مقالات

وساطة جنوب السودان بين إرتريا وإثيوبيا .. بقلم: محجوب الباشا

6-Nov-2012

hglv;.

تناقلت وكالات الأنباء والعديد من المواقع على شبكة الانترنت خلال الأسبوع الماضي تصريحات للسيد دينق ألور وزير شئون مجلس الوزراء بجنوب السودان يشير فيها إلى أن حكومة بلاده تعتزم طرح مبادرة لتسوية الخلافات الحدودية بين إثيوبيا وإرتريا. أشار الوزير إلى أن العلاقات الطيبة التي تربط بلاده بكل من إرتريا وإثيوبيا تجعل من الواجب عليها أن تقوم بطرح مثل هذه المبادرة ، مؤكداً أن الطرفين رحبا برغبة حكومته في التوسط وأن جوبا تعكف حالياً على وضع الترتيبات النهائية لجولات ماكوكية يقوم بها وفد رفيع المستوى بين أسمرا وأديس أبابا من أجل تحقيق هذا الهدف. لم يفصح الوزير عن عناصر المبادرة الجنوبية لحل مشكلة الحدود المستعصية بين البلدين ، ويبدو ان الإعلان عن ذلك ربما يتم بعد الجولة المزمعة للوفد المذكور.

لا نشك في أنه من المبكر جداً القطع بمدى نجاح أو فشل المبادرة الجنوبية ، غير أن أي تقدم في ملف الحدود بين البلدين يمكن أن تحققه هذه المبادرة يعتبر إنجازاً مهماً تستحق عليه حكومة جنوب السودان كل التقدير. سنحاول في هذا المقال تناول ردود الأفعال الأولية لهذه الخطوة الشجاعة وعن فرص النجاح المتاحة لها حسب تقديرنا للاوضاع السائدة. تمثل مشكلة الحدود العقبة التي توقفت عندها كل جهود التطبيع بين إرتريا وإثيوبيا ، وقد كان من المؤمل أن يقود تخطيط وترسيم الحدود على ضوء اتفاق الجزائر للسلام والموقع بين الطرفين في عام 2000 إلى وقف الحرب وعودة العلاقات الطبيعية الكاملة بينهما. غير أن الاختلاف البين في وجهتي نظر الحكومتين حول تنفيذ القرار الصادر عن المفوضية الدولية لتخطيط وترسيم الحدود بينهما التي كونت لذلك الغرض حال دون تحقيق الهدف المنشود. جاء قرار المفوضية على غير هوى الحكومة الإثيوبية ، وذلك عندما أشار إلى أن قرية بادمي المتنازع عليها تقع على الجانب الإرتري من الحدود. ومع أن القرية نفسها ليست لها قيمة تذكر من الناحيتين الاستراتيجية والاقتصادية إلا أنها كانت السبب المباشر لاندلاع حرب السنتين مما أكسبها قيمة معنوية كبيرة خاصة بالنسبة لإرتريا التي ، ونسبة لعوامل تاريخية معلومة ، تتعامل بالكثير من الحساسية في قضايا الحدود خاصة مع إثيوبيا وتنظر لأي تعد على حدودها باعتباره محاولة لنقض شرعيتها كدولة مستقلة. لذلك فقد شاع في الأدبيات الإرترية خلال تلك الفترة القول بأن الحرب مع إثيوبيا هي حرب وجود وليست حرب حدود. حاولت إثيوبيا التحايل على تنفيذ قرار المفوضية الصادر في 13 أبريل 2002 بشتى الطرق والوسائل ، ومن بينها إثارة ملاحظات قانونية وعملية عديدة للإلتفاف حول نهائية القرار وإلزاميته حسبما ورد في اتفاق السلام. كانت المذكرة الطويلة التي تقدمت بها الحكومة الإثيوبية بعد شهر واحد من صدور القرار تهدف فيما يبدو لإعادة النظر في ذلك القرار برمته وذلك عندما أثارت العديد من النقاط التي تؤكد استحالة تنفيذه على الأرض. طرحت إثيوبيا مقترحاً لجلوس البلدين حول مائدة التفاوض مرة أخرى للاتفاق حول كيفية تنفيذ القرار ، وهو الأمر الذي استبعدته إرتريا وكان سبباً في رفضها استقبال المبعوث الشخصي الذي عينه الأمين العام للأمم المتحدة لحل المشكلة. تنازلت إرتريا لاحقاً عن موقفها المتشدد ووافقت على الجلوس للتفاوض ولكنها وضعت شرطاً صَعُب قبوله على إثيوبيا وهو أن يكون التفاوض فقط حول كيفية وضع العلامات الحدودية على الأرض. بعد أن تأكد لمفوضية الحدود تعذر تنفيذ قرارها بسبب الخلاف الواضح بين الطرفين ، قامت في 30 نوفمبر 2007 بتسليمهما وثائق توضح على الورق مواقع النقاط الحدودية. وبذلك تم تخطيط الحدود الإرترية الإثيوبية بصورة افتراضية وهو الأمر الذي وصفه رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل ملس زيناوي بأنه مجرد “هراء قانوني” ، وظلت الأوضاع على ما هي عليه إلى يومنا هذا.قوبلت مبادرة حكومة جنوب السودان بغير قليل من الاستغراب الذي لامس أحياناً درجة الاستخفاف ، فقد علقت وكالة رويترز التي نقلت تصريحات الوزير دينق ألور في ثنايا الخبر أن جنوب السودان نفسه يعاني من مشاكل حدودية مستعصية مع جارته الشمالية. أما موقع تقراي أونلاين الذي يبدو أنه يعبر عن وجهة نظر محافظة التقراي المتاخمة لإرتريا فقد حمل رأياً يقول: “وما عساها ان تفعل حكومة جنوب السودان في الوقت الذي حاولت فيه قوى كبيرة ومنظمات دولية التوسط بين الطرفين دون جدوى”. ولعل أكثر ما يثير الشكوك حول المبادرة هو تصريحات لوزير الإعلام الإثيوبي بركات سايمون في محاضرة نقلت عبر البالتوك لعشرات الآلاف من المشاهدين عبر الانترنت. أشار الوزير الإثيوبي إلى أن حكومته لا علم لها بهذه المبادرة ، بل ذهب لأبعد من ذلك عندما قال أنها ربما كانت أحد ألاعيب الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة الحاكمة في أسمرا. ويقول الوزير أن الجبهة الشعبية ربما تمكنت من إقناع حكومة جنوب السودان برغبتها في الحوار مع إثيوبيا ، وذلك في محاولة لاستغلال هذه المناورة للعمل على رفع الحصار المفروض عليها من جانب المجتمع الدولي. وكانت إرتريا قد طالبت خلال الدورة الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي برفع الحصار المفروض عليها من جانب المنظمة الدولية بعد ان أوضح التقرير الأخير لمجموعة الخبراء الدولية أنها لم تعد تدعم حركة الشباب المجاهدين في الصومال. غير أن التقرير نفسه أشار من جهة أخرى إلى أن إرتريا ما زالت تقدم الدعم للحركات الإثيوبية المناوئة للحكومة والتي تعبر الاراضي الصومالية للقيام بعملياتها داخل إثيوبيا. من جهتها ، ظلت إرتريا تلتزم الصمت حتى الآن حيال ما نسب للوزير دينق ألور.وبغض النظر عن التضارب في المعلومات الواردة عن مبادرة حكومة جنوب السودان للتوسط بين إرتريا وإثيوبيا ، فإن هناك الكثير من العوامل والتطورات بالمنطقة التي يمكن أن تساعد على نجاح مثل هذه المبادرة ، كما أن هناك الكثير من المعيقات التي يمكن أن تشكل عقبات في طريقها. ولعل من أهم العوامل المساعدة على نجاح المبادرة هو أن المنطقة مقدمة الآن على فترة مهمة شعارها تحقيق الاستقرار السياسي والأمني ، ولا شك أن ما يجري في الصومال حالياً يؤكد أن للمجتمع الدولي رغبة حقيقية في تجاوز سنوات العنف وما تبعها من كوارث إنسانية. كما أن المساهمة الإقليمية الفاعلة والتي تمثلت في وجود قوات عدد من دول الإقليم بالصومال ، والمشاركة العالمية الواسعة في المؤتمرين الاقتصاديين اللذين عقدا بشأن الصومال في لندن واسطنبول تؤكدان أن المزاج العام يتجه نحو تحقيق الاستقرار في الصومال خاصة وفي المنطقة ككل. وإذا ما أضفنا لذلك وساطة الاتحاد الأفريقي بين شمال وجنوب السودان وغيرها من المحاولات الساعية لتجاوز بؤر التوتر في الإقليم ، فإننا ندرك أن مناخاً عاماً يتهيأ الآن للتوسط بين إثيوبيا وإرتريا.من ناحية أخرى فإن إثيوبيا مقدمة هي الأخرى على فترة انتقالية بعد وفاة قائدها التاريخي ملس زيناوي وانتقال السلطة فيها ولأول مرة منذ عام 1974 بأسلوب سلمي. ومع أن فترات الانتقال تتسم عادة بإنشغال القيادة الجديدة بتوطيد أركان سلطتها وإعادة ترتيب البيت من الداخل ، إلا أن غياب ملس زيناوي قد يتيح فرصة طيبة لتطبيع العلاقات مع إرتريا خاصة وأن المشكلة بين الرئيس الراحل والرئيس الإرتري بدت وكأنها تاخذ منحى شخصياً يتسم بصراع الإرادات. ولا بد من الأخذ في الاعتبار أن من أوائل القرارات التي اتخذتها الحكومة الإثيوبية الجديدة قراراً بإطلاق سراح خمسة وسبعين إرترياً بالسجون الإثيوبية كان قد تم أسرهم بعد غارة قامت بها القوات الإثيوبية على إحدى القواعد العسكرية داخل إرتريا في مطلع العام الحالي. حرصت الحكومة الإثيوبية عند إطلاق سراح الأسرى على القول بأن الخطوة اتخذت بهدف تمتين العلاقات بين الشعبين وانه لن يكون لها أي انعكاس على العلاقات الرسمية ، غير أن بعض المراقبين رأوا فيها بالرغم عن ذلك بادرة للتعبير عن حسن النية. وربما كان ذلك أحد الأسباب التي شجعت حكومة جنوب السودان على طرح مبادرتها التي أشرنا لها أعلاه. لا شك أن مواقف الطرفين من قضية الحدود بينهما لا زالت متباعدة ، كما أن مقترحات سابقة بما فيها المقترح الأمركي ببناء قرية متكاملة الخدمات على الجانب الإثيوبي من الحدود وبنفس الاسم قوبلت بالرفض. لن تكون الطريق أمام المبادرة ممهدة في اعتقادنا فإن هذه المواقف المتباينة تحتاج للكثير من الجهد لتقريبها بغرض تجاوز أزمة تخطيط وترسيم الحدود وبصفة خاصة في القطاع الغربي منها حيث تقع قرية بادمي. اصبح للقرية كما ذكرنا آنفاً قيمة معنوية كبيرة إذ أن على كل طرف أن يقدم التفسير المقنع لمواطنيه عن السبب وراء التنازل عنها بعد التضحيات الجسام في الأرواح والعتاد. وتواجه الحكومة الإثيوبية بصفة خاصة مشكلة في إقناع شعبها بفقدان بادمي إذا ما قررت التنازل عنها ، وذلك لأن المواطن الإثيوبي يحس بانه بالرغم التضحيات والنصر الكبير الذي حققته القوات الإثيوبية في الجولة الثالثة من الحرب فإن ذلك لم ينعكس بالصورة المطلوبة على النتيجة النهائية بالنظر لما حصلت عليه البلاد بموجب اتفاق الجزائر للسلام. يسود هذا الاحساس بالرغم من بعض التعديلات التي تمت لصالح إثيوبيا في القطاع الأوسط من الحدود ، فإثيوبيا لا زالت دولة حبيسة ولم تتمكن من أن تنتزع حق استغلال ميناء عصب بالرغم من محاولاتها المحمومة لاحتلاله في الأيام الأخيرة من الحرب. كما إنها عجزت ولأسباب عديدة عن تغيير النظام في أسمرا ، ويرى الكثير من المراقبين أن ذلك ربما يعود لتخوف إثيوبيا نفسها من البديل الذي قد يتمثل في الحركات الاسلامية المتشددة.أياً كانت نتيجة الوساطة التي بادرت بها حكومة جنوب السودان ، فإنها تعكس دون أدنى شك رغبة جوبا الملحة في أن تلعب دوراً نشطاً على الساحة الافريقية. ومما لا ريب فيه أن اتباع سياسة خارجية إيجابية سيساعد كثيراً في ترسيخ شرعية الجنوب كدولة كاملة السيادة ، خاصة وأن استقلالها جاء نتيجة لانشطار السودان لدولتين مما يعتبر من الحالات النادرة في التاريخ الحديث للقارة. والمتابع لتحركات حكومة الجنوب منذ استقلال البلاد في العام الماضي يجد أنها تحاول استغلال علاقاتها التاريخية بدول القارة من أجل أن تبدو في صورة الدولة المستقلة المحبة للسلام والساعية نحو التعاون. فقد تقدمت بطلب للانضمام لمنظمة شرق أفريقيا سعياً نحو توطيد علاقاتها مع دول المنظمة ، كما عملت على توثيق روابطها مع كل دول الجوار بما في ذلك تجاوز المشاكل مع السودان. من جانب آخر ، حاولت دولة الجنوب حتى قبل نيل استقلالها أن تلعب دور الوسيط بين الحكومة اليوغندية وجيش الرب ، ثم انضمت مؤخراً للقوة الاقليمية التي تعمل على محاربة الحركة المتمردة ، بل إن مقر قيادة هذه القوة يوجد الآن في مدينة يامبيو عاصمة ولاية غرب الاستوائية بجنوب السودان.Mahjoub Basha [mahjoub.basha@gmail.com]نقلا عن سودانايل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى