مقالات

نصف قرن على انطلاقة الثورة الإريترية :ماذا تبقى من الحلم العظيم؟ :ياسين محمد عبد الله

29-Sep-2011

المركز

يدهش المرء من الاحتفاء المتواضع، الرسمي والشعبي، باليوبيل الذهبي للثورة الإريترية. كلنا مقصرون فنحن لم نعط الذكرى ما تستحق من اهتمام ولم نعط أبطالها ما يستحقون من تقدير. تمتد جذور تقصيرنا إلى سنوات الثورة الأولى عندما أغفلنا تسجيل يومياتها ولاحقاً عندما غلبنا السياسي الآني على التاريخي الدائم.

وألوم نفسي لتأخري في الكتابة عنها، مع أن صديقاً عزيزاً اتصل بي بهذا الخصوص في مطلع هذا الشهر، فهذه الثورة بجانب تأثيرها العظيم على حياة شعبنا الإريتري وعلى المنطقة بأسرها، شكلت وعيي السياسي ووجداني الإنساني منذ سنوات الطفولة كما فعلت بالنسبة للآلاف من أبناء جيلي.لقد أجريت خلال العقدين الماضيين حورات مسجلة مع بعض قيادات الثورة من أجل كتابة قصة البدايات والظروف التي انطلقت فيها الثورة والتحديات التي واجهتها في سنواتها الأولى وهو ما عزز لدي الإيمان بعظمتها وما يفرض علىَ أيضاً مسؤوليات تجاه تسجيل هذا التاريخ من خلال سرد هؤلاء الرجال للأحداث التي عايشوها وساهموا في صناعتها. لقد كان لي شرف إجراء حوارات مع كل من إدريس محمد آدم، محمد سعيد ناود، صالح إياي،إدريس محمد الحسن، محمد إبراهيم بهدوراي، يوسف سليمان، آدم قندفل، أحمد سويرا، محمد عمر أبو طيارة، محمد صالح همد، سيد أحمد هاشم،عبدالله إدريس، إدريس قلايدوس، محمود إسماعيل، حامد محمود، ياسين محمد علي وعثمان دندن وغيرهم من الذين ساهموا في صناعة تلك الثورة المجيدة. يشعرني تأجيل البدء في الكتابة بتأنيب ضمير؛ خصوصاً عندما تحل ذكرى الانطلاقة. في اليوبيل الذهبي أتوجه بالتحية لذكرى الأبطال الذين أطلقوا الكفاح المسلح وهم لا يملكون من وسائله سوى إيمان عميق وعزائم فولاذية. من كان سيجرؤ على منازلة الإمبراطورية التي كانت تُحظى بدعم الغرب كله ويرزح تحت سلطتها المستبدة عشرات الملايين من البشر، من كان سيجرؤ على تحدي إمبراطورية تمتلك أحد أفضل وأكبر الجيوش في أفريقيا جنوب الصحراء، من كان سيجرؤ على فعل ذلك ببنادق صدئة ورصاصات قليلة لم تصنع حتى لفتحات مواسير تلك البنادق، سوى تلك الكوكبة الفريدة من البشر التي جمعها التاريخ في واحدة من لحظاته الاستثنائية؛ عواتي، كبوب حجاج، محمد إدريس حاج، طاهر سالم، عمر إزاز، أبو طيارة، قندفل، أبو رجيلة، دامر، حامد طمبار، وللو، شمسى،عبد الكريم أحمد، ولدي داويت تمسقن، سيوم عقبامكئيل وغيرهم من صناع تلك الملحمة العظيمة. لا يتوقع المرء من نظام فرط في أعظم ثوابت هذه الثورة أن يحتفي بها بطريقة لائقة. فهذه الذكرى تعود وعدد كبير من مناضلي حرب التحرير في سجون السلطة التي يفترض بها أن تكون وطنية. وهي تعود وقد فاق عدد اللاجئين الإرتريين عددهم في سنوات الاحتلال وامتدت خارطة انتشارهم لتشمل العالم كله. وتعود والوطن قد تحول سجناً كبيراً لابنائه يموت الكثيرون وهم يحاولون الفرار من جحيمه.لكن ماذا فعلنا نحن من يفترض فينا الاعتزاز بقيمها؟ تزامنت ذكرى الانطلاقة هذا العام مع نشاطات غريبة شكلاً ومضموناً في أوساط المعارضة، دللت، ليس فقط، على عدم اكتراث الكثيريين بالثوابت والقيم التي أرستها الثورة الإريترية، بل أيضا على استعداد البعض للعمل ضدها والسعي من أجل تقويضها علناً.في اعتقادي إننا الآن أحوج ما نكون لاستلهام القيم التي كرستها الثورة الإريترية والمتمثلة في الاعتزاز بالانتماء الوطني والاستعداد للتضحية والتمسك بالوحدة الوطنية.لم يفت الوقت بعد لنحتفي بهذه الذكرى بما تستحق لذا فإنني اقترح على المهتمين عقد ندوة وطنية موسعة تكرس لقصة البدايات وللرجال الذين صنعوها كتحية لهم وللتزود- كما أسفلت- من استعادة تلك القصة بما يمكن أن يعيننا على السير على هدى تلك الثورة المجيدة، وكمساهمة في تسجيل بعض أحداثها لتحفظ في دفتر الذاكرة الوطنية. فلنفعل ذلك كرد للجميل ولنُذكِر الذين نسوا أو تناسو إن شعب إريتريا شعب أبي وعصي على محاولات التركيع والإذلال والوصاية. هذا الفكرة تصب في اتجاه ما سبق واقترحه الصديق زين العابدين شوكاي العام الماضي بتكريس عام للهوية الوطنية، فالثورة الإريترية هي في اعتقادي أكبر مساهم في تشكيل تلك الهوية. تحية لذكرى شهداء الثورة الإريترية في يوبيلها الذهبي. التحية لقادتها الأموات ومنهم والأحياء.التحية لكادرها وجنودها البواسل.التحية للشعب العظيم صانع تلك الثورة وحامي تاريخها وقيمها المجيدة. ياسين محمد عبد الله

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى