مقالات

مؤتمر الفرصة الأخيرة بحث في عوامل النجاح : عبدالرازق كرار*

5-May-2008

المركز

سواء انعقد المؤتمر الجامع للمعارضة في الخامس من مايو أو لم ينعقد فإن أسباب ترحيله من الثلاثين من مارس الى موعد إنعقاده يكشف بجلاء عن الأزمة التي تعيشها المعارضة الإرترية ، وهي أزمة ضاربة في البني الهيكلية من جهة والآفق التنظيري من جهة أخري ، وإذا كان التأجيل الأول بطلب من اللجنة التجضيرية له مايبرره بالنظر الى الظروف التي تعمل فيها اللجنة التحضيرية والمهام المنوطة بها ، ولكن الخلاف الذي عد تجاوزه إنتصارا كبيرا وهو حضور منظمات المجتمع المدني بصفة مراقب ، وعدد هذه المنظمات وتقسيمها على التنظيمات أو البلوكات كما هو شائع يعكس حجم الأزمة التي نتحدث عنها .

أزمة حقيقة أم مصطنعة :-إن الحديث عن الأزمة التي تعيشها المعارضة الإرترية لا يعني بأى حال من الأحوال أن العمل السياسي هو من السلاسة بحيث لا تعتوره الأزمات ، ولكن الحديث عن الأزمة يستدعي بالضرورة تشخيص الواقع ، ومن ثم تحديد اسباب الأزمة وابعادها ومداخل علاجها ، ومن هنا فإننا لا يمكن مهما كانت ذاكرتنا من الضعف أن ننسي أن أزمة المعارضة التي عصفت بالتحالف في المؤتمر في بداية العام الماضي هي التنافس حول قيادة الجهاز التنفيذي ، ولم تكن حول الميثاق أو النظام الأساسي الذي يدور حوله كل هذا اللغط ، وهنا تكمن الأزمة الرئيسية للمعارضة ، وكان مبررا جدا لو أن التأجيلات المستمرة للمؤتمر كانت بسبب المشاورات الجانبية حول هذا الموضوع ، ولكن أن تنصرف التنظيمات لحشد أكبر عدد من الممثلين والكمبارس في المؤتمر فذلك ما لا يستطيع عاقل يعيش اوضاعنا ان يجد له مسوغا ، طالما أن حضور ممثلي منظمات المجتمع المدني هو حضور شكلي لا تأثير له في إتخاذ القرارات التي تتخذ بالتصويت . رغبة حضور المؤتمر تجاوزت التنظيمات المشاركة التي ترغب في المزيد عبر واجهات مستحدثة لا تمت الى تعريف المجتمع المدني بشئ ، الى السياسيين الذين كانوا يغطون في نوم عميق ، نجدهم الآن يلهثون حول تجميع أنفسهم ويكتبون المذكرات للمشاركة في المؤتمر ، ليصبح حضور المؤتمر في ذاته غاية ، وينحصر النضال في حضور المؤتمر ، مع العلم أن هذا ليس أول مؤتمر تعقده المعارضة ، وهذ السيناريو يتكرر مع كل مؤتمر ولكن كل هذه الأصوات التي تبعث فيها الحياة فجأة قبل المؤتمرات سرعان ما تدخل في البيات الشتوي عقب إنفضاض المؤتمر ، ومن هنا فإن الأزمة ستكون مضاعفة إذا أصبحت المؤتمرات هي سلاح المعارضة للتغيير ، ويصبح واضحا أن هذه الأزمة هي تغطية لأزمات فشلنا أن نناقشها في العلن حول قبولنا ببعضنا البعض ، وإحترامنا للآخر ، وممارسة الديمقراطية والشفافية في عملنا السياسي الجبهوى ، وهكذا نجد نفسنا نتخذ الذرائع لنضيق مساحات التلاقي والتقاطع فيما بين تنظيماتنا لأننا في الأصل لم نقنع أنفسنا بحق الآخرين في ممارسة العمل السياسي وفق قناعاتهم ، ويظل منهج ممارسة الأبوية والوصاية هو الأسلوب المفضل لدينا منطلقين من إمتلاكنا للحقيقة الكاملة في حين يظل الآخرون خارج دائرة التفكير المنطقي للأشياء .ضاربين عرض الحائط بكل جهود ( إنشتاين ) ونظريته حول النسبية التي تعتبر أكبر إنجازات القرن الماضي .أين تكمن الأزمة الحقيقية :-لعل الكثيرون يعتقدون أن القيادة هي أزمتنا الرئيسية ، ولكن نستطيع أن نؤكد أن موضوع القيادة هو أزمة متمظهرة لأزمة الثقة التي تضرب اركان المعارضة ، والقيادة على أهميتها ودورها الرئيسي في فشل معظم جولات الحوار في تاريخ كفاحنا السياسي والعسكري ، ولكن في حقيقتها هي تفسير لبعدين أساسين في التعاطي السياسي ، أولها الاعتقاد الجازم بإمتلاك الحقيقة دون الآخرين وعليه فإن الآخرون رضوا أم ابوا يجب أن يظعنوا لصوت الحق ، والبعد الآخر المترتب على ذلك هو عدم مقدرة الآخرين على ممارسة هذا الدور لأنهم لا يملكون مفاتيح القيادة المتمثلة في الحقيقة المطلقة المتوفرة لدى الجهة الأولى .إن نمط هذا التفكير قد ينطلق في بساطته من حرص على الوطن ومصلحته العليا ، وقد تكون ذلك هو الحقيقة المنطقية في بعض جوانبها ، ولكن ثبت بما لايدع مجالا للشك أن الشعوب لا تبحث عن الحقيقة لأن تلك من مهمة الأنبياء ، ولكن الشعوب تبحث عن الرضى النسبي ، وإحساسها بالمشاركة وهو ما أصطلح عليه بالممارسة الديمقراطية ، وليس هنالك أحد مفوض ليحدثنا عن أخطاء الشعوب ، ومعرفته هو بمصلحتها لأن ذلك هو مدخل الدكتاتورية بابشع صورها .اذا المطلوب في القيادة هو الرضي النسبي ، والثقة في ما تفرزه الماكينة الديمقراطية وبعدها لا يهم إذا كنا نحب ذلك القائد أو لا وكما قيل ( إنما تأسي على الحب النساء ) ولكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال عدم التطلع للقيادة والمنافسة فيها ، بل ذلك مطلوب وحافز على العمل والإبداع ، لكن ممارسة الشفافية في هذا التنافس شئ مهم جدا ، فمثلا على التنظيم الذي يعتقد في نفسه أنه أهل للقيادة أن يرشح نفسه من وقت مبكر ، ويعلن اسباب ترشيحه ، ومن ثم يسعى لحشد التأييد لمرشحه ، وله أن يتبع كافة الوسائل الديمقراطية مثل الوعودات بمواقع قيادية في الجهاز التنفيذي أو التشريعي ، أو إصلاحات إدارية في مرافق محددة تهم آخرون ، وكل هذه الوعود هي جزء من برنامجه الإنتخابي سوف يحاسب عليه كل على طريقته . إذا كان هذا على مستوى رغبة التنظيمات فعلى المستوى الجبهوي يجب أن ينص على تداول القيادة دوريا ، وتحديد فترة محددة للقيادة ، وينص على إمكانية التجديد أو عدمه لذات القيادة ، كما يجب أن ينص على آلية إتخاذ القرار ، وآليات المحاسبة ، وكل هذه القضايا يجب أن ينص عليها بوضوح في النظام الأساسي ، ولكن لم تعالج النصوص في يوم من الأيام أزمة النفوس لذا فإن البداية يجب أن تبدأ من إعادة الثقة بين مكونات التحالف ، كمدخل لتجاوز الأزمات التي تعيق المعارضة .الخلاصة :-إن تجاوز هذا المؤتمر لأزمة المؤتمر الثاني هو البداية الصحيحة ولكنه ليس كل شئ ، فإن نجاح المؤتمر يجب أن يمهد لعمل يعقبه ، على كافة المستويات السياسية والدبلوماسية والإعلامية والأمنية ، والإهتمام بقضايا اللاجئين ، عبر عمل منسق بحيث تصب كافة الجهود في الهدف المرحلى الأساسي وهو إزالة الدكتاتورية وإقامة بديل ديمقراطي يستند الى إرادة الشعب ، وإنجاح ذلك عمل يحتاج الى كثير من الصبر والتنازلات وفوق هذا الى درجة عالية من الشفافية وهى ما نأمل أن تكون شعار المرحلة أثناء وبعد المؤتمر .* نشر في صفحة رسالة ارتريا في صحيفة الوطن السودانية : 2مايو2008م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى