مقالات

وفد اريتري عالي المستوى بالخرطوم:هل ينجح في العبور بالعلاقات إلى مستوى متقدم أم ستظل تراوح مكانها؟ .. عبد المنعم أبو إدريس

11-Oct-2005

الصحافه

نقلاً عن صحيفة الصحافة
وصل الخرطوم أمس في زيارة تستغرق عدة أيام وفد ارتري برئاسة السيد محمد عمر وزير الخارجية الاريترية بالوكالة يرافقه عدد من المسؤولين على رأسهم عبد الله جابر مسؤول التنظيم بالجبهة الشعبية الاريترية

وذلك بطلب من اريتريا بهدف إجراء مباحثات مع الجانب السوداني تتناول مسار العلاقات الثنائية بين البلدين وتجاوز الخلافات العالقة بينهما والنظر في إمكانية تعزيز العلاقات وتطويرها وتأتي هذه المحاولة المباشرة من الحكومة الاريترية لإذابة ما تراكم من جليد على جدار العلاقة بين البلدين مما أدى الى جمودها بل وتوترها ضمن سلسلة محاولات عديدة جرت لتحسين هذه العلاقات الا أن الجديد هذه المرة هو وصول وفد رسمي اريتري الى السودان للتداول المباشر حول الملفات وسبب الخلاف فهل تنجح هذه الزيارة في كسر جليد العلاقة واذابة جمودها. هذا ما نتمناه ، ولكن السؤال المهم هنا هو ما هى أوجه الخلاف الذي تصاعدت وتيرته للحد الذي تسبب في التدهور المريع في علاقات الجارين الشقيقين.* قصة العسل الذي صار مراً:عند استقلال اريتريا عام 1991م كانت العلاقات السودانية الاريترية في أوج توهجها حتى أن الحكومة السودانية تكفلت بمنصرفات الاستفتاء حول تقرير المصير للاريتريين الذين يقيمون على أرضها وعند اعلان النتيجة في عام 1992م كانت السفارة السودانية من أولى السفارات التي رفرف علمها هناك إيذاناً ببداية علاقات حميمة ووطيدة بين البلدين.واستمر الحال لمدة عامين حيث شهدت الفترة من 91 وحتى 1994م توقيع ثمانية بروتوكولات في مختلف مجالات التعاون الاقتصادي والثقافي والشبابي، كما أن الحكومة السودانية وابرازاً لقوة العلاقة عملت على طرد المعارضة الاريترية من الأراضي السودانية.وفي عام 1994م بدأ التوتر بين البلدين باتهامات ارترية للسودان بأنه يأوي جماعات اسلامية مناوئة لاسمرا على رأسها حركة الجهاد الاسلامي الاريتري والتي شرعت في القيام بعمليات مسلحة ضد الحكومة داخل الاراضي الاريترية وكنتيجة لذلك عمدت الحكومة الاريترية لاحتضان التجمع الوطني المعارض للحكومة السودانية لتصل العلاقات بينهما مرحلة هى أقرب للقطيعة ثم توالى تدهور العلاقات حين استئنافت اسمرا مؤتمر القضايا المصيرية 1995م وتسليم اريتريا لمقر السفارة السودانية للمعارضة وبلغ التدهور ذروته حين انطلقت العمليات المسلحة للتجمع بكل فصائله في شرق السودان من داخل اريتريا وظلت الحكومة السودانية دائمة الاتهام للحكومة الاريترية بتقديم الدعم اللوجستي للعمل المسلح واحياناً بالمشاركة المباشرة في العمليات القتالية ومن الجهة المقابلة بدأت المعارضة الاريترية بكل فصائلها ممارسة عملها من داخل السودان حتى أنها عقدت مؤتمرها العام في اغسطس الماضي بأرض المعسكرات بسوبا وانتخبت حسين خليفة أميناً عاماً للتجمع الاريتري الديمقراطي خلفاً لحردي الامين العام السابق.كما أن اريتريا اتهمت الحكومة السودانية بأنها وراء محور صنعاء، اديس، الخرطوم الذي قالت بأنه موجه لعمل عدائي ضدها على خلفية صراعها مع اليمن على جزر حنيش ونزاعها مع أثيوبيا على مثلث بادمي ولكن لم يكن لها في يوم من الايام صراع على الأرض والحدود مع السودان. محاولات إصلاح ذات البين:انطلقت أول مبادرة لاصلاح العلاقات السودانية الاريترية من جانب امير دولة قطر في عام 1998 الذي نجح وقتها في عقد لقاء بين الرئيسين السوداني والارتري في الدوحة ولكنه لم يتمخض عن شئ ذي بال سوى إعادة فتح سفارات البلدين ولكن سرعان ما تراجع مستوى التمثيل الدبلوماسي لتهبط العلاقات عام 2000 الى اسوأ مستوى لها رغم احتفاظ البعثتان الدبلوماسيتان بوجود رمزي محدود العدد والاثر بكل من العاصمتين اسمرا والخرطوم، وفي خطوة لافتة فسرت على انها تجئ في اطار تنامي المد الرافض لسياسات الرئيس الاريتري اسياس افورقي شهد عام 2002م تقدم سفير ارتريا بالخرطوم عبد الله آدم عمر بطلب حق اللجوء السياسي ضمن خمسة عشر دبلوماسياً ارترياً في مختلف مناطق العالم.وفي ابريل الماضي 2005 وفي اطار بحثه عن حل لقضية دارفور جمع الرئيس الليبي معمر القذافي رئيس البلدين البشير وافورقي في لقاء دعا له كذلك الرئيس المصري والتشادي والنيجيري ولكن لقاء البشير وافورقي انفض سريعاً ولم يزد عن كونه لقاء علاقات عامة.وفي مايو الماضي كان وزير الخارجية السوداني السابق مصطفى عثمان اسماعيل قد اعلن ان الحكومة منحت السيد محمد عثمان الميرغني رئيس التجمع تفويضاً كاملاً لتحسين العلاقات مع اريتريا استكمالاً لجهود كان الميرغني قد قادها لرأب صدع العلاقات في عام 2004م.وفي 21 سبتمبر الماضي دعا نائب الرئيس علي عثمان محمد طه عندما كان يخاطب مؤتمر محاربة الارهاب في الاقليم والذي غابت عنه ارتريا، دعا ارتريا لحوار مباشر وصريح من اجل حل المشكلات العالقة.اما وزير الخارجية السوداني الحالي لام اكول فقد قال في اول مؤتمر صحفي له بعد تقلده منصبه بأن تحسين العلاقة مع دول الجوار عامة اولوية قصوى وخاصة مع ارتريا.ولعل مقولة الراحل د. جون قرنق عندما سئل عن تدخلات دول الجوار في الشأن السوداني والتي جاء فيها ( اذا اغلقت ناموسيتك جيداً فلن تدخل باعوضة واذا انت لم تفعل ذلك فلا تسل الباعوضة لماذا دخلت عليك) قد تصلح في هذا المقام كمدخل رئيسي لاصلاح وإعمار علاقات البلدين.دور الحركة الشعبية* بعد توقيع اتفاق السلام السوداني في التاسع من يناير وفي ظل ترؤس وزير خارجية ارتريا لمجلس وزراء خارجية الايقاد كان من المتوقع ان تسهم الحركة الشعبية بما لها من علاقة متميزة مع ارتريا في دفع العلاقات بين البلدين.ولكن الذي حدث عقب وفاة د. جون قرنق ورفض الحكومة السودانية للطائرة الارترية بعبور الاجواء للمشاركة في جنازة د. جون قرنق حسب ماقاله وزير خارجية ارتريا وقتذاك لمندوب صحيفة (الصحافة) في مطار جوبا، والذي جاء الى هناك في معية الوفد الكيني قد فاقم من حدة التوتر القائم اصلاً بين البلدين ويمكن القول إجنالاً ان الحركة الشعبية قد تولت الآن حقيبة الشؤون الخارجية السودانية وقبل ان يمضي شهر على ذلك اذا بارتريا تبادر بارسال وفد للخرطوم لفتح ملف العلاقات الثنائية.* ملفات عالقةتنتظر الجانبان عدداً من الملفات اولها اتهام الحكومة السودانية لاريتريا بدعم الحركات المسلحة في دارفور رغم بعد المسافة بين اريتريا ودارفور وقد اشار لذلك نائب الرئيس علي عثمان محمد طه الذي قال امام مؤتمر مكافحة الارهاب الاقليمي «ان الدور الاريتري تجاوز حدود المداخلات الداخلية في الحدود الشرقية لاريتريا».ورغم نفي اريتريا لهذا الدور الا ان قادة الحركات المسلحة بدارفور ظلوا يتخذون من اسمرا مركزاً لهم كما ان بعضاً منهم جعل لنفسه منزلاً هناك.كما ان زيارة عبد الله جابر مسؤول التنظيم بالجبهة الشعبية الاريترية لانجمينا الشهر الماضي وهو المعروف بعلاقاته مع المعارضات السودانية المختلفة وظل يمثل الحكومة الاريترية في اغلب اجتماعات المعارضة السودانية في اسمرا اضافة الى ان زيارته في وقت تشهد فيه العلاقات السودانية التشادية توتراً تشير بصورة او اخرى الى الدور الاريتري في دارفور.ومن ناحية اخرى هناك جبهة الشرق التي تضم مؤتمر البجة والاسود الحرة وهما مجموعتان لهما صلات عرقية وامتدادات قبلية داخل اريتريا وعندما سألت عبد الله موسى نائب امين عام مؤتمر البجة عن مدى استفادتهم من اريتريا نفى وجود اي عسكري لهم داخل الاراضي الاريترية وقال انهم يتحركون في اراضي سودانية ولكنه في ذات الوقت يقول إن المعروف تاريخياً في السودان واثيوبيا واريتريا ان اياً من شعوب هذه الدول حينما يمر بازمة يلجأ لارض الآخر وهم يستفيدون من هذا ولكنه يقلل من قدرة اريتريا على تقديم اي دعم عسكري ومادي لهم.والملف الثالث هو آلاف اللاجئين الاريتريين الموجودين في معسكرات بشرق السودان رفضوا تنفيذ برامج العودة الطوعية الذي ابتدرته الامم المتحدة منذ عام 1992م وكلا الجانبين يتهم الآخر بعرقلة البرنامج.اما الملف الذي يهم الحكومة الاريترية فهو المعارضة الاريترية الموجودة بكل فصائلها داخل الاراضي السودانية وعقدت مؤتمراً عاماً في الخرطوم انتخبت فيه اميناً عاماً لها تعود جذوره الى واحدة من القبائل المشتركة، كما ان المعارضة الاريترية تعقد اللقاءات في مدن شرق السودان وتنشط اعلامياً في الخرطوم.والامر الجديد هو تدفقات اللاجئين الاريتريين على الحدود السودانية والتي وصلت الى معدل 400 شخص يومياً وفقاً لنشرة المعارضة الاريترية الشهرية.ولكن وكما قال نائب الرئيس علي عثمان محمد طه ان استمرار التوتر بين البلدين لا يخدم الاستقرار في المنطقة فان المؤمل من زيارة الوفد الاريتري للخرطوم هذه الايام ان تحدث اختراقاً جوهرياً لجهة التمهيد الجيد على الاقل لعودة العلاقات الكاملة بين البلدين هذا ان لم تختتم هذه الزيارة باعلان التطبيع الكامل فهل يتحقق هذا الامل ام ستظل العلاقات السودانية الاريترية تراوح مكانها الذي هي عليه الآن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى