مقالات

قراءة فى العقل الارترى : الحلقة الثالثة والرابعة .. عمر جابر عمر

11-Mar-2007

المركز

السلطة (الدولة
فى المناطق الاسلامية وكذلك فى المرتفعات المسيحية كانت السلطة بيد الادارات المحلية وبقيت كذلك حتى جاء الايطاليون واوجدوا ادارة موحدة وبقى من استعانوا بهم فى الادارات المحلية كانت الادارة متاثره بالبيئة والتركيبة الاجتماعية فى كل منطقة – ففى المنخفضات كانت افقية وفى المرتفعات كانت رأسية

كانت قبلة المسيحيين فى معرفة الدولة نموذجا لهم هى اثيوبيا الامبراطورية – وبالنسبة للمسلمين (السودان والسعودية) ثم بعد الهجرة تعددت التجارب لتشمل الشرق الاوسط واوربا وامريكا … جبهة التحرير كنموذج اسلامى لبنا الدولة مرت بمحطات وكانت مسيرتها افقية مثل السهول الارترية المنبسطة كانت سلسلة فى بدايتها الاولية مثل القطار وان تعرج فى احيانا الا انه يعود الى اتجاهه الاصلى فى حين ان التطور فى حالة الجبهة الشعبية كان راسيا : تتلاحق وتترابط المراحل فى ايقاع موحد والن اختلفت نغماته صعودا وهبوطا وتتصل المراحل بحيث ان كل مرحلة هى مقدمة لما يليها وان بدت فى بعض الاحيان مظاهر الانفصال والتباعد الا ان ذلك هو مثل الفراغات التى توجد فى السلم بين درجة واخرى لا تمنع من يصعد ان يواصل تسلقه ولا تؤثر على من يريد الهبوط الى المستوى الذى يمكنه من التقاط الانفاس واعادة الصعود،المسلمون فشلوا مرتين فى خلق نموذج مبكر للدولة التى يريدون – بالرغم من وضوح الرؤية لديهم الا ان التطبيق العملى برهن على اتساع الفجوة بين ما هوا خاص وما هو عام .المرة الاولى عندما طلب من الشيخ (على رادآى ) احضار قائمة موحدة تمثل المسلمين فى الحكومة الفدرالية – عجز عن احضار تلك القائمة فى حين ان (تدلا بايرو ) احضر قائمة المسيحين .المرة الثانية عندما كان الامر بيدهم فى بداية الكفاح المسلح عجز المسلمون عن الاتفاق على صيغة واحدة موحدة وخرجت بعض الفئات (سمهر – ماريا – ساحل ) والتحقت باسياس افورقى وتنظيمه الجديد .ومن يومها والتوجه الاسلامى فى حالة تراجع ودفاع عن النفس ووجدت الجبهة الشعبية الارض خالية لها واقامت دولتها وطبقت شعاراتها .ولكن الموروث الثقافى والتباين الاقليمى لعب دوره ايضا فى انهاء دولة النخبة المسيحية – فالرمز (الامبراطور ) اصبح الرئيس الثورى – وغياب مفهوم الديمقراطية ادى الى احتكار السلطة وعدم وجود تجربة فى بناء الدولة وضعف الموروث الثقافى قاد الى الجهل والعجز والاستمتاع بالسلطة بمعناها المادى والسطحى .فى مرحلة العمل المشترك كان المناضل من ابناء المرتفعات الارترية يدافع عن اخيه امام المسلم من المنخفضات الارترية ولان المعرفة لم تكن كاملة كان ابن المنخفضات يقبل بالمر الواقع .ولكن ما ان يدب الخلاف بينهم فان احدهما يتهم بانه من (تقراى) ! ويحتار ابن المنخفضات ويحاول اجترار التجارب الماضية وتتعمق لديه الشكوك تجاه الاخر .التعايش والمشاركة التعايش والمشاركة فى صورته الطبيعية ومستواه البدائى كان موجودا ومحسوسا فى المجتمع الارترى – من الرعى والزراعة فى (بركا لعال ) والتجارة فى سمهر والساحل وحتى التضامن والتعاون فى القاش و(بركا) خاصة تجاه الغزو الاجنبى (راس الولا ) كل ذلك كان محكوما بالمستوى الذى يصل اليه الوعى الكلى والدرجة التى توجه وتحدد كيفية التعامل والمصلحة المشتركة .لم تشهد ارتريا حروبا بين القبائل او قتالا مسلحا الا مع دول الجوار (السودان – اثيوبيا) كانت هناك خلافات على الارض وبعض الامور الادارية – ذلك صحيح ولكنها لم تصل الى درجة الاقتتال والتناحر الدائم اما المشاركة فتلك مسالة محكومة بالجانب الاخر من التركيبة الثقافية وتاثير البيئة والتكوين العقلى العقل الارترى فى تكوينه وتركيبته منقسم الى قسميين : قسم عام وكلى يبحث عن الاخر والتكامل معه والمشاركة قسم خاص وجزئى يحاول تثبيت ما يعنى فئة بعينها ويعطى الاولوية للشان المحلى والخاص قبل العام والكلى – هذا القسم هو الذى يوجه ويحدد درجة التعاون والمشاركة ويتطلب معرفة الاخر والتعرف عليه ومن ثم الاعتراف به والتعامل معه .والقسم الثانى من التكوين العقلى هو الذى يختلف واحيانا يتناقض مع (الشريك) وذلك يتوقف على اسباب وعوامل التكوين وتحديد الهداف لكل فئة فاذا قسمنا المجتمع الارترى الى فئتين نجد ما يلى اولا : النخبة المسيحية من ابناء المرتفعات الارترية – تكونت هذه النخبة تحت تاثير امتلاك الارض من جهة ونفوذ الكنيسة الارثوذكسية (ثقافيا ) من جهة ثانية لم تهتم بالشأن الكلى ( ارتريا ) وكانت صراعاتها الداخلية ( الاقليمية ) هى الدافع لتحقيق التفوق الاقتصادى والتميز الاجتماعى والعلاقة مع نموذج الدولة الذى نشأت عليه اثيوبيا رفضا او قبولا تلك النخبة كان عقلها الخاص والجزئى هو الذى يوجه حركتها ويحدد درجة تعاملها مع الشان العام والكلى .فى ظل تلك البيئة وبسبب تلك العوامل تطورت تلك النخبة وكان اول موقف عام لها هو رفض اللغة العربية فى البرلمان الارترىوكان الموقف العام الثانى هو انحيازها لمشروع الاتحاد مع اثيوبيا (الام) – تقرير المصير ما عدا قلة اثرت الانضمام الى الكتلة الاستقلالية لاسباب تاريخية واجتماعية (رأس تسما – وولدأب ولد ماريام) والموقف الثالث كان من جبهة التحرير الاررترية ومشروعها الوطن – فمنذ عام 1961 وحتى 1975 كانت هناك مقاطعة كانت هناك مقاطعة للجبهة وشك دفين فى نواياها وتركيبتها ولكن بعد فشل محاولة الحصول على وضع (المدلل ) فى اثيوبيا هاجرت النخبة ومن معها الى الثورة ولكنها وهى تفعل ذلك فانها وضعت شروطها – تغليب الخاص على العام وفرض سيطرة الجزئى على الكلى .بدأت بمحاولات داخل جسم الجبهة ( الفالول والخروج الكبير حتى راساى ) وحينما تعثرت كل تلك التجارب تكونت (الجبهة الشعبية ) كتعبير وجسيد لاحلام واهداف تلك النخبة – اذا كان لابد من ثورة فلتكن بقياداتنا واذا كان لابد من ثورة فلتن بقياداتنا واذا كان لابد من فصل ارتريا عن اثيوبيا فلتكن الدولة الارترية ذات تركيبة ومحتوى وتوجه مختلف عن ذلك الذى بشرت به جبهة التحرير الارترية .وبدلا ان تكون ارتريا باحثة عن (ام) وملحقة باثيوبيا – لتكن منافسة لها اقليميا ودوليا !!ولكن كل ذلك يجب ان يتم تحت مظلة القسم الخاص والجزئى للعقل الارترى لابناء المرتفعات (سيادة الثقافة واللغة ) وجعل للتنافس التاريخى والاستعلاء الاجتماعى الذى كان يمارس بين ابناء المرتفعات الارترية وابناء تقراى يأخذ طابع (الدولة ) واشراك كل المصادر والموارد لحسم تلك المعركة والتى ما تزال مستمرة حتى اليوم .ثانيا : النخبة الاسلامية (المنخفضات الشرقية والغربية ) كان ظهور الرابطة الاسلامية انعطافا بارزا فى تكوين وتركيبة تلك النخبة خاصة بعد انضمام ابناء المسلمين فى المرتفعات الارترية (الجبرتى والساهو) كانت التناقضات الداخلية بين هذه النخبة كثيرة ولم يتم تجاوزها او حلها مبكرا ما ادى الى انقسامها الى شرقية وغربية ثم بروز التناقضات الثانوية (تقراى وشماقلى ) وانضمام قيادات اجتماعية وادارية بارزة الى حزب الوحدة الاثيوبى ،ومع تعثر مشاريع الاستقلال تراجع تأثير الجزئى امام الكلى وانحر الخاص ليفسح المجال امام العام – تمثل ذلك التوجه فى الموقف التالية :تبنى اللغة التغرنية الى جانب العربية فى البرلمان الارترى فى حين ان الجانب المسيحى كان قد رفض اللغة العربية المناداة بالاستقلال التام وضرورة مشاركة الجانب الاخر فى الاعداد والتحضير عندما انطلقت جبهة التحرير كانت تمثل مشروعا وطنيا فى دستورها وشعاراتها وتم اقرار اللغة التقرنية رغم غياب اصحابها حتى عام 1975 .وبالمقابل كانت النخبة الاسلامية تفشل فى اتخاذ موقف واحد وموحد – المرة الاولى عند تكوين الحكومة الفدرالية والمرة الثانية عندما كانت جبهة التحرير توصف بانها اسلامية 1961- 1975 وخرجت من رحمها مجموعات اسلامية (الماريا والساحل وسمهر ) بسبب ممارسات وتوجهات كانت ضارة بالعمل الوطنى فى مجمله ولم يستند منها غير النخبة المسيحية .الخلاصة :النخبة المسيحية تعرفت على الاخر وعرفته ولكنها لم تعترف به ولم تعتبره شريكا مساويا له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات .عملت على تغليب عقلها الجزئى على الكلى وفرض تركيبتها الخاصة على الشان العام وما يجمع الارتريين كافة وبالمقابل فان النخبة الاسلامية لم تتعرف على الاخر ولم تعرفه جيدا ورغم ذلك فانها اعترفت به وتعاملت معه كشريك كامل -وعندما فشلت تلك النخبة فى استلام السلطة او حتى تحقيق سلطة مشتركة تراجعت الى مواقع العزلة والبحث عن كيان وهوية اقليمية او ثقافية تتراوح بين الفدرالية وحتى الانفصال المستحيل .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى