أخبار

متى يحتوي “منتدى صنعاء” اريتريا؟ : محمد صالح عبد الله*

11-Nov-2010

المركز

ستشهد الفترة المقبلة، اجتماعات مهمة لدول “منتدى صنعاء” للسلام والتنمية بهدف إقرار النسخة النهائية من وثيقة تأسيسه، وستشارك كل الدول الأعضاء في المنتدى في ذلك المؤتمر الكبير المرتقب،

كما ستشكل عملية المصادقة على الميثاق النهائي للتجمع نقلة نوعية مهمة في تاريخه تثبت ما ذهبنا إليه في مدى التطور الحاصل في آلياته والرغبة والإرادة السياسية التي تدعمه.لكن، وبينما تستعد سفينة المنتدى الانطلاق إلى مرحلة جديدة وفضاءات تعاون أوسع، فان سؤالا وجيها يفرض نفسه وهو إلى متى ستظل اريتريا تتهم وتشكك في نوايا هذا التجمع وتصفه بالحلف المعادي رغم ما بات يربطها الآن من علاقات لا بأس بها مع معظم دوله؟فكثيرون هم الذين يرجحون صواب فكرة انضمام اريتريا إلى منتدى صنعاء للتنمية والسلام رغم ملابسات تأسيسه والتي كانت محل شكل وسخط اسمرة وأيضا برغم كل ما قاتله اسمرة في حقه. وقد يكون مرد موقفهم هذا مرده إلى عدة عوامل منها:منها الفهم العميق لطبيعية هذا التجمع والذي وان أراد مؤسسيه معالجة ملفات أمنية في المنطقة الا انه تطور بشكل ملفت ليشمل ملفات أخرى جعلته يسترق اهتمام من حوله كظاهرة إقليمية ولدت في محيط متقلب وغير مستقر يعاني من أزمات مستمرة، بيد أن قدرته وإرادته على الاستمرار وفي ذات الوقت وعي القائمين عليه بالاستحقاقات التي ينبغي موجهتها والتي تشكل تحدي لشعوب المنطقة وكلها مسائل متداخلة ومعقدة وحساسة من قبيل التهديدات الأمنية وانعكاساتها على استقرار المنطقة ومكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود والتي تتمثل في التجارة غير المشروعة وتهريب البشر والهجرات الخطرة وغير ذلك من التهديدات المباشرة.هذا علاوة، على تعدي اهتمامات منتدى صنعاء إلى مجالات أخرى حيوية ومهمة، وربما احرز قدر من النجاح في معالجتها وقد تنسحب بصورة ايجابية على الملف الأمني، وهذه القضايا هي من قبيل تعزيز التنمية الاقتصادية وتقوية الشراكة في مجالات الاستثمار في البينية التحتية وتفعيل التجارية بين دول التجمع وجعل مناطق التماس بينها نقاط التقاء وتكامل وتعميرها بالحركة التجارية النشطة والمشروعة والاهتمام بها حتى لا تكون نقاط ضعف تستغلها العناصر المخربة التي تتربص بأمن المنطقة هنا وهناك والتي ظلت مستفيدة من حالة عدم الاستقرار والتوترات التي تعيش فيها دول الإقليم.ومن العوامل أيضا والتي تدعم موقف الداعين إلى انضمام اسمرة إلى المنتدى، هو الدعم السياسي والمعنوي الذي أصبحت دول المنتدى تقدمه لبعضها البعض في المحافل الإقليمية والدولية، وقد اتضح ذلك جليا في مساندة السودان في إفرازات أزمة إقليم دارفور وموقف الجنائية الدولية من الرئيس السوداني وكذلك الحرب اليمنية على التمرد الحوثي وعلى القاعدة، فضلا عن دعم الرئيس الصومالي، فانضمام اريتريا إلى التجمع، سيكون خطوة مهمة للاستفادة من التعاون الاقتصادي والتجاري والسياسي كما سيساعدها ذلك في اكتساب مهارة مد جسور الثقة بين دول المنطقة وتعلم ثقافة الحوار والتواصل عوضا عن سياسة العزلة والانكفاء، خاصة بعد ان قطعت صلتها بمنظمات أخرى قريبة لها مثل الاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيقاد.كما سيساهم انضمامها إلى درء بعض المخاطر القائمة في ظل الوضع الراهن وحالة من غياب التواصل وتخمر الشكوك وتبادل الاتهامات وانعدام الحوار ما يجعل من التوتر هي السمة التي تطبع ملامح الحاضر وتسد آفاق المستقبل في أي تواصل، خاصة بين اريتريا وإثيوبيا والأخيرة هي واحد من الركائز الثلاثة التي قام عليها تحالف صنعاء في عام 2002 .وإذا كان الحال كذلك، فقد يتوقع المراقب إمكانية حوار بين اسمرة وأديس أبابا بما يساهم مستقبلا في حل الأزمة الحدودية القائمة بين البلدين منذ أكثر من عشر سنوات فشلت حتى الأمم المتحدة في حلها، ويمكن القول انه وبعد فشل الخيار العسكري وتبخر وساطة المجتمع الدولي في حل الخلاف الحدودي حول محور منطقة “بادمي” والجيوب الأخرى على الشريط الحدودي بين البلدين، فلماذا لا يتحرر الطرفان من كل الرواسب ويفتحان صفحة الخيار الثالث وهو الحوار برعاية دول المنتدى.!وبالمناسبة الحوار هنا ليس التفافا على قرارات الشرعية الدولية “العاجزة” حتى الآن عن تحقيق السلام بين البلدين وإنما طريق ثالث يبدأ من حيث انتهت المحكمة الدولية ويؤدي في نهاية المطاف لتحقيق الهدف.كما ان انضمام اريتريا إلى تجمع صنعاء من شأنه أن يبدد خطر تجدد مواجهة حدودية محتملة بين جيبوتي واريتريا، حيث لا تزال الأزمة بين البلدين تراوح مكانها ولم تجد أية آلية فاعلة عربية أو دولية لحل الخلاف الناشب ما عدا الوساطة القطرية التي تنتظر خطوات عملية.وانضمام اريتريا إلى منتدى صنعاء يعني الحد من التدخل الاريتري الموصوف حتى الآن “بالسلبي” في الشأن الصومالي، علاوة على دعم اريتريا للعناصر الإسلامية “المتطرفة” والتي لم تجلب إلى الصومال إلا الخراب، فضلا عن أنها تشكل مبررا لمزيد من التدخل في الشأن الصومالي من قوى إقليمية ودولية تحت مظلة الحرب على الإرهاب.وبرأيهم فان انضمام اريتريا إلى مظلة تجمع صنعاء، سيضع أمن البحر الاحمر والذي يتهدده الخطر من جراء تغلغل الغول الإسرائيلي في مفاصله منذ سنوات وتستخدمه الدولة العبرية لإخضاع الحزام العربي حول البحر الأحمر لمزيد من الهيمنة والاختراق، سيضعه تحت بصر المنظومة الإقليمية والتي قد تتكامل في ظل توسعها مع المحيط العربي في البحر الأحمر.صحيح ان سياسة عزل وإقصاء أو المواجهة مع اريتريا تبدوا غير مجدية وذلك من واقع التجربة المتراكمة، لان ذلك لن يردعها من إثارة المشاكل لكل جيرانها وحتى البعيدين مثل الصومال ودارفور وجنوب السودان قبل 2005، وللخروج من مأزق الجمود إلى آفاق التفاعل على الأقل في محيطها، فقد حان الوقت لسلوك نهج آخر مغاير لاحتواء هذه الدولة.فيجب ان لا ينكر احد ان اريتريا هي جزء أصيل من تكوينات المنطقة ويمكن ان تتأثر المنطقة بكل شيء يجري فيها، فعلاقاتها مع الكيان الإسرائيلي لا تخدم الأمن العربي ولا مصلحة المنطقة، كما ان النظرة “غير المنصفة” التي ظل البعض يرمق بها اريتريا منذ سنوات جعلت منها لقمة صائغة لقوى أخرى غريبة عن المنطقة مثل إيران وإسرائيل ودوائر معادية لا تخدم أجندة القرن الأفريقي أو امن البحر الأحمر وتشكل تهديدا مباشرا لسلامة باب المندب وهي منطقة حساسة تقع في الخاسرة العربية وتربط أوردة العالم ما يجعلها تحتل مكانة متقدمة من حيث الأهمية الجيو-إستراتيجية. وكذلك للذين يقللون من أهمية اريتريا في المنطقة نقول، ان بيدها الكثير من المفاتيح والأوراق عربيا وإفريقيا ويصل تأثيرها إلى تلك المنطقة الرمادية التي تقع بين الإقليمين، كما يمكن ان تشكل خط دفاع متقدم للمصالح العربية ولشعوب المنطقة في حال قام الجميع بدوره تجاهها، وعليه فان تركها “تتخبط” يمنة ويسرة دون ان يأخذ احد بيدها ستكون جريمة سيدفع ثمنها الجميع.!* كاتب متخصص في شئون القرن الإفريقي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى