مقالات

هل تنجو أثيوبيا؟ بقلم/أبوبكر كهال

30-Dec-2015

عدوليس ـ نقلا عن القدس العربي

المظاهرات المطلبية التي تجتاح مدن وبلدات أقليم الأرومو في أثيوبيا، والتي تقوم بها إحدى كبرى الإثنيات التي تنتسب إلى ذلك الإقليم والمعروفة بـ «الأرومو»، أعادت إلى الواجهة القلق القديم الذي يحضر دائماً كلما تعرض هذا البلد الأفريقي الكبير إلى خضّات سياسية عنيفة كالتي تجري الآن.فحجم القلق الحاصل حالياً على مصير أثيوبيا من التفتت والتشظي يشبه ذلك الذي سبق سقوط الدكتاتور منغستو هيلي ماريام سنة 1991، حيث كانت البلاد فعلاً في طريقها إلى «التشلع» لو لم يدخل الأمريكان على الخط لإنقاذ الوضع، إذ بينوا للدكتاتور عبر الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر بوضوح وبلغة

«واحد زائد واحد يساوي اثنين» أن وجوده على رأس السلطة سيقود أثيوبيا إلى الانهيار، ومن دون أن يضيعوا الوقت معه وضعوه في إحدى الطائرات مع حفنات من الدولارات (ملايين) كان قد جناها من صفقات ترحيل الفلاشا وأرسلوه إلى ملجأ آمن في إحدى الدول الأفريقية. ثم تولّوا الوضع بأنفسهم وعملوا مع من تبقى من أركان نظامه على تثبيت البلد وتأجيل الانهيار.وحاول الأمريكان في البداية التفاهم مع الثورة الإرترية التحررية لمنع إريتريا من الاستقلال والإبقاء عليها ضمن الدولة الأثيوبية، بيد أن مسعاهم ذاك لم يوفَّق بسبب من أن إريتريا لم تكن يوماً جزءاً من أثيوبيا، ولأن قضيتها كانت قضية تحرر وطني. ثم إن الوقائع العسكرية على الأرض وقتذاك كان لصالح الثورة الإريترية وكان ومن المستحيل تغييرها.وقد تأكّد لجميع القوى المهتمة بالمنطقة أن استقلال إريتريا لا يمكن عرقلته، بل وإنه قد يمثل أحد أهم الحلول نحو استقرار أثيوبيا لأنه سيزيح عنها تكاليف أعباء استمرار الحرب ووقف الخسائر في الأرواح والخسائر المادية والتي كانت السبب المباشر في ضمور دولة أثيوبيا ووصولها إلى محطات المجهول السياسي.وبعد استيعاب هذه الحقيقة عمل الأمريكان مع الحركات الأثيوبية المتمردة التي تكونت في ائتلاف ما سمي وقتها «الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الأثيوبية» والذي كان عماده فصيلاً ينتمي للإثنية التقراوية الشمالية وكان هو الأكثر تنظيماً وخبرة وعدداً وعدة. وقد وصل ذلك الائتلاف إلى العاصمة أديس أبابا بدعم مقدر من الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا الحاكمة الآن، وتم تكوين حكومة على أنقاض نظام منغستو هيلي ماريام الذي انهار. وبذا منعت أمريكا عبر الدبلوماسية الكارترية سقوط أثيوبيا في بحيرات الاحتراب الأهلي.والآن، على ما يبدو أن الوضع في أثيوبيا في حاجة ملحّة لكارتر جديد يلعب دور الإطفائي. فإثنية تقراي الشمالية أكلت أخضر أثيوبيا ويابسها وتركت بقية الإثنيات والإقاليم في فقر ومجاعات بعد أن تكالب التقراي على معظم مقدرات البلد، بل ومارسوا الاضطهاد والبطش في حق طلبة ونشطاء وساسة أحزاب معارضة وهي كثيرة. وقد أُهملت للأسف النداءات التي وجهت للحكومة الأثيوبية من قبل المنظمات الأممية مثل منظمة العفو الدولية،ومفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، للإقلاع عن الممارسات التي يعامل بها أبناء الأرومو.ما تزال فرصة المعالجات السياسية مواتية، والأمور لم تفلت بعد، ولكنها تتجه نحو الفلتان ما لم تبادر الحكومة بسرعة إلى معالجة جذور الإشكال عوضاً عن المعالجات الأمنية التي أدت إلى الاصطدام مع مجموعة (الأرومو) العرقية التي جعلتها السياسات غير الرشيدة تحس بالغبن الشديد. والمرجو ألا تتغلب على الخيارات خصال قادة عالمنا الثالث واعتقاداتهم القاتلة التي يرون بموجبها أنه في حالة استفحال المشكلات السياسية في بلدٍ ما يجب تدبر أعداء بالداخل على وجه السرعة أو عدو خارجي ليفتعلوا معهم المعارك في محاولة للزوغان من مواجهة المشكلات الحقيقية والأزمات السياسية والاقتصادية التي تتطلب إعمال العقل عوضاً عن غرائز حب السلطة والغَرْف من عسلها ولا يهم بعد ذلك إن مات ملايين الناس بانتشار الأوبئة أو استفحال المجاعات.هل سيهبّ كارتر آخر ليساعد أثيوبيا وينقذها من نفسها وينقذ بالتالي المنطقة من ارتدادات الانقسامات التي أخذت بالتشكل في واقع السياسة الأثيوبية، أم سيختار حكام أثيوبيا فتح جبهات حربية خارجية لكسر زخم التظاهرات؟ وفي هذا الحالة لا توجد إلا الجارة أريتريا التي سترسو عليها خيارات الحرب، لأن كبار قادة أثيوبيا ظلوا طوال الأشهر الماضية يتوعدون أريتريا بذريعة دعمها لمجموعات أثيوبيا معارضة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى