مقالات

هزيمة العسكرية بوسائل غير عسكرية (في تعميق مفهوم الخيار الثالث)(2-2):صلاح أبوراي

10-Mar-2011

المركز

… في الحلقة الماضية تناولت إن الثورات السلمية تهدف الى تفكيك وإزالة أي قوة عسكرية أو أمنية تخدم فرداً كرئيس الجمهورية أو حزباً أو مجموعة قومية أو دينية واسناد ولائها للشعب من أجل مجتمع مدني ديمقراطي لا تهيمن على مقدراته أي قوة لا تخضع للشعب…الخ.ولكن، هل يمكن ان تشهد ارتريا ثورة سلمية على غرار ما حصل في تونس ومصر ويحصل في اليمن؟.

هنالك عدة اسئلة تطرح هذه الأيام من قبل الكثيرين بالقول ليس في ارتريا نقابات عمالية أو اتحادات طلابية تقوم بهذا الحراك، ومن يقول ليس هنالك احزاب وقدر معقول من الحريات كما في مصر وتونس واليمن ومن يقول ان الشباب خارج البلاد وليس من يقوم بتلك الثورة …الخ. ولكن السؤال الفيصلي الذي يحدد عن قيام ثورة في ارتريا من عدمها هو هل يوجد ظلم واستبداد واقع على الشعب أم لا ؟. طالما يوجد ظلم واقع على أي شعب فإن ذلك الشعب يعتبر حامل لفيروس الثورة. والثورة في ذاتها تعبير عن رفض لظلم، وإن الشعب الارتري كبقية الشعوب الثائرة يعاني من الإستبداد والقهر والظلم وغياب سيادة القانون وغياب العدالة والديمقراطية إذن، معطيات قيام ثورة في ارتريا موجودة وبوفرة.أن خروج مائة شخص فقط للتظاهر وبطريقة سلمية وبتنسيق مكتمل بينهم فيما ينبغي فعله وما ينبغي تجنبه هو كاف لاحداث ثورة شعبية عارمة في ارتريا وتحقيق الانتصار إذا ما إستندت على عوامل انجاحها وتجنب عوامل افشالها. ان ادراك عوامل النجاح وعوامل الفشل في الثورات يعتبر أهم الركائز الاساسية للوصول بالثورة السلمية الى انتصارها. ولا يمكن ان يُستجاب الى مطالب المتظاهرين بمجرد خروجهم للتظاهر، وإن الأمر ليس طي صفحة قديمة بصفحة جديدة أو ان النظم الديكتاتورية من الوداعة والكرم ان تتنازل عن سلطاتها وتسليمها للشعب بسهولة، هنالك للأسف بعضاً من العنف يمارس من قبل النظام الديكتاتوري وسوف تراق قدر من الدماء من المتظاهرين، ولكن من أجل نجاح التظاهرات لا بد ان نأخذ في اعتبارنا عاملين هامين وهما يجيبان عن سؤال كيف ينتصر بضعة عشرات من المدنيين على نظام عسكري مدجج باحدث الاسلحة والمعدات اي كيف يهزم مدنيون عسكريين ؟. العاملان هما: سلمية التظاهرات في مقابل وحشية النظام.إن لحظة الضرب والتنكيل والبطش والقتل الذي يتعرض له المتظاهرين لمجرد إنهم يطالبون بحقوق مشروعة تعتبر لحظة فارقة تتغير فيها الأمور بطريقة دراماتيكية، الحظة التي يمارس فيها النظام بطشه واجرامه لمتظاهرين سلميين تنال ذروة التعاطف الشعبي والإنساني للمتظاهرين ولحظة يفقد فيها النظام كل رصيده الشرعي والاخلاقي عند الشعب وعند الضمير الانساني، مشاهد سحل لمتظاهرين ابرياء ومسالمين يطالبون بحقوقهم المشروعة، وآخرون جرحى ينزفون، وآخرون يتسغيثون، وآخرون يتأوهون وجعاً وآخرون يرددون الشعارات، والآلة العسكرية تفعل قبحها وتمارس جرمها وبطشها وتنكيلها على متظاهرون عُزل، هذا المشهد في هذا المسرح ” شارع الحرية في اسمرة مثلاً” يلقى استجابة تلقائية وتعاطف منقطع النظير ويوقظ الضمير الشعبي والإنساني ويؤجج عواطف الجماهير ويحيّز الموقف لصالح المظلوم ولا يترك مطلقا ً مجالاً للحياد. هذا القبح الذي يندى له جبين الإنسان الذي تمارسه السلطات تجاه المتظاهرين لمقابلة مدنيين عزل ينشدون الحياة الكريمة في بلادهم تضرم الغيظ في المواطنين وتفجر العواطف الكامنة وتنحاز الجماهير الى جانب المتظاهرين. إن وعي وتوليد هذه اللحظة من أعظم المنجزات التي تحققها المسيرات في الميدان حيث تنضم اليها الآلاف من الجماهير الغاضبة لنصرة المتظاهرين وتتضاعف اعدادهم وتتصلب ارادتهم وتتصاعد مطالبهم لتصبح بدلاً من ” الاصلاحات السياسية ” الى “اسقاط النظام”. هذه اللحظة كما هي تمثل ذروة التعاطف الشعبي والإنساني والدولي مع المتظاهرين فإنها تمثل كذلك اقبح لحظة يتعرى فيها النظام وينكشف أمام الجميع فيبتعد عنه القريب والحليف والصديق فينعزل بسرعة فائقة ويتغرب ويزول. من مسلمات هذه المقاربة : إنه كلما مارس النظام العنف وأفرط في قمع وقتل المتظاهرين تسارعت وتيرة سقوطه وبالمقابل كل ما مارس المتظاهرون اقصى درجات الانضباط ولم يمارسو العنف ولاذوا بالصبر والجلد ولم يستجيبوا للقمع بالقمع نالوا أكثر تعاطفاً شعبياً وهزوا الضمير الإنساني – المصريون في احلك اللحظات واصعبها كانوا يدعون لمبارك بـ”السيد الرئيس” هذا الصبر والجلد هو تقديم قضيتين للجماهير للحكم وهذا الصبر على العنف هو الصخرة التي ينكسر عليها الظلم والقهر والاستبداد.إن الآلة العسكرية سرعان ما تنكسر وهي اضعف بكثير من ارادة الإنسان الأعزل، إن النظام المصري كان يمتلك مليونين من رجالات الأمن انهاروا في سويعات قليلة عندما اطلقوا النار على المتظاهرين وقتلوا بعضهم!. إبراز هذا النقائض في المسلك بين مسالم محق ومجرم مستبد وبين ضحية وقاتل بين حق وباطل هي لحظة تقريرية للإنسان لا تحتمل الحياد.هنالك ايضا جانب هام وهو عدم انقطاع التظاهرات وضرورة تواليها وتواصلها وهي احدى الحلقات الذهبية المستفادة من الثورة التونسية – حيث ان الشعب المصري كان يتظاهر بين الحين والآخر لكن، تواصل وتتابع المظاهرات حتى تحقق مطالبها استفاد منها من الثورة التونسية.وبالحديث سريعاً عن الثورة الليبية ، نستطيع محاكمة رؤيتنا في الثورة الليبية، حيث قامت الثورة ببضعة عشرات من الشباب في بنغازي وعندما اصبح العسكر يطلقون النيران ويقتلون الشباب ويقتلون العسكريين الرافضين لاطلاق النار على المتظاهرين وصور الجرحى والقتلى في الشوارع والمستشفيات ، تلك البشاعة والاجرام شكلت اكبر تعاطف داخلي وعالمي حيث تابعنا استقالات بالعشرات للسفراء وللهيئات الدبلوماسية وبيانات التنديد من قيادات عسكرية وقيادات مدنية تتبرأ من النظام وجرمه الذي يرتكب على ابناء شعبهم ومظاهرات في جميع انحاء العالم ومجتمعات مدنية تضغط على حكوماتها لادانة الجرائم الوحشية التي ترتكب بحق الشعب الليبي وكان النظام الليبي سيهوي بسرعة البرق أو لربما قتله احدهم في داخل قصره، لكن للأسف تدخل الجيش وتحمس لنصرة المتظاهرين وتحول الصراع الى صراع مسلح ومن حينها لم نشهد استقالات سفراء ولا بيانات تنديد لمسؤلين ليبيين ولا مظاهرات في الخارج اذ التعاطف الشعبي والانساني انزوى !! حيث خرجت الثورة السلمية من سياقها المدني اللا عنيف وتحولت الى صراع مسلح بين جيشين!. إن النضال غير العنيف يحتاج الى العزيمة القوية من المتظاهرين لكسر الآلة العسكرية وتنكسر، إن ثمن الحرية والديمقراطية كلف المتظاهرون أربعة الاف متظاهر في رومانيا قتلتهم الآلة العسكرية للديكتاتور الروماني تشاوشيسكو ولكن بالرغم من ذلك انتصرت الثورة. إن هزيمة العسكرية بوسيلة غير عسكرية منهج مضمون النتائج وناجع الوسيلة وبأقل الاثمان وبأسرع الاوقات. إن الاعتماد على القوة عسكرية لازالة نظام عسكرية ديكتاتوري يعتبر ابدال ديكتاتورية بدكتاتورية اخرى. في الختام ارفق لكم تصريح السيد ابراهيم هارون الذي ادلى به الى موقع http://www.sudantribune.com/Eritrean-opposition-force-calls,38136 وصرح فيه قائلاً اذا ما قامت ثورة شعبية على غرار ما قامت في مصر فأنه سيتدخل بقواته لنصرة المتظاهرين !! ولكم التعليق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى