أخبار

خلف المنشدي في حوار مع ( موقع ناود للكتاب ) ـ الجزء الثاني والأخير

30-Oct-2009

المركز

حاوره : محي الدين علي
سبي كان يقضي رمضان في الخليج ويشحذ على أبواب المساجد من اجل العون لشعبه وقضيته وقد كتب ذلك في مذكراته الشخصية؟

كان بودي الإطلاع على تلك المذكرات الشخصية وأتساءل هنا لماذا لم يتم نشرها للناس فهي تؤرخ لفترة في غاية الأهمية من تاريخ كفاح الشعب الارتري، وعندما كان الفقيد سبي يشحذ أموال الزكاة في جوامع الكويت فقد كان الوطني الذي لا تهمه الوسيلة مادامت أسبابه واضحة لقد كان ذلك من أنواع أو من أسباب الكفاح من اجل ارتريا، وعندما حصلت أنا على مساعدة مالية في عدن واتصلت فيه لكي ابلغه بها ضحك كثيرا ورد علي بالقول بأنه قد ولد في الجبهة شحاذ ثان. س: في زيارتك الأولى كان جسم الجبهة موحدا أي لم يكن هناك انقسام أما في زيارتك الثانية فقد أصبح هناك تنظيم جديد هو الشعبية هل كنت تلاحظ أن هناك فروقا بين القوتين وما هي قراءاتك لمستقبل تلك القوى في ذلك الحين؟ شاء سوء الطالع في زيارتي الأولى أن أجد الجبهة على وشك الانقسام والتمزق إذ وصلت بعد انفضاض مؤتمر ادوبحا الذي تسبب بانقسام الجبهة وتسبب أيضا بالحرب الأهلية فيما بعد لان الذين اتخذوا تلك القرارات في ذلك المؤتمر كانت تنقصهم الرؤية السياسية للأمور ولم يفكروا بسوء العاقبة، حيث اعتقد البعض منهم أن القضاء على عثمان سبي كان من الأمور الهينة والاستيلاء على مكاتب الجبهة في الخارج كان من الأمور اليسيرة لكن السياسي الارتري المحنك عثمان صالح واجههم على الفور بإقامة قوات التحرير الشعبية أي بإقامة جبهة جديدة أجهضت مع الوقت جميع قرارات ادوبحا وأدت إلى قيام قوات التحرير الشعبية سابقا والجبهة الشعبية( لاحقا ) التي قادت النضال الارتري نحو الاستقلال، ولذلك أريد التأكيد بان زيارتي الأولى لإرتريا تعرفت فيها على جبهة التحرير الارترية وهي على وشك التعرض للتمزق نتيجة قرارات مؤتمر ادوبحا والاعتقالات التي تمت لبعض القادة أثناء المؤتمر نفسه والتي كانت تقف خلفها أسباب قبلية دون شك في المقام الأول ، وعندما زرت ارتريا للمرة الثانية فقد وجدت نفسي بين أهلي وأحبائي وأصدقائي الذين اعرفهم وشعرت بالسعادة بان المشروع النضالي الذي شاركت فيه منذ البداية ينمو ويكبر ويسيطر على مساحات شاسعة من أراضي دولة ارتريا وفي تلك السفرة الثانية التقيت بأصدقاء لم أكن أتحفظ عندما أتحدث معهم: أسياس افورقي _ رمضان محمد نور – مسفن حقوس – معشو امباي – شريفو الخ، وقد توقعت في كتابي: “ارتريا من الاحتلال إلى الثورة” الذي طبعته ونشرته دار ابن خلدون في بيروت انتصار الجبهة الشعبية في آخر الأمر . • الانقسام في صفوف الثورة الارترية وانعكاس هذا الأمر على مواقف خلف المنشدي؟ • أدت الانقسامات في صفوف الثورة الارترية إلى إصابة جميع أصدقاء الثورة بالقنوط وقد أصابني من تلك الانقسامات الكثير بالخصوص وأنا ضمن تلك الانقسامات كان لي موقف إلى جانب الجبهة الشعبية وهذا الأمر يتعارض تماما مع وضع صديق عزيز هو الفقيد عثمان سبي الذي أصبح لديه تيار آخر وقد تسببت هذه الإشكالية في أن يطلب مني الصديق عثمان بصورة غير مباشرة أن اترك العمل في الجبهة وقد كنت وقتها في مكتب عدن وفي الحقيقة لم يطلب مني عثمان ذلك مطلقا بل أرسل الأخ إبراهيم منتاي لاستلام مكتب عدن وفهمت حينها بأنه لا يوافقني على مواقفي ويريدني أن أكون مساندا للطرف الذي يمثله هو مما اضطرني إلى الابتعاد ،وكان ذلك لأسباب كثيرة منها دعم سبي لسلطان الاوسا علي مرح وتحويل معدات كانت الجبهة بحاجة إليها إلى السلطان علي مرح في دنكاليا حيث رفضت بإصرار أن أنفذ هذا الأمر ما اعتبر القشة التي قصمت ظهر البعير لكن الفقيد سبي لم يترك الأمر يمر هكذا لأنه رجل يمتاز بالوفاء إذ زارني في الفندق في بيروت بعد عودتي من عدن دون أن اتصل به وتعانقنا وطلب مني العودة مجددا للعمل في الجبهة وكان يريدني أن اعمل في جبهته بعد أن تحولت الثورة الارترية إلى عدة جبهات فاعتذرت له بأدب وواصل فيما بعد الاتصال بي هاتفيا بعد مغادرة بيروت وبعد أن يأس من إقناعي ظل يتصل بي بين فترة وأخرى ليخبرني بما يجري في الداخل ويرسل لي بالبريد نشرات الثورة وبياناتها وكنت وقتها أقيم في باريس. وهل الخلاف حول دعم السلطان علي مرح كان كافيا لحدوث الفراق بينك وبين الثورة الإرترية ، خاصة إذا علمنا إن السلطان كان يناضل بطريقته الخاصة وهو في كل الأحوال عونا للنضال الإرتري ؟ أولا ليس لي عداء مع السلطان علي مرح لأني لا اعرفه ولم التقه أبدا وكان موقفي هو أن على الفقيد سبي أن يستشير قيادة قوات التحرير الشعبية في الداخل قبل اتخاذ هذا القرار الخطير لان تسليح القبائل قد يجر المصائب على الجبهة في الداخل، وموقفي بسيط جدا يتمثل بان تعطيني القيادة العسكرية في الداخل الضوء الأخضر، لكني في آخر الأمر بقيت وحدي في هذه المواجهة فقد صمتت قيادة قوات التحرير الشعبية عن ما جرى ربما لاسباب تتعلق بضعف امكانياتها آنذاك وابتعادا عن الاصطدام بالفقيد سبي حيث أصابني هذا الموقف بالصميم لان خلافي مع الفقيد كان فقط دفاعا عن حق قيادة قوات التحرير الشعبية في تقرير أمر تسليح سلطان الاوسا علي مرح وقد شحن الفقيد عثمان المعدات للسلطان في آخر الأمر، وأريد التأكيد باني لم اتخذ موقفا من الفقيد عثمان سبي ولا من تنظيمه فقد آثرت الابتعاد رغم إلحاح الفقيد سبي على عودتي فيما بعد لان المشكلة بالنسبة له قد انتهت وان مخازن المعدات في عدن قد تم افراغها وشحنت للسلطان علي مرح وان عوامل الالتقاء فيما بيننا كثيرة جدا وعوامل الخلاف قليلة ولذلك فانه كان يصر رحمه الله على مواصلتي العمل في صفوف الجبهة. • لسنوات طويلة لم نسمع بالدكتور خلف المنشدي هل هو موقف من النضال الارتري أو لظروف خاصة ؟ • كما أشرت في الجواب السابق بان ابتعادي عن العمل المباشر في صفوف الثورة الارترية مرده إلى الخلافات التي نشبت وقد تفرغت منذ أيام الثورة الأولى للعمل في صفوفها بناء على طلب من أمين عام الجبهة عثمان صالح سبي وأنا هنا لست موظفا ولا أتقاضى راتبا على عملي وبالتالي اعتبرت هذه القضية قضيتي الشخصية ودافعت عنها في كل مكان وطرقت جميع الأبواب المغلقة بوجهها وقضيت أكثر من سنة في جنوب اليمن أتحاور مع المسئولين والجبهات وأقابل هذا وذاك حتى اجتمعت بالشهيد سالمين رئيس جمهورية جنوب اليمن، وعرفت انه اقتنع بحقيقة ما يجري في ارتريا عندما اتصل بي هاتفيا بعد 3 أيام من ذلك اللقاء وكان اتصاله في الساعة الثالثة فجرا ليبلغني بالموافقة على ما طلبت منه واتصال الرئيس سالمين في تلك الساعة المبكرة مرده إلى انه كان يعمل طوال الليل وينام في النهار. ولا يعني هذا الابتعاد باني تركت القضية الارترية فقد كنت أتابع أخبارها وفي يوم الاستقلال ذهبت إلى البريد في إحدى المدن الاسبانية وأرسلت برقية تهنئة إلى الأخ سياس افورقي، وقد اتصل بي نائب رئيس الحكومة الارترية هاتفيا منذ سنوات قريبة الصديق علي سيد قبل وفاته ليبلغني عن انزعاج الجميع بسبب ابتعادي وطلب مني الحضور إلى ارتريا وقال لي ما نصه: إذا كانت هذه المكالمة الهاتفية لا تكفي فانا مستعد لأرسل لك دعوة رسمية فأبلغته باني لا احتاج دعوة رسمية لزيارة وطني الثاني . • هل انسجمت مواقفك مع مواقف اليسار العربي من الثورة الارترية في سنوات حكم ” الدرق ” ، خاصة وأن تلك القوى ” التقدمية ” كانت ترى في نظام ” منقستو ” ديمقراطيا ويجب التصالح معه وحل المشكلة الأرترية في اطار أثيوبيا الموحدة مع ارتريا ؟ • كانت مواقف اليسار العربي القومي على العموم مؤيدة لنضال الشعب الارتري لكن كتبة التقارير والمخبرين الفاسدين في البلدان العربية هي التي تسببت بالمآسي للثورة الارترية إذ كنا نعمل في كثير من الأحيان كرجال الإطفاء للقضاء على النيران التي يشعلها المشككون هنا وهناك وهنا يكمن سبب اصطحابي لوفد كبير يمثل حركات عربية وحكومات وصحافة في محاولة لإطفاء النيران التي يشعلها هؤلاء فقد كنت اعمل ليل نهار في عدن مثلا لإقناع السلطة ورجالها بحقيقة قوة قوات التحرير الشعبية وأهدافها ثم يأتي من يقدم تقريرا لهم بان قوات التحرير الشعبية غير موجودة في الداخل وأنها مجرد مكاتب خارجية ورغم أن الوفد تعرف على الحقائق دون رتوش فان بعض أعضائه كان من السوء بحيث قدم تحليلات جاهلة وغبية. لكن يمكن القول أن اليسار العربي القومي كان مساندا لنضال الشعب الارتري وكانت المنظمات الفلسطينية التي أقام معها عثمان صالح سبي أقوى الصلات يساعده في ذلك محمد علي عمرو (افعروره ) داعم دائم لنضال الشعب الارتري وقد تعدت علاقات الطرفين مسألة الدعم السياسي لتصل إلى بعض الأعمال المشتركة التي لامجال للحديث عنها اليوم ولا غرابة هنا من أن الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا أدانت موقف الاتحاد السوفيتي لأنه اختار الدولة الأكبر ( إثيوبيا ) دون أن ينتصر لحق الشعب الارتري في الاستقلال أي انه وقف إلى جانب مصالحه الجيوسياسية ومصالحه الاقتصادية وقد اثبت الزمن عمق الخطأ الذي وقع به الاتحاد السوفيتي وجميع السائرين في فلكه واتذكر هنا حادثة مرت بي شخصيا حيث كان عناصر الجبهة المتجمعين في احد معسكرات عدن بحاجة ماسة للطعام فابلغني احد الأخوة الارتريين بان له علاقة طيبة بالمسئولين في سفارة الاتحاد السوفيتي في عدن وطالبني بضرورة طلب معونة منهم لإنقاذ وضع المقاتلين في معكسر عدن وكالغريق الذي يبحث عن قشة يتعلق فيها ذهبت للسفارة وقابلت ذلك المسئول فرحب وطلب مني قائمة بالاحتياجات والتي ذكرتها له في الاجتماع، وما اثار دهشتي انه وقبل انتهاء اللقاء سألني ان كنت أريد أنا شخصيا شيئا منهم وأدركت عندها ان هؤلاء يريدون عملاء ولا يبحثون عن مساعدة الشعب الارتري وتذكرت عندها قائد القيادة العامة محمد احمد عبده عندما مانعت في إقامة معرض للصور طبقا لما يريدوه أخذني جانبا ليقول لي بان تكاليف هذه الصور على استعداد لان يدفعها لي بنفسه إذا وافقت على أن يكون المعرض كما يريدون وقدرهاب10 آلاف دولار وكان ذلك الأمر مجرد رشوة مفضوحة، ولا أتذكر اليوم الكلمات التي قلتها لقائد القيادة العامة لكنها كانت قوية بما يكفي لأني اشعر بالغضب والحنق حتى اليوم من تلك المحاولة. لقد التقطت في السفرة الأولى أجمل الصور لحياة الناس في ارتريا ونقلت للخارج صور حقيقية عن حجم جيش التحرير الارتري وحجم المعاناة الارترية ولذلك بعد عودتي ولدت فكرة إقامة معارض لتلك الصور في بعض البلدان العربية فأقمت المعرض الأول في دمشق حيث افتتحه وزير الثقافة وزاره عدد كبير من الناس وبعدها أقمت المعرض الثاني في طرابلس وافتتحه وزير الخارجية الليبي منصور الكخيا ، وأكثر ما أثارني في معرض ليبيا أسئلة السيد منصور الكخيا حول نوع الكاميرا التي استخدمتها في التقاط الصور ونوع الأفلام المستعملة واسم المؤسسة التي قامت بتحميض الصور لأنها كانت صور جميلة بالفعل لكن تلك الأسئلة تبدو وكان السيد الكخيا لم يكن مهتما بمضمونها ، وكانت المفاجئة الكبرى سؤاله الأخير لي وهو يهم بالانصراف أن كنت قد التقطت تلك الصور داخل الأراضي السودانية مما يعني انه يشكك بوجود الثورة الارترية نتيجة كتاب التقارير الذين ابتلى بهم الوطن العربي منذ زمن طويل والى اليوم فأجبته بأنها التقطت في عمق الأراضي الارترية وعلى الأقل على بعد 500 كلم من أية حدود سودانية ، لقد استمع الصديق عمر البرج ممثل الجبهة في ليبيا لتعليقات الوزير وبدا الضيق على وجهه وقد كان من المفترض أن ينتقل المعرض إلى بلدان عربية أخرى لكن نتائج مقررات مؤتمر ادوبحا وانتشار أعضاء القيادة العسكرية الجدد الذين قاموا بالانقلاب الداخلي في معظم العواصم العربية قد ألغى المشروع نهائيا لأنهم أرادوا أن يعكس المعرض وجهة نظرهم ويكرس للدعاية لهم بينما كان المعرض بأسره دعاية حقيقية للثورة الارترية وللشعب الارتري . • الدور العراقي على صعيد الحزب والدولة تجاه ارتريا ؟ • لقد ساعد العراق أيام الرئيس الراحل عبد الكريم قاسم ارتريا ومد يد العون لها وقد ابتكر الرئيس الفقيد قاسم نظرية أعجبت الفقيد عثمان صالح سبي عندما استقبله في مكتبه بوزارة الدفاع وفتح له خزانته ليطلع على ملابسه الملطخة بالدماء نتيجة عملية الاغتيال التي تعرض لها في منطقة رأس القرية واخبره أثناء النقاش بان الشعب الارتري أصله من العراقيين هاجروا في قديم الزمان وتزاوجوا فأنجبوا هذا الشعب وقد تلقفها عثمان صالح ووافق على هذه النظرية العجيبة، فما دام أهل ارتريا من العراق فان على الرئيس قاسم ان يساعد أبناء شعبه في ارتريا وقد كانت تلك المساعدات القليلة سواء أيام الزعيم قاسم أو الأخوين عبد السلام عارف وعبد الرحمن عارف مستمرة وقد كنت شاهدا على بعضها أما فيما بعد أي أيام نظام الرئيس صدام حسين فليست لدي معلومات كافية عن هذا الأمر بالخصوص وان النظام تبنى قيام حزب بعث ارتري على يد عضو القيادة العامة عثمان عجيب لكن ما اعرفه جيدا وجود تضامن وتعاطف شعبي عراقي كبير مع القضية الارترية، ومن مفارقات الزيارة الأولى أن وزير الدفاع آنذاك ( أيام الزعيم قاسم )استقبل الوفد الارتري صباح اليوم التالي بعد لقائه بالزعيم قاسم للبحث في نوعية المساعدات العسكرية المطلوبة فالقى الوزير على الوفد محاضرة طويلة عن أكلة ( الباجا ) العراقية لان الوزير تجشأ في بداية اللقاء واعتذر عن ذلك بسبب كونه قد تناول الباجا ذلك الصباح والتفت نحو عثمان صالح ليسأله ان كان يعرف هذه الأكلة وعندما نفى سبي معرفته بتلك الاكلة العراقية المشهورة طفق الوزير يشرح له تفاصيل عنها ، وقال لي سبي بان المسؤوليين العراقيين انذاك وافقوا على تقديم المساعدات العسكرية لكنهم فكروا بطريقة غريبة لتسليمها للجبهة اذ قرروا انزالها جوا بواسطة المظلات فوق الأراضي الارترية ، لكنهم صرفوا النظر عنه بعد أن أقنعهم سبي بان طريق البحر أفضل واسلم حيث كانت المساعدات ترسل لمخازن القوة البحرية في البصرة . • فكرة رمي الأسلحة من الجو من أجل مساعدة الثورة الإرترية طرحت أيضا في سوريا في مطلع الستينيات هل كانت جدية أم أنها تعبر عن عدم تقدير صحيح للإستراتيجية العسكرية؟ إن الذين اتخذوا القرارات في هذه الأمور هم رجال العسكر في العراق وفي سوريا ورجال العسكر يعمدون دائما إلى استخدام الوسائل العسكرية في تنفيذ الأمور بينما كان من المفروض أن يقرر الساسة المدنيون في تلك الأمور لان عمليات إنزال المعدات جوا كانت تحمل مخاطر كبيرة بالخصوص وان وسائل الاتصال لدى جيش التحرير آنذاك كانت وسائل بدائية جدا فقد كنا في الجبهة لا نملك حتى جهاز اتصال لاسلكي واحد وكانت اتصالاتنا بالداخل تتم عن طريق الرسائل التي ينقلها الأشخاص والتي يتأخر الرد عليها بضعة أسابيع كما أن قيام طائرات بالوصول إلى سماء ارتريا وإلقاء المساعدات قد يعرض كل من سوريا والعراق لمشاكل دولية بينما هناك الكثير من الوسائل الأخرى غير المكشوفة لم يفكروا بها مطلقا فعلى سبيل المثال كانت تصل المساعدات مطار عدن الدولي بالطائرات واذهب أنا مع شاحنات من الجيش لاستلامها ويتم إيداعها في مخازن الدولة وبعدها تقوم سفن الجبهة بنقلها على دفعات إلى داخل الوطن الارتري، وفي العراق أيضا تغير الأمر فيما بعد حيث أصبحت الحكومة ترسل المعدات إلى مخازن القاعدة البحرية في البصرة جنوب العراق وتقوم الجبهة بنقلها عن طريق البحر نحو ارتريا. هل ربطتك علاقات خاصة أو صداقة مع الزعيم عثمان سبي ؟ • لقد ربطتني صداقة مميزة مع عثمان صالح سبي كنا نلتقي كل يوم عندما نكون في نفس المدينة وكنا نتحدث بكل شيء من السياسة الى الشعر والأدب فهو رجل مثقف ومعجب جدا بالشعر العربي لكنه لا يحفظ الا القليل منه وعندما يفرغ من كتابة المذكرات الرسمية والتي يطبعها على آلته الكاتبة الصغيرة بنفسه والتي لا تفارقه يتجه لقراءة كتاب، وكان يتوق لخلاص ارتريا كي يرتاح ومرة كنا معا وكان منهمكا في كتابة إحدى المذكرات التفت الى مرافقه الأمين (طلول) وكان يغط في نوم عميق على كرسي قريب فضحك ضحكة مجلجلة وقال لي بأنه سيتفرغ في يوم من الأيام لكتابة كتاب عن فوائد الأمية ولا يقصد عثمان هنا غير كون حارسه طلول مرتاح البال لا تؤرقه الاجتماعات ولا المذكرات وهو رغم بحثه الدائب عن السلاح فانه كان رجلا مسالما لا يحب السلاح ولا يعرف استعماله ففي يوم من الأيام طلب مني ان أرافقه إلى بيروت لأنه تلقى رسالة من شخص هناك فيها تفاصيل عن مؤامرة لاختطافه او اغتياله تشرف عليها السفارة الأثيوبية فذهبنا سوية الى هناك وقابلنا الشخص في منزله وكشف أمام عثمان تفاصيل المؤامرة وفي اليوم التالي قمنا بزيارة هذا الشخص في مكتبه بحزب النجادة اللبناني فبدأ يعرض على عثمان بيعه بعض المسدسات فابتعدت انا قليلا وجلست في منطقة مقابلة لهم حتى يستطيع عثمان التحدث بحرية مع الرجل وفجأة رأيت عثمان يقلب مسدسا بين يديه قدمه له الشخص اللبناني كعينة واذا برصاصة تدوي في المكتب مرت على بضعة سنتمترات من رأسي واستقرت في الجدار فالفقيد عثمان اول ما فعل ليختبر السلاح ضغط على الزناد وكان المسدس محشوا ذهبت اليه وهمست في اذنه: من يصدقك غدا وأنت قائد جبهة مسلحة بأنك لا تعرف كيف يعمل المسدس، ضحك عثمان فأزلت عنه الحرج الشديد الذي كان يشعر به. لقد كان عثمان سبي اتفقنا معه سياسيا ام لم نتفق الرجل الذي عرف العالم بوجود القضية الارترية وحق الشعب الارتري بتقرير مصيره وكان ابن تلك المرحلة فهو رجل سياسة حيث كان الميدان بيد المقاتلين وبالتالي كانت صراعات الداخل والخارج لا تتوقف للانفصام الكبير الذي قام بين الداخل والخارج والذي عرفت الجبهة الشعبية كيف تتجاوزه عندما اعتبرت الداخل هو الأساس وكان انقطاع عثمان عن الداخل هو السبب الذي أدى إلى تلك الانشقاقات كما أن اختلاف الرؤى بين الجهتين الأساسيتين عمق من سوء الفهم والتفاهم فعندما كان جيش التحرير صغيرا ويقوده عساكر كانوا أصلا مراتب في الجيش السوداني كانت الأمور أيسر على سكرتير المجلس الأعلى أولا ثم الأمين العام لجبهة التحرير الارترية عثمان صالح سبي ثانيا. حقيقة لدي أجمل الذكريات عن هذا الزعيم الارتري الكبير نظرا لتلك العلاقة الشخصية التي قامت بيننا والتي استمرت سنوات طويلة وقد التقيته آخر مرة في ابو ظبي حيث سمع بوجودي هناك وكعادته اتصل بي هاتفيا وطلب مني على الأقل ان نلتقي كل يوم على العشاء وفعلا كنا نلتقي كل ليلة حتى غادر الإمارة حيث كانت علاقته طيبة مع الشيخ زايد بن سلطان وكان كما يبدو يزور الإمارات بين فترة وأخرى طلبا للعون ودائما ما كان يسخر من بعض الأمور بطريقته الخاصة، ففي ليلة من تلك الليالي قال لي انا هنا منذ شهر وضيافتي في فندق الشيراتون على حساب الشيخ زايد ترى كم سوف تتكلف هذه الضيافة ورد بنفسه على التساؤل بالقول انها ربما قد تصل إلى 200 ألف دولار ألا تعتقد بان علي أن أقول للشيخ زايد ادفع هذا المبلغ للثورة الارترية وأنا سوف اسكن في منزل صديقي خلف في عدن عندما كان يزور جنوب اليمن كان يسكن في غرفة أثثتها له في سطح ( المنزل – المكتب ) وقد اختارها ليكون حرا فيها وكنا لا نفترق في عدن وكان سر تلك الغرفة لا يعلمه اي إنسان خوفا على حياة الرجل ،وكان معجبا بمبادراتي التي قمت بها طوال فترة العمل بالجبهة ومنها إطلاق سراح احد اسري الثورة من السجون الاسبانية إذ ان الفقيد عثمان وهذه أسرار تكشف لأول مرة قد أصابته عدوى المنظمات الفلسطينية فأسس منظمة العقاب التي مارست عمليات خطف الطائرات الأثيوبية وتفجير مكاتبها في الخارج إلا ان واحدة من تلك العمليات انتهت بمأساة إذ قتل حراس الطائرة الأثيوبية الفريق الارتري المكلف بخطفها ونجا واحد منهم تم تسليمه للسلطات الاسبانية التي حاكمته وأودعته السجن مع أعضاء منظمة ايتا الباسكية فقررت ان ابدأ حملة للمطالبة بإطلاق سراحه فقدمت المذكرات للحكومة الاسبانية وطبعت الملصقات التي تطالب بإطلاق سراح الأسير وكان ذلك أيام حكم الجنرال فرانكو لاسبانيا وقد أثمرت الحملة بعد عدة اشهر وأطلقت اسبانيا سراح الأسير الذي جاء يشكرني على ما قمت به وابلغني بأنه سوف يذهب لإرتريا من اجل أمرين : مواصلة الكفاح وكذلك رؤية أمه التي فارقها منذ زمن طويل ، إذ لا زالت تلك الكلمات إلى اليوم عالقة في ذهني لاني لم أكن اعلم بان مسعاي سيؤدي إلى مقتل ذلك الشاب المناضل إذ ما أن وصل ارتريا حتى قتل على يد أبطال الحرب الأهلية ، لقد اعتنى سجناء أجانب بالسجين الارتري عندما حل عليهم كضيف غريب وقتلته أيادي تدعي إنها ارترية ، وعندما حصلت على أول مساعدة للعمل الارتري وأبلغت عثمان بها جاء رده على الفور : الحمد لله فقد أصبح للثورة شحاذ ثاني على اعتبار انه هو الشحاذ الأول رحمة الله عليه . • ماذا عن (( حزب الشعب الثوري )) الذي تكون في إطار قوات التحرير الشعبية وربما صادف وجودك انعقاد مؤتمره التأسيسي في 1970، وبما انك كنت قريبا من أفراد تلك القيادة في ذلك الحين يفترض أن تكون على علم بذلك الحدث الهام ؟ إن أسعفتني الذاكرة فان اسم هذا الحزب في البداية كان حزب العمل وقد ولدت الفكرة في منزلي في عدن وشارك بها عدد من قادة الجبهة أتذكر منهم على وجه الخصوص الصديق الأمين محمد سعيد وربما محمد علي عمرو قائد المنطقة الرابعة سابقا وأيضا مسفن حقوس وربما الأخ شريفو لكني لست على ثقة تامة من حضور جميع هذه الشخصيات تلك الاجتماعات غير إني استطيع أن أؤكد بان الصديق الأمين محمد سعيد كان حاضرا دون شك ، وكلفني الأخوة بكتابة النظام الداخلي لهذا الحزب واتفقنا أن يبقى هذا الأمر طي الكتمان وسرا من أسرار الثورة . أذن بما أنك كنت مكلفا من أجل وضع البرنامج النظري لذلك الحزب ونظامه الداخلي ، هل توجهه كان ماركسيا ً ؟ لم يكن ذو توجه ماركسي وإنما كان حزبا وطنيا لقيادة مرحلة ما بعد الاستقلال وأتذكر أني التقيت بالصديق الأمين محمد سعيد بعد سنوات من ذلك التاريخ وسألته عما جرى بشأن الحزب فابلغني بأنه قائم وسألته إن كانت قد جرت عملية كتابة نظام داخلي جديد له فرد علي بأنه لا يزال يعمل بالنظام الذي كتبته أنا في عدن، ويبدو أن الأخوة في الداخل غيروا اسم الحزب من حزب العمل إلى حزب الشعب. . • هل هناك محاولة لتدوين تجربة ثمان سنوات مع الثورة بشكل مفصل؟ نعم لقد أنجزت مسودة كتاب جديد بعنوان (الأيام الارترية) وهو في طور التصحيح والمراجعة وللأسف وحتى اليوم لا يمكن نشر الكثير من الأسرار التي لدي ولذلك سوف احتفظ بها لنفسي للأبد لكوني قد عاهدت جميع أولئك الأشخاص على الحفاظ على ما اطلعت عليه طي الكتمان ولذلك فان الأيام الارترية هو محاولة تدوين ما أتذكره عن تلك التجربة رغم إني فقدت مئات الوثائق وآلاف الصور التي احتفظت بها للمقاتلين الذين ذهبوا لميدان القتال إذ قررنا أن نصدر هويات لهم ولذلك فان جميع الذين غادروا عدن نحو ارتريا قمت بتصوريهم من اجل إصدار هويات لهم فيما بعد لكن جميع هذه الوثائق المهمة فقدت وضاعت. • ما هو شعورك وأنت ترى رفاقك الذين كانوا ينتعلون الشدة وهم اليوم يقودون بلدهم نحو التحرر الاقتصادي بعد أن تم تحرير بلدهم من الاحتلال؟ أنا اشعر بالفخر لما حققه رفاقي، اشعر بالفخر لأني شاركت على قدر إمكانياتي المتواضعة في عمل كبير ومهم من هذا النوع، واشعر بالفخر لان ارتريا حرة مستقلة، واشعر بالفخر بان جهودنا جميعا لم تضع هباء فقد انتصر الشعب الارتري وتحررت إرادته الوطنية من سيطرة الاستعمار الأجنبي وحقق أهل ارتريا أمنياتهم بالتحرر والاستقلال . ماذا عن موقع ناود للكتاب من خلال متابعتك له ؟ هو عمل يشكل مفخرة للقائمين على هذا المشروع الارتري الوطني ، وبما أن الموقع يحمل اسم ناود فبودي أن أرسل ولا يسعني هنا وان أجيب على آخر سؤال في هذا اللقاء إلا أن أقدم شكري لموقع ناود للكتاب الذي قام بهذه المبادرة بالخصوص وان هذا الموقع لا هم له غير تدوين تاريخ ارتريا وتاريخ شعبها وكفاحه من اجل التحرر والتقدم والحرية تحياتي للمناضل محمد سعيد ناود متمنيا له الصحة وطول العمر .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى