مقالات

مفارقات التاريخ ومقاربات الواقع في مؤتمر التحالف الأخير: عبدالرازق كرار

22-Feb-2007

المركز

ففي مثل هذا اليوم من العام 1972 اصدر المجلس الثوري لجبهة التحرير الإرترية بيانه الشهير الذي أحتوى على اخطر القرارات التي لا تزال تداعياتها مستمرة إلى يومنا هذا ، اتخذ قراره الشهير والخطير بتصفية المنافسين وليس الخصوم عسكرياً ، ونقول المنافسين لأن الخصم كان مشترك في ذلك الوقت وهو الاستعمار الإثيوبي ، أما المنافسون فهم قوات التحرير الشعبية ، وقوات التحرير الإرترية بقيادة أربعة من أعضاء القيادة العامة ،

وقد جاء القرار وفق هذا النص ( قرر المجلس الثوري في جلسته المنعقدة بتاريخ 22/2/1972م تصفية الثورة المضادة عسكرياً ، وذلك بناء على توصية اللجنة التنفيذية التي طالبت بإلحاح بتصفية هذه العناصر المخربة في أقرب فرصة ممكنة ، وكذلك استناداً على مقررات المؤتمر الوطني الأول الذي أعطى لقيادة الثورة الإرترية الصلاحية لتضع حد للفوضى والتفكك وسوء الإدارة التي لازمت جبهة التحرير الإرترية قبل المؤتمر الوطني بسبب عناصر الثورة المضادة التي مازالت تستخدم معطيات التخلف كالقبيلة والإقليمية والطائفية لتمزيق الوحدة الوطنية لشعبنا ، والثورة المضادة المقصود تصفيتها عسكرياً هي : 1/ ما يسمى قوات التحرير الشعبية .2/ ما يسمى بقوات التحرير الإرترية بقيادة الأربعة أعضاء القيادة العامة السابقين .هذه هي اخطر الفقرات التي دونها التاريخ الإرتري ، ولعل من المفارقات أن تنفيذ هذا القرار لم يحتاج أكثر من أسبوع واحد ليتم تنزيله إلى ارض الواقع ، إذ بدأت المواجهات العسكرية في يوم 29 من نفس الشهر ونفس العام ، وشهر فبراير يحتاج لأربعة أعوام ليكون تسعة وعشرين يوماً لتسمى السنة بسنة كبيسة ، وحقيقة لم تشهد ارتريا سنة كبيسة كتلك السنة . كان ذلك مدخلاً لمقاربات التاريخ والواقع لندلل على أن الوعي الجمعي الإرتري قد قفز عبر ميثاق التحالف المعدل الذي لم يمضي على إجازته أكثر من ثلاثة أيام قفزة كبيرة ، وأن كانت بطيئة ولكن بالتأكيد أن تصل متأخراً خير لك من ألا تصل ، ثم بطء الفهم في مجتمعنا ليس صفة فصيل دون آخر ، فهي سمة مشتركة بين الحاكمين والمعارضين لأن كثير من ممارسات النظام لا تستطيع تبريرها إلا من خلال ذلك العذر . عموماً أنهى التحالف مؤتمره الثاني وفق ما اتفق عليه المؤتمرون وإن خالفهم في ذلك رئيس القيادة المركزية السابق الذي اعتبره المؤتمر الأول ، ورغم أنه من المبكر تقييمه تقييماً دقيقاً إلا أن ذلك لا يمنع من تقييمه تقييماً أولياً ولعل من المناسب أن نشير إلى أن هذا المؤتمر كان من أهم ميزاته هو حضور شبه كامل لعضويته ، وهو واحد من عوامل النجاح ، كذلك انشغال المؤتمرين بقضية الميثاق ابعد المؤتمرين عن موضوع التنافس على القيادة التي تعتبر واحدة من سمات تاريخنا السياسي ، ولكن النجاح الأكبر في تقديري كان في اللقاء الذي أجراه التحالف قبل المؤتمر مع رئيس الوزراء الإثيوبي السيد ( ملس زيناوي ) وهو اللقاء الذي كتب للتحالف بشكله الحالي عمراً جديداً ، إذ انه من المؤكد أن كثير من المعنيين بهذا الملف في إثيوبيا كانوا قد زهدوا في التحالف وأدائه ، ولكن ملس زيناوي اتخذ قراره بدعم التحالف والعمل على إنجاح مؤتمره ودعمه سياسياً من خلال لجنة برئاسته تشمل جميع مكونات الحكومة الفيدرالية بدلاً من حكومة تغراى ، ودعمه إعلامياً من خلال تغطيته عبر وسائل الإعلام الإثيوبية والوكالات الأجنبية المتواجدة في إثيوبيا وهو دعم سيكون له مردوده إن تمت الاستفادة منه كما ينبغي .حضور المراقبين على قلتهم ، والجدل الكبير الذي دار في الساحة الإرترية دفع المؤتمرين إلى تجاوز المحطات التي كان يتوقع أن تكون بؤر أزمات مستمرة مثل الميثاق السياسي ، ووسائل إسقاط النظام ، وقضية التمثيل في القيادة المركزية ، الأخبار التي جاءت من المؤتمر أكدت أن الحوار والتعاطي مع هذه القضايا كان موضوعياً وجاداً وشفافاً وان ماتم التوافق عليه قد تم أمام سمع وبصر المؤتمر وليس في صفقات تبادلية تحت الطاولة وهو ما يحمد لهذا المؤتمر ، أيضا الاختيار لسكرتارية المؤتمر كان اختيارا موفقاً ، إذ وفق المعلومات التي وصلتنا فإن الأستاذ ( أرهي حمدناكا ) وطاقمه ، قد استطاع إدارة المؤتمر بكفاءة عالية وهو ما ساعد في إنجاح المؤتمر . حظي المؤتمر بتغطية إعلامية جيدة على المستوى الإرتري أو الإثيوبي أو السوداني أو العالمي وهي فرصة لأن يستفيد منها المكتب التنفيذي في توطيد علاقاته بهذه المنابر لأن الحرب الإعلامية أصبحت تتفوق على غيرها . موقف جبهة الإنقاذ يستحق الإشادة إذ حسمت موضوع التمثيل بعد طول جدل إذ اختارت الكسب الحقيقي وهو الوحدة واحترام نفسها والآخرين من خلال موقفها بدلاً من كسب شكلي لا يقدم شيئاً في الواقع .لكن بالمقابل لم يخلو المؤتمر من سلبيات أو عيوب ولعل من ابرز عيوبه هي ضعف التحضير بكل ما تتضمن الكلمة من معني ، فالمؤتمر أصلاً كمستوى قيادي جاء لإشراك الأخريين خارج التنظيمات السياسية أو خارج التحالف من المعارضين لأن التنظيمات السياسية أصلاً ممثلة في القيادة المركزية ولا أعتقد أن العدد ذو تأثير كبير لأن التنظيمات السياسية حددت موقفها من معظم ما طرح في المؤتمر منذ وقت مبكر من خلال مستوياتها الإدارية المختلفة وبالتالي وفق ما فهمت شخصياً من قرارا إيجاد هذا المستوى القيادي هو سماع الصوت الغائب من المثقفين والأكاديميين ومنظمات المجتمع المدني والتنظيمات التي لم تستوفي شروط الانضمام إلى التحالف وبالتالي كان الأوجب مشاركة تلك الفعاليات كعضوية مراقبة ، ولكن ذلك لم يحدث ، الأمر الآخر هو أجندة المؤتمر التي اقتصرت على التقرير المقدم من القيادة السابقة ، والميثاق والنظام السياسي ، القرارات والبيان الختامي ، والقيادة الجديدة التي تنبثق من القيادة المركزية ، ولا أدري كيف أغفلت اللجنة التحضيرية أو الجهة التي كلفتها ، أعداد ورقة سياسية تقيم الوضع الحالي داخلياً وخارجياً ومآلاته والطريقة المناسبة للتعاطي معه ، كما أغفل المؤتمر مناقشة خطة العمل المرحلية للفترة القادمة ، وحتى إذا لم تكن خطة مفصلة كان من المناسب مناقشة ملامح خطة عمل مستقبلية حتى تلتزم بها القيادة الجديدة ، وإلا فعلى ماذا يحاسب المؤتمر القيادة إذا لم يلزمها بموجهات خطة عمل للمرحلة المقبلة ، هذا الخطة تكتسب أهميتها مما بلغنا من معلومات أن هنالك مكاتب تنفيذية في التحالف لم ترفع حتى تقاريرها لأنها في الأصل لم تنجز شيئاً ، كما لم يتجاوز تقارير بعض المكاتب طوال الفترة الماضية السطر أو السطرين . على كل وقد أنهى التحالف مؤتمره ، وخلفنا شواهد التاريخ وأمامنا تحديات المستقبل لا نملك إلا أن نذكر القيادة الجديدة أن ثقة الشعب الإرتري في التحالف تحتاج إلى المستحيل لاستعادتها ، فتسعة أعوام من عمر التحالف كافية للتقييم ويبدو أن شعبنا اذكي من قياداته لأن التمسك بإنجاز الميثاق وحدة ليس بكاف على أهميته ، وبالتالي فإن أمام القيادة الجديدة فرصة محدودة ومواتية لتثبت إن التحالف لا يكرر نفسه وإذا لم يحدث ذلك فإن علاقة التحالف بالجماهير لن تكون كالماء والزيت كما قال السيد ادحنوم بل كالثلج والنار وهي علاقة مستحيلة لا يمكن أن تقوم أو تدوم إلا لأحدهما .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى