أخبار

المذيع الإرتري في قناة العربية عثمان آي فرح : نجوت من القتل مرتين واعتقلت في إثيوبيا أيام منقستو

19-Dec-2006

المركز

حوار : خالد عويس
بالنسبة لعثمان آي فرح ، المذيع في قناة العربية، والوحيد بين الإعلاميين الإريتريين، الذي وصل لهذه الدرجة من النجاح ، لم يكن الجلوس على مقعد أمام الكاميرا، وإذاعة الخبر تلو الآخر ، حلما عباراً، فعثمان الذي لطالما دغدغ هذا الحلم مخيلته ، دعم آماله وتطلعاته لأن يصبح مذيعا بجهد كبير، حتى أضحى واحداً من المذيعين الذين يشار إليهم بالبنان في العالم العربي ،

ظل مايراه بعض الإعلاميين والمثقفين ” نفياً متواصلاً لذوي البشرة الداكنة في القنوات الفضائية العربية “، على عكس مثيلاتها الغربية .وتبدو رحلة عثمان الحياتية ، سلسلة من النجاحات ، لكن، على الطرف المقابل، لم يكن نجاحه إلاَّ سلسلة أخرى من إخفاقات حفزته لهذا النجاح ، الذي إعترضته صعوبات بالغة ، كاد ان يدفع حياته ثمناً لبعضها. نجا من القتل مرتين، وذهب إلى أكثر مناطق العالم سخونة، ليعيش رفقة زملاء صحافيين ،أسابيع صعبة ، في جو تعبق فيه رائحة الموت ، وتفخخه الغارات الجوية . تنقل في بلدان كثيرة ، حيث إنتقل من إثيوبيا حيث ولد ، إلى جيبوتي، في طفولته ، هاربا، هو وأسرته بالإبل من نظام منغستو هيلي ماريام ، ومن جيبوتي ،إنتقلت الأسرة لليمن ، فالسعودية ، ومن ثم بريطانيا. كان والده ، محمد آي فرح ، قد أعتقل لمدة في السجون الإثيوبية أيام منغستو، لمجرد أنه ذهب للسؤال عن معتقل إريتري ، عثمان ، الذي يبدو أن السفر والتنقل بات جزءا من روحه ، لم يطب مقاما في لندن لفترة طويلة ، فبمجرد أن إلتحق بالعمل الصحفي ، أضحى متيما بالإرتحال . فمن أفغانستان ، إلى ليبيا، ومن لندن إلى دبي ، حيث يعمل حاليا ، لم يهدأ له بال ، وكانما إلتصق في روحه ، عشق السفر .. والصحافة . ويبدي عثمان آي فرح، الذي يعد نفسه واحداً من عشاق السودان ، إستعداده للعمل كمذيع في إحدى القنوات السودانية ، بل الزواج من سودانية ، لكنه يضع شروطاً لذلك !! حكايته مع صحافي عربي كبير وفي حديث مطول أدلى به لـ(أوراق جديدة)، يعود آي بالذاكرة إلى بداياته الصحافيًة . كان ذلك في 1999م في ناحية إيرلس كورت قرب قصر كنزنغتون(قصر الأميرة ديانا) في لندن، كان يعمل في بقالة حيث حاول تزجية وقته أثناء عطلاته الدراسية ، وكان من دأب صحافي عربي بارز أن يغشى البقالة يوميا لإبتياع سجائر، ولما كان عثمان شغوفا بالعمل الصحافي ، رغب في أن يطلع ذلك الصحافي على طموحه في هذا المجال، وقال له أنه يحلم بالعمل في هذا المجال ، وربما لاحقا يجتمعان في مؤسسة إعلامية واحدة ، لكن الصحافي الكبير تجاهله ورد عليه بالإنجليزية : نعم ..نعم ، هات سجائر، ومضى في حال سبيله .المفارقة الحقيقية ،ان ذلك الصحافي حين دعي بعد تلك الحادثة بعامين فقط ، للتعليق على موضوع سياسي في قناة (المستقلة ) في لندن ، فوجئ بذلك الشاب الأسمر الذي تجاهله في البقالة ، ليس معداً للحلقة ولامصوراً، وإنَّما مذيعاً سيواجهه بعد لحظات !! ويبدو أن هذه الحكاية البسيطة ، هي التي يتخذها آي فرح نبراساً في حياته، حيث يعمر قلبه طموح هائل ، حفزه بالإطلاع الواسع ، والرغبة في النجاح في مهنته ، ومن (المستقلة) إلى ANN ، ومنها إلى تلفزيون خليفة ، ثم تلفزيون دبي، وأخيرا قناة العربية .موت محقق في أفغانستان!! ولا ينسى عثمان مواقف في غاية الصعوبة واجهته أثناء قيامه بتغطيات خارجية ، او إذاعة أخبار سياسية في الإستديو، ففي أثناء تغطيته الحرب الأمريكية على أفغانستان (طالبان) لمصلحة قناة ANN ، ذهب لمعاينة وتصوير مستودع لقمح تم قصفه بواسطة المقاتلات الأمريكية ، وكان رجال الإنقاذ يحاولون في الأثناء إنتشال جثتين لحارسين كانا بداخل المستودع ، وحين تم الأمر، لم يستطع عثمان مغالبة دموعه ، فأشاح بوجهه ، لأن المنظر كان مؤثرا والناس من حوله يبكون .وفي لندن ، أثناء مباشرته في الإستديو تغطية قصف إسرائيلي على مقر الأمن الوقائي في رام الله (فلسطين) كان يستمع عبر الهاتف إلى أحد رجال الأمن الوقائي المحاصرين ، وبعض زملائه من حوله يهتفون : (نموت وتحيا فلسطين )، وكادت عيناه تترقرقان بالدموع، لولا أنه تمالك نفسه في اللحظة الأخيرة . لكن عثمان نفسه ، تعرض لموقف مماثل، وكاد ان يلقي حتفه في أفغانستان ، لولا العناية الإلهية ، كانت الأجواء ضد العرب عموما، وينظر إلى أي واحد منهم على أساس أنه منتم للقاعدة ، ومؤيد لطالبان .وفي ظل هذا المناخ المتوتر، وأثناء عمل آي فرح في كابل ، جاء خمس جنود وإقتادوه من مبنى فندق أنتركونتننتال ، عبر ممر مظلم إلى مكان مجهول .شعر عثمان بأن حياته مهددة ، إذ لم يكن هنك أي مبرر لإقتياده وحيداً، خصوصاً وان هؤلاء الجنود كان بمقدورهم إستجوابه في الفندق . وعبر مترجم ، سألوه : (هل أنت خائف) فأجبهم أنه ييتفهم غضبهم وحزنهم جراء مصرع أحمد شاه مسعود (أحد أبرز قادة تحالف الشمال المعادي لطالبان) ، والذي قتل قبل الإطاحة بطالبان بأيام ، وتسبب بمقتله ، عربيان إدعيا بأنهما صحفيان .واضاف محاولاً إقناعهم ، بأنه مجرد صحفي يؤدي عمله، وان المسئولية الكبيرة المترتبة على مقتله ، ستهز صورة أفغانستان(الديمقراطية) بنظر العالم ، وفٍّق عثمان في منطقه ، وأدى ذلك لإطلاق سراحه بعد أن كان على شفا القبر، غير أن الأمر تكرر ثانية . فبعد ان زار عثمان وحسن زيتوني (مراسلMBC المتجول) عائلات القاعدة في سجن خارج كابل، عاد زيتوني إلى الفندق ، في حين ذهب آي فرح لبقالة قريبة بغية إبتياع بعض الأغراض ، فاعترضه رجال مسلحون ، وإقتادوه لمكان مجهول ، وقال له مترجم كان معهم ، إنهم يريدون قتله، لكن رجلا من الرجال الخمسة الذين أطلقوا سراحه في المرة الأولى ، أنقذ عنقه للمرة الثانية .ولم تكن نجاته من القتل مرتين ، هما فصول الخوف والقلق فحسب في رحلة عثمان آي فرح لأفغانستان ، إذ هرب رفقة زملاء صحفيين آخرين من أفغانستان ، عبر مروحية إستأجرتها وكالة (رويترز) للأنباء إلى طاجيكستان ، بدون تأشيرة دخول ، وما كان من السلطات هناك ، إلاَّ أن أودعته السجن ، ولم تطلق سراحه إلاَّ بعد تدخل جهات دبلوماسية وصحافية .ويعتبر عثمان خلال حديثه لـ(أوراق جديدة) ، أن شخصيته تشكّلت بالأساس من خلال ترحاله الكثير وإطلاعه ، وشغفه الواسع بالتعُّرف إلى ثقافات الشعوب، ويجيد آي فرح لهجات عربية عدّة ، إذ بوسعه التحدث باللهجة السودانية بإجادة ، كما هو شانه مع اللهجات المصرية والعراقية والتونسية والسورية والخليجية .ويصعب على الكثيرين من حوله ، التعرف إلى جنسيته ، لكنه أفلح في أن يكون المذيع الإريتري الوحيد في الفضائيات العربية قاطبة ، وعلى الرغم من تنقله بين مدن كثيرة ، فإن جدة السعودية وحدها هي التي تظل الأكثر إلتصاقا بذاكرته ، بشرفاتها ، وأحيائها القديمة ، وطقوسها، وبحرها، وشوارعها.فتح عثان عيونه على الدنيا في جدة ، وهو لا يكاد يذكر شيئا عن أديس أبابا ، في جدة ، تعلم النطق ، والمشاجرات، وكرة القدم ، ولعل مايماثل حب عثمان للرحيل ومعاينة مدن جديدة ، وتجربة الحياة فيها، شغفه بالقراءة . هو يقرأ حاليا مذكرات رئيس الوزراء البريطاني ، توني بلير، ويحب مثل هذا النوع من الكتب ، التي ترصد حياة السياسيين والمفكرين وصناع القرار حول العالم . اللون الأسمر والفضائيات العربية ولا ينكر آي فرح في سياق حديثه لـ(أوراق جديدة) أن ثمة تمييزا يجري في الأوساط الإعلامية العربية، وفي إجابته عن هذا السؤال ، يقول: (نعم ولا) ، ويفسر ذلك بأن الناس كثيرا ما يسمعون تعليقات في برامج تلفزيونية بأن عبدالحليم حافظ وأحمد زكي حققا نجاحا باهرا ( على الرغم من انهما لم يكونا يتمتعان بمقاييس الوسامة!!). ويؤكد بأن أحمد زكي كان وسيما ، لكن مقاييس وسامته تختلف عن تلك المقاييس التي ترتكز على الشعر الأشقر والعينين الزرقاوين . ولا ينفي عثمان من جهة ثانية ، أن بشرته السمراء لعبت دورا في إختياره ، كماهو شأن المذيع السوداني في قناة (الجزيرة) الزبير نايل. ويذكر عثمان أن الدكتور أحمد الحاج (مسئول قسم الشرق الأوسط في وكالة أسوشيتد برس، وهو سوداني) قال له : (يا إبني شوف ليك شغلانة تانية ورا الكاميرا). لكن عثمان أجابه : (على العكس ، أنا سأستغل لوني الأسمر لصالحي). مشيرا إلى أنه يجب النظر إلى النصف الملآن من الكوب!!وينوي عثمان آي فرح أن تكون السعودية ، أو السودان او إريتريا، محطا لرحاله في حال قرر الإستقرار نهائيا. ويرى أن علاقته بوطنه الأم ، إريتريا ، هي علاقة إنسان بوطن سلب لفترة طويلة إلى أن نال إستقلاله ، وهي علاقة ، كما يتصور، تتعلق بالهوية وذكرة الوجدان الجمعي، (هي علاقتي بوالدي ووالدتي وجدي وجدتي)، يقول آي فرح . وردي يشكل وجدان امة تتلاشى حدودها !! وإلى جانب دراسته السياسية ، وقراءته الأيدلوجيات والنظريات السياسية ، يهتم عثمان بالشعر، ويحب نزار قباني ، والشاعر الإريتري عبدالرحمن سكاب ، ومواطنه محمود لوبينت ، والفلسطيني سميح قاسم ، وأحمد فؤاد نجم ، ولا يخفي حبه الكبير لمحمد وردي .ويقول : ( وردي يشكل جزءا من وجداني ووجدان أمة تتلاشى حدودها ليس فقط في السودان وإريتريا وإثيوبيا، ويكفيه فخرا : سيد نفسك مين أسيادك ، وتبقى ملامح في ذريتك). ويضيف : ” وردي يبقى ملامح في ذرية كل من يسمعه .وإلى جانب وردي ، يعشق عثمان : السعودي محمد عبده ، وأم كلثوم ، وعبدالحليم ، والإثيوبية إستير، وفرقة عقد الجلاد، وفضل شاكر، سيلين ديون، ماريا كاي، والأمريكي جو، غير أنه يشير إلى أن ثمة فنانين ، مايزال هو في طور إكتشافهم ، مثل : مصطفى سيد أحمد ، والفنان النوبي المصري أحمد منير.ويقول عثمان إنه يشعر بالأسف الشديد كون الفن السوداني ليس معروفا على نطاق واسع في العالم العربي ، لكنه – كإريتري- لا يمكنه إلاَّ أن يسمع غناءا سودانيا ، فالغناء السوداني يظل الأقرب إلى نفسه ، وبحكم عمله كمذيع سياسي ومقدم برامج لسنوات في عدد من الأقنية الفضائية ، يلحظ عثمان على السياسيين السودانيين الذين تسنى له ان يجري معهم مقابلات ، التواضع والبساطة التي تميز غالبية السودانيين حسب رأيه .وإلتقى عثمان آي فرح عددا من السياسيين ، إما في الإستديو، أو في لقاءات خارج الإستديو، ومنهم النائب الثاني لرئيس الجمهورية ، على عثمان طه ، ووزير الخارجية السابق ، مصطفى عثمان إسماعيل ، ومستشار رئيس الجمهورية السابق، مبارك الفاضل ، بالإضافة للسفير حسن عابين ، والبروفيسور حسن مكي . سأعمل في السودان وأتزوج سودانية ..!! ويلفت نظر عثمان في الفضائية السودانية ، كوثر بيومي، خصوصا في برامج التراث ، وعمر الجزلي في برنامج (أسماء في حياتنا) ، وبخصوص الجزلي ، يقول : (ليت في كل قنة عربية برنامج مماثل ، فهو يعرف المشاهدين بالشخوص الذين كانت لهم بصمات كبيرة في الحياة) ، كما يلفت نظره أحمد بلال الطيب بـ ( تلقائيته وعفويته ولغته البسيطة القريبة من لغة الشارع) . ويضيف : ( التلفزيون السوداني ، من القنوات النادرة التي يمكن للعائلة العربية أن تشاهدها وهي مطمئنة إلى أنه ليس هناك مايخدش الحياء). ويعلق آي فرح لـ(أوراق جديدة) حول (الشخصية السودانية) وخصوصا شخصية المثقف السوداني ، بحسب ملاحظاته، بالقول : إنها شخصية تعوزها ألاّ تتقوقع على الداخل، ولابد- يقول- مثلما يفاخر السوداني بأبيه ، أن يقول هأنذا ، كما يقولها لقمان أحمد (مراسل قناة العربية في واشنطن). ويضيف : (ليس الموضوع متعلقا بعدم الثقة ، وإنما لأن هناك حاجزا من نوع ما بين السوداني والثقافة التسويقية المعاصرة ). وليس لدى عثمان آي فرح أيّ مانع من العمل في قناة تلفزيونية سودانية من الخرطوم أو من الخارج ، شرط أن تعود(الطيور الإعلامية المهاجرة) . فوزي بشرى ، محمدالكبير الكتبي ، الزبير نايل، وأيوب صديق، ويؤكد : ( إذا عاد هؤلاء وعملوا في السودان ، فسأعمل مذيعا في السودان).ويضع عثمان آي فرح شرطا لزواجه من فتاة سودانية قائلا : ( شرطي الوحيد أن تجيد طهي الويكة التي أحبها). دبي .. قناة العربية عثمان الذي ألف الحياة في لندن منذ أن رحل مع أسرته من جدة إلى بريطانيا في 1991م ، لم يجد صعوبة في التأقلم مع طبيعة الحياة في دبي ، وهو يتمتع بعلاقات وطيدة مع عدد كبير من موظفي وموظفات مجموعة MBC. بالإضافة إلى أنه إستساغ تنظيم حياته على نحو مختلف في دبي ، ففي غيرأوقات العمل ، يذهب عثمان عادة للتسوق في المحلات الكبيرة ، وربما يقصد السينما لمشاهدة الأفلام الأمريكية التي يحبها، إضافة للقراءة ، والذهاب إلى مطاعم مطلة على البحر ، ويشعر عثمان بمتعة حقيقية في مبنى المجموعة ، حيث تسنى له ، كما يقول : التعرف على جنسيات كثيرة ، وعقد صداقات وثيقة مع أناس مختلفين ، ومنهم (ون هو) الكوري الذي فاجأه بأنه يجيد اللغة العربية . مجلة أوراق جديدة السودانية نوفمبر 2006م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى