مقالات

نصف قرن من الضياع ..الإرتريون .. الهروب إلى ملاجئ قصية : عبد الجليل سليمان محمد عبي

16-Sep-2010

المركز

يعتبر القرن الافريقي أحد أهم بؤر الصراعات والحروب في العالم، ما انتج حالات نزوح ولجوء دائمين منذ آماد بعيدة. فإلى جانب الحالة المشهودة والراهنة في الصومال، فإن أثيوبيا،السودان، وارتريا ، تعتبر من أكثر الدول التي ترفد حركة اللجوء والنزوح والتشرد بإعداد هائلة من البشر وعلى مدى سنوات فاقت نصف القرن في بعض الحالات.

وهنا ينبغي الأشارة إلى احد اهم التقارير الصادرة عن الخارجية الأميركية هذا العام صنف كل دول القرن الأفريقي ضمن ما اسماها بالدول الفاشلة واعتمد التقرير عدة عوامل ومعطيات وأحداث متعلقة بالتنمية الاقتصادية والبشرية، والحرب والسلام، و الفقر، والحقوق المدنية والسياسية، وإدارة الدولة بإعتماد مبادئ الديمقراطية، الشفافية، المحاسبية، حقوق الإنسان والحقوق المدنية والحريات العامة والشخصية، وغيرها، فأتت الصومال في رأس قائمة الدول الفاشلة المكونة من ستين دولة، بينما احتل السودان المرتبة الثالثة، وجاءت اثيوبيا في المركز السابع عشر، وتربعت ارتريا في المركز السادس والثلاثون عن جدارة. بالطبع أبدى محللون ومراقبون تحفظات كثيرة حول ترتيب التصنيف لكنهم اتفقوا حول ان كل الدول التي ورد ذكرها ضمن الدول الفاشله هي بالتأكيد كذلك، وهي دول مهددة بالانهيار في أية لحظة. وما يهمنا هنا اعمال البصر حول موجات اللجوء الناجمة عن تغييب مواطني هذه الدول من قبل النخب الحاكمة تغييباً تاماً من كل مناحي الحياة حيث تم العمل على اقصائهم بشكل متعمد ومؤسسي من قبل تلك النخب من مراكز صنع القرارات المصيرية المتعلقة بحيواتهم مثل قرارات الحرب والتنمية الاقتصادية و علاقات حسن الجوار وتم الزج بهم في إتون حروبات متواصلة ومستمرة واستخدامهم كوقود للحرب تحت عناويين مقدسة مثل السيادة الوطنية، والدين، و العرق، والتحرر من الاستعمار، والدفاع عن حدود البلاد وما إلى ذلك من أطروحات ظاهرها لامع وباطنها قاتم – كما يُقال في الكناية عن الأستغفال و الاستغلال. على كل وفيما لو تعرضنا إلى الحالة الأرتريه كـ( نموذج) وتداولنا حولها، فإننا بالتأكيد سنحصل على صيد وفير، فمنذ اقرار بعض الأرتريين انهم يجب ان يؤسسوا كيان خاص بهم – عقب خروج المستعمر الإيطالي، وعدم الذوبان في الكيان الأثيوبي الكبير، والصراعات التي افرزها الحراك آنذاك بين الأحزاب الوحدويه (مع اثيوبيا)، والاستقلالية، ومرورا بمرحلة حركة تحرير ارتريا،إلى اعلان الكفاح المسلح في سبتمبر 1961م، أزهقت أرواح الكثيرين وأجبرت شعوب بأكلمها على الهجرة والنزوح، واستخدم الرجال والنساء والأطفال في تلك الحروبات البائسة مهما افضت إلى نتائج، وليس ثمة نتيجة مثالية يمكن تفضي إليها حربا ما كالاستقلال وهذا ما حققه الثوار الأرتريون في مطلع تسعينيات القرن الماضي بعد حرب طويلة وقاسية استمرت ثلاثون عاماً، ولكن ما أن بدأ اللاجئون يعودون إلى ديارهم من الجوار حتى شعروا بخزي عظيم عندما تأكد لهم ان العودة لم تكن سوى إلى ملاجئ داخل الوطن وللأسف كانت أكثر بؤساً من تلك التي تركوها خلف ظهورهم، ولم تمض أربع سنوات حتى دخلت حكومة النخبة الوطنية الجديدة المكونة من الثوار في خلافات مع الجوار السوداني فأستدعت المعارضة السودانية الضخمة وذات الأمكانيات الكبيره (الحركة الشعبية، وحزبي الأمة والأتحادي)، فقضت على حركة التجارة والزراعة الحدوديتين اللتين تمثلان مصدراً مهما من الدخل القومي حيث تعاني الدولة الوليدة من تنوع مصادر الدخل، وفي العام 1995م تم اغلاق الحدود والسفارات و أعلنت الحرب بالوكالة بين البلدين (حرب المعارضات)، حيث كانت الدولة الأسلامية في السودان تدعم المجاهدين الأرتريين، ايضاً. وهنا ضاقت على اللاجئين العائدين من (المعسكرات) إلى (المعسكرات) سبل العيش وتم حصارهم داخل معسكراتهم هنا وهناك، حيث تقلصت حركتهم وبارت تجارتهم فبدأوا في العودة (متسللين) فردا فردا ورويدا رويدا، خاصة بعد بدء التجنيد الاجباري القاسي وغير المقيد بفترة زمنية محددة، وذلك مع بداية نقر (ناقور) الحرب مع أثيوبيا في 1998م، وهي القشة التي قصمت ظهر المواطنين هناك، وهي حرب صنفها كثير من المراقبين بالبؤس واللا جدوى، خاصة تلك القاصمة التي دارت رحاها عام 2000م، و قتل من قتل وهرب من هرب.أقل من عشر سنوات من الاستقلال وأحدثت النخبتين الحاكمة والمعارضة في ارتريا (والأخيرة سأعود إليها تفصيلا لاحقا)، موجات لجوء جديدة اتسمت هذه المرة بأن قوامها من الشباب والشابات الذين شعروا بأن هنالك من يستغلهم في حروبات ليست ذات جدوى، فعمدوا إلى الهجرة عبر بوابة السودان إلى ليبيا عبر الصحراء، ثم إلى ايطاليا عبر البحر لمن كتبت لهم النجاة من بين براثن قابضي الأرواح (الرمال والأمواج).وفي دروب هجرتهم/ هجرتهن، تعرض الشباب الارتري من الجنسين للموت والاستغلال المادي والجسدي و العنف، بحثاً عن ملاجئ جديدة أكثر أمنا في اوروبا وامريكا واسرائيل و استراليا و (واق الواق). وأضحى هم البحث عن (مهارب) حتى ولو عن طريق عصابات الاتجار بالبشر واحدا من اهم الاستراتيجيات المستقبلية للشباب الارتري، ونظرة عجلى إلى شوارع الخرطوم الآن تؤكد ذلك، وتشير إلى ان ما يحدث لهؤلاء يعتبر مأسأة انسانية عظيمة فالبنات المراهقات (اللاتي لم يبلغن الثامنة عشر) يتكدسن في غرف ضيقة مع بعض الفتيان الذين في يعملون على استغلالهن ماديا وجسديا و ايقاعهن في براثن مهربي البشر بعد تجريدهن من كل أموالهن.هؤلاء الشباب والشابات جلهم من جيل ولد بعد الاستقلال أو قبلة بسنوات قليلة، اضحوا نتيجة للفشل الذريع للنخب الحاكمة والمعارضة، أضحوا لا ينتمون لوطن ولا يحسون به، انهم شباب يبحث عن ملاجئ آمنه، ومهارب بعيدة عن وطنهم (بؤرة الحروب والصراعات) ، ولا جدوى العيش.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى