حوارات

العلي : الثورة الإريترية .. ثورة فلاحين وليست ثورة عمال ! ( 1- 2)

10-Oct-2014

عدوليس

الحوار مع المناضلين القدامى صعب جدا ، لأن الصحفي لا يستطيع ان يكون محايدا تجاه ما يُسرد أمامه ، من وقائع مما يُوقعه في شرك يصعب التملص منه . أقول ذلك لان الأحداث والوقائع التي تُسرد في مثل هذه الحوارات هي من كونت وجدانه وجزء كبير من تفكيره ، ومع ذلك يجب ان تكون هنالك مسافة ومكان للعقل دون الوجدان .

حوارنا له خصوصية لأنه جمع بين مناضلين خاضا معارك الشرف والبطولة في بلادنا .. معارك جيش التحرير الإريتري البطل في الستينات أي في مرحبة التأسيس .
ركزت في هذا الحوار على الريف ودوره ومعركة حلحل التاريخية ، .الريف لأنه لم يُنصف والمعركة الكبرى لان البعض أثار غبار كثيف حول أهدافها .
محمود ملكين : المناضل الرائد بقامته المديدة ووقاره الذي لاتخطئه عين ، يتحدث ببساطة عن بطولات إسطورية إذا صحت التسمية .
محمد إبراهيم العلي : خريج الكلية العسكرية الذي دفعت به الأقدار منذ بواكير حياته العسكرية للصفوف الأمامية ولم يتراجع ولم ينحني .
جلست إليهما ذات عصر يوم بارد في مدينة ملبورن الاسترالية وكانت هذه الحصيلة .
حاورهم : جمال همـــــد
• يلاحظ في مجموع الكتابات وكتب المذكرات .. وكذلك في كتيبات التثقيف السياسي ، غياب تام لدور الريف الإريتري وتقييم دوره بشكل حقيقي ، كل ما هنالك هو حديث عن المكان كساحة للإنطلاق .. ارجو ان تضيئ لنا بعض جوانب هذا الدعم ؟
محمد إبراهيم العلي :
بدءاً اقول ان المكتوب من تاريخ إريتريا الحديثة عامة وخاصة تاريخ الثورة الإريترية يعاني من الكثير من الفجوات ، وإذا نظرنا لما كتب عن جبهة التحرير الإريترية فسنجد ذلك ماثلا بشكل واضح . وعندما اقول هنا جبهة التحرير الإريترية اعني ما أقول لان الجبهة هي الاساس والباقي تابع لها وأستغل صناعتها ونضالاتها .
جبهة التحرير الإرترية لم تظهر من فراغ ، بل لتحقيق مطالب أساسية للشعب الإريتري منها أخراج البلاد من تحت الإحتلال الإثيوبي ، وإقامة دولة ضمن الحدود الحديثة التي وضعها الاستعمار الإيطالي ، والتي أقرت دوليا .
العامل الرئيسي في إستمرار الثورة ونجاحها كان الريف .. حاضنها وحاميها وممولها ومخزنها البشري ، وقد دفع ثمن ذلك غاليا ، تعرض للإبادات الجماعية والتهجير واللجوء وفقد ثرواته من المواشي , وإحرقت قرى كاملة وتم مسحها من الوجود وذلك فيما عُرف بسياسة ( الارض المحروقة ) .
وجبهة التحرير الإريترية هي ثورة فلاحين وليست ثورة عمال ، كما حاول البعض ترويج ذلك . بالمقابل الثورة خلقت مجتمع جديد للريف ، فقد كان مجتمع الريف لا علاقة له بالمدينة . وعلاقة الثورة بالمدينة كانت علاقة أمنية إستخبارتية ، بجانب جلب بعض المواد التموينية كالسكر والشاي والتموينات الطبية . وباقي العبء كان يقع على الريف ، فبجانب ما ذكرت وقع على الريف دورا تعبويا آخر أختاره طواعية وهو دور تمجيد الثور وأبطالها ووقائع معاركها من خلال الأهازيج والأغنيات والإخبار عنها .ثروة من الماشية .. اراضي زراعية في بركا وأركز هنا في بركا لانها مهد الثورة ومركز الثروة ، وهنا أحكي لك قصة تدل على مقدار الثروة الحيوانية في بركا ، فقد ذكر رفيق للشهيد عمر إزاز إنهم كانوا يتمركزون في منطقة في بركا بعيدا عن قرية ما فجلس إزاز يتوضأ ، وفي الأفق لاحظ غبار كثيف يتصاعد ، فإعتقد انه رتل من سيارات الجيش الإثيوبي ، وبعد استطلاع الأمر اتضح أنها مواشي في طريقها للقرية المجاورة ، فقال الشهيد ( إذا لم ننتصر فسوف نرتكب جريمة بحق هذا الشعب ، لأن هذه الثروة سوف تصبح وقودا للحرب ) وهذا ما حدث فعلا .
وصور إبداع الريف في دعم الثورة كثيرة ، ومتعددة فعلى سبيل المثال لا الحصر أذكر في اكلوقزاي لما أتوسعت رقعة الثورة جغرافيا وزيادة بشرية ، تطلب زيادة في التموين ، ولأن القرى متباعدة ابتدعوا طريقة سُميت بـ ( بن قدي .. وفي مكان حديث وآخر ريبري ) وتتلخص بأن تأتي النساء من مختلف القرى وفي وقت متفق عليه ويقمن بطحن الذرة بكميات كبيرة ثم يعدن لمنازلهن دون ان يلفتن النظر . وكذا فإن مناطق ( عنسبا .. وفانا .. وسبر .. عد سيدنا مصطفى .. مقرايب .. بركا لعال .. همبول .. وعد كوكوي .. ) الخ كانت مراكز للتموين الأهلي لجيش التحرير ، لذا تمت مواجهة ذلك من قبل جيش الاحتلال بالإبادة والتقتيل لأنهم توهموا ان ذلك سوف يجفف منابع الثورة .
محمود ملكين :
كما هو معروف ان الرصاصة التي أطلقها القائد الشهيد عواتي قد تردد صداها في كل أنحاء إرتريا وتجاوب معها كل أبناء الريف . نحن شباب تلك المرحلة لم يكن يشغل بالنا إلا تتبع أخبار الثورة .. سمعنا ان عواتي ورفاقه يتحركون في القاش وبركا ، وان جنود سابقين من الإريتريين في الجيش السوداني قد التحقوا بحامد ، لذا قررنا الالتحاق . كنا مجموعة من الأصدقاء تحركنا سرا للوصول لمدينة كسلا ، وهناك تم إستيعابنا رسميا ، كان ذلك في 1964م ، وفي انتظار فرصة الدخول للميدان وصلت لكسلا شحنة من الاسلحة التي أرسلتها سوريا وهي الجزء المتبقي من الاسلحة المعروف التي صادرتها حكومة الصادق المهدي آنذاك ، وقد تم تسريبها بجهود مناضلينا وأخوانا من السودانيين الذين استبسلوا لتصل تلك الاسلحة لكسلا عبر طرق مختلفة وسيذكر لهم التاريخ ذلك .
تسلحنا بهذه الأسلحة من داخل مدينة كسلا وتحركنا صوب الميدان ليلة 1 يونيو 1964م . كنا نحو ( 200) جندي ، نحمل أسلحة دون أغذية ولا ماء ولا ملابس عسكرية .
تحركنا ، لكل جندي قطعة سلاح و(200) طلقة ، وانقسمنا لأربعة مجموعات برفقة 6 مناضلين ، وصلنا منطقة ( مقراييب ) حيث استقبلنا الأهالي بالمياه والأكل والزغاريد والأهازيج . وتم توزيعنا بعد ذلك في الوحدات العسكرية وكانت نصيبي الوحدة المتواجدة في منطقة ( يكارع ) حيث مكثت معهم وتحت التدريب مدة ثلاثة أشهر . . وكان التدريب يتم أثناء حركة الوحدة العسكرية ، وشاركت مع وحدتي في تصفية بقايا مراكز الشرطة ومعارك خفيفة هنا وهناك .
بعد ذلك تم توجيهي للمنطقة الثانية التي كان يقودها الشهيد عمر إزاز ، و في فصيلة الشهيد عثمان صالح .
**
حدثنا عن هيكلة المنطقة ؟
الهيكل العسكري الإداري للمنطقة يقوم على :
قائد للمنطقة ، ونائب ومفوض سياسي وأمين مالي ومسؤول صحي ومراسل وثلاثة فصائل بجانب فصيلة الرئاسة ، تطورت فيما بعد لسرايا ( السرية تتكون من فصائل ) .
**
حدثنا عن الشهيد عثمان صالح ؟
الشهيد عثمان صالح سبقنا إلى الميدان بعام تقريبا مناضل مرن .. شجاع .. عرفت عنه علاقاته الواسعة والجيدة بالسكان ومتابعته لحال كل جندي ..بإختصار هو رجل تحدي .
ترقى سريعا ليصبح قائد فصيلة ثم قائد سرية وتتكون من ثلاثة فصائل .
**
حدثنا عن قائد المنطقة عمر إزاز ؟
الشهيد عمر إزاز رجل إداري من الدرجة الأولى .. عسكري حازم .. مهاب .. صارم في الحرب .. ضاحك في أوقات السلم وأخ وصديق للجميع .. كان يشترك في جميع الألعاب التي يقوم بها المناضلين أثناء الأستراحات .
**
معركة حلحل .. دار ويدور حولها لغط كثير .. ولم تأخذ حظها في التقييم العسكري ولا الدور السياسي .. حدثنا عن هذه المعركة بإعتبارك واحد من المشاركين فيها ؟
معسكر حلحل كان الشغل الشاغل لكل الثوار آنذاك .. وقائد منطقتنا الشهيد عمر إزاز .
مركز كبير ومحصن جيدا ، وهو مركز مراقبة ورصد لكل تحركات الثورة في بركا والساحل ، لذا كان من رأي الشهيد إزاز ترحيل هذا المعسكر أو تدميره .
ولأنه بهذه الأهمية فقد أخذ وضع الخطط والمشاورات فترة طويلة ، وذلك في الحلقة الضيقة في قيادة المنطقة ، وكانت تتكون من قائد المنطقة عمر إزاز والمفوض السياسي محمود إبراهيم شكيني وحامد أحمد واحمد إبراهيم حليب ستي وعثمان صالح . نكتفي بهذا القدر من هذا الحوار ونواصل …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى