حوارات

أطلقوا سراحي بعد ان وضعوا قرار إعدامي في “جيبهم ” !

17-Apr-2015

عدوليس ـ ملبورن ـ ( خاص )

فجأة ودون أي مقدمات وجد الرجل نفسه في زنزانة ضيقه .. حارة .. ذات رائحة نتنة ، ضمن حاوية قدر فيما بعد انها تحتوي على ( 12) زنزانة فردية . وبعد وجبات من التعذيب النفسي والجسدي وجد نفسه أيضا ضمن عدد من رجالات البلاد من الأعيان والشيوخ فخفت عليه معاناته . أحو علي حالو خريج العلوم السياسية بجامعة دمشق ، لم تقف أمام اشواقه لوطنه الإيدلوجيات ولا الخلافات السياسية التي كانت تعصف بالساحة إبان الكفاح المسلح فعاد لوطنة ليخدم شعبه الصغير في إقليمه ووطنه الكبير ، إلا ان الأمنيات الفردية ، كما تلك الكبيرة أصطدمت بعنجهية العصبة وشكوكها .

رئيس البرلمان المنتخب لأقليم جنوب البحر الأحمر ، والذي شغل عدة مواقع حكومية ، قضى ( 13 ) عاما بين المعتقلات والسجون ، خرج بعدها ولسان حاله يقول ” إطلاقوا سراحي بعد أن وضعوا في جيبهم وثيقة إعدامي التي تحمل توقيعي وختم وتوقيع السلطات الأمنية الإريترية ، لكي تكون قابلة للتنفيذ متى ما أرادوا ذلك !!”غادر بعدها البلاد مكرها وليستقر في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا مناضلا من أجل حرية وديمقراطية بلاده .يسر “عدوليس ” ان تجلس للسيد أحو علي حالو وهو من مواليد وسط دنكاليا منطقة (أفامو) 1965م .1/ تعرضت لإعتقال طويل الأجل أرجو ان تضع القاريء في الاسباب والمسببا ت ؟ “تم إقتيادي من مكان عملي في ظهيرة يوم 17 مايو 1999م . أو يمكن القول انه قد تم إختطافي من موقع عملي ، من قبل أفراد الأمن العسكري في سيارة خاصة ، وأتذكر اسم احدهم وكان يُنادى بـ (ودي ولالا) ، والثاني لا أعرف اسمه’ وأخذوني إلى معتقل (تهديسو) الذي يبعد حوالي (15 ) كلم جنوب غرب مدينة عصب ، وهناك سلموني إلى رئيس المعتقل و إسمه (منجى) هو وأفراد وحدته ، جردوني من المتعلقات الشخصية كلها ، وأدخلوني في زنزانة في حاوية بضائع حديدية مغطى بنوع من النبات المتسلق . والحاوية مقسمة لـ (12 ) زنزانة صغيرة ، وغرفة حراسة في المدخل . وعندما سألتهم عن أسباب وجودي هنا إعتقالي؟ كان رهم جافا ” ان الجهة التي إعتقلتك سوف تُجيب على سؤالك ” .يسترسل الاستاذ أحو ويقول :”وبعد أسبوع من مكوثي في الزنزانة الضيقة والشديدة الحرارة ، وقد عشت تحت ضغط نفسي رهيب ، وكذلك العزلة المفروضة علي . لاتهوية ولا نافذة يمكن ان ينفذ منها هواء . إسبوع من العذاب النفسي والقلق الرهيب قضيته في هذه الزنزانة التي تشبه القبر . وفي اليوم السابع حوالي الساعة السابعة مساءً جاءني “منجى ” وعنصر أمني آخر وربطوا يدي للخلف وعصبوا عينيً ، وأخذوني في سيارة إلى غرفة التحقيق وهناك وجدت المقدم كبدوم جالساً في إنتظاري ، وبعد سأل عن اسمي وعملي وغيره من الأسئلة الروتينية، قال لي ” نحن نعرف إنك كنت ترسل معلومات عسكرية سرية إلى السلطات الإثيوبية ، أحكي لنا الآن القصة كاملة “. قلت له “هذا المعلومات لا أساس لها من ، هذا كذب وإفتراء ” . وأضفت : “لست جنديا في الجيش ، ولست مسؤولاً في الجيش الاريتري ، من كان يعطيني تلك المعلومات وماهي تلك المعلومات “؟ . قال لي : ” أنا الذي أسألك ولست أنت الذي تسألني لا تضيع وقتي قل لي الحقيقة؟ “. قلت له : ” يارجل أنا لا أعرف أصلاً المسؤوليين الإثيوبيين ولا أعرف إثيوبيا كبلد ولا أعرف لغتهم ” . قال لي إذاً : لا تريد أن تقول الحقيقية بالتي هي أحسن .” هذه هي الحقيقة وليس لدي ما اقوله لك ” . رد بجلافة وثقة : ” سوف أعود إليك لاحقاً وستقول الحقيقة كاملة شئت أم أبيت “.وفعلاً عاد حوالي الساعة التاسعة مساءً وكالعادة ربطوني وعصب عيني بقسوة “منجى ” وزميله الذي لا أعرف إسمه إلى غرفة التحقيق . كان المحقق القاسي “كبدوم” في إنتظاري ، وتناوبوا علي بالضرب في كل كل مكان في جسدي المنهك اصلا .. ضربوني بكل شي وخاصة بعازل للأسلاك الكهربائية .كانت معهم آلة تسجيل وكانوا يرددون: ” أعترف قل لنا الحقيقة وأنجو ، وإلا سوف تموت ، لماذا تريد أن تنهي حياتك بنفسك ، نحن نعرف الحقيقة كاملة ، ولكن نريد منك أنت تقول لنا الحقيقة ” .وهكذا أستمر إحتفال التعذيب إلى أن غبت عن الوعي، ووجدت نفسي مرميا في الزنزانة المنفردة مضرجا بالدماء واشعر بصداع حاد ، وعدم إحساس بباقي جسدي . وبعد حوالي ساعة جاء طبيب الذي يعمل معهم وقاس الضغط ، وطبب جراحي على عجل ، دون ان يتبادل معي أي حديث وكنت أيضا لا أقوى على أي حديث .. جفاف في حلقي وإنهاك عام في جسدي ، فقط كنت أريد ان أنام . ’ وهكذا أستمر الحال لمدة يومين وفي اليوم ثالث بعد أن فحصني الطبيب أخذوني إلى غرفة التحقيق في الساعة التاسعة صباحاً بادرني المحقق ” كبدوم “:” كنت أريدك أن تتعاون معي وتقول لي الحقيقة ولكن عنادك جعلني الجأ إلى طريق العنف ، ولكي لا أستمر معك في هذا الأسلوب من الأفضل تقول لي الحقيقة ، كسبا للوقت ولسلامتك ” . وكان جاوبي كالسابق ” قلت له أنا حقاً لا أعرف شئً عما تتحدث به وليس لدي ما أقوله لك ، غيرالذي قلته لك في المرة السابقة ، حتى ولو أدى ذلك لموتي ” . بدأت على وجهه علامات الغضب وقال اربطوه (ميغ) وهي طريقة قاسية وذلك بربط المعتقل بإحاكم شديد ليبدو كما الطائرة المقلعة . تربط اليدين للخلف مع ربط محكم للرجلين وشدهما على بعضهما بإحاكام ليرتفع الصدر لأعلى وتركوني على هكذا الحال بعد ان اغلقوا باب الغرفة .لا أعرف بالضبط كم من الوقت قد مضى وانا في هذه الحالة وقد تنملت أطرافي وبدء الدوار في رأسي إلا ان غبت عن الوعي . وعندما أفقت من الغيبوبة وجدت نفسي في زنزانتي . وهكذا الحال لمدة طويلة بين الضرب المبرح بكل ما يقع تحت ايديهم من حبال وعوازل أسلاك الكهرباء والعصي الغليظة والربط المستمر على شكل (8) بالانجليزية . والغطس المستمر في مياه بركة آسنة . كان جسدي منهارا ولكن عزيمتي لن تفتر . أما التعذيب النفسي فلا حدود له على الإطلاق ويتدرج من الحرمان من النوم والعزل إلى منع الزيارات العائلية .الإستحمام هو أمنية بعيدة المنال ، أما القراءة والاستماع إلى المذياع فهذه من سابع المستحيلات .والطعام اليومي فُتات من الخبز القاسي والعدس الغير مطبوخ جيدا .. وبكمية قليلة تبقيك على قيد الحياة ، الطبيب يأتيك بعد وجبه ضرب جامدة ويبدو ان مهمته تتلخص في ان يبقيك على قيد الحياة ، وحتى لا يتوفى المعتقل بين يديهم .بعد (71) يوماً وأنا على هذه الحالة ، وبعد إنهيار شامل في صحتى وقد اصبحت لا أقوى على الوقوف تم نقلي بطائرة صغيرة تابعة للقوات البحرية الإريترية تعرف ب(ريد سي) هبطت بنا في مطار عسكري في أسمرا ومن هناك أخذوني إلى (شادشاي مدبر ) المركز رقم (6) في حي (سانتاتاوتو ). ولهذا السجن قصة فهو من الخارج يبدو للمواطنين مجرد مركزا للشرطة ، كما يعرفونه سابقا ولكن من الداخل تم تحويلة لمركز للإحتجاز بإدارة مستقلة وحراسة داخلية مستقلة ، وهو فرع من ( كارشيلي ) السجن المعروف في العاصمة أسمرا .داخل هذه المعتقل الرهيب عرفت اللواء المناضل (بيتودد أبرها ) والطيار (دجن) الذي هرب أو عُرب في وقت سابق من العام الماضي . فيما بعد أتوا للمعتقل بـرجل الأمن الشهير وهو واحد من مسؤولي جهاز الامن الشهير بفرعون والذين تم اعتقالهم في عام 2001 . وفرعون هذا هو زوج للمغنية أبرهت ( قُال أنكري ) ، ثم أنضم إلينا ولوقت قصير الموظفان بالسفارة الأمريكية علي وكفلوم ، ورجل الأعمال المعروف السيد حسن أحمد كيكيا وأعضاء لجنة الأعيان السيد عبده يونس والسيد سنوبرا محمد دمنا وعدد من زوجات المسؤوليين الذين كانوا مغضوب عليهم مثل زوجة محمد سعيد باره الله يرحمه وهيلي ولدينسائي ( درع ) القيادي المعروف ووزير الخارجية الأسبق والقيادي في مجموعة الـ (15 ) الإصلاحية ، وغيرهم . وبعد هروب الناشط الطلابي في جامعة أسمرا (سمري كستي ) لخارج البلاد ، تم نقل كل المعتقلين السياسيين الذين كانوا في (شادشاي مدبر) ـ المركز رقم (6) إلى سجن كارشيلي (وانجل مرمرا) وتم إعتقال (ودي باشاي ) الذي كان المسؤول الأول في سجن ( كارشيلي ) على خلفية هروب سمري كستي لبضعة أعوام وحل محله العقيد (مرهاوي ) وفي فترة إدارته تم تحديث سجن (كارشيلي) وأستمرت عملية التحديث لمدة عام كامل وجبرتنا إدارة السجن لكي نقوم بهذا العمل مجاناً ، وتم ذلك في عام 2003م وهو العام الذي أعلنت فيه الحكومة الإريترية برنامج إعادة البناء المعروف ب(حملة الإعمار ورساي يكألو) وأثناء إعتقالي كان هناك كثيرين من سجناء الضمير مثل الصحفيين صالح إدريس سعد الشهير بـ (الجزائري )، و حامد محمدـ الشهير بـ (حامد سي إن إن ) والسويدي الجنسية والإريتري الاصل داويت إسحاق . كما تعرفت على العقيد ودي سيوم ، وسكرتير مجلس قاش بركا محمد عثمان ’ والتاجر الإريتري المعروف رحمه الله محمد برهان ’ ومجموعة “الحرية الآن ” بقيادة الدكتور طه محمد نور رحمه الله ، والفنان المعروف إدريس محمد علي ، والمجموعات الدينية مثل مجموعة دكتور فظوم ودكتور تخلي آب ، ومجموعة شهود يهوا، بقيادة الإريتري- الهندي الجنسية أبونا تخلي ، ومجموعة بنطي ، وطلاب المعهد الديني في أسمرا وغيرهم.وأثناء إعتقالي في سجن (كارشيلي ) كتبت عدة رسائل للجهات الأمنية ’ والديكتاتور إسياس شخصياً ، طلبت فيها إطلاق سراحي أو تقديمي للمحاكمة العادلة ، وعندما رفضوا الإستجابة لمطلبي نفذت عملية إضراب مفتوح عن الطعام ، وحاولت إدارة سجن بقيادة العقيد ” أتو مجورشوم ” بشتى الوسائل ان أتخلى عن فكرة الإضراب عن الطعام وعندما باءت كل محاولاتهم بالفشل ، أحضروا لي كحساي بيني (ودي بيني) وهو المسؤول الأول عن قسم التحقيق وعضو في لجنة المحاكمات السرية وقال لي سوف يتم نقلك إلى سجن ( سمبل ) وستبقى هناك إلى أن يُبت في أمرك ’ وهكذا تم نقلي إلى سجن (سمبل ) وبقيت في المعتقل الجديد إلى ان تم إطلاق سراحي في 0فبراير 2012م ، حيث ابلغني ( ودي بيني ) بقرار الحكومة الإريترية بإطلاق سراحك، وتلى علي عدد من الشروط تتمثل في قوله لا يحق لك أن تسأل أو تناقش في أي شئ ، فقط عليك ان توقع على الوثيقة التي تتضمن شروط إطلاق سراحك وتلك الشروط:1- أن لا تغادر إريتريا وإذا حاولت مغادرة البلد دون إذن من الجهات المسؤولة سوف يحكم عليك بالإعدام.2- إذا قمت بأي نشاط معادي للحكومة الإريترية سوف يحكم عليك بالإعدام .قلت له أنت تريدني أن تخرجني من الباب الأمامي، وتعيدني إلى السجن من الباب الخلفي بتهمة ملفقة أخرى وتستخدم توقيعي ضدي لكي تنفذ علي حكم الإعدام؟ وكان رده “أنا لم أتي إليك لكي أناقش معك نظرية الشك ، هل توقع على الوثيقة أم لا؟ .وكان ردي حاسما بعد ان تبين لي ان لا مفر من التوقيع ..نعم سأوقع ! . .وهكذا تم إطلاق سراحي بعد أن وضعوا في جيبهم وثيقة إعدامي التي تحمل توقيعي وختم وتوقيع السلطات الامنية الإريترية ’ لكي تكون قابلة لتنفيذ متى ماشاؤا .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى