مألات الوضع في أثيوبيا ما بين الحرب و السلام داخليا و إقليمياً. بقلم/ صالح اشواك
15-Oct-2016
عدوليس ـ ملبورن
تصدير الأزمة إلي الخارج* لا يمكن الزعم بأن ما يحدث في أثيوبيا هو نتيجة مؤامرة دولية فقط تديرها أطراف إقليمية كما تزعم حكومة رئيس الوزراء الأثيوبي / هيلي ماريام دسالي من أن إريتريا و مصر تقفان خلف ما يحدث من مظاهر احتجاج طالت بعض مرافق الدولة الحيوية من إحراق للمصانع و المزارع المملوكة لمستثمرين مما يؤثر سلباً علي التنمية الاقتصادية و التي تعتمد علي جذب رؤوس الأموال الأجنبية نتيجة الشح في الموارد الاقتصادية الإثيوبية وعدم كفاءته لمقابلة استحقاقات التنمية التي تشكل المحور الرئيس لحكومة الائتلاف الحاكم .
صحيح أن إقدام أثيوبيا علي بناء سد النهضة و اعتراض مصر عليه بشدة و استمرار حالة (اللا سلم و اللا حرب ) بين طرفي الصراع الدموي ( إريتريا و أثيوبيا) كل هذه المسائل يمكن أن يعتد بها كعامل مهم في تزكية الصراع و الاحتراب الداخلي بين المكونات القومية الإثيوبية و لكن في تقديري أن هذا الأمر ما كان ليكون ممكناً إذا لم تكن هناك مقدمات أفضت إليها السياسات الحكومية الأثيوبية في بلد خرج من عباءة الوصاية منذ انتهاء زمن الأباطرة و لم يعد ممكناً فرض الوصاية عليه من مكون واحد مهما كان له الفضل الكبير من إزالة حكم الدرق الدموي .
من أكبر المشاكل التي تواجه الحكومة الأثيوبية هي مسألة الأرض المتنازع عليها ما بين الحكومة من جهة و ما بين ملاكها الحقيقيين إذ أن الأراضي هي تحت سيطرة القوميات و بالتالي قان نزعها من أصحابها و منحها لمستثمرين أجانب هو أس المشكلة و حتى تخرج الحكومة الأثيوبية من دائرة احتجاجات القوميات وفق التقسيم الجغرافي القديم للأقاليم الأثيوبية فأنها عمدت إلي إعادة ترسيم الحدود بين الأقاليم علي اسس جديدة و حصل تغول علي أراضي (الأروما و الأمهرا ) من جهة لصالح قومية (التقراي) التي تتزعم الائتلاف الحكومي الممسك بسدة الحكم و هذا التصرف الغير حكيم هو الذي دفع بالأقاليم و القوميات للاحتجاج نتيجة أن المشكلة أصبحت مركبة فهي تعبر عن تغول علي أرضيهم من جهة و من جهة أخرى لم يستفيدوا من العوائد المحتلمة من فوائد الاستثمار و انعكاسها علي المواطن و تنمية الإقليم و بالتالي فأن المستفيد الأول من كل ذلك هم التقراي بينما القوميات الأخرى خسارته مركبة فقد خسرت أرضها و كما إنها خسرت العائد من الاستثمار الأجنبي الذي كان بالإمكان الإستفادة منه علي شكل توفر فرص للأيدي العاملة و زيادة القدرة الشرائية و تنشيط الحركة الإقتصادية بينما هذا أنعكس علي قومية ( التقراي) من استحواذها علي أراضي تعود لأقاليم و قوميات أخرى.
إذاً فأن جوهر الأزمة هو داخلي نتيجة الاختلالات في تقاسم السلطة و الثروة ، في تقديري أن سياسة الهروب للإمام سوف تجدي نفعاً و علي الحكومة الإتحادية الإقرار بأس الأزمة هو السياسات المعتمدة و ما يحيق بالمحتجين عليها من بطش نتيجة الإفراط في استخدام القوة و القسوة و أثيوبيا ليست البلد الصغير في مساحته و تعداده إذ أن عدد السكان قارب ما يربو علي المائة مليون مع التنوع القومي الديني الكبير الذي تتميز به أثيوبيا و بالتالي فأن أي معالجة تعتمد علي تصدير الأزمة إلي خارج أسوار الحدود ستزيد الأمر تعقيداً و لن تجدي في احتواء الأزمة الراهنة فلا إريتريا التي تعاني من أزماتها الداخلية قادرة علي تحريك و تثوير كل هذا الزخم من التحرك المناهض لحكومة رئيس الوزراء / دسالي و أن كان لأريتريا دور في الاستفادة من الأزمة من خلال تصعيد ودعم الإحتجاجات فأنه لا يعدو أن يكون ضئيلاً بالمقارنة مع حجم أثيوبيا و معاناة الحكومة الإريترية الاقتصادية و عدم قدرتها علي ضبط مواردها من الذهب و ما إغلاق الحدود بين اقليم حماسين و بقية أجزاء الحدود للمنطقة الوسطى و الغربية و الذي تم فكه بشكل متدرج ما هي إلا محاولة لإغلاق المنافذ أمام الذهب المسروق من مناجم مناطق التعدين و الذي لم يعرف له مكان علي حد ما أوردته مصادر حسنة الإطلاع علي كل أي كان صحة الخبر من عدمه فأن إرتريا ليست مؤهلة للعب دور في تحريك ملفات الداخل الأثيوبي و مصر ايضاً معلوم للجميع ما تعانيه من عزلة دولية و عربية و بالتالي في تقديري إنها لا تمتلك مقومات التأثير في مجريات الدخل الأثيوبي و هذا لا يعني تبرئة لنظامي أسمرا و القاهرة بقدر ما إنها محاولة لتحجيم الأزمة في إطارها الداخلي كأمر طبيعي.
*الغرب و أثيوبيا*.
لذا فأنه من المحتمل أن تلجأ حكومة الائتلاف الحاكم إلي الاستجابة إلي بعض المطالب الرئيسية للمحتجين نتيجة نصيحة أو ضغوط غربية أو من بيوت التمويل الاقتصادية و عليه ربما تشهد مقبلات الأيام توسيع دائرة المشاركة في السلطة لبعض المكونات المحتجة و يظل الخيار منطقياً في ظل وصول إثيوبيا إلي درجات متقدمة في التنمية عبر شراكات اقتصادية لأن أي مغامرة باتجاه التصعيد سوف تنسف المشاريع التنموية الممولة من أطراف خارجية و بالتالي فأن الاستمرار في قمع الاحتجاجات دون مقابلة ذلك بمخارج عبر حلول يتم الدفع بها سوف يكون مغامرة غير محسوبة المخاطر في ظل اتساع دائرة الاحتجاجات و كذلك ما تشهده المنطقة من ترهلات أمنية ربما تسهم في تسلل قوى أخرى تستفيد من ضرب المصالح الحيوية لمن تظنهم خصوم في أرض تتسم بالكثير من السمات الإيجابية في المواجهة الغير مكلفة مع أي عدو.
و هنا يجب أن لا نغفل مسألة في غاية الأهمية لما تشكله أثيوبيا للغرب عموماً و الاهتمام المتزايد و المتعاظم بها لدورها في القارة فأن الغرب ممثلاً في الولايات المتحدة الأمريكية و دول الاتحاد الأوربي سوف لن يفرطوا في أثيوبيا كحليف استراتيجي و كتجربة ديمقراطية ناشئة في القارة السمراء رغم ما شاب التجربة من هنات و سوف لن يكون من المستبعد أن يتبع الغرب سياسة النصح و الضغط و تقديم الدعم اللازمة عبر احتواء رموز المعارضة الأثيوبية الذين يتواجدون في أمريكا بكثافة علاوة علي تواجدهم في أروبا بنسب متفاوتة مع أن تأثيرهم علي ما يدور بالداخل لا يتعدى دور الترويج الإعلامي له و الاستفادة من الأحداث في تأليب المجتمع الدولي و الدوائر الحقوقية عدا ذلك ليس لهم دور يمكن وصفه بأنه ذو أثر في تحريك و تصعيد الاحتجاجات فهي وليدة الداخل.
*سيناريو حرب جديدة*
يمكن الإشارة إلي أن إقحام أثيوبيا لمصر مرده مقابلة الاحتجاج المصري علي بناء سد النهضة و الذي مضت فيه أثيوبيا و قطعت فيه شوطاً كبيراً و مصر تدرك بأنه لن تقوى علي إيقاف خطوات اثيوبيا في هذا الاتجاه إلا أن تتدخل عسكرياً عبر قصف جوي أو صاروخي و هذا مستبعد تماماً لذا فأن الاتهامات الإثيوبية لمصر لا يمكن تفسيره إلا علي أنه محاولة من الحكومة الإثيوبية تصدير أزمتها الداخلية إلي الخارج.
فأن الأمر بشأن إقحام ارتيريا مختلف تماماً و يجب أن يؤخذ الأمر علي محمل الجد فأما إنه مقدمة لاجتياح أثيوبي لأريتريا و إنهاء حالة اللاحرب و اللاسلم التي تسيطر علي المشهد السياسي في العلاقة بين البلدين و ربما تكون هناك رسائل من الغرب إلي أثيوبيا باتخاذ مثل هذه الخطوات في ظل عدم و جود معارضة مسلحة فاعلة بإمكانها تعديل المعادلة لصالح التغير الديمقراطي في ارتيريا.
عليه فأن الساحة الوطنية ربما تشهد تسارعاً في تنسيق المواقف فيما لو حدث هذا السيناريو المحتمل و الذي يعد منطقياً نتيجة الاحتقان الذي استمر بين البلدين مطولاً و أصبحت أثاره كارثية علي الداخل الأثيوبي.
سيناريو إعادة الوضع لما قبل الحرب*
و ربما يكون هناك سيناريو أخر و هو قيام الغرب بنزع فتيل الأزمة بين الطرفين فأن اثيوبيا و ارتريا حالة العداء بينهم مستمرة نتيجة صراع يعتمد علي اسس ليس لها صلة بمجمل الأطراف الوطنية بل هي من تداعيات الاختلاف حول اتفاقات بين الطرفين الرئيسيين في تحرير أسمرا و أديس أبابا و هذا الاتفاقيات كانت برعاية منظمات غير حكومية كمنظمة كارتر و لا يعرف كنهها و حقيقتها إلا الموقعين عليها و بالتالي فأن الأزمة بين البلدين ليست حدودية كما زعم الطرفين و إن هذا لم يكن إلا ذريعة و الدليل علي ذلك عدم قبول إثيوبيا بنتائج التحكيم الدولي و الذي تعزف الحكومة الإريترية عليه سيمفونيتها الفطيرة و من جهة أخرى تعزف أثيوبيا علي تدخل إرتري مزعوم في ظل افتقار إرتريا لمقومات لعب دور إقليمي نتيجة أزماتها و إشكالاتها لذا من المحتمل أن يلجأ الغرب علي إجراء تعديلات في تركيبة النظامين بما يؤدي إلي غياب المنهجية العدائية للجبهتين عبر اسقط الخطاب السياسي القديم وصولاً إلي تسويات سياسية جديدة تجعل المنطقة أكثر استقراراً هذا السيناريو رغم صعوبته لا يبقى مستحيلاً في ظل أهمية سلامة و استقرار أهم ممر مائي يربط بين العالم علاوة علي بروز مظاهر الصراع العنيف بين روسيا و أمريكا من جهة في منطقة الشرق الأوسط في ظل غلبة روسية واضحة و دور أمريكي باهت يتبنى سياسية ردود الأفعال نتيجة غياب الدور المبادر له.
كما أن أي احتراب أخر ربما تكون عواقبه وخيمة علي المنطقة نتيجة قرب الدولتين من بؤر الصراع بين (الإرهاب) و بين خصومه من الغرب في ظل غياب الدول القوية المسيطرة فيما تعرف بدول الربيع العربي إذا إنها تعاني في جملة ما تعانيه من عدم قدرتها علي بناء نظام سياسي قوي فالجميع يتحرك في محيط من الألغام القابل للإنفجار.
*ما هو اثر الإنتفاصة الشعبية علي وضعنا الارتري؟؟*
هنا يبرز السؤال المحوري و الجوهري و هو الشعب الإرتري و ثورته الأبية هو صاحب الفضل في تحريك القوميات الإثيوبية المضطهدة و كانت الثورة الإرترية النبراس الذي تهتدي به الحركات القومية و حتى (الثورة أو الانقلاب العسكري) كان مفاجئا للكثير من المراقبين حيث عرف عن أثيوبيا بأنها بلد غارق في الخضوع للأباطرة نتيجة تأثير البعد الديني علي ثقافتهم في التعامل مع الإمبراطور ( و الحاكم بشكل مطلق ) او الاسرة الحاكمة اجمالا لذا فأن ( الثورة) التي قادها الدرق لم تكن بعيدة عن تأثير الثورة الإرترية و حتى إن كانت ثورة علي شامل الإخفاقات إلا انه ربما كان محورها الرئيس توالي هزيمة جيش الإمبراطورية علي يد الثوار في ظل غلبة الميزان العسكري لصالح الجيش النظامي الأثيوبي لذا يمكن القول أن (الانقلاب) او ( الثورة اليسارية) و ما تبعها من تحرر الكثير من القوميات لاحقا من الخوف من السلطان و بروز المقاومة المسلحة لنظام الدرق كل هذا وذاك كان الفضل فيه لنضال الشعب الإرتري المجاهد و ما كان لطلائع الائتلاف الحاكم أن تصل إلي اديس ابابا دون مساهمة إرترية طالما كان هذا دورنا و كنا السباقين في مقاومة الطغيان و قدرتنا في التأثير علي الاخر من خلال قيادته فالسؤال المحوري هو إذا شعرت القوميات المضطهدة في أثيوبيا بأنه وقع عليها الظلم و عليها الثورة و قد فعلت مما اضطر الحكومة إلي إعلان حالة الطوارئ لخطورة الأمر و ضراوة الاحتجاجات فما الذي نحن فيه كشعب إرتري كان ملهما لهذه القوميات ؟؟؟
الأمر ليس امر تغني بالريادة في مقاومة الطغيان و استنهاض القوميات الأثيوبية أنما هو سفر مدون لا يمكن إغفاله.
ربما يبرز قول قائل أن النظام الإثيوبي اقل بطشا من نظام أسمرا و هنا أيضا تطل اسطورة هذا الشعب من بين ركام الإحباطات فالشعب الإرتري الأعزل هو الشعب الوحيد الذي قاوم ابناؤه الجبروت اﻹمبراطوري الكهنوتي و هم قلة لم يتجاوزوا في تعدادهم اصابع اليدين و كسروا شوكة و غطرسة الدولة الحبشية و هي في مجدها و عز رعايتها من الدوائر الاستعمارية الغربية في وقت كانت الثورة اقل ما يقال عنها بأنها كانت مغامرة محفوفة بالفناء و لكن بسالة هذا الشعب كانت هي المحرك للثوار و مصدر من مصادر صمودهم فأن رد الفعل الذي اتخذته القوي الاستعمارية علي الثورة كان فوق كل تصور فقد حرقت قرى و هجرت اخرى و بقرت بطون الحوامل و وأد الأطفال و ابيد الضرع و الزرع و كل هذا لم يزد شعبنا إلا صمودا فأن شعب هذا هو تأريخه عليه الاستفادة من الدروس و العبر و أن يصنع مجده بذاته و لذاته و هذا يحتاج منا إلي خطاب ناضج للداخل الإرتري لأن شعبنا مر بصدمة عنيفة جراء حرف نظام الهقدف لمسيرته النضالية و العبث بتضحياته مما افقد شعبنا الثقة في اي فعل نضالي مقاومة يتطلب منه فيه مزيد من التضحيات عليه فأن الخطاب السياسي الذي يعيد في هذا الشعب ثقته بدعاة التغير مهم للغاية علاوة علي رسالة اعلامية للداخل تفضح ممارسات النظام و تبشر بالبديل الديمقراطي ….في تقديري هذا الذي يجب ان يستفاد منه من ثورة القوميات في اثيوبيا و انتفاضتها للمطالبة بحقوقها القومية في المشاركة الحقيقة في السلطة و الثروة ..علما بأن الظلم الذي وقع علي شعبنا الإرتري ليس له ما يعادله في المقارنة.
أما بشأن تداعيات الأمر علي العمل المعارض يظل حديث تكهنات و لكنني أراه رهين السيناريوهات المطروحة و كل سيناريو له ما بعده .!