مقالات

مفاتيح : الغولاغ الإريتري (2) : جمال همد*

25-Jun-2011

المركز

سجن ” أدر سار ” يحتل مساحة كبيرة ، حيث تقوم على أرضه مباني ثابته تخص إدارة السجن تجاور بعضها ، وأخرى من الأحجار الصخرية المرصوصة بعناية ومسقوفة ( بالسعف ) ، وهي عبارة ثكنات لطاقم إدارة السجن وفصيلة الحراسة التي تتناوب جماعاتها على حراسة السجن والسجناء أثناء حركتهم اليومية إضافة لذلك تقوم بعض المباني من الزنك تستخدم كمخازن . وهناك في أطراف السور الشوكي يقوم مطبخان من القش ، يستخدمان لتجهيز وجبتي المعتقلين والسجناء ،تقف أمامها أعمدة خشبية طويلة( مصنوعة من سيقان الأشجار ) يجلس أعلاها من عليه المناوبة لمراقبة الحركة داخل السور الشوكي ولا ينزل إلا في المساء

ولكن أين يتواجد المعتقلون والسجناء إنهم تحت الأرض ؟. وهنا لا يمكن أن نقول ( تقوم ) ، لان حقيقة الأمر أنه تستلقي ، ثلاثة عنابر ضخمة تحت الأرض وإثنتي زنزانة إنفرادية ، إضافة لزنزانة جماعية تحتمل حوالي الأربعة اشخاص ، ولكنها حين يمتليء السجن ( والنفوس تطايبة ) تحتمل أكثر من العشرة ، وهذه الزنزانة تستخدم عادة للنساء والفتيات . ـــ لاحظوا سجن زنزانة للنساء مع زنازين الرجال ـــ وحسب الكتاب لاخصوصية للنساء والفتيات في كل شيء !! والمباني (التحت أرضية) لايمكن لزائر رؤيتها من الوهلة الاولى إلا إذا دقق النظر مليا ، حيث ترتفع سقوفها عن ظهر الارض عدة سنتمترات . هكذا وصف المعتقل السابق في سجن حرس الحدود الإريتري أمير بابكر عبد الله ، (السجن ) تجاوزا والذي حشر فيه شهرا مصحوبا بالأعمال الشاقة . هذا الوصف الخارجي للسجن حفل في داخلة بكثير من المواقف الإنسانية النبيلة وكذلك الشديدة القسوة والبؤس الإنساني في تجليات غرائبية شديدة الخصوصية . الخصوصية التي يتفاخر بها أهل الحكم أو العصبة المتنفذة لأوضاع إريتريا فهي متفردة في كل شيء حتى في السجون ! .داخل هذا المعتقل تدورحياة وتحكى حكايات ، نستمع لقصة الشيخ ( تخليس ) والعم مالطا..و نكتشف عامر السجين السوداني ضمن عدد من السجناء وقصة الشباب السته كما نتعرف على سجن ( نٌخرة ) الرهيب ، حيث الرطوبة العالية والحرارة الشديدة وحكاية ( الإستاكوزا ) وهي من القشريات البحرية ومن فصيلة السرطان والكابوريا . هذه الكائنات البحرية تتكاثر في الليالي المقمرة وتطلق أصوات أشبه ببكاء الأطفال مما يثير الأضطراب واليأس في نفوس السجناء ، بل قاد البعض إلى الإنتحار . يقول أمير ( إنهم يجهلون تماما مصدر تلك الأصوات المليئة بالطفولة وهي تكاد تصم آذانهم ، لانهم لايخرجون ليلا من زنزاناتهم ) . ومن أطرف حكايات الكتاب حكاية هروب المسؤول الإداري للسجن إلى السودان وهو يحمل كل متعلقات السجناء ,اعتبرها القائد الإداري الجديد وديعة ضائعة . ورغم نكبة السجناء توحدت مشاعرهم في إن لايقع الهارب في أيدي المخابرات ! . برغم قسوة الحراس وجلافة جنود الجنرال (منجوس ) الممسك بملف المعارضة السودانية سابقا وحاليا إلا ان أمير بابكر عبد الله ظل محتفظا بقدراته التحليلية ووعية السياسي والإجتماعي الذي يمده بقوة تفسير الأشياء والظواهر ، يفرق بين الطاريء والمستمر ،بين الجوهر والمظهر . في حواره مع صديقة القديم في بورتسودان والتي تجددت علاقاتهما في أسمرا يقول أمير ( أن العلاقات بين الشعوب تحكمها قوانين داخلية خاصة بها، ومهما حاولت الأنظمة الحاكمة والتقلبات السياسية ان تغير من ترطيبة معادلاتها ( الكيميوجتماعية ) فإنها ستفشل ) . لذا فإنه تجاوز محنته كما كل أهل السودان الذين تقلبوا بين سجون الحكم في اسمرا وظلوا أوفياء لعلائقهم بشعب البلاد ألتي أحبوا . كتاب الغولاغ الإريتري ــــ مشاهدات سوداني في معتقلات الجبهة الشعبية ( للديمقراطية والعدالة ) والصادر من دار مدارات للطباعة والنشر والتوزيع في الخرطوم متعة القراءة واكتشاف المعدن الإنساني … كنه العلاقة بين الإنسان السوي والإنسان المعتوه والمشوه . * اعتذار واجب : في الحلقة الماضية وقعنا في إلتباس الإسم وقلنا دار مدارك للنشر لذا وجب الاعتذار لدار مدارات للطباعة والنشر والتوزيع . وكذلك لدار مدارك للنشر . * نشر في صفحة نافذة على القرن الإفريقي – صحيفة الوطن السودانية -24يونيو 2011م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى