مقالات

مذكرات باحث عن بلد يهاجر إليه ( 2و3) : صلاح ابراهيم أحمد

13-Nov-2007

المركز

الرحلة إلى أسمرا
الرحلة إلى أسمرا بدأت عندما اخترنا شركة طيران ناس وعلمنا أن وكيلهم هو الخطوط الجوية السودانية وقلنا لا بأس ما دمنا لن نسافر على طائراتهم لأنه من الواضح أن لا معرفة لهم بالطيران ولكن وبما أن من بينهم تاجر كويتى فلابد وأنه يعرف كيف يدير توكيلاً- ولكن خاب فألنا- فقد حجزنا يوم السبت 8/9 وذهبنا يوم 5/9 واستلمنا تذاكرنا وبها تأكيد للحجز ويوم السفر 8/9- ذهبنا للمطار وفوجئنا بأن طائرة ناس لا تأتى لمطار الخرطوم يوم السبت وإنما يوم الأحد 9/9- فاتصلنا غاضبين بمندوب الشركة الذى أخطرنا بأن جدول المواعيد الجديد قد سلم لوكيلهم الخطوط الجوية السودانية قبل أسبوعين والمفترض أن يبلغوا المسافرين- وكالعادة لم نجد أى من مسئولى الخطوط الجوية السودانية لنشكو له فتأكد لنا أن هذه المجموعة الجديدة المالكة رغم وجود تاجر بينها لا تحسن حتى إدارة توكيل ناهيك عن خط طيران.

واليوم الثانى سافرنا على خط طيران ناس والحق يقال فإن الطائرة وصلت فى ميعادها ووجدنا أحسن معاملة- ولا يعيب هذه الشركة إلا وكيلها بالسودان ويا حبذا لو استبدلته.أسمرا مدينة ساحرة ذات طقس مريح وطراز معمارى فريد مما جعل كاتباً يقول إنها مدينة صممها وبناها ثوار ويسكنها ثوار- فعندما أراد الإيطاليون الذين كانوا يستعمرون ارتريا بناء حاضرة لهم أسندوا الأمر فى مطلع القرن العشرين لعدد من المعماريين الشبان الذين كانوا يودون تغيير جميع الأنماط المعمارية السائدة فى أوربا آنذاك ووجدوا فرصتهم فى بناء أسمرا ولذا تجدها فريدة فى فنها المعمارى- ومن حسن حظ المدينة إنها وبعد ثلاثين سنة من حرب التحرير وسنتان من حرب التدخل الأثيوبى الآثم بعد الاستقلال لم تدمر- وأول ما يسترعى انتباه الزائر النظافة فأسمرا بلد نظيفة للغاية مقارنة حتى بالعواصم الأوربية ناهيك عن عاصمة المدهش- مما يجعل السودانيين يصبحون كالأسطوانة المشروخة يرددون “بالله شوف البلد نضيفة كيف” حتى يمل السامع تردادهم ولكنهم معذورون فإرتريا رغم إمكانياتها المحدودة استطاعت المحافظة على ذلك النظام وتلك النظافة- وواليهم المدهش رغم جباياته المليونية وزياراته المتكررة لهولندا قد عجز عن توفير معشار هذا لهم.ثم تبدأ تنتابك الدهشة الكبرى كيف استطاع ثلاثة ملايين أن يحرروا أنفسهم من نير أعتى إمبراطورية فى القرن الأفريقى وثالث أقوى جيش فى قارة أفريقيا بعد مصر وجنوب أفريقيا- جيش ساعده الأمريكان فى تكوين سلاح طيران حديث قوى وعندما مالوا نحو الروس أمدوهم بدبابات ومدفعية وعربات مصفحة تكفى تسليح أفريقيا جميعها- ورغم كل هذا العتاد والتفوق العددى سبعين مليوناً مقابل ثلاثة ملايين استطاع ثوار إرتريا لا تحرير بلدهم فقط وإنما تحرير أثيوبيا نفسها من حكومة جائرة ظالمة- فالسيد ملس زناوى دخل قصره الرئاسى على أسنة الحراب الإرترية.- وما أن أستقر الأمر له حتى كافئهم بشن أشرس حرب عرفوها وإلى يومنا هذا يرفض تنفيذ أمر محكمة العدل الدولية ويفرض عليهم حالة اللا حرب واللا سلم التى تكلفهم الكثير.وحركة تحرير إرتريا كأغلب حركات التحرير حدثت بها خلافات وتشققات سرعان ما انتصر عليها فريق القيادة الحالى والذى واصل الكفاح حتى التحرير وتقرير المصير ثم الاستقلال- ولكن وضعهم الجغرافى قد جعلهم يجاورون قطرين يعدان عمالقة بالنسبة لهم مساحة وسكاناً.فمنذ أن نالوا استقلالهم بدأت إحدى دول الجوار فى تأليب المجموعات المسلمة على دولة إرتريا التى وجدت أن حكومة علمانية خير خيار لها نسبة لأن السكان نصفهم مسيحى والنصف الآخر مسلم وليس من سبيل لفرض ديانة على الأخرى- وأما الدولة الأخرى فقد شنت حرباً بإدعاء ملكية أرض تتبع لإرتريا وحتى عندما حكمت محكمة العدل الدولية بملكية إرتريا للأرض لم تتوقف أثيوبيا من مواصلة قرع طبول الحرب.وفى حالة الحصار هذه بدأ السودان وأثيوبيا باتهام دولة إرتريا بالشمولية- وكما قالوا “رمتنى بدائها وانسلت”الشموليات أنواع- فنوع يأتى عقب تآمر حفنة من الضباط وضباط الصف بعد أن يحنثوا بقسمهم على حماية الدستور والنظام السياسى بمساعدة حزب عقائدى صغير وقد فعلها الشيوعيين أولاً ثم تلاهم الإسلاميون فى السودان- أما فى أثيوبيا فالقوات التى نصبت ملس رئيساً هى ذاتها التى نصبت أسياسى أفورقى.الفرق الأساسى بين هذه الشموليات إن حكام إرتريا أتوا عبر نضال دام ثلاثين عاماً وجيشهم الذى كونوه انضم أفراده لهم عن قناعة- ولقد كانوا برفقته طوال هذه المدة. والظروف الإقليمية والدولية التى يعانون منها تجعل نوع حكمهم يوصف بالشمولية. مذكرات باحث عن بلد يهاجر إليه (3)فى رحاب أسمراخلال تجوالنا فى أسمرا الجميلة كان مرافقنا يلفت نظرنا إلى المنازل التى كان يسكنها قادة المعارضة السودانية وهى جميعها منازل جميلة فى أحياء راقية مما جعلنا نتسائل ما الذى جعل ثورة ونضال ثلاثة ملايين إريترى ضد إمبراطورية شرسة كأثيوبيا تنجح وكل مقومات تمويلهم هى مغتربيهم فى حين فشلت معارضة السودان التى كانت تدعى إنها تمثل 85% من السكان ومغتربى السودان يفوقون المليون- وشعب السودان لا يقل بطولة وقدرة على الكفاح من الشعب الإريترى.من الواضح أن الضعف وعدم القدرة يكمن فى القيادة ولا دخل للشعب فى ذلك الفشل.عندما قررت القيادة الإريترية مساعدة المعارضة السودانية فعلت ذلك من أجل الشعب السودانى الذى تكن له كل الود والاحترام- وتغاضت عن كل المعاملة غير الكريمة التى وجدتها من الأحزاب السودانية التى كانت تثمن علاقتها بأديس أببا أكثر من إرتريا- ولكنهم تجاوزا هذه المرارات وتقبلوا المعارضة بصدر رحب.ماذا فعلت المعارضة التى تدعى تمثيل ثلاثين مليوناً- وإذا إثتثنينا قرنق وحركته الشعبية وهى حركة من الواضح أنها حركة جادة وتتمتع بالصبر فإن الأحزاب الثلاثة أمه وإتحادى وشيوعى لم يتمكنوا فى أحسن حالاتهم من تجنيد خمسة ألاف محارب.ولقد بزهم جميعاً التحالف المكون من بعض الضباط وحزب المؤتمر الذى استطاع فى فترة قصيرة أن تكون قواته موازية أو أكثر عدداً من قوات الأحزاب الثلاثة مجتمعة.ليتهم بعد كل هذا استطاعوا أن يكونوا قيادة موحدة أو أن يكون لهم خطاباً مقنعاً لمن فى الداخل لينضموا للثورة- كل ما استطاعوا عمله هو الإغراء بالمال أو بالغش حتى يجندوا العمال الزارعين فى منطقة القضارف.وحتى هؤلاء كانوا عاجزين عن إطعامهم واعتمدوا على حكومة إرتريا للقيام بذلك.بالطبع كان الأمل فى أن تكون هذه المجموعة تجمعاً ينجح فى إزالة نظام الإنقاذ هو أمل إبليس فى الجنة- فهم نفس المجموعة التى كونت حكومة ائتلافية فرطت فى الحكم حتى انتزعته منهم حفنة من ضباط الإنقاذ. وكان هذا أيام كانوا يملكون القوات المسلحة والبوليس وخزائن جمهورية السودان والإعلام- فكيف لنا أن نؤمل فى أن تنجح هذه القيادات فى تكوين تجمع فاعل لإسقاط الإنقاذ بعد أن استولت هى على مقاليد السلطة والثروة والقوة وأحسنت توظيفها ؟.وليتهم تعلموا من ثوار أسمرا ميزة الصبر بدلاً عن الانهيار بعد أربعة سنوات من توقيع القرارات المصيرية وتصالحوا مع الإنقاذ موقعين على أبأس وريقة سلام عرفها التاريخ انتهت بشقهم وعدم تنفيذها وتهميشهم.وأما الآخر فبدلاً عن “سلم تسلم” انتهى ب”صالح” تغنم وأصبح يسترجع أمواله وممتلكاته بفوائدها- و للآن يطالب بإيجار لممتلكاته إبان فترة المصادرة.والإنقاذ مستمرة فى سومنا خسف العذاب ونقض العهود وإيداع معارضيها السجون حتى بدون توجيه اتهامات لهم.عندما أعجب بثورة إرتريا وثوارها الميامين فهو إعجاب حاسد وبغران لأن الله لم يقيض لنا قيادة مثابرة جادة صابرة لمدة ثلاثين عاماً-وإلى الآن تلبس شبط الثورة الشهير وتجوب أرجاء أسمرا مشياً على الأقدام- ليتها الشمولية التى أرزح تحتها بدلاً عن شمولية العمارات وفلل النفيدى وعربات الميباخ وعطاءات التلزيم وبيع الأصول لخريجى سجون السعودية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى