتهم وتحدد علاقاتهم ومواقفهم.السنة يؤمنون بأنه بعد وفاة الرسول (ص) آلت الخلافة الى ابى بكر الصديق رضى الله عنه من خلال بيعة شرعية وجماعية.وهنا يختلف الشيعة: يقولون ان ذلك كان اول (انقلاب ) فى التاريخ الاسلامى – فالخلافة كانت من حق ( على بن ابى طالب – كرم الله وجه) لانه من اهل البيت والرسول اوصى به فى خطبة الوداع وأن … وأن… المهم انهم يقولون ان (على) كان بعيدا يوم بايع الناس أبى بكر فجاء معاوية بن ابى سفيان واقنع عمر بن الخطاب لمبايعة ابى بكر الصديق على ان تكون له ( عمر) الخلافة الثانية.وعندما جاء ( على بن ابى طالب) وجد نفسه امام الامر الواقع ومن يومها بدأ الشرخ السياسى والاجتماعى يتسع.وعندما بدأت الفتنة الكبرى بمقتل الخليفة (عثمان بن عفان ) – تمت المواجهة فى موقعة (الجمل) بين انصار على بن ابى طالب والذين شايعوه (لهذا يسمون شيعة ) من جهة وبين انصار معاوية بن ابى سفيان من جهة اخرى.وكانت عائشة ام المؤمنين – زوجة رسول الله (ص) الى جانب معسكر معاوية بن ابى سفيان ومن يومها والتياران السنى والشيعى يسيران فى خطين متوازيين لا يلتقيان – كل من صعد منهما الى سدة الحكم قام باضهاد وتهميش الطرف الاخر او هكذا يتهم كل منهما الاخر.وما يحدث فى العراق اليوم هو نتيجة تلك الموروثات والتراكمات مع انكار الدور الامريكى باستقلال الوضع وتوسيعة لشقة الخلاف بين الطرفين.ومرة اخرى وبعيدا عن الدخول فى تفاصيل التهم المتبادلة بين الطرفين حول بعض المعتقدات الدينية والتى يطلقها كل طرف لتقوية حجته وتأييد موقفه – نقول ان الخلاف فى جوهره يدور حول القيادة والسلطة منطلقا من مخزون ثقافى ومستندا الى اصطفاف اجتماعى.وقد برز ذلك فى الصراع الذى نشب عقب احتلال ايران للجزر العربية فى الخليج الامر الذى يشير الى وجود تباين فى الفهم الاستراتيجى للمواجهة مع الغرب. وليسمح لى القارىء أن اسرد تجربة شخصية عشتها تلقى بعض الضوء على طبيعة ذلك الخلاف.بحكم تواجدى فى منطقة الشرق الاوسط لسنوات (1965-1985 ) – العراق – سوريا – لبنان – مصر – السودان فقد التقيت العديد من رجالات الدين الاسلامى (مسؤلين – دعاة- علماء- ومفكرين) واعرف مجمل الاراء والمواقف التى تعبر عن رأى اهل السنة.بعد الثورة الايرانية ذهبت ضمن وفد لجبهة التحرير الارترية الى (طهران) طلبا للدعم والتأييد للثورة الارترية.قابلنا الامام (الخمينى) وبعض المسؤلين ولكن اللقاء الذى علق بذاكرتى وما زالت حتى اليوم اذكر تفاصيله كان مع (علماء) كانت مهمتهم تعبئة وقيادة (الشارع) ضد الشاه.امتد اللقاء لاكثر من ساعتين ولفتت نظرى ظاهرتان احداهما يمكن اعتبارها شكلية ولكنها كانت جديدة بالنسبة لى ، والثانية فكرية منهجية.1/ كان الجميع يرتدون الزى المعروف لرجال الدين من الشيعة ولكننى فوجئت باحدهم يدخن الغليون (بايب)! وفى تعليق لاحق فى الاستراحة وعندما سألته قال : الشيخ (محمود شلتوت) شيخ الازهر الاسبق كان يدخن السيجارة ! 2/ الظاهرة الثانية وهى الاهم – سألت سؤالا فحواه : رجال الدين والعلماء فى المشرق العربى لم نراهم فى مواقع القيادة للجماهير المطالبة بالاصلاح والتغيير – من كان منهم متجاوبا يشارك مع الاخرين بينما رجال الدين فى ايران خططو وقاموا بالتعبئة وقادوا التغير …. لماذا ؟؟ الاجابة من جانبهم : رجال الدين فى المشرق العربى يتم تعينهم من قبل الحكام – شيخ الازهر – المفتى – رؤساء المحاكم الشرعية الخ … بعبارة اخرى انهم موظفون ويعتمدون فى حياتهم المعيشية على الراتب الرسمى من الدولة – كيف يمكن ان يتمرد الفرد على ولى نعمته !؟ اما الوضع فى ايران – وما يزال الكلام لهم – يختلف, فى المذهب الجعفرى ( الشيعة ) كل فرد ملزم بدفع مبلغ الخمس( 1/5 ) من دخله ويرسله الى (الملا) الذى يتبع له – بمعنى اخر هناك استقلالية اقتصادية لرجال الدين وعليهم فى نفس الوقت مسئولية تنفيذ رغبات وطموحات الا تباع والمناصرين – أنتهى كلامهم!وطوال ذلك العرض الفكرى والتحليل الاجتماعى والاقتصادى لم اسمع استشهادا باية قرانية او حديث نبوى !ماذا يعنى ذلك؟· وجود مرجعية قيادية (روحية ودنيوية) يلتزم بتوجيهاتها كافة اتباع المذهب الشيعى – يثقون فيه وفى قدراتها على تحقيق طموحاتهم وحتى القائد الشيعى (مقتدى الصدر ) عندما حاول الخروج على الصف والتمرد – تمت اعادته والتزم الرجل من اجل – كما صرح عدم التسبب فى شق اهل البيت !· النهج العقلانى والتعامل مع التحديات باسلوب برجماتى مع عدم اهمال الجانب الروحى واستخدامه فى التعبئة وضمان ولاء الاتباع.وبالمقابل فان الدولة التى يحكمها اهل السنة بعضهم مكبل بأغلال القواعد العسكرية الاجنبية والبعض الاخر رهن ثروته لضمان استمراره فى الحكم ولكن الاهم من ذلك كله ان تلك الدولة تفتقر الى الاستراتيجية فى تخطيط المستقبل والى الحكمة والاحساس بمشاعر ومعانات شعوبها فى الحشر وهى تعيش قبل هذا وذاك حالة احتراب وصراع داخلى من اجل الحفاظ على السلطة وخارجى اقليمى من مواقع النفوذ والتمحور ويظل الغرب بعيدا تستنجد به متى ما ضاقت به الارض لا اعنى أن دول اهل الشيعة تسير فى الاتجاه الصحيح وأن دول اهل السنة ضلت طريقها- فالجميع برأى المعارضة الاسلامية فى ضلال – ولكن قصدت انها بدون وحدة الصف الاسلامى (دولا ومنظمات) لا يمكن للحضارة الاسلامية ان تجد لها موقع فى خارطة الحضارات المتصارعة او المتعايشة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى