محمود جابر : نضالي في صفوف جبهة التحرير الإريترية ــ (2)
4-Jul-2016
عدوليس ـ ملبورن
في الذكرى الـ ( 25 ) للإستقلال يسعدنا في ( عدوليس ) ان نجلس لعم محمود الذي ناضل في أكثر المراحل صعوبة ، وفي منطقة إدارية وعسكرية شديدة الخطورة والأهمية اقصد هنا ـ المنطقة الخامسة ـ وما أدراك ما المنطقة الخامسة ووالداي كحساي و”سرية أديس” ..ألخ . في منطقة هي الأكثر أهمية تولى موقع يمثل صمام الأمان فيها ، فقد ناضل جابر وهويتقلد المسؤولية الأمنية في المنطقة . الرجل لم يبخل ولم يتردد قال لنا صراحة هذا ما احتفظ به في صدري من أحداث سواء تلك التي شارك فيها أو تلك التي عاصرها ، وليعذرني القاريء بشأن بعض التواريخ ، علما بانني كنت أحتفظ بالكثير من الوقائع والأحداث اليومية في دفتر يوميات إلا ان التنقل المفاجيء ولأكثر من مكان تسبب في ضياعه . هو مشوار طويل من العلاقات الإنسانية والنضالية .. أحداث جسام .. تواريخ ومنعطفات .. إنفراجات .. عسر ويسر .. الخ صعب أختزاله في صفحات ، لكنه جهد المقل نقوم به مع غيرنا حتى لايلعننا التاريخ والأجيال .
في هذه الحلقة سوف نسلط الضوء على أوضاع الشرطة بعد عملية الضم القسري لإرتريا في الإمبراطورية وتقويض أسس الإتحاد الفيدرالي ، وعموم الأوضاع داخل العالصمة أسمرا وإلتحاق محدثنا بجبهة التحرير الإريترية .الإلتحاق بالميدان :مدينة تسني لكونها في قلب إقليم القاش حيث يتواجد حامد إدريس عواتي ومجموعته وبداية تمرده على السلطات ، وقربها من مدينة كسلا السودانية كانت حافلة بالأحداث دوما ، وقد زاملت بها عدد من المنتسبين لسلك الشرطة والموظفيين العموميين وأتذكر هنا انني زاملت الشرطيين اللذين صرخا إحتجاجا على إنزال العلم الإريتري في أسمرا من على قبة البرلمان وهما المرحوم إسماعيل حامد نور وكيداني هداد اللذين حكما عليهما بالسجن وبالإبعاد لمدينة عصب عقابا ، وبعد إنتهاء الفترة لم برغب المرحوم إسماعيل الإستمرار في سلك الشرطة وتم إغتياله في مدينة تسني قبيل سفره للسودان، والمرحوم قريب الصلة من الشهيد جعفر محمد نور المناضل السابق في جبهة التحرير الإريترية والذي رحل قبل سنوات قليلة في حادث سير بين مدينة كسلا وبورتسودان رحمها الله. كما تعرفت بالباشكاتب عيسى محمد هاشم رحمه الله ” . يقترب العم المناضل محمود جابر من قلب الأحداث ويسرد وقائع تلك السنوات التي أعقبت إلتحاق بالميدان بعد ان أشتدت عليه الملاحقات . وجابر هو الذي تخرج من كلية تدريب الشرطة الإريترية في عهد الإتحاد الفيدرالي بمدينة دقمحري ، علما بإن الشرطة وحسب أسس الإتحاد الفيدرالي تتلقى التعليمات من الحكومة الإريترية ، ونطاق عملها حصر داخل الحدود الإريترية . يقول العم جابر ” بدأت التململ يظهر في أفراد الشرطة في كل إنحاء إريتريا بعد عملية الضم القسري وإلغاء الأتحاد الفيدرالي ، وترجم التململ بالإتصال بالثوار والإلتحاق بهم ، لذا أصدرت السلطات الإريترية التي أصبحت بيد الأمبراطور هيلي سلاسي وأعوانه بإصدار تعليمات مشددة للحد من هذا التململ ومن هذه التعليمات قرار نقلي للعاصمة أسمرا وهناك أكتشفت ان عملية نقلي لأسمرا لم تكن لي وحدي بل شملت حوالي (35 ) شرطيا وضابطا كلهم من المسلمين . أستلمت عملي في اسمرا في قسم التحقيقات أو حسب التسمية القديمة ( البوليس السري) تحت إمرة النقيب الهادي محمد نور ، والهادي رحمه الله كان رجلا مهاب الجانب صارم . أما بقية الـ ( 35 ) شرطيا فقد تم توزيعهم في مختلف المدن والبلدات في أقاليم حماسين وسراي وأكلوقزاي، بعيد عن أهاليهم ومواقع سكنهم . في اسمرا تعرفت على احمد عقرقر ربنا يعطيه طول العمر اخاله موجود في السعودية ووالداي كيداني الذي قتلته جبهة التحرير في السبعينات في نواحي مدينة كسلا ، كلاهما كنا موظفين في شركة النقل والمواصلات الشهيرة ( ستاي سنو سيابو ) وكان يشرفان على الفرع الداخلي للجبهة وخاصة في النواحي التأمينية للمقاتلين الذين يدخلون المدينة لمهام أو الذين يرغبون للإلتحاق بالميدان.أسمرا حين ذاك بدأت قلقة من الأحداث التي تعصف بالبلاد وتمايزت الصفوف وتكاثرت سهام عملاء الإمبراطور وتزداد شوكتهم ، وتزايد الألتحاق بالثوار من أفراد الشرطة والموظفيين وبدأت مظاهر الثورة تزاداد وأصبحت تحت المراقبة والمتابعة اللصيقة لحركتي وتحركاتي في أسمرا قررت الألتحاق بالميدان ، وأرسلت عائلتي لمدينة كرن وأتصلت بوالدي كيداني مبديا رغبتي بالألتحاق بالميدان وقد طلب مني ان أنهى إلتزاماتي في السكن وغيره بهدوء لكي يتم نقلي لإحد المنازل التي كانوا يشرفون عليها ، أكملت التحلل من إلتزاماتي بهدوء وتم نقلي لإحدى المنازل السرية تمهيد للإلتحاق والذي تم في مساء يوم عادي عند الساعة الخامسة حيث يترك سكان البلدات والقرى التي تحيط بالعاصمة حيث تكون الحركة كيثفة بكل وسائل المواصلات المتاحة آنذاك خاصة عربات الكارو العجلات والدواب .. الخ. كان يرفقني مناضل دخل العاصمة سرا لبعض المهام ، تحركنا سويا نحو منطقة ( درفو ) وكنا نمشى على غير هدى نحو الخلاء عسى ان نجد المقاتلين المنتشرين حول العاصمة أو من يدلنا عليهم من السكان القرويين ، وبعد مسيرة متعبة وجدنا صبي كان راعي أغنامة و سألناه عن مكان قريب للجبهة. فقال هؤلاء المباركون كانو أمس في مزرعة وسمى أسم رجل فقلنا له دلنا على المزعة ففعل وهو مسرور . صاحب المزرعة نفى معرفته بالجبهة ويؤكد لنا مرارا رفضه التعامل مع الخارجين عن القانون وبعد جدل أستطعنا إقناعه ، وبعد ان استضفنا وافق ان يدلنا على قرية بها رجل يمكن ان يدلنا على بغيتنا اسمه سليمان ، سالنا سليمان مباشرة عن والداي كحساي فنفى بدوره معرفته به إلا ان أجلسنا وقدم لنا الماء والطعام ، وبعد حوار أتفقنا ان يدلنا ، ويبدو انه كانوا بالجوار وقد ارسل لهم أوصافنا والأسماء ، خاصة ان رفيقي مناضل معروف لديهم.استقبلنا والداي بترحاب ومودة ظاهرة وكان على معرفة بي حسب التقارير التي كانت ترده من احمد عقرقر ووالداي كيداني.والداي كحساي قائد المنطقة الخامسة كان مناضلا صلبا تلقى تعليم معقول حسب أوضاع التعليم في تلك الفترة ، كانت قيادة المنطقة تتكون منه ونائبة الشهيد حشال عثمان و قيلاي المفوض السياسي”.سألت العم المناضل محمود بما حدث في المنطقة الخامسة من تسليم قائدها والداي للحكومة الإثيوبية ، وكذا إنشقاق قادة الفصائل وتداعيات ذلك؟. كان يصغي لسؤالي وهو ينظر بعيدا لتلك السنوات الشديدة الصعوبة والمفصلية في تاريخ الثورة الإريترية وهو ينحت ذاكرته لإستحضار تلك التفاصيل وقال :” قبل ثلاثة أشهر تقريبا من حدث كبير هز المنطقة العربية أو ما عُرف بحرب الأيام الستة في العام 1967م حشدت الحكومة الإثيوبية قوات كبيرة في منطقة ( مرارة ) والتي تقع ضمن المنطقة الخامسة ، كان والداي كحساي يقيم في منطقة ( كسرت ) وكانت الفصائل العسكرية الخاصة بالمنطقة الخامسة تتحرك بالقرب من بركا ، تم التصدي بضروارة للحملة العسكرية الإثيوبية بمعونة ودعم من المنطقة الرابعة التي أمدتنا بالسلاح والجنود وقد ارتكب الجنود الأثيوبين العديد من الجرائم ضد الشكان ، وكان سبب تواجد القائد والدي كحساي هو لإستقبال الملتحقين الجدد من الشباب ، وأذكر ان المناضل مسفن حقوس كان من بينهم ، ومن بين المنضمين الجدد شخص اتذكره جيدا ملقب ( شامبل ) وقد إنتابني الشك حول إلتحاقه وقد قاسمني الشكوك عدد من المناضلين في المنطقة من بينهم الشهيد داؤود عثمان وإبراهيم جون وأفصحنا عن هواجسنا لقائد المنطقة وقادة الفصائل وهم نقوسي حزباي ، وود ي هبتللي ومحمد نور بصيري، إلا انهم رفضوا ذلك. بعد عملية التصدي التي دفعنا فيها عدد من الشهداء من الخريجين الجدد دعا قائد المنطقة لإجتماع بقادة الفصائل العسكرية وإدارة المنطقة لتدارس أوضاع المنطقة والظروف العسكرية والأمنية التي تمر بها.استهل قائد المنطقة الإجتماع حديثة بالقول وضمن الترتيبات التي يقترحها والتي لخصها بالقول ( ان المقاتلين القادمين للمنطقة من أقاليم المنخفضات اصبحوا لا يستطيعون تحمل برودة الطقس ويجب تبديلهم بمقاتلين من أقاليم كبسه المعتادين عليه ، لذا سوف نعطي لهؤلاء إجازة لكي يذهبوا لقراهم على ان يسلموا أسلحتهم. ايد ثلاثة من قادة الفصائل الإقتراح ورفضه البعض من القيادات وكنت من ضمنهم وقالت لوالداي ( أتفق معك بشأن أوضاع الجنود وعدم إحتمالهم لبردة الطقس في المرتفعات ولكن لست موافقا على موضوع تسليم الأسلحة هنا في مراره لكون المنطقة ليست بها لجان قرى يمكن ان تتولى عملية تأمين السلاح وتخزينه . واردفت كما ان السكان في المنطقة إرتباطهم ضعيف بالثورة لذا أرى ان تتم عملية تسليم الاسلحة في منطقة سبر وما جاورها من مناطق.) وبعد حوار أتفق الإجتماع على تنفيذ إقتراحي ، كما تم إعادة تنظيم المنطقة عسكريا على النحو الآتي : 1/ قسم يتكون من اللذين نالوا تدريبا عسكريا في سوريا ويتم تسليحهم ببنادق (السيمانوف التشيكية ). 2/ قسم للمستجدين ويتم بالأسلحة العادية التي كانت تتوافر آنذاك. 3/ قسم ثالث يتم توزيعهم بين الفصائل التي تتحرك في اقليم بركا على ان يتم تعين نواب لقادة الفصائل الثلاثة ، وهؤلاء هم شخصي وأرارا إيلا ومناضل ثالث غاب عني إسمه .تحركنا جميعا لمنطقة ( سبر) حيث تم تخزين الاسلحة وإعطاء حامليهاقضاء إجازاتهم في قراهم أو الدخول لكسلا . وأذكر هنا ان قائد المنطقة والداي كحساي تخلف عنا ومعه المدعو ( شمبل ) اللذين كانا يتابعان سير العملية من على البعد.شخصيا كان شكوكي تزداد حول ( شمبل ) لذا فقد كتبت رسالة مفصلة بطبيعة هذه الشكوك وحيثياتها للقيادة الثورية في كسلا والتي وصلها ( شمبل ) مع والداي كحساي فيما بعد. ومن المعروف ان القيادة الثورية كان مقرها مدينة كسلا وتمثل همزة وصل بين القيادات العسكرية في الميدان والمجلس الأعلى القيادة السياسية للجبهة في الخارج.