مقالات

ما نريده يكون… لماذا لا يكون!! : د. جلال الدين محمد صالح

17-Jan-2010

المركز

هذا العنوان مترجم من أغنية بالتجرنية تقول: (زِنـِدَلْـيـُو يـُخَـوِنْ إيُـو كَـمَـيْ زَيْ خَـوِّنْ!!).سئل الرئيس إسياس أفورقي ذات مرة في إحدى مقابلاته التلفزيونية: هنالك أغنية تقول: ما نريده يكون… لماذا لايكون؟ (زِنـِدَلْـيـُو يـُخَـوِنْ إيُـو كَـمَـيْ زَيْ خَـوِّنْ !!) ما هو الذي يكون؟.فأجاب الرئيس: كل شيء يكون، ليس هنالك شيء لا يكون.

هذه حقيقة لا نجادل فيها أبدا، وكلنا على وفاق معها، كما جزمت بها الأغنية التجرنياوية، وكما أكدها الرئيس، ولكن الفارق الوحيد أن لكل من الرئيس والشعب إرادة مغايرة لإرادة الآخر، وبين الإرادتين تدافع حتمي، وتصارع ضروري، لا يجمعهما توافق وطني، ولا تناغم إنساني.الرئيس يريد أن يكون هو الحاكم المتفرد، والآمر الأوحد، لا راد لقضائه، ولا معقب على حكمه، في دولة بلا دستور ولا مؤسسات!! والشعب يأبى إلا أن تكون له إرادة في الحكم، ومرجعية دستورية، ومؤسسية في القرار، ورأي في السلطة والثروة، لا تكون حكرا على فئة دون أخرى، تفتت بين الجميع، وتقسم على الجميع، كل يَحْكُمْ، وكل يُحْكَمْ، وليس ثمة فئة وجدت لتحكم والآخرون ليُحْكَمُوا، فأي الإرادتين إذن يا ترى تكون؟.الرئيس يريد أن يظل هو المحرك الأوحد لعجلة الاقتصاد، والمحدد الأول والأخير لوجهته، والمسيطر على أدوات إنتاجه، والمراقب لعجينه وطحينه، والمحتكر لسوق استيراده وتصديره، وقد فعل كل ما أراد، والشعب لا يريد كل ذلك، ويصر أن يكون طليقا غير مكبل بسلاسل وأغلال شركات النظام، وقوة تحكمها في خياراته الاقتصادية، يطحن كما يشاء، ويعجن كما يشاء، يبيع كما يشاء، ويشتري كما يشاء، يستورد كما يشاء، ويصدر كما يشاء، في سوق حر لاهيمنة فيه للحزب، ولا لتماسيح الحزب، فأي الإرادتين يا ترى إذن تكون؟.الرئيس يريد أن تبقى الأرض منزوعة عن أهلها، لا يملكونها، ولا يتوارثونها، ولا يحرثونها بغير شروطه، وإذا حرثوها ليس لهم من حصادها إلا القليل الذي لا يسد قوت عامهم، على أن ينتزع منهم معظم نتاجها !! والشعب لا يريد ذلك أبدا، ويعده إجحافا ما بعده إجحاف، وظلما ما بعده ظلم، يريد أن يعيش في أرضه كما كان من قبل، لا يرحل عنها قسرا، يملكها ويورثها، يزرعها ويبيع حصادها، يفلحها ويؤجرها، فأي الإرادتين يا ترى إذن تكون؟.الرئيس يريد أن يكون الشعب مجرد قطيع يملكه، يأسر منه كما يشاء، ويذبح منه كما يشاء، وينفي منه ما شاء ومتى شاء، إن شاء حارب به هذه الدولة أو تلك، وإن شاء سالم به هذه الدولة أو تلك، والشعب يريد أن ينعتق من هذه الإرادة القاهرة، والقبضة الدكتاتورية الحادة، يريد أن يتنفس، يكتب كما يشاء، ويقرأ كما يشاء، ويتكلم كما يشاء، ويعترض كما يشاء، ويتعلم كما يشاء، يريد أن يعيش مسالما من غير تفريط في حقه، ومن غير عدوان على جيرانه، يريد أن يترك دول الجوار لايتدخل في شؤونها، لا يسلح المعارضة على النظام، ولا يستعدي النظام على المعارضة، يريد أن يحترم خيارات الآخرين، ويريد من الآخرين أن يحترموا خياراته، فأي الإرادتين يا ترى إذن تكون؟.الرئيس يريد عسكرة الشباب وعزلهم عن ميادين الإنتاج الاقتصادي في دفاعات المعارك الحدودية، وفي معسكرات ساوى التدريبية، والشعب يريد وضع حد لهذه الخدمة غير المحدودة، وتصريح عاجل للشباب عن زناد البندقية، وحل إشكالية الخلاف الحدودي مع إثيوبيا من خلال حل فوري لإشكالية الخلافات الداخلية، والتحول من دولة الشرعية الثورية إلى دولة الشرعية الدستورية، فأي الإرادتين يا ترى إذن تكون؟.الرئيس ما زال يريد لكافة سجناء الضمير الذين انتقدوه وخالفوه أن يقبعوا في زنازين سجونهم المظلمة إلى ما لانهاية، يعانون فيها ويقاسون، وللمخطوفين ليلا من بين أبنائهم ونسائهم أن يظلوا كما هم مغيبين في مجاهيل الوديان وسفوح الجبال، لا يعودون إلى أهليم، ولا أهليهم عنهم يدرون، والشعب ما زال يدين هذه الإرادة، ويستنكر تصرفاتها، ويشجب أفعالها، ويريد للسجون أن تغلق، وللأغلال أن تكسر، وللسجان أن يكف، وللجلاد أن يحاسب، وللمسجون أن يعود، وللمختفي أن يظهر، وللعدالة أن تأخذ مجراها القانوني لتنصف الظالم من المظلوم، فأي الإرادتين يا ترى إذن تكون؟. إنهما إرادتان ما زالتا تتصارعان، إرادة الإنفتاح الجماهيري، وإرادة الإنغلاق الدكتاتوري، ولا بد أن تطيح الأولى بالثانية، ها هو عام مضى، وعام أقبل، وإرادة الطغيان على ما هي عليه منغلقة كل الإنغلاق، لم تتغير ولم تتبدل، ظلم يتبعه ظلم، وقمع يتلوه قمع، وحال الشعب البئيس كما هو، مجاعة تجر من ورائها مجاعة، وفقر يزداد فقرا، وحصار يأتي من ورائه حصار، فزع وهلع، هروب بالأفواج، وغرق في الأمواج، ولكن أيضا إرادته الانفتاحية كما هي، صلبة عنيدة، مصممة على قهر الإرادة الإنغلاقية، وكسرهيمنة النزعة الشيفونية، مهما طال الزمن، واشتدت الضراوة، وتعاظمت القسوة. نعم، ما نريده يكون… لماذا لا يكون؟!!(زِنـِدَلْـيـُو يـُخَـوِنْ إيُـو كَـمَـيْ زَيْ خَـوِّنْ !!) ونعم ليس في الكون شيء لا يكون، وأول شيء لا بد أن يكون أفول دولة الظلم، وقيام دولة العدل، غروب شمس السخرة والاستعباد وبزوغ شمس الحرية وحقوق الإنسان، إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا..تلك سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا.مهما توالت السنون فعمر الظلم قصير، ومهما استأسد البغاث فإنه أضعف طائر، ومهما بدت إرادة القمع والاضطهاد قوية، فإنها أقل من أن تهزم إرادة العدل والحرية، ومهما كان جدار الإنغلاق عاليا تعلوه الأسلاك الكهربائية، وتحرسه الكلاب البوليسية، وتحميه الأجهزة الأمنية، فلا بد يوما أن ينهار أمام إرادة الانفتاح الجماهيرية، تماما كما انهار جدار برلين بعد مضي سبعين عاما من هيمنة الدولة البوليسية.إنها دولة الظالمين لا بد أن يطويها الزمن، ما لها من مصير غير درب الزوال، وإنها إرادة المظلومين ما لها من سبيل غير خط النضال، ومآل الانتصار، تكتب عزها، وتطهر أرضها، من غير يأس ولا قنوط، فليس بعد العسر غير اليسر، وليس بعد الظلام إلا الفجر، فكل شيء نريده لابد أن يكون… ولماذا لايكون؟!! (زِنـِدَلْـيـُو يـُخَـوِنْ إيُـو كَـمَـيْ زَيْ خَـوِّنْ؟!!).وكتبه/ د. جلال الدين محمد صالح15/1/2010موكل عام وأنتم بخير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى