مقالات

فورتو .. سقوط أقنعة وتجدد الأمل في التغيير كتبها / خالد إبراهيم

26-Dec-2013

عدوليس

شارف العام 2013 على الرحيل .. وعلى الرغم من ان ارتريا تستقبل عامها الجديد وافورقي مايزال في سدة الحكم، الا ان هناك ما يدعو للتفاؤل، حيث يُطل علينا العام الجديد وفي معيته الذكرى الأُولى لحركة يناير المجيدة بما تجسده من آمال كبيرة في التغيير .

تظل “عملية فورتو” التي جرت احداثها فى يوم 21 يناير من العام الحالي، علامة فارقة ونقطة تحوّل في الجهود الرامية لإسقاط الدكتاتورية في ارتريا. ذلك لما لها من دلالات وما ترتب عليها من ردود فعل داخل الوطن وخارجه .
تحركت في صبيحة ذلك اليوم وحدات عسكرية تابعة لسلاح المدفعية، بكامل عدتها وعتادها صوب العاصمة، ونجحت في السيطرة على المطار و مقر وزارة الإعلام في المنطقة المعروفة – بفورتو- داخل اسمرا ، حيث الإذاعة والتلفزيون !
الوصول لفورتو وهو موقع إستراتيجي محصن يحمل دلالة كبيرة، ما يعني ان عاصمة البلاد، بما تمثله من رمزية سياسية وتحويه من مقرات سيادية بما فيها قصر الحكم، قد اصبحت تحت مرمى نيران هذه القوة التى اكتفت ببث بيان بمطالبها الإصلاحية عبر جهاز التلفاز ! ما أُعتبر صفعة في وجه النظام. الذى بدى مرتبكاً في التعامل مع الحدث.
لو اراد هؤلاء الثوار القيام بإنقلاب عسكري والإطاحة بالرئيس وحاشيته، لتسنى لهم ذلك بأقل الخسائر. في ظل مناخ عام محلي ودولي يدفع في هذا الإتجاه. وليتهم فعلوا !!! إلا ان البراءة السياسية والنقاء الثوري وربما سوء التقدير وجميعها عوامل دائماً ما تقدم خدمات جليلة لكل مستبد. ولكن الى حين.
مايميز حركة 21 يناير عن سواها من محاولات الإصلاح والتغيير، كونها كشفت بشكل صريح ان ” المؤسسة ” الوحيدة فى البلاد لم تعد اداة طيعة فى يد السلطان، وان مطالبها الإصلاحية احرجت النظام والمناوئين له فى الخارج على حدٍ سواء.
داخلياً.. سقط حاجز الخوف، الذي ظل مسيطراً على المشهد لسنوات، خاصة في اوساط صغار الضباط والجنود من منتسبي الخدمة الوطنية – المفتوحة الأمد – وهي فئة عانت كثيراً ودافعت عن الوطن وسيادته في حروب النظام العبثية. انعكس هذا بدوره على عامة الشعب الإرتري الذي – فاض به الكيل – واصبح يجاهر بآرائه، منتقداً النظام ومعبراً عن تضامنه مع ابنائه في قوات الدفاع الإرترية فى سعيهم لإحداث اي نوع من التغيير في البلاد، تمثل ذلك في ظهور مفردات واساليب احتجاجية جديدة – كجمعة التحرير – والرسم بالكلمات على الجدران، لتمجيد حركة 21 يناير والإشادة بقائدها الشهيد سعيد حجاي الملقب بود علي .. ناهيك عن نكات لاذعة تسخر من الدكتاتور ودولته البولسية التى أُصيبت في مقتل .
خارجياً .. لم يكن اداء المعارضة الوطنية فى مجمله على مستوى الحدث. حيث أنها لم تتحمس لبلورة موقف قوي وموحد داعم لمطالب الإصلاحيين بحجة التريث وعدم الإندفاع وهو امر غير مبرر، إلا إذا اعتبرنا انه قد تم لغرض في نفس يعقوب، ما اتاح المجال لظهور عناصر تدّعي انها الأقدر على التنسيق مع من يريد ان يُصلح الحال من داخل البلاد بحكم ما يجمع بينهم من قواسم مشتركة.
الحراك الشبابي في دول المهجر برغم مايعانيه من تشرذم وما يتعرض له من إستقطاب، كانت له مواقف قوية وأكثر تقدماً تمثلت في سعيهم الدؤوب للتواصل مع الداخل عبر وسائل الإتصال الحديثة ومحاولة نقل ما كان يجري من احداث للعالم الخارجى. اضافة لوقفات احتجاجية قوية أمام السفارات الإرترية، حيث وصل الأمر لإقتحام بعضها كما حدث فى كل من لندن وروما. كذلك ممارسة التضييق على رموز النظام ومطاردتهم أثناء جولاتهم الخارجية .
لقي الشهيد ” ود علي ” الذى تحول إلى أيقونة للثوار مصرعه في ظروف لا تزال غامضة، فيما يقبع رفاقه في السجون دون محاكمات. لو تسنى لهذا القائد ان يتحدث قبل ان يُنحر ربما لسمعنا منه كلمات تشبه تلك التى صدح بها جمال جميل في وجه الإمام احمد بن يحيى قُبيل تنفيذ حكم الإعدام في حقه.. وهي قصة جديرة بالسرد في عُجالة، في سياق الحديث عن ” ود علي ” ورفاقه الشجعان .
جمال جميل ضابط موصلي، حطت به الرحال في اليمن فى العام 1940. ضمن بعثة عراقية لتدريب جيش المملكة المتوكلية، في إطار تعاون عسكري بين البلدين. لم يكن اليمن يومها سعيداً. كانت البلاد تعيش فى وضع مزرى وتخلف شديد. وعُرف عن الإمام يحي قسوته وبطشه بشعبه، ما ترك أثراً قوياً فى نفس هذا الضابط الشاب .
انهت البعثة مهمتها بعد اربع سنوات، وعادت الى بلاد الرافدين. إلا أن جمال تخلف عن العودة، مفضلاً البقاء في اليمن، الذي احبه أرضاً وشعباً. حيث عُين مديراً لمعهد صنعاء العسكري، ما أتاح له الفرصة لإقامة علاقات وطيدة مع قادة المستقبل من ضباط وجنود، ينشر بينهم الوعي الثوري ويحثهم على المطالبة بحقوقهم وحق الشعب اليمني فى حياة حرة كريمة. أصبح الرجل شخصية عامة ومحبوبة، يتفاعل مع قضايا الناس، يشاركهم أفراحهم وأتراحهم، وكوّن صلات قوية بشرائح كبيرة فى ذلك المجتمع المحافظ.
تمكنت مجموعة من الضباط بقيادة هذا الثائر العراقي من الإستيلاء على مقاليد الحكم فى البلاد فى عام 1948. فيما عُرف بثورة الدستور، والتي أدت لمقتل الإمام يحي. تنفس أهل اليمن الصعداء، إلا انه سرعان ما استرد الإمام أحمد عرش أجداده بمساعدة بعض القبائل من أنصار الملكية، وتم إلقاء القبض على الثوار وقائدهم.
جمع الإمام أحمد حشداً كبيراً من الناس ليشهدوا تنفيذ حكم الإعدام فى الإنقلابين فى أكبر ساحات العاصمة صنعاء ” ميدان التحرير” فى مشهد ترويه جدارية رائعة في المتحف الوطني الذي أُقيم فى مكان ليس ببعيد عن مسرح الحدث.
بدى قائد الثوار فى هذا اليوم متماسكاً واثق النفس، ما أثار حفيظة الإمام الجديد، فأمر ان يطاف به مكبلاً بين الحشود إمعاناً فى الإذلال، فما كان منه إلا ان حيّى الناس متبسماً وهم فى حالة وجوم.
كان بين من أُحضر ليشهد هذا اليوم طلبة الكلية الحربية ليكون ذلك عبرةً لهم، حيث وقفوا فى صفين متقابلين ودُفع بجمال جميل وقد أنهكته القيود ليمر أمام طلابه، وما ان رآهم حتى بدأ يردد: ” لايرهبكم مصرعي ودمي … فالموت فى سبيل الواجب شرف و خلود”.
اقترب الإمام أحمد من هذا الثائر وهو يواجه مصيره المحتوم، فلم يبدِ أي ندم على مافعل، بل قال بصوتٍ جهورٍ تلك العبارة الشهيرة، التى دائماً ما يرددها اليمنيون: ” إنّا قد حبلناها وأنّها ستلد “. وقد صدق الرجل إذْ لم يمضِ الكثير بعمر الشعوب حتى أطل على أهل اليمن عبدالله السلال، أحد رفاق وطلبة جمال جميل، ليعلن للشعب عن قيام الثورة ومقتل الإمام أحمد.
لن تذهب الدماء التى سالت من أجل التغيير في ارتريا سُدىً. فالأيام حبلى بالأحداث ونحن فى إنتظار المولود. لايعنينا شكل الجنين ولاجيناته الوراثية، يكفي انه سيولد من رحم معاناة الشعب فهو ملك للجميع يحتاج من يدافع عنه ويرعاه ويضحي في سبيل الحفاظ عليه وتنشئته بشكل صحيح حتى يكون باراً بأهله وذويه.
كل التجارب التي خاضها الشعب الإرتري بما فيها تجربة “الشعبية” بما لها وما عليها ملك للوطن .. أما “الجبهة الشعبية” كتنظيم فهي فى غرفة “العناية المركزة” فى حالة حرجة ان لم تكن قد رحلت بالفعل شأنها فى ذلك شأن كل الأحزاب السياسية والتنظيمات الثورية التي خاضت النضال من أجل التحرر الوطني وأسهمت فيه بقدر متفاوت منذ فترة تقرير المصير وحتى إعلان الإستقلال.. كانت جميعها ملئ السمع والبصر ” كلٍ فى وقته ” وهى اليوم أثر بعد عين.
ان من يرى “الجبهة الشعبية” فى كل حراك يأتى من داخل الوطن، إنما يرى أشباح لا وجودَ لها! علينا التعاطي مع الأحداث التى تجري بشكل متسارع داخل البلاد وخارجها. ربما تشهد المنطقة تحالفات جديدة .. فالسياسة فن الممكن، وقد بدأ أفورقي الدوران حول نفسه نتيجة لضغوط داخلية ليعلن من كينيا التي زارها مؤخراً ” ان العلاقة بالجارة إثيوبيا مهمة ويجب ان تكون إستراتيجية”، هذا بالتزامن مع تصريح للرئيس البشير عن عزم السودان القيام بوساطة بين البلدين .. قال هذا فيما كان رئيس وزراء إثيوبيا إلى جواره فى دلالة سياسية لا تخطئها العين.
تلوح فى الأُفق إرهاصات لسباق محموم بين النظام والحراك الجديد للمنشقين عنه لكسب دعم دولي وإقليمي فى إطار صراع يملك كلٌ منهما أدواته. فيما يظل الرهان الحقيقي على الوضع في الداخل. اما المعارضة والمتمثلة في المجلس الوطني الإريتري فلا تحرك ساكناً، حيث تكمن المعوقات فى مكوناته. والجمود فى وضع متحرك لا يعنى بالضرورة الثبات على المبادئ khaldon65@hotmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى