أخبار

جلسة نقاش حول قصة (الظل.. صورة زنكوغرافيا لاستراحة المحارب) لجمال همد

9-Sep-2009

المركز

عُقدت يوم السبت 20/6/ 2009م جلسة نقاش نقدية ضمت الأساتذة نادر السماني وعامر محمد أحمد حسين ومحمد الجيلاني بحضور القاص جمال عثمان هُمّد (وهو السوداني الاريتري)، حول تجربته القصصية والحديث عن قصته (الظل.. صورة زنكوغرافيا لاستراحة المحارب)

التي نُشرت هنا على صفحات (رؤى واتجاهات) الأسبوع الماضي. أدار الجلسة الأستاذ جيلاني الذي قدّم القاص الأستاذ جمال عثمان ليدلي بدلوه حول الفضاء الزماني والمكاني والمؤثرات الثقافية والسياسية والاقتصادية الذي شكلت وعيه ووعي آخرين كثيرين من كُتاب القصة.ابتدر الأستاذ جمال عثمان حديثه حول الخلفية الزمانية التي كتب فيها نصه موضوع النقاش. وقال بأن نصه الذي نُشر في الأحداث كُتب في التسعينات، وكان في بالي تجربة حركات التحرر الإفريقية التي سبقت اريتريا، خاصة تلك الثورات التي كانت تتبنى الكفاح المسلح. كانت هذه النصوص التي منها نصي، محاولة للبحث واستشراف المستقبل، وأغلب ما أشرت له في نصوصي تحقق على الأرض. كنت في تلك الفترة وجزء كبير من القصاصين الاريتريين نستشف الواقع. وككل البلدان في العالم كنا نسعى لتأسيس خطاب إبداعي أدبي يطرح كل الأسئلة ويحاول الإجابة على كثير منها.وقد شهدت العاصمة الأريترية أسمرا في ذلك الوقت من التسعينيات نشاطاً أدبياً كبيراً فيما سمي بـ (يوم السبت الأدبي) في قاعة اتحاد الشبيبة الاريترية ومدرسة الأمل النموذجية التي كانت في السابق مدرسة الجالية العربية التي كان يرأسها الشاعر الكبير المرحوم محمد عثمان كجراي. وكان معنا مبدعون سودانيون كثر ساهموا في الحراك الثقافي.بالنسبة لخلفيتي الثقافية، فأنا درست في دمشق، وقد كانت الحياة الأدبية في ذلك الزمان في بيروت واضحة المعالم الثقافية والأدبية، ويخيل إليك أنك تسبح في بحيرة من الأدب – إذا صح التعبير. إضافة إلى أنني قرأت الأدب العراقي وتأثرت بتلك المناخات، لذلك يمكنني أن أقول بأنني نتاج لثلاثة مناخات.الأستاذ نادر السماني استهل سؤاله للقاص جمال عثمان حول اللغة العربية، وهل هي اللغة الأم بالنسبة له، أم مكتسبة من خلال التعليم. قال إن مسألة اللغة العربية بالنسبة للاريتريين قديمة منذ الاستعمار الإيطالي، حيث سبق للمسلمين في أريتريا أن استُفتوا حول هذا الشأن، وكان خيارهم اللغة العربية. وقد قرر البرلمان المنتخب تحت الإدارة البريطانية، اللغتين العربية والتقرنجة. ثمة تساؤلات عديدة وتقاطعات مهمة في النقاش تطرَّق إليها الأستاذ محمد جيلاني بالحديث، وتساءل ما الذي جعل هذه المعايير التي عممت اللغة العربية (جعلتها شائعة)، بينما حصرت لغة التقرنجة في المحلية؟ هل هو معيار نشوء الدولة وحضارتها وقرب اللغة العربية في التعبير عن الاحتياجات اليومية وانحسار اللغة المحلية من التعبير عن مجال كبير من الاحتياجات؟ ذهب جمال إلى أن اللغة العربية واحدة من دفاعات الشخصية المسلمة في أريتريا. وأن موضوع اللغة العربية في اريتريا ارتبط بالشخصية والهوية، والثورة الاريترية طوال تاريخ نضالها عملت على تثبيت اللغتين العربية والتقرنجة. وهي – أي اللغة العربية – واحدة من المشتركات الحياتية في اريتريا. على مستوى كتاب القصة القصيرة والرواية في اريتريا، ما هي الأسماء والأعمال التي يمكن أن نضعها كحلقات في تاريخ القصة أو الرواية في اريتريا؟ هكذا تساءل نادر السماني… يرى الأستاذ جمال عثمان أنه لم يكن هناك مجال لظهور أسماء في فترة الكفاح المسلح . لكن وبرغم ذلك، يمكننا أن نسمي القاص عمر على الذي كان شاعراً كذلك.. والرواية الوحيدة التي ظهرت هي (قصة صالح) للمناضل محمد سعيد ناوي، وهو واحد من قيادات الثورة الاريترية، وإذا اعتبرنا (زينب) بداية للرواية العربية، فإن (قصة صالح) هي بداية للرواية الاريترية، وقد طبعت في دار الفنون ببيروت وصدرت عام 1978م. لقد ظهرت الأصوات الحقيقية بعد التحرير من أمثال عبد القادر حكيم وعبد الجليل سليمان وخالد محمد طه والغالي صالح وجمال همد. وفي الشعر عبد الحكيم محمود ومحمود الشيخ. وظهرت روايتين لأحمد عمر الشيخ، طبعت خارج اريتريا ولم تجدا حظهما في التناول. أما على صعيد النص المعني بالنقاش وهو (الظل.. صورة زنكوغرافية) قال الجيلاني إن هذا النص يتمتع بوصف دقيق لحد ما، والوصف الدقيق الذي أقصده هو العلاقة بين الأماكن والأشخاص والأفعال. بمعنى أن الشخص يذهب إلى المحل وهو متهيئ نفسياً، بالمقابل يكون المحل متهيئ مكانياً حتى ينتج الفعل، وهي مثل دخول الرجل المقهى. وهذا النوع من الكتاب يفترض فيه أن يكون متمرساً. ويلاحظ أن الأسماء في النص ليست أساسية، خاصة أسماء النساء في كتابات جمال عثمان بصورة عامة. لكن مع ذلك، نجده يهتم بأشخاص الأماكن، ويغفل أسماء الشخوص. ونلاحظ كذلك أن هناك (تناصات) واضحة، بين الطيب صالح وشخصية الزين، وبين واسيني الأعرج ومحمد عديم الظل. وينقسم السرد إلى قسمين استرجاعي وصاعد، بمعنى أن أزمنة السرد عند جمال متداخلة ما بين الاسترجاعي والراهن، والأحوال النفسية دوماً لديه هي (الحيرة). كما يميل إلى المفارقة، ويتحدث بضمير الـ (هو). وهذا الضمير لحد كبير مبرر في نظرية السرد الحديث. ورولان بارت يقول كل الضمائر تنتهي إلى الـ (نحن)، ويقول كذلك كل من يسرد يصمت ليتكلم النسق.وانتهى جيلاني إلى أن نصوص جمال عثمان تحمل صراعاً اجتماعياً واضحاً، يتبدى في التجلي النفسي. ونجد أن النص يستعين بالشعرية كثيراً جداً، وهي لحد كبير محمدة، وكثير من الأطراف تصنع الحكمة بواسطة الشعر. هناك مستوى من التقريرية، ولا يمكن – بأية حال – وصف هذا السرد بأنه واقعاً، كما نلاحظ دقة التعابير اللغوية والأوصاف.قال الناقد عامر محمد أحمد حسين انه يود أن يسجل بأنه عرف جمال الكاتب قبل الإنسان، وكان ذلك في منتصف العام 2000م، وقد وجدت نص (الظل) واطلعت عليه، وكنا – أنا وأحمد عوض – متعاونين مع صحيفة (الأيام). وبعد أن قرأت النص قلت لأحمد عوض سأكتب دراسة حول هذا النص. وقد حاولت قراءة النص على نحو محيط وشارح للحالة الاريترية. هناك اهتمام بالجزئيات الصغيرة في نص جمال، تجده يهتم كثيراً بالأزقة. ونصوص جمال تؤرخ لفترة محددة، وأعتقد أنه لو كتب رواية لجاءت مختلفة عن سابقاتها. أما الأستاذ نادر السماني فقال بأن هنالك أشياء استفزته، وهي ما أشار إليه جيلاني – في ما يتعلق باللغة – وحاول تسميتها بـ (اللغة غير المدرسية) ويمكن أن نسميها – ببساطة – اللغة الموحية أو الكنائية، بمعنى أن المفردات دوماً تنفتح على مداليل أعمق، وهو ما يمكن أن نطلق عليه الشاعرية. ولو أخذنا مثالاً بسيطاً، فبدلاً من أن يقول (يجلس الرجال المترفين) كان تعبيره (كروش كبيرة)، وهي دلالة على ما تحمله (هذه الكروش من سحت وأكل لأموال الفقراء). من الملاحظات التي تحتاج للتعمق والنظر هي التداخل الزمني، والزمن في النص أو اللحظة التي ينطلق فيها السرد، هي لحظة متداخلة جداً، وسريعة الانتقال لأزمان مستدعاة من الذاكرة. وتدليلاً على ذلك يقتبس من النص (في الزمن الباهت وضع رجله في رأس البرزخ المدبب الفاصل بين عالمين رغم وحدتيهما في تضداد مبهم عند اغترابه من وضوح الرؤية والرؤى وبيده المرتجفة الممتدة يقبض الراهن…) تحس أن الزمن ليس دائماً هو لحظة وقتية في مكان معين، بل إن التداعي من خلال الذاكرة ينقلك إلى أزمان وإلى أماكن مختلفة تفاجئك حتى لا تستطيع أن تحدد لحظة السرد المقبوض عليها أم اللحظة التي يتم استدعاؤها. وفي هذه التقنية ما يمكن أن يسمى البحث عن لذة النص.على أن الأستاذ نادر ذهب إلى القول بأن الشخصيات عند جمال عثمان لا يتم الاهتمام بتسميتها وتغيب الشخصيات النسائية عن النصوص. لكن ما يهمنا أن هذه الشخصيات دوماً يتم تناولها في لحظة الأزمة، لحظة عدم القدرة على الاستمرار في الحياة، وهذه اللحظة قصصياً لحظة مميزة، بمعنى أن يصطاد القاص شخصية في لحظة هزيمة الواقع لها، ومحاولة تشبثها وتمسكها بما كانت تعتقد أنه واقع أو حلم، فيتيح ذلك مساحة واسعة لتكثيف اللحظة واللغة. وهو ما نلمسه في قراءتنا لنصوص جمال عثمان ونص (الظل) على وجه الخصوص.صحيفة الأحداث السودانية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى