مقالات

إكسبو .. مهرجان الرقص والغناء مقابل الغذاء

24-Aug-2014

عدوليس نقلا عن إذاعة المنتدى

لم يتبق غير نهار واحد ثم ينسدل الستار على آخر فضائح نظام اسمرا، الفضيحة هذه المرة تمظهرت فيما يسمى بمهرجان ارتريا السنوي، الذي يقام في أرض المعارض(إكسبو) بأسمرا، حيث كان مثال للفوضى والخواء والإفلاس، وكشف عن الرأي الجمعي المقاطع لأنشطة طغمة إسياس .. إن كانت مهرجاناً أم إحتفالاً أم إجتماعاً لأي داعٍ يدعون له.

وبما أن كلمة مهرجان تعني في أصلها الفارسي (إحتفال عام في إطار ثقافي)، فقد أخفقت أذرع العصابة الحاكمة كامل الإخفاق في أن تُثبِّت الأطر الثقافية الجامعة، كما فشلت في أن تحوّل احتفالها إلى موسم مرغوب ومحبوب ومنتظر. بل أصبح من المظاهر المرفوضة والملفوظة وعديمة الفائدة، والواجب إيقافها فوراً. تبقت ساعات من نهاية فترة مهرجان إكسبو في نسخته للعام 2014، ولم يزل الحضور شبه منعدم، ولم تزل الجماهير تقف بعيداً عن ساحاته لتتفرج في واقع العزلة الذي يلف النظام وسدنته ومهرجانه البائس. المقاطعة والعزوف عن الحضور ليس بالضرورة نتاج لموقف متفق عليه سلفاً، ولكن .. الواقع أنها مقاطعة فردية واعية، نتجت عن خبرات وتراكمات وملاحظات، بعضها يخص الجهات المنظمة لتلك الفعاليات والمهرجانات، حيث تعطلت منابع الإبداع عندهم وعجزوا عن تقديم الجديد، وأصبحت المعارض الخاصة بالشركات والمصانع تُعرض سنوياً، وليس فيها أي زيادة بل يعتريها النقصان سنة تلوى أخرى، وكأن أصحاب تلك المؤسسات يشاركون أداءً لواجب ثقيل مفروض عليهم، أما المؤسسات الحكومية ومبعوثي الأقاليم فليس في نطاق إهتمامهم أن تخرج العروض بالشكل الجميل، لأن أولى أولوياتهم هو ما يُدفع لهم من نثريات، وما يمكن أن يستقطع من مخصصات وفد الأقاليم، وعائدات المطاعم والمشارب الملحقة بالمساحات المخصصة لكل إقليم، والتي تم توزيعها مسبقاً للمقربين من أؤلئك المسؤولين. أما إهتمامات ما يُعرف باللجنة العليا لتنظيم الإحتفالات فقد إنصبت في جني أكبر قدر من المكاسب المالية، عن طريق إيجارات باهظة على ارضيات خالية، يُعرض فيها بعض التجّار ما كسد من بضائع وما عزف الناس عن شرائه في الأسواق، فضلاً عن متابعة إيرادات نوافذ بيع تذاكر الدخول، التي يقوم بكامل مهامها الطلاب ضمن مظلة وهمية أسموها (العمل الطوعي) للإلتفاف على الحقوق، ولتفادي دفع مستحقات الطلاب المساكين، لأن العمل هنا إلزامي صارم ولا علاقة له بالتطوع. الفرق الفنية التي تؤدي العروض الشعبية والتراثية الخاصة بالقوميات والأقاليم، نموذج للإنسان المقهور، فبعد الكساد الذي عم إرتريا أصبحوا في مناطقهم الأصلية يعيشون على ما تجود به الحكومة فيما يسمى ببرنامج (الغذاء مقابل العمل) وهم الآن يمارسون الرقص والغناء مقابل الغذاء. لذا فالأداء هنا أيضاً لواجب ثقيل ومذل، يكشف الذاكرة العطبة لرموز النظام التي نسيت او تناست ان هؤلاء هم من كانوا ينحتون الصخر بأظافرهم المجردة، وعزيمتهم المجربة في مرحلة كان الوطن في حوجة ماسة إلى كل ابنائه. وللأسف، كان التركيز في المهرجان، من الجهات المعنية، على إعلانات البرامج الساهرة التى لا تعني إلا فئة معينة من الجمهور القادر على دفع تكلفة التذاكر والراغب في سهرة ماجنة، ليست للموضوعات الثقافية أي مساحة فيها. حتى معرض فترة الكفاح المسلح، الذي كان يجب أن يعكس عمق تلك التجربة وأهميتها في بناء الهوية الإرترية الجامعة، جاء محتواه انتقائي ومبتسر، ولا يعطي التجربة حقها التأريخي الذي تستحق. إذاً هذا جانب من التشويه المتعمد والرسالة المدسوسة التي يحاولون بثها للأجيال. بكل ما تم ذكره وبغيره من مظاهر سالبة تحولت ساحة إكسبو إلى مساحة يتم فيها كل شيئ بشكل مشوّه، وفوضى عارمة وتكدس لباعة الأطعمة، وغياب للمشترين، وتدني مريع في مستوى الحفاظ على النظافة والصحة العامة، وإنهيار للأمن حيث تمارس السرقة والتسول والتحرش والاغتصابات احياناً داخل أسوار أرض المعارض، وتُقدم الحانات مشروباتها المُسْكرة لجميع الأعمار فالمقياس أن أصحابها دفعوا مبالغ باهظة ولا مجال غير استردادها مع الفوائد دون التقيّد بأي سقوف اخلاقية. عليه اصبحت من المشاهد العادية ان تنشب معركة بالأيدي أو باستخدام الحجارة بين صبية من منطقة ما مع آخرين من منطقة ثانية، واكتفت قوات الشرطة بالمرابطة على المداخل واجراء التفتيش الروتيني لداخلي الحظيرة، هذا الانفلات كان من أقوى الأسباب التي دفعت العائلات للعزوف عن حضور المهرجان المهزلة. كما تعج ساحة إكسبو بضوضاء مؤذية، فكل بائع يروج لبضاعته باستخدام مكبرات الصوت بطريقة فوضوية، هذا غير النداءات الممجوجة لما يقال انه إذاعة داخلية، تطلق صرخاتها هي الأخرى بين حين وآخر مقابل مردود مالي يدفعه صاحب الإعلان. خارج أرض المعارض وفي الطرق المؤدية إليه توزعت (مافيا سيارات الأجرة – التاكسي) لتزيد من وطئة موسم الصخب، ولتحقق الأزمة ولتنجز مكاسب طفيفة، مما كان ذلك سبباً آخر لقلة الحضور، خاصةً في الأمسيات حيث انعدم الأمن في الطرقات، وتعرض القُصّر لأنواع شتى من الإنتهاكات المهينة للكرامة. بالطبع (فاقد الشيئ لا يعطيه) لذا لم يكن متوقع أن يأتي (مهرجان إكسبو 2014) بجديد، لا في تنظيمه ولا محتواه ولا ما قُدمت فيه من عروض، لكن لدينا ملاحظة هامة، هي إن التراث الوطني لكل القوميات، والتنوع موجود في كل الأقليم والثقافات، عليه ما كان يجب ان يتم التعامل مع هذا الإرث الثر كمفقود، وكان على طغمة النظام ومنظريها الرجوع إلى الشعار القديم الذي يشير الى طريق (نحو ثقافة وطنيه ديمقراطية فاعلة)، لا أن يقودوا الناس إلى طمس الثقافات وتشويه الإرث وتغيير مفهوم العيب بحيث يصبح لا عيب طالما هناك أموال تدخل للجيب ! أخيراً وليس آخراً، الجيد في هذا اليوم أنه سيكون اليوم الأخير في مهرجان الفوضى والتسول الرسمي والتعدّي على المقدرات الوطنية، والتسبب في الأذي لجموع الصابرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى