مقالات

فارسٍ آخر يغادرنا بقلم المناضل حمد كُلُّ

27-Dec-2014

عدوليس ـ ملبورن ـ

تباغِتنا المنايا ، تفجعنا ، تتركنا حزانى، تنتزع منا كل مره رفيقاً يصعبُ تصديق موته في لجه الحزن والألم . إنها اللحظهُ الفارقة بين الحضور والغياب، بين الوجود والعدم . فراقٌ طعمه كالحنظل ، لكنه قضاء الله وقدره . إنه الفراق للحاق بالرفيق الأعلى في الفراديس العُلى . جمعنا الوطن وبا عدتنا المهام ، ثم حاد علينا الزمان من جديد ضمن ضرورات العمل الوطني ،فالتقينا، ثم تفرقنا. كان ذلك هو الفراق الأبدي . أبا يحيى في رحلته بين الولاده والرحيل وقف شامخا، حارسا للحلم وللذاكره

حين يُسلبُ منك الوطن والتاريخ ، لاتملك أبدا ترف الاختيار بين أن تكون أو لاتكون . كان هذا دائماً شعارُك ، هو طريق واحد كلنا نسلكه لإمكان فيه لأنصاف الحلول أو المساومه، هو طريقٌ واضح لا إرتهان فيه للآخر . في زمنٍ كثِر فيه المغامرون والعابثون والسائحون . لكننا جميعا نعلم علم اليقين بأنه وفي النهايه لن يبقى في الارض الا ملحُ الارض وحراس الحلم القابضون على الجمر ، وحدهم هم الباقون في حزن الناس وفرح الناس وفي أحلام البسطاء وفي ذاكرتهم .عَرِفتُ عمر جابر إول مره علم ١٩٦٢ وقتها حدث بيني وبين تنظيم حركه تحرير ارتريا الطلاق السياسي ، وانتميت لتنظيم جبهه التحرير الارتريه لتجمعني به اللجنهُ الفرعية لتنظيم جبهه التحرير الارتريه في الخرطوم . كان عمر جابر وقتها يدرس في جامعه الخرطوم . شغفه بالوطن جعله يترك الدراسه في الجامعه واتجه الى كسلا حيث أصبح عضوا في القياده الثورية . وبعد فتره انتقل الى بغداد لإكمال دراسته ، لكن لواعج حب الوطن حالت دون إكمال دراسته في بغداد خاصه وهو ينتمي لاسره استشهد اثنان من أبناءها فداء للوطن وهما جعفر والدكتور يحيى جابر .في عام 1976 اُنتخب رئيساً للاتحاد العام لطلبه ارتريا ثم لاحقا لاتحاد الشباب الارتري ، في تلك الفتره شارك هو وزملائه في عده مؤتمرات للمنظمات الطلابية والشبابيه العالمية الديمقراطيه .وجاء زمانٌ آخر فتقلد مواقع قياديه في جبهه التحرير الارتريه وفي التنظيم الموحد ، في كل هذه الفترات لم يتوقف قلمه عن كتابه المقالات أو تأليف بعض الكتب . لا يمكن أن أنسى يوم توجهنا الى اسمرا بدعوه من الحكومه الارتريه الإنتقالية ، تلك الدعوة التي وُجهت لقياده التنظيم الموحد ، كان الوفد المتجه الى اسمرا برئاسه المغفور له محمد سعيد ناود وعضويه كل من محمود اسماعيل،محمدعلي قاضي ، عمر جابر ، همد محمد سعيد كُلُّ . أقلعت بنا الطائرة من مطار القاهره صبيحة الثاني من ديسمبر ١٩٩٢ متجهه صوب اسمرا عبر أديس أبابا . أذكُرُ كنت إجلس في مقعد ملاصق لعمر جابر ، كنت إحس ومع الآخرون والطائرة ُ تسبح بنا في الفضاء بشعور غريب ، وهذا ما وجدته في عمر جابر ، شعورٌ بنشوه وهج الانتصار والفرح بإعلان الاستقلال القادم ، أحساسٌ بأنك ذاهب الى وطنٍ حُرمت منه زمنٌ طويل ، شعورٌ بدخول مرحله جديده لقيام دوله حديثه في طور النشأة والتكوين .كان عمر جابر فرحا ، كان بحس بشيءٍ أقرب الى النشوه، بدأ يحكي عن أحلامه و آماله وعن مشاريعه القادمة . لكنه كان يتهيب وكان يُعبرُ عن شعورنا جميعا ، لأنه كان يعلم أنه سيتعامل مع أناس لم تجمعه بهم أي تجربه ، فقط المعرفه بالسماع لكنه كان متفائلا . وازداد هذا التفاؤل بعد قضاء أيام قليله في اسمرا ،حين شُكلت لجنه برئاسه محمود شريفو وعضويه كل من يمانى قبرآب ونيازقي كفلو . ودار الحديث والنقاش بين وفد التنظيم الموحد ووفد الحكومه الانتقالية لمده يومين أو ثلاثه لا أذكر ، وبعدها بأيام تم اللقاء برئيس الحكومه الانتقاليه . في اللقاءات التي جرت معهم ، وأعني شريفو ويماني ونايزقي تحدثوا كثيرا وأفاضوا في حديثهم قائلين إن الحكومه الانتقاليه وبعد الانتهاء من الاستفتاء ستُكونّ مفوضية لكتابه الدستور ، وسيسمحون بإقامة أحزاب وتحدثوا عن أماني كثيره وركزوا ان الجبهه الشعبيه ستشرك كل القوى الوطنيه في صياغه مستقبل البلد. ربما كأفراد كانوا صادقين في ما قالوا وأخصُ منهم محمود شريفو ، لكن الذي اتضح لاحقا أنهم لا يملكون شيئا حتى مصيرهم .بعد إنفضاض اللقاءات والنقاشات التي دارت في ذلك اللقاء كان عمر جابر وما سمعه ،قد ازداد تفاؤله . وبمرور الأيام بدأت تتضح معالم كثير من الأشياء ، لكن الحقيقه التي أودّ سردها هنا ، ان الذهاب او شد الرحال الى الوطن كان من منطلق الإيمان بأن المرحله التايخيه التي ناضل من أجلها كل أبناء الشعب الارتري قد أنجزت ، كانت المرحله تتطلب تضافر الجهود من إجل بناء وطن دمرته الحرب طيله الثلاثين عاما . لكن الاستهانة بالآخر وعقليه الإقصاء والاستبداد والاستحواذ بمكاسب الاستقلال التي تحكم عقليه حاكم ارتريا حرمت البلاد من الطاقات ذات العطاء المتعدد ، ولهذه الأسباب غادر البعض ارض الوطن وآخرون زُجْ بهم في السجون ولم يُعرف مصيرهم . يا لهذا الوطن..!! كم هم الذين التهمتهم السجون وأخرون لم يجود الزمان عليهم للعيش في أوطانهم كرماء فابتلعتهم المنافي أو وُريت جثامينهم في الغربه. عمر جابر غادر الحياه ،لكن الحياه تأبى ان تغادر قامهُ على هذا القدر من الإباء .رحل عن هذا الوطن الجريح الذي تفتك به عصابهٌ مليئه بالأحقاد وتنثر الأصفاد . عمر جابرمقاتل مغوار قضى عمره مفتون ببناء وطن منسوج بالكلمات والأماني .ستبقى ماء روحه المنبثه في كتاباته وكتبه وشعره الذي تغنى به الفنان حسين محمد علي . رحم الله عمر جابر رحمه واسعه واسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء . نواسي الأخت مليكه ياسين وأبناءها وجميع آل جابر عمر وآل ياسين على هذا الفقد الجلل ، اما العزاء فلنا جميعا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى