مقالات

كابوس الموت جوعا يخيم مجددا على القرن الأفريقي! بقلم / محمد أبو حامد *

14-Jul-2011

المركز

انه القرن الأفريقي أرض الرمال المتحركة كما يسميه البعض وذلك نظرا لحالة عدم الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي والإنساني التي يتميز بها، حيث يعاني منذ عدة عقود مضت من حالة مستعصية من التقلبات السياسية والأمنية والحروب والنزاعات الداخلية التي حولت حياة سكان هذه المنطقة إلى البؤس بكل تفاصيله، رغم القول بان هذه المنطقة من أفريقيا والتي تطل على العالم العربي عبر باب المندب والبحر الأحمر وحتى المحيط الهندي، بأنها تتمتع بكثير من الفرص الحيوية التي يندر وجودها بمناطق أخرى من القارة

فمن جديد عادت صور الأطفال الجوعى وكبار السن من النساء والرجال ومناظر الماشية التي نفقت نتيجة الجوع والمتناثرة هنا وهنا في الصحاري بعد ان أطاح بها الجوع الذي لا يرحم في شرق أفريقيا، لتسلط الضوء على مأساة أخرى من مسلسل المآسي الذي أدمنه القرن الأفريقي جراء عوامل طبيعية وأخرى من فعل الإنسان بعد ان استحال الاستقرار فيها والذي يعد رأس الرمح في العملية التنمية بكل أبعادها التي تتخيلها عزيزي القارئ.وأصبحت تلك المشاهد كحلقات متتابعة من المسلسلات والأفلام المرعبة والتي أدمن الآخرون على مشاهدتها كل عام تقريبا، قبل ان يتحرك الضمير العالمي من جديد ويساهم ببعض الحلول المؤقتة التي لا تضع حدا لهذه الظاهرة المستمرة والمتجددة.وهذه المرة تخشى الأمم المتحدة ومنظمات إغاثية من تكرار سيناريوهات مرعبة في هذه المنطقة بعد فترة جفاف تام استمرت موسمين على التوالي بعدها يعزى إلى التقلبات المناخية والبعض الآخر يعزي إلى بني البشر من سكان المنطقة وذلك بعدم اغتنام الفرص المتاحة للإسراع بمسم الزراعة في موعده، فهاهو اليوم الجفاف والجوع يهدد حياة حوالي 11 مليون شخص خاصة في الصومال الذي يعد الأكثر تضررا من موجة الجفاف الراهنة بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية القائمة فيه ومناطق أخرى في جنوب أثيوبيا وشمال كينيا وكلها أيضا دول متاخمة للصومال والذي عزف موظفي الاغاثية الدولية الدخول إليه جراء حالته الأمنية.وقد وصفت منظمة “اوكسفام” المنخرطة في المجالات الإنسانية وهي هيئة اغاثية بريطانية الوضع في الصومال بالكارثي، وقالت في تقرير أخير رصدت فيه الوضع الإنساني في المنطقة ان الحالة الإنسانية التي تتفاقم يوما بعد الآخر بأنها أزمة إنسانية حقيقية نسيها العالم. وأشارت الى ان المنظمات الاغاثية حول العالم اليوم هي في تحدي أنساني من جديد، داعية الى تضافر الجهود من اجل إنقاذ حياة الملايين من البشر سوءا في الصومال والذي يعد مثالا صارخا لما تشهده المنطقة من كارثة إنسانية واقعية او المنطقة ككل من خطر الموت جوعا.وهناك إجماع بين برنامج الغذاء العالمي و منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” و منظمات إنسانية أخرى على أن ما تم جمعه من تبرعات حتى الآن أقل بكثير مما هو مطلوب لمواجهة الأزمة او الكارثة المحدقة بالناس في المنطقة.ويعتقد خبراء يعملون في تلك المنظمة وباحثين زاروا المنطقة، بأنه لا يوجد تعاطف حقيقي حتى الآن مع صور تلفزيونية في أكثر من وسيلة إعلامية لسكان المناطق التي أصابها الجدب والقحط والجفاف هذا العام والتي تذكر بكارثة الجوع في أثيوبيا مطلع الثمانينات من القرن الماضي وذلك على الرغم من حرص موظفي الإغاثة على القيام بعمل شيء قبل وقوع الكارثة وليس بعد أن يصبح من غير الممكن إنقاذ ضحايا الكارثة والذين يكافحون للبقاء على قيد الحياة قدر الإمكان، ويأملون ان يلحق بهم المجتمع الدولي قبل فوات الأوان.وكشفت دراسات أخيرة أجريت من قبل خبراء متخصصين يعلمون لدى المنظمات الإنسانية الدولية، بان أكثر من ستين بالمائة من قطعان الماشية وهي بالمناسبة ما يعتمد عليه سكان المنطقة في حياتهم ومعاشهم قد نفقت جراء انعدام الأمطار وتذبذب المواسم والجفاف والذي حول المراعي إلى صحاري تفتك بالثروة الحيوانية من ماعز وأغنام وأبقار والجمال وغير ذلك مما يعتمد عليه سكان المناطق الريفية في حياتهم اليومية.وتقول منطقة اليونيسيف حسب تقديراتها التي نشرت مؤخرا، أن هناك 480 ألف طفل مصاب بسوء التغذية في منطقة القرن الأفريقي ، أي بزيادة 50% عن عدد الأطفال الذين أصيبوا بسوء التغذية في جفاف عام 2009.ورصدت المنظمة بان الصومال هو الأكثر تضررا من هذا الجفاف خاصة في ضوء استمرار الحرب الأهلية هناك منذ نحو 20 عاما مما دفع الناس للهروب إلى مخيمات اللاجئين لكنها خالية من أي معينات تساعدهم البقاء على قيد الحياة. ويقول مقيمين في معسكر إيواء مؤقت في منطقة “داداب” وسط جنوب الصومال إنهم يناضلون من اجل البقاء على قيد الحياة فقط.كما حذرت منظمة أنقذوا الأطفال الدولية بأن حياة الكثير من الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية في خطر حقيقي، مشيرة إلى أن مزيدا من الأطفال يصلون إلى المخيم من الصومال كل يوم تقريبا وهم في أوضاع مأسوية للغاية بعد أيام قاسية من السير على الأقدام.وذكرت المنظمة ان الحال لم يصل بعد إلى منطقة “ماكويني” إحدى مناطق جنوب كينيا، الى ذات الدرجة السيئة التي وصل إليها الحال في الشمال، ولكن الجفاف أدى إلى عدم نضج حقول الذرة هناك وهو ما جعل سيلفيا موتوا، إحدى سكان القرى، تشتكي من هذا الجفاف وتقول: “لا يمكن أن نأمل في الحصول على محصول للذرة قبل العام المقبل”. وجفت الابار في هذه القرية مما اضطر النساء للذهاب مرة أخرى للنهر لجلب المياه من على بعد مئات الأمتار من القرية.يذكر ان القرن الأفريقي يتصدر الأحداث بطريقتها تقريبا كل عام، وان كان ذلك عبر عناوين الموت من الجوع وحالة الجفاف والقحط التي تتكرر في المنطقة جراء ندرة الأمطار وفشل المواسم الزراعية وعدم استقرار التنمية بالمرة في هذه المنطقة من أفريقيا وذلك لأسباب معروفة تتعلق بحالة الصراع الأهلي فيها وكذلك الأوضاع السياسية غير المواتية التي تعيش فيها دول المنطقة والتي يترتب عليه وضع امني خطير كما هو قائم في الصومال الذي أصبح نموذجا للدولة الفاشلة مع تضاءل الأمل بتحسن أوضاعه في المستقبل المنظور على ضوء مجريات الأحداث فيه والتي تنحدر من سيء إلى أسوأ بسبب القتال الدائر بين المجموعات الإسلامية المتطرفة وحكومة شيخ شريف المتواضعة التي تعمل تحت حماية قوات الاتحاد الأفريقي “AMISOM” دون ان تحقق أي شيء من برنامجها التي شكلت من اجله، وفشلت حتى في توفير ممرات إنسانية آمنة لتوصيل المساعدات الى الشعب الصومالي المتضرر.* صحفي وكاتب متخصص في شؤونالقرن الإفريقي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى