مقالات

صفحـات هامـة من تاريخـنا : ارتـريــــا 1941 ـ 1958م ( الحلقة الأولى )-محمد سعيد ناود

18-Feb-2008

المركز

لازلت مهموماً بالتاريخ الإرتري ، لشعوري بأن هناك فراغات في هذا التاريخ ، تحتاج إلى أن نقوم باستيفائها ووضعها في مكانها الصحيح ، بحيث يصبح التأريخ الإرتري بعدئذٍ حلقات مترابطة ، يستفيد منها الدارس والباحث من أجيالنا الحالية والمستقبلية ، سواء كان من إرتريا أو خارجها .

وحسب فهمي فان دراسة التاريخ ليست نوعاً من الترف تمارسه النخب من المثقفين والمتعلمين لاستعراض المعارف ، ولكننا نحتاج لدراسة التاريخ من أجل التغلب على تحديات الحاضر في شتى جوانب الحياة ، ومن ثم تحديد الطموحات المشروعة للمستقبل لمجموع الشعب الإرتري . والآن ، لماذا 1941ـ 1958م ، لأن هذه الفترة شهدت أحداثاً وتطورات هامة ، وكان لها تأثيرها في المسيرة الإرترية ، وهي الفترة التي شهدت دخول الجيوش البريطانية إلى إرتريا باسم الحلفاء لتحل محل الإيطاليين ، وحتى الفترة التي تأسست فيها حركة تحرير إرتريا في 2/11/1958 م وكانت البداية الحقيقية للثورة الإرترية ، ثم قيام تنظيمات الثورة بعدئذٍ والتي ظلت تناضل حتى توجت تلك النضالات بميلاد الدولة الإرترية الحالية . وفترة بداية الثورة منذ تأسيس الحركة ونجاح الثورة وانتصارها بهزيمة جيش الاحتلال الإثيوبي وحتى قيام الدولة الإرترية ليست بها فراغات لأن وثائقها متوفرة ومتاحة لأي باحث ، بل أن بعضاً من رموزها وقياداتها سلطت الأضواء عليها بالكتابة عنها ، كما أن البعض من هذه الرموز والقيادات لايزال كثير منهم على قيد الحياة ، ولكن من جانبي مهتم في هذا البحث بالفترة التي سبقتها ، وسيكون بحثي الراهن مختصراً عليها أي في الفترة الممتدة من عام 1941 ـ وحتى عام 1958 م . وحسب القاعدة التي اتبعتها في كتابي ( حركة تحرير إرتريا ـ الحقيقة والتاريخ ) وبعيداً عن مايسمى بتضخيم الذات أو احتكار المنجزات التي قام بتحقيقها الكثيرون،ففي كتابي المشار إليه ركزت أولاً على ألأعضاء المؤسسين للحركة ، ومن بعدهم على القيادات الفرعية ثم أعضاء الفروع ممن أتيحت لي معرفة وتذكر أسماءهم في الداخل والخارج ، ومختلف الأحداث بالنسبة لمسيرتها ، كما أن الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا وباحتفاظها بأسماء الشهداء وتسجيلهم وإذاعتهم على الملأ عبر الأثير من مدينة نقفة ، وشخصياً قمت بإذاعة بعض هذه الأسماء عندما كنت حاكماً لإقليم الساحل في عام 1994م ، وكان عددهم يربو على الستين ألفا من الشهداء ، باعتبارهم الأبطال الحقيقيين للتحرير وأنبل بني البشر . فإنني الآن وفي بحثي الراهن ، أود التركيز على المرحلة السابقة لنا في شتى جوانبها ، وبالتالي التطرق وإيراد وذكر بعض الأسماء ممن تمكنت من الوصول إلى أسمائهم ممن ناضلوا في صفوف الكتلة الاستقلالية أو استشهدوا في سبيل الاستقلال ، وهذا من حقهم وحق ذويهم . لأن الجيل الحالي لايعرف أسماء هؤلاء أو بعض منهم ، بل وللأسف فقد اختزلت تلك الفترة بكاملها في أسماء لاتتجاوز أصابع اليد الواحدة . وهذا بمثابة ظلم للآخرين بل وظلم للتاريخ الإرتري . إنني أترك التحليل والتعليق على الأحداث التاريخية التي يحويها هذا البحث ، أتركه للآخرين بعد أن أكون قد وفرت لهم المتاح من المادة التاريخية لكيلا تضيع وتصبح في النهاية نسياً منسيا . كما أنني وفي هذه الحلقات سوف لا أتبع أسلوب التسلسل التاريخي لأحداثها ولكنني عندما تحين الفرصة لنشرها في كتاب فعندئذٍ يمكن ترتيبها حسب التسلسل .سائلا المولى التوفيق والله من وراء القصد .كيف تم الاحتلال البريطاني لإرتريا ؟ في شهر يونيو من عام 1940م أعلن ( موسيليني ) الحرب على بريطانيامعلناً وقوفه إلى جانب دولتي المحور وهما ألمانيا النازية واليابان . وكل الإرتريين يعرفون هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية على يد الحلفاء . وقيام بريطانيا باحتلال إرتريا لتحل محل الاستعمار الإيطالي . ولكن قلة من الإرتريين من لديها علم بتفاصيل الحرب التي خاضها البريطانيون حتى حققوا هدفهم بإلحاق الهزيمة بالجيوش الإيطالية التي كانت تعسكر في إرتريا . وبما أن هذه النقطة تعتبر جزءاً من التاريخ الإرتري فمن المهم تسليط الأضواء عليها .( السير كنيدي ترفاسكس ) الذي كان سكرتيراً سياسياً للإدارة البريطانية في إرتريا منذ بداية الاحتلال البريطاني في عام 1941 م وحتى عام 1950 م . والذي عرف عنه إجادته التامة للغة التجري ، ومعرفته بالعادات والتقاليد حتى أنه كان يرتاد مجالس الأعيان ويدلو بدلوه فيها بلغة التجري . وعرف عنه أيضاً بأنه كان يدعو ويشجع فكرة تقسيم إرتريا ، وفي كتابه ” إرتريا مستعمرة في مرحلة الانتقال 41 ـ 1951″فأنه كان قد نشر كتاباً باللغة الإنجليزية برعاية المؤسسة الملكية للشئون الدولية عام 1960م في هذا الكتاب وفي الفصل الثاني أختزل المؤلف الاحتلال البريطاني لإرتريا في السطور القلائل التالية .[ بعد أقل من سنة من إعلان إيطاليا الحرب على إنجلترا ، كانت إمبراطورية” موسيليني ” في إفريقيا الشرقية تندثر تحت وطأة هزيمة سريعة ومشينة . ففي العاشر من شهر يونيو 1940 م دخلت إيطاليا الحرب وفي مايو 1941 كانت القوات البريطانية تحتل ارتريا والصومال الإيطالي والجزء الأكبر من إثيوبيا . ماعدا مرتفع ” قوندر ” البعيد والمنعزل ، حيث تجمعت بقايا جيش ” دوق أوستا ” نائب الملك في إفريقيا الشرقية الإيطالية في محاولة أخيرة باسلة لوقف الزحف البريطاني . وقد مات ” دوق أوستا ” في أسمرا أخيرا .وكانت القوات الإنجليزية القادمة من السودان بعد اكتساح سريع عبر السهول لأراضي إثيوبية وصومالية . كما أن شلل الإدارة المدنية الإيطالية في بركة المنخفضة . فقد أوقفت أمام جدار الجبال الضخم الذي يحمي ” كرن ” مفتاح الهضبة الإرترية وأسمرا العاصمة . لكن بعد وصول الأحداث تابعت القوات البريطانية تقدمها . فسقطت مرتفعات ” كرن ” بعد المعركة الأولى والوحيدة التي خاضتها في هذه الحملة . وفي اليوم الأول من أبريل 1941م دخلت الجيوش البريطانية أسمرا ، وفي اليوم الثامن من أبريل 1941م سقطت مصوع ، ووقعت إرتريا كلها تحت الاحتلال البريطاني وبعد أربعة أيام كان قائد الحملة البريطاني الجنرال ” بلات ” يحتل مكانه في قصر الحاكم الإيطالي السابق في أسمرا ] . وبرغم هذا الاختزال ، إلا أن الاحتلال البريطاني لإرتريا قد تم عبر تفاصيل وخطط كثيرة ، وهي مسجلة في ” التاريخ الرسمي البريطاني للحرب العالمية الثانية ” . ومن هذا التاريخ فقد قام الكاتب السوداني محمد خير البدوي بترجمة هذا التاريخ ونشره في كتاب بعنوان ” مواقف وبطولات سودانية في الحرب العالمية الثانية ” وقامت صحيفة” الأنباء ” السودانية بنشره في حلقات كثيرة تربو على الثلاثين حلقة وذلك في عام 2004 م . وليس بالأمر المستغرب اهتمام الكاتب السوداني الأستاذ / محمد خير البدوي بهذا التاريخ ، وفي اعتقادي فأن اهتمامه به نابع من أن ذلك جزء من التاريخ السوداني حسب العنوان الذي وضعه له بل وان الجيل الذي عاصر تلك الأحداث من السودانيين كان مهتما بها ، بل ومتابعاً لأحداثها بكل تفاصيلها . فقد كانت هناك ” قوة دفاع السودان ” والتي كانت تضم أعداداً هائلة من أبناء الشعب السوداني كجنود بهذه القوة . رغم أن قيادتها كانت بريطانية وان الفنانة السودانية ” عائشة الفلاتية ” وعبر إذاعة أمدرمان قد تغنت للجنود والضباط السودانيين . وسجلت لهم البطولة في فتح كرن . وتمنت بعودتهم سالمين لوطنهم ، بل ظهرت أغاني أخرى آنذاك تتولى التشنيع بموسيليني واحتقاره والتقليل من شأنه .وفي تلك الحرب كان هناك الكثير من الضباط السودانيين من ذوي الرتب الصغيرة آنذاك ، والذين شاركوا بفعالية في تلك الحرب وأصبح لهم بعدئذٍ شأن كبير في السودان في العسكرية والسياسة . فعند جلاء القوات البريطانية عن السودان بعد الاستقلال في عام 1956 م كان هؤلاء الضباط قد تبوءوا رتبا عسكرية كبيرة مثل رتبة الفريق واللواء . وتولوا قيادة الجيش السوداني بديلاً للقيادة البريطانية أمثال الفريق أحمد محمد والفريق إبراهيم عبود ، واللواء طلعت فريد ، واللواء محمد نصر عثمان ، واللواء أحمد عبدالله حامد واللواء حسن بشير نصر وغيرهم . وفي السياسة عندما قادهم الفريق إبراهيم عبود في انقلابه الشهير وحكموا السودان حكماً عسكرياً في الفترة من عام 1958 ـ 1964 م . بحكم وجود التواصل والمصالح بين الشعبين الإرتري والسوداني في طرفي الحدود ، تلك الحدود التي كانت مفتوحة بين البلدين ، حيث لا جوازات أو تأشيرات دخول رغم وجود إيطاليا وبريطانيا في البلدين . فعندما اندلعت الحرب فقد أنخرط جزء من أبناء ارتريا بالجيش الإيطالي في إرتريا وكذلك للجيش البريطاني في السودان . ولذا كان من المفارقات وجود الأخ في ارتريا قد انخرط بالجيش الإيطالي ، وابن عمه في الطرف الثاني من الحدود ضمن الجيش البريطاني . مثالاً لذلك فإن أحد أعمامي أصبح جندياً بالجيش الإيطالي وعدداً من أعمامي بداخل السودان كانوا جنودا بالجيش البريطاني في السودان وكلهم قاتلوا في تلك الحرب بالإضافة إلى أسماء أخرى معروفة .ومن جانبي فان اهتمامي بالحملة العسكرية البريطانية لاحتلال ارتريا ، أيضا ناتج من اعتبار ذلك كجزء من التاريخ الإرتري . وقد استفدت بنقل الأحداث التي تخص ارتريا واحتلالها بواسطة الجيوش البريطانية من الحلقات التي نشرها الأستاذ محمد خير البدوي . يقول الأستاذ البدوي كانت أهم الأحداث في شهر نوفمبر 1940 م بخلاف ملحمة القلابات تشكيل ” قوة الغزال ” الأسطورية ، وهي بمثابة مايعرف في أيامنا هذه بقوات الصاعقة . وتتألف تلك القوة من وحدات سودانية وهندية بقيادة الكولونيل ” فرانك ميسيرفي ” البريطاني الذي أصبح فيما بعد أول قائد عام للجيش الباكستاني . والوحدتان الرئيسيتان في قوة الغزال هما وحدة الاستكشاف التابعة للفرقة الهندية الخامسة . والمجموعة الأولى من البلوكات السريعة السودانية ومعظم رجالها من فرقتي الهجانة والعرب الشرقية . ثم انضمت الى قوة الغزال بعد قليل وحدات من المدفعية السودانية.التي لعبت بمدافعها الهاونزر عيار 3,7 دوراً حاسماً في الزحف على كرن واحتلالها . وكانت كرن أشد منعة من أنف الأسد . وتزامن تشكيل قوة الغزال مع قيام الإيطاليين بتعزيز مواقعهم الأمامية ، وشمل ذلك تعزيزهم للواءاتهم الثلاثة المرابطة في مثلت كسلا وتسني وسبدرات بلواءين آخرين من الجيش الاحتياطي . بينما وصلت الى كسلا سريتان من المقاتلين الإيطاليين ذوي القمصان السوداء . وتصدت قوة الغزال في أول عملية قتالية لها لقوات العدو المرابطة بالقرب من ” تهاميام ” واشتبكت معها في ماعرف بمعركة ” أبار تهاميام ” وتمكنت قوة الغزال من زعزعة العدو هناك وأجبرته في النهاية على الانسحاب الى داخل الأراضي الإرترية . وجاء في هذا الصدد في التاريخ الرسمي البريطاني للحرب العالمية الثانية ” لقد أقنعت المعركة التي خاضتها قوة الغزال عند أبار تهاميام ثم غاراتها المتواصلة . أقنعت الجنرال فروتشي القائد العام للقوات الإيطالية في القطاع الشمالي بأن البريطانيين سيداهمون خطوطه مع كسلا من ناحية الشمال . وهكذا قام في 31يسمبر 1940 بسحب قواته من هناك الى كيرو . وهذه المرة الأولى التي يعترف القائد الإيطالي بتحول إستراتيجيته من الهجوم الى الدفاع . وبعد معركة أبار تهاميام انتقلت وحدة من قوة الغزال من مقرها الرئيسي في ” دقين ” الى جبل بالقرب الى هناك . فكانت معركة ” شوشيب ” التي قام فيها حوالي ثلاثمائة من قوة الغزال بمحاصرة الفرقة الإيطالية ، وإبادة القوة الإيطالية التي جاءت لنجدتها وفك الحصار . وكانت هذه القوة الأخيرة تضم حوالي ثلاثمائة مقاتل من الجنود الإرتريين واستمر الحصار الذي بدأ في أول نوفمبر حتى العاشر منه حيث حاولت قوة الغزال اقتحام موقع العدو ، ولكن لم يحالفها التوفيق نظراً لمناعته . واضطرت في النهاية الى الانسحاب عندما بلغتها أنباء تقول أن لواءا كاملاً في طريقه لنجدة المحاصرين . وفي اليوم التالي ارتدت الفرقة الإيطالية بدورها الى داخل الراضي الإرترية . واستمرت قوة الغزال في القيام بعمليات الاستطلاع والمراقبة على الخطوط الأمامية للعدو . كما قامت خلال غارتين خاطفتين بقطع أسلاك الهاتف بين كسلا وتسني . وفي الوقت نفسه قامت قوة من المجموعة الثانية من البلوكات السريعة المرابطة عند جسر البطانة بعبور نهر القاش واشتبكت مع وحدات العدو في المنطقة الواقعة بين كسلا وتسني ، ثم عادت ومعها مجموعة من الأسرى ، ومن ناحية أخرى وافقت السلطات العليا أخيراً تحت إلحاح شديد من جانب قيادة قوة الغزال على تسليح مليشيا فروستي ” الهدندوة ” وزيادة عددها الى مائة وخمسين يرتدون زيا رسمياً يتألف من قميص وسروال قصير من الكاكي ووشاح أحمر ، وأخضع رجالها لفترة تدريب على استخدام البنادق وأعمال الاستكشاف وملاحقة الجواسيس المعادين . وقد أقبل رجال المليشيا على التدريب في حماسة بالغة ولكنهم لم يخفوا تذمرهم من ” طابور الصباح ” وقال أحدهم وقد نفذ صبره مخاطباً الضابط البريطاني دعنا من ” لف جاي وجاي نحن عاو زين نحارب ” . أساليب تضليل العدو التي أتبعتها قوة دفاع السودان : رأى ” الجنرال بلات ” بعد عودته من مؤتمر القاهرة الذي أجاز فيه الجنرال ” ويفل ” خطة الهجوم ، أنه يتعين عليه تضليل العدو تضليلا كاملا فيما يتعلق بمخططاته ونواياه ، فخلق وظيفة جديدة في قوة الدفاع لتحقيق هذا الغرض أشترط فيمن يشغلها ، أن يكون مخادعا ومحتالا من الطراز الأول ، وفشار لايشق له غبار ووقع اختياره على ضابط بريطاني بعد معاينة دقيقة أدارها بنفسه . وقد سأل الضابط خلال المعاينة إن كان في إمكانه التكتم على الأسرار . فأجابه نعم ولكني الى حد ما ياسيدي . ثم سأله القائد العام إن كان كاذباً حاذقاً ، فرد عليه الضابط ” أجل لقدكنت واحداً من أمهر لاعبي البوكر في كامبريدج ” . وبدا الضابط المحتال مهمته بتسيير مجموعة من السنابك جيئة وذهابا بين عقيق ومواقع أخرى على البحر الأحمر . ووقع الأسطول البريطاني في حيرة وحرج عندما قام الضابط المحتال ببناء رصيف ممتد من الحر بالقرب من عقيق . دون أن يحاط قائد الأسطول علماً بأن الرصيف لن يستخدم على الإطلاق . وبينما كانت القوات الحليفة مرابطة في منطقتي القاش ونهر عطبرة وهي على أهبة الاستعداد للهجوم كان صاحبنا ” الضابط المحتال ” مشغولا بمد خط حديدي جديد من القضارف الى القلابات . ولم يكن مقصوداً استخدام ذلك الخط في أي يوم من الأيام . كما شرع في تشييد سلسلة من المطارات التي لاحاجة لهبوط طائرات فيها . وقام أيضاً بصنع دمى لدبابات وضعها بالقرب من القلابات . بل أن تحمسه للخداع والاحتيال وتضليل العدو دفعه الى بناء مستشفى وهمي إمعانا في التمويه على الطائرات الإيطالية . كما درج في أحاديثه على الإشارة الى الفرقة الهندية الخامسة متلاعبا بالألفاظ على نحو إدخال في روع الإيطاليين إنها خمس فرق هندية . وفي الواقع إن الجنرال ” بلات ” القائد العام لقوة الدفاع السودانية قد أعتمد منذ الأيام الأولى للحرب على أساليب الخداع وتضليل العدو بسبب ضعف إمكانياته العسكرية . ثم اتسعت دائرة الخداع والتضليل مع اكتمال الاستعدادات للزحف واكتسبت أبعادا جديدة . والحرب كما يقولون خداع . وتكشف مدى نجاح ” بلات”في ذلك عندما أبدى ” دوق أوستا ” الحاكم الإيطالي دهشته من مجرد تفكير السلطات السودانية في إمكانية قيام القوات الإيطالية بالزحف على منطقة القاش . وأعترف الدوق بأن ذلك لم يدر بخاطره مطلقاً نظراً لضخامة ومناعة قوات الحلفاء المرابطة في المنطقة المذكورة . ولابد من أنه عض بنانه نادما لما قيل له بعد الهزيمة . إن تلك القوات التي كان يخشاها ظلت مقتصرة لمدة طويلة على وحدة بريطانية صغيرة وسرية من البلوكات السريعة التي لاسبيل الى تحريكها في موسم الأمطار . لقد راح ” دوق اوستا” كغيره من الجنرالات الإيطاليين ضحية اعتماده على أجهزة المخابرات الإيطالية التي فقدت منذ البداية صوابها وأصبحت ضحية لحملات الخداع والتضليل من قبل أجهزة المخابرات السودانية وأعوانها المدنيين . …. يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى