مقالات

وما أدراك ما ( دهلك ) : يحيي البوليني *

15-Jul-2013

عدوليس

قد تكون الكلمة غريبة على مسامعنا , وربما لم يعتد قراءتها وسماعها الكثيرون في وسائل إعلامنا العربية , لكنها كلمة تتردد بقوة وبوضوح – أو لابد وان تكون كذلك – في تقارير مخابراتنا العامة والعسكرية في دولنا العربية والإسلامية وخاصة المحيطة بالبحر الأحمر على الأقل .

ويعتبر عدم وجودها أو عدم الاهتمام بها – في التقارير الاستخباراتية – غفلة كبيرةلما تمثل من خطورة شديدة على كافة النواحي الخاصة بنا عقائديا وفكريا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا أيضا .
فما هي دهلك وما قصة تطورها وما خطورتها علينا كعرب ومسلمين ؟
مثلت اللحظة التي قرر فيها العرب مجتمعين – وربما من المرات القليلة النادرة التي اجتمعوا فيها على قرار مصيري – قطع البترول في حرب رمضان 1393 / أكتوبر 1973 , ثم أغلقت مصر الملاحة في البحر الأحمر أمام السفن الإسرائيلية لفرض حصار اقتصادي عليها , فشعرت دولة الكيان المغتصب لأرض فلسطين أنها في وضع حرج وأنه يمكن أن تتعرض لاختناق سياسي واقتصادي وعسكري بسبب إحاطتها بالدول العربية المسلمة .
فبعد انتهاء الحرب تجددت لدى إسرائيل الرغبة القديمة التي أعلنت في مؤتمر بازل بسويسرا عام 1897 بالاهتمام بالقارة الإفريقية , فعملت إسرائيل على تعزيز وجودها في أضيق نقطة في البحر الأحمر لتتجنب تكرار منع سفنها من الإبحار في البحر الأحمر .
وكانت البوابة الإفريقية لها عند المثلث الشهير بالقرن الإفريقي وتحديدا في المكان الذي صار يطلق عليه – بعد ذلك – دولة اريتريا لتمتعها بموقع استراتيجي وهام جدا لأنها تطل مباشرة علي الشاطئ الغربي للبحر الأحمر وعلي فوهة مضيق باب المندب وقريبة جدا من دول عربية كثيرة مثل اليمن والمملكة العربية السعودية والسودان ويمكنها منها تضييق الخناق على مصر لتصبح إسرائيل في هذه الحالة هي المتحكمة في البحر الأحمر لا العكس , ويمكنها إدارة عملياتها في هذه المنطقة .
أرخبيل دهلك (Dahlak Islands)
مجموعة جزر في البحر الأحمر حوالي 126 جزيرة , تقع أمام الشواطئ الأريرترية , قريبة من مدينة مصوع وأكبرها دهلك الكبرى ونهلق , ولقد اختارت إسرائيل هذا الأرخبيل ليكون رافدا آمنا لها ولتقيم عليه عدة قواعد عسكرية واستخباراتية .
ويعد هذا المنفذ البحري أحد أهم المنافذ البحرية على الإطلاق في العالم , ومن ثم اختارته إسرائيل لكي تقيم عليه أول قاعدة عسكرية لها خارج حدود دولة فلسطين ثم زادت من إقامة القواعد العسكرية بعد اتفاقها مع الرئيس الاريتري أسياسي أفورقي – المعادي للعرب وللإسلام على الدوام والذي ارتمى في أحضان تل أبيب وتنكر لكل الدول العربية التي قدمت كل المساعدات للشعب الإريتري في نضاله ضد الاستعمار الإثيوبي لأكثر من ثلاثة عقود – اتفقت معه إسرائيل على استئجار جزيرتي “حاليب وفاطمة” وبناء قاعدة عسكرية في كل منهما ثم علي جزيرتي “سنتيان وديميرا” .
وبالإضافة إلى المكاسب التي تربحها إسرائيل من إقامة قواعد عسكرية لها في هذه المنطقة من مكاسب سياسية وعسكرية واقتصادية ضخمة سواء من حيث الدعم والحماية وسرعة تموين لكافة قطع الأسطول البحري الإسرائيلي المنتشر في البحر الأحمر إلا أن هناك بعدا آخر لا يقل أهمية عن ذلك وهو إجراء التجارب النووية الإسرائيلية في البحر الأحمر بعيدا عن مواطنيهم ولحمايتهم من خطر أي تسريب إشعاعي قاتل بل ولتستغل تلك الأراضي المستأجرة في دفن النفايات النووية التي ستؤثر حتما على الأجيال المسلمة للشعوب المحيطة بها حسبما أعلن ووضح تلك الخطة عبد الوهاب دراوشة عضو الكنيست العربي السابق .
وعسكريا يمكن لإسرائيل من تلك المنطقة التهديد المباشر والقريب لعدة دول إسلامية , فيمكنها لقرب آلتها العسكرية بكل يسر الاستيلاء علي ميناء مثل بور سودان بل ويمكنها ضرب العمق الاستراتيجي لمصر في السد العالي من الجنوب دون الحاجة للمرور فوق الأراضي المصرية والتعرض لأنظمة الحماية الصاروخية وغيرها لتظل مصر في مرمى النيران الإسرائيلية من الاتجاه العكسي , ويمكنها أيضا تهديد اليمن والسودان كاملة والمملكة السعودية فهي مباشرة مقابلة لجزر فرسان السعودية و جزر الجمهورية اليمنية , ويكفي في ذلك معرفة أن الطائرة الإسرائيلية التي أغارت على عدد من السيارات في بور سودان في أبريل 2011 مستهدفة – كما قيل – أحد قادة حماس والتي أدت لمقتل شخصين وكذلك ضرب مصنع اليرموك , فعلى الأقل لم تكن الهجمة منطلقة من أرض فلسطين المحتلة بل كانت منطلقة من قاعدة من القواعد الإسرائيلية في دهلك , وهي الإجابة الأكثر منطقية , وقد أكد ذلك أكثر من موقع وصحيفة عبرية [1].
وبموجب الاتفاقية الموقعة بين إسرائيل واريتريا عام 1995 اقيمت قاعدة بحرية إسرائيلية والتي اتخذت كمركز لرصد ومراقبة كل التحركات في البحر الأحمر لكل من السعودية واليمن و السودان وحركة ناقلات النفط كما تعتبر محطة لتشغيل الغواصات المزودة بالصواريخ النووية تحتفظ إسرائيل فيها كما يقول اللواء : ” هذه الجزر المملوكة لإسرائيل ترابط فيها طائرات استطلاع من طراز سكاي ـ سكان وكذلك طائرات بدون طيار للاستطلاع والهجوم من طرازات مختلفة وحوامات من طراز دولفين كما ترابط في هذه الجزر وحدات كوماندوس بحري وجوي ووحدات خاصة وحدة هامتكال للمهمات الخاصة والوحدة البحرية هاشييطت 13 والوحدة الجوية شلداج , وترابط أيضا عدد من الزوارق الحاملة للصواريخ من طراز علياء وساعر, وكان قائد سلاح البحرية الإسرائيلي الجنرال (إيلي ميروم) قد قام بجولة تفقدية سرية إلى هذه القواعد نهاية شهر أبريل 2011 للوقوف على مدى جاهزيتها للقيام بمهام ..! ” [2]وتشكل دهلك ثنائية أمنية لإسرائيل , تمثل فيها دهلك الجزء الجنوبي , وتمثل فيها جزيرتا تيران وصنافير جزءها الشمالي لإحكام السيطرة على البحر الأحمر وخاصة بعد استيلاء إسرائيل أو سيطرتها الكاملة على جزيرتي تيران وصنافير السعوديتين بعد احتلالهما عام 67 , وبحسب مقتضيات البروتوكول العسكري لاتفاقية العار ” كامب ديفيد ” , حيث كانت الجزيرتان السعوديتان مستأجرتين لمصر من السعودية لكي تمنع منهما مصر مرور السفن الإسرائيلية إلى ميناء ايلات , وكان من نتيجة الاتفاقية المشئومة أن تحكمت فيهما إسرائيل – أو على الأقل وضعتا ضمن المنطقة (ج) المدنية التي لا يحق لمصر أي وجود عسكري فيها – في واحدة من البنود المجهولة للكثيرين في هذه المعاهدة المجحفة , ولم تطالب المملكة بهما حتى اليوم وهما حق مشروع مسكوت عنه حيث أنهما – كما يقال – موضوعتان منذ أكثر من 45 عاما تحت “السيطرة الإداريّة” للأمم المتّحدة !!.
دهلك .. ماض يحمل الضرر وحاضر يجلب الخطر
لقربها النسبي من الشواطئ العربية وانعزالها التام ولطبيعتها القاسية ولشدة حرها اتخذت كثيرا جزر دهلك كمنفى إجباري أو اختياري لكثير من المخالفين , فنفي إليها شعراء المجون والفسق والتشبب بالنساء كعمر بن أبي ربيعة حتى وفاته , وخرج إليها كمنفى اختياري مجموعات من الشيعة العلويين بعد خذلانهم للإمام الحسين في كربلاء كنقطة ارتكاز واستعداد بعيدا عن الدولة الإسلامية الأموية , فتكونت هناك نقطة اهتمام شيعية – سنتحدث عن نتائجها لاحقا – , وكثرت منهم أعمال القراصنة والسلب والنهب وكان من اشد ما فعلوه بين عامي 630 – 640 ميلادية ,فقاموا بغارات على جدة وقطعوا الطريق البحري على الحجاج وهددوا بتدمير مكة المكرمة وذلك في عام 83هـ و 84 هـ / 702 ميلادية , وقد تحرك الخلفاء والأمراء الأمويون المتعاقبون لوأد هذا التمرد القادم من هؤلاء المارقين المتحصنين في هذه الجزر .
ويبدو أن هذه الطبيعة الشديدة في هذه المنطقة جعلت منها مكانا مثاليا للتعذيب , فأنشأ الإيطاليون على أرض الجزيرة عند احتلالهم لها أشهر معتقل عرفه الإريتريون في التعذيب وهو معتقل “نخرة” الذي يقول عنه ” ماثيوس قرماي ” الباحث في تاريخ جزيرة دهلك في تصريح للجزيرة نت : ” المعتقل أنشأه الإيطاليون إبان احتلالهم إريتريا عام 1890 ومارسوا فيه أبشع أنواع التعذيب بحق أبناء الشعب الإريتري , لم يكن الإريتريون يعلمون بوجود هذا المعتقل حتى فر منه أحد المقاومين عبر البحر إلى مصوع وبعد وقوع إريتريا تحت الاحتلال الإثيوبي في عهد هيلا سيلاسي استخدمه الإثيوبيون مكانا للتنكيل بالمقاومة الإريترية ضدها “.
ولم يكن هذا المعتقل إلا عبارة عن زنازين ضيقة فوق الأرض وأخرى أكثر ضيقا تحتها , ويوجد حاليا بالجزيرة سجن عسكري يدعى ” ماكورا ” يستخدم لاعتقال المعارضين للحكومة الاريترية .
وأصبحت جزر دهلك في كل عصر موضع نظر القوى العظمى في السيطرة عليها كضمان للسيطرة على مدخل البحر الأحمر كله , فسيطرت عليها روسيا فترة من الزمن واتخذتها كقاعدة للسيطرة على البحر الأحمر قبل خروجها منها قبل قرابة العشرين عاما .
إيران والنيل من كعكة دهلك
إذا كانت إسرائيل تحمل شرا مطبقا على العرب وعلى المسلمين فإنها ليست وحدها في ذلك , فمحور الشر تتلاقى مصالحه ضد المسلمين , فتعاون أسياسي أفورقي النصراني الديانة ومن قبله هيلاسيلاسي الحبشي النصراني أيضا مع اليهود ليؤكد أننا أمام ثنائية دينية تصوب سهامها دوما ضد المسلمين , فإذا انضمت إليهما إيران اكتمل محور الشر الثلاثي الأركان ليركز سلاحه ووجهته قبالة المسلمين السنة في كل مكان , ومن أولهم بالطبع الدول العربية المحيطة بالبحر الأحمر .
فمن تلك الجزر الإرتيرية التي تشكل عبئا أمنيا واستراتيجيا على الأمن العربي كله جزر تم تأجيرها لإيران , تقوم إيران فيها بتدريب العناصر الحوثية بقصد إثارة القلاقل في الدول العربية , ففي تقرير نشره موقع معهد ستراتفور [3] يبين فيه أن إسرائيل ليست وحدها التي تملك القواعد في إرتريا , بل إن إيران تحتفظ هي الأخرى بتواجد عسكري في الميناء الجنوبي لإرتريا وأضاف ” فبالتوازي مع علاقاتها مع إسرائيل ، تقيم إريتريا علاقات طيبة مع إيران , ولطهران مصلحة شديدة في التواجد في هذه المنطقة من أفريقيا , ويعود السبب الأساس في ذلك إلى رغبتها في السيطرة على مضيق باب المندب والخط البحري نحو قناة السويس , وفي عام 2008 وقعت طهران على اتفاق مع إريتريا بموجبه تحتفظ بقوة عسكرية في أساب. والسبب الرسمي هو حماية المصافي التي توجد في المنطقة ” [4] .
وأكد ذلك الشيخ عبد الله النفيسي [5] على موقع قناة العربية في حلقة بعنوان “إيران وأمن الخليج ” , وأعاد نفس الفكرة مفصلة في كلمة له في ثاني الحلقات النقاشية حول (الحوار الوطني) الكويتي فقال ” إن إيران تقوم بتدريب شباب سعوديين وكويتيين وإماراتيين بالتعاون مع الحوثيين في “جزر دهلك” التي استأجرها الحرس الثوري الإيراني في البحر الأحمر وحولها إلى معسكرات تدريب وتجنيد ، من أجل الاستعداد لـ “يوم الفصل” .
دهلك .. حتى لا نهلك
وبهذا تكتمل الجريمة , وتوضع كل فصول المأساة أو الملهاة تحت أيدي مسئولينا , فإذا كانت هذه البيانات – والتي ندرك أنها قليل من كثير – قد تحصل عليها الباحثون والكتاب من متابعة النزر القليل مما ينشر عن طبيعة هذه الجزر وعن الدور الشديد الخطورة والخبث الذي تمارسه , فهل لنا أن نتساءل :
أين دور أجهزة المخابرات العربية والإسلامية من كل هذه المعطيات ؟
وهل يتوقف الأمن القومي لكل بلد عربي داخل حدوده فقط أم يجب عليه أن يبحث عن أمنه خارج حدوده ويتحسب لما يهدده ويستعد له ويفشل الخطط التي تقام لهدمه ؟
وهل دور أجهزة المخابرات لكل استعداداتها والمبالغ التي تقتطع من الشعوب لدعمها واستمرارها وتقدمها هل دورها فقط ملاحظة أبناء البلد فقط أو العمل داخل البلدان فقط أم عليها أن تعمل جاهدة لتحقيق الأمن القومي لبلدها داخله وخارجه؟
أسئلة كثيرة توجه للحكومات العربية والإسلامية ولأجهزة مخابراتها ولباقي أجهزتها السيادية , فالحوثيون في اليمن والشيعة في السعودية والكويت والبحرين والإمارات , ولنتذكر ولنعي ما فعله الأحباش من جرائم أخيرة في المملكة وضرب السودان أكثر من مرة , ألا يدفعنا كل ذلك لمعرفة مصدر الفتنة ومقاومته والتخلص منه ومحاولة التوحد المخابراتي والدبلوماسي بشأنه ؟
إنها دهلك مصدر الفتنة والمرعى الإثم لنموها وانتشارها , وان أي معالجة للبثور التي تؤذي الجسد لن تنهيها إلا بعد استئصال اصل الداء ومنبعه ومرتعه الخصيب .
[1] منها موقع عربيل الإسرائيلي ” صوت إسرائيل بالعربية ” :
http://www.iba.org.il/arabil[2] اللواء المتقاعد: عبد الوهاب محمد , المركز العربي للدراسات والتوثيق المعلوماتي 21/06/2011 , وقد نقلت مثل ذلك صحيفة “عال هميشمار” الصهيونية
[3] معهد ستراتفور الاستخباراتى الأمريكي الذي تطلق عليها الصحافة الأمريكية اسم “وكالة المخابرات المركزية في الظل” أو الوجه المخصخص للسي آي إيه
[4] الجزيرة نت في 12/12/2012 – تقرير أميركي: وجود عسكري إسرائيلي بإريتريا
[5] سياسي وأكاديمي كويتي أنتخب عضوا لمجلس الأمة وهو متخصص في الشئون الإيرانية
* نقلا عن مركز التأصيل للدراسات والبحوث

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى