مقالات

ومِنْ ثَّم: رحل الفنانُ اللطيف … (الأمين عبد اللطيف). بقلم/ آمال صالح

12-Aug-2017

عدوليس ـ نقلا عن الأفريقية

كتبَ لي أحد أصدقائي، رسالة عبر المسنجر يُنبهني، بلطفٍ وعن قصد : أتوقعُ كتابةً تليقُ به، منك . وهذا بحكم الصلات التاريخية بك وبأسرتك. وكان يقصد،أنّ الفنان الجميل ، الأستاذ الأمين عبد اللطيف ، ذكرَ ذات لقاءٍ تلفزيوني معه في ارتريا، منتصف التسعينيات ؛ “أنه تغنى علناً ولأول مرة في حفل زواج أمي” . وفِي تقاطعِ العام بالخاص، وخاصةً في حالة ٍحميمةٍ وقريبة كهذه، يصيّرُ من الصعب والمُعيق للمرء أن يتعايش مع مشاعره. مع انفعالاته المتداخلة بعنف وعشوائية

ومن ثًمَ. كنت على عجلةٍ من الوقت . أصارع الساعات القليلة بين موعد مغادرتي لنيروبي، التي أحب، رغماً عني . كانت الانتخابات على الرئاسية تقترب على قلق و توتر كبيرين . وكان هنالك صراع آخر وحزنٌ آخر يغلي . وكنتُ أغلي بين بطىء الانترنت هناك و حوجتي للتواصل مع أناسٍ كثر في نفس الوقت .
ومن ثّم . أمرُ على الفيسبوك سريعاً. لأصطدم ببوست من الزميل العزيز يوسف بوليسي ينعيّ بفُجاءة واضحة، رحيل الفنان الأمين عبد اللطيف، وحينها لم يكن لدّى طاقة لخبرٍ كهذا. وفِي مفارقة عجيبة، لا وقت لحزنٍ كبير كهذا.
ليس الموت وحده المفاجىء . ليس وحده المتعجل . فالحياة أيضاً لا تمهلُ كثيراً. تُخادُعنا بوقتٍ مقتطعٍ هنا وهناك. ولكنها، وفي إيقاعها الخاص بها وحدها، لا تهتم بنّا كثيراً . هي تحدثُ فقط.قرأتُ الخبرَ. انسحبتُ ببطء نحو حزنٍ كبير.
تحدثتُ إلى بعض الأصدقاء. عزيِّنا بَعضُنَا البعض. وودعتّه سريعاً على صفحتي في الفيسبوك.
غادرتُ نيروبي، مرغمةّ على قلقٍ عجول… ومن ثمٌ . أصابني الجمالُ، كما الحزنُ ،فجأة. عندما زاوج قلبي شواطىء زنزبار الساحرة.
هي الْحَيَاةُ، ساخرةٌ ومتناقضة، قاسية ومُحِبةُ، كما كان الفنان الأب والأستاذ الامين عبد اللطيف ساحرًا بابتسامته اللطيفة، ساخرًا بتعليقاته الذكيِّة، والتي تُصيبك مباغتةً. كم كان قاسيَا هذا الرحيل إذ يغيبُ عن وداعه ملايين من محبيّه وعاشقيّ فنٌه.الأمين عبداللطيف، لونٌ خاص في أغنية التقري، بساطة في الكلمات دون أن تفقد شيئًا من شعريتها، إيقاع خاص يمزج بذكاء مَرِحْ بين الحديث موسيقيّاً في زمنه، من إيقاعات التِوِيست الى إيقاع الجاز وبين الايقاع التراثي المُترسّخ في الوجدان.
قدّم أغنيته وعَمِل عليها ، كما ينبغي له . وكما أراد على ما أعتقد . أحبَّهُ الكثيرون . رددوا أغنياته و رقصوا على أنغامه،
وهو أيضاً ، أحبّ كل ما يشبهه، وكل ما ينتمي إليه. من لحظةِ تخليه عن مهنة التدريس لأجل فنه، إلى لحظة تَعلُقَ قلبه وشغفه بالأمكنة. بالمكان الذي انتمى إليه حقيقةً وبوفاءٍ نبيل. إلى أباشاول حيُّ ومنزَّل َ الكادحين والفنانين ، دون فقر.
هناك، حيث يتكأ الامين عبد اللطيف على كتف الغنا الأصيل جنباً الى جنب مع العملاقة تسهايتو براخى وفنان القلوب يمانى باريا.
ومن ثمَّ. رحل الفنان الأمين عبد اللطيف. وابتسامته ولطفه يطغيّان على رحيّله. رحل، وتعالت موسيقاه وشعره وتاريخيه الفني بأبهى حلله في كتابات ورثاء الآلاف من محبيّه جيل وراء جيل.
خدعةُ الفقد، أنّ يصيبك في قريب، يمتدُ بعيداً عنك ويتفرع في اتجاهات الأرض الأربع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى