أخبار

القرن الأفريقي … السحب السوداء تغطي المكان

15-Nov-2006

اصحافه

تقرير: بليغ حسب الله
يموج القرن الافريقي حاليا بتحركات شتي تتشابك فيها الخيوط وتتقاطع فيها المصالح، الامر الذي جعل من قراءة مستقبل المنطقة التي كادت تمزقها الحروب الداخلية امرا عصيا بسبب سحب من الدخان الكثيف خيمت علي المكان كنتيجة حتمية لتدخلات خارجية من جهة وصراعات دولها فيما بينها من جهة اخري .

فقد اصبح القرن الافريقي منذ امد بعيد قبلة اساسية للدول الكبري التي وجدت فيه مرتعا خصبا لحماية مصالحها خاصة امريكا واسرائيل اللتين تسعيان لاحكام السيطرة علي البحر الاحمر ومداخله باعتباره موقعا استراتيجيا لمراقبة حركة التسلح في المنطقة العربية والسيطرة ايضا علي الثروات خاصة النفط الذي ظهر اخيرا في كل من الصومال والسودان .لكن هذه التحركات الدولية خلقت بشكل مباشر نوعا من التسابق الاقليمي ادي في النهاية الي احتكاكات كما في حالة ارتريا مع اثيوبيا والسودان واثيوبيا في الصومال من جانب اخر، اضافة الي التدخلات الكينية السودانية في الصومال ولو كانت بصورة غير مباشرة . واعادت التطورات في العلاقات بين اسمرا والخرطوم اخيرا خلط الاوراق في المنطقة من جديد ، فضلا عن بروز تنظيم المحاكم الاسلامية كمركز قوي في الصراع الصومالي الصومالي ، هذه التطورات وضعت بدورها اكثر من علامة استفاهم علي ملف علاقات السودان واثيوبيا المتنامي باستمرار كما شكلت جزئيتها الخاصة بالمحاكم في نفس الوقت قلقا للغرب وعلي رأسه الولايات المتحدة الامريكية، كما يري مراقبون رشحوا المنطقة الي مزيد من التوتر بسبب هذه المتغيرات . ويبرز الاهتمام الامريكي بجلاء في جملة نقاط ابرزها الوجود المكثف في باب المندب وجيبوتي بدواعي مكافحة الارهاب الذي بدأ يتبلور بشكل واضح في اعقاب اللقاء الذي جمع الرئيس الامريكي جورج بوش الي كل من رئيس وزراء اثيوبيا ملس زناوي والرئيس الكيني حينها دانيال ارب موي في شتاء العام 2002 م ، وكان يفترض أن يحضر هذه القمة الشهيرة الرئيس الجيبوتي عمر جيله، لكنه اعتذر في اللحظات الأخير، ثم تلت هذه القمة بأربعة أيام فقط زيارة وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد لدول المنطقة عدا السودان . لكن مع ذلك تبدو النظرة المستقبلية لما ستنتهي عليه التحولات الجارية الان مختلفة تماما عما يرشح من معلومات عبر الاعلام رشحت في الاساس السودان واثيوبيا علي انهما الخاسر الاكبر في النهاية باعتبار انهما سيخسران جهودا استمرت لاعوام من اجل بناء علاقات اصبحت نموذجا في المنطقة بسبب تقاطع تدخلاتهما في كل من الصومال وارتريا بالنسبة لخبراء استراتيجيين وعسكريين تحدثت اليهم ” الصحافة ” امس في هذا الخصوص . ففي وجهة نظر الخبير الاستراتيجي في شؤون القرن الافريقي البروفسير حسن مكي فإن كل مايجري في المنطقة الان عبارة عن لعب من اجل المصالح ، قبل ان يري ان المستفيد الاول من المصالحة السودانية الارترية هو القرن الافريقي بأكمله .ويطرح مكي لـ ” الصحافة ” عدة اسباب لتدعم وجهة نظره في هذا الجانب من بينها انها ستضمن اولا استقرار اربعين مليون من البشر هم مجموع سكان الدولتين، اضافة الي انها يمكن ان تثمر مصالحة بين اسمرا واديس بمبادرة من الخرطوم .ويعتقد مكي مع ذلك كله ان جميع المصالحات التي تمت في المنطقة عبارة عن مصالحات تكتيكية ظرفية وليست استراتيجية لانها لم تقدم رؤية مصيرية ، ويعتبر ان كل مايجري حاليا عبارة عن تغليب للمصالحة الانية ، قائلا ” لذلك اعتقد ان الجميع احوج مايكونون الي مصالحة شاملة ” . ويري مكي ان الحرب الاثيوبية الارترية والصومالية الصومالية والصومالية الاثيوبية لها تأثير علي السودان، وقد تؤدي الي توترات لان هنالك قبائل مشتركة وهناك حدودا طويلة ، بيد انه ينبه مع ذلك الي ان اثيوبيا لن تضحي بعلاقاتها مع السودان لانها اثمرت تدفقات بشرية ومصالح اقتصادية من نفط وتبادل تجاري وحركة نشطة علي الحدود وسلام في منطقة قمبيلا يستفيد منه النوير اضافة لمشكلة حدود في طريقها لحل نهائي .ويشدد مكي علي ان السودان الان يشكل اكبر صمام امام للنظام الاثيوبي لانه استطاع ان يحجم المعارضة الارترية من حركات الارومو والامهرا ، ويقول انه قادر ايضا علي ان يفعل ذلك باستمرار ، ويضيف ” صحيح ان اثيوبيا غير راضية عن المصالحة بين الخرطوم واسمرا والتدخل السوداني في الملف الصومالي لكن هذا الامر لايمكن ان يرقي الي مستوي الازمة ” .لكن العميد امن معاش حسن بيومي الذي اعطي وجهة نظر مقاربة تماما لرؤية مكي يري ان التأثير الكبير في المنطقة سيكون بسبب تنامي العلاقات السودانية الارترية ، ويضيف ” اثيوبيا لوشعرت ان هذا الامر يهدد مصالحها ستلعب دورا اكبر في تعكير السودان ولديها خيوط يمكن ان تلعب بها مثل ملف دارفور .لذلك يري بيومي الذي هاتفته امس ان السودان محتاج لموازنة سحرية في علاقاته، واذا لم يفعل ذلك سيواجه مشاكل جمة ، قبل ان يعود منبها الي ان مسألة التدخل في السودان بالنسبة لاثيوبيا تعتبر اخر الكروت في سياستها الخارجية، او بالاحري كما سميتها لعبة المصالح في المنطقة لانها لاتستطيع ان تضحي بالسودان ، ويضيف ” يمكن لها ان ترسل اشارات ورسائل بخصوص تدخل سلبي في دارفور والشرق، لكن في النهاية فإن الامر صعب عليها في الوقت الراهن ” .لو بذل السودان جهدا في معالجة العلاقات الاثيوبية الارترية اعتقد ان ذلك سيكون افضل بالنسبة له واهم من الجهد الذي يبذله الان في المصالحة الصومالية عبر وساطة الجامعة العربية . ومهما يكن من امر، فإن المسلم به هو ان المنطقة مقبلة علي تحولات متعددة تجعل من التنبوء بالمستقبل امرا صعبا لان الكبار والصغار معا يلعبون الان في مسرح واحد.جريدة الصحافة 15 نوفمبر2006م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى