ثقب في جدار العزلة :بين اختفاء الديكتاتور وظهوره القسري – ياسين محمد عبد الله
12-May-2012
المركز
اختفاء رئيس دولة وعدم ظهوره لأيام قليلة يثير تساؤلات في أية دولة في العالم ناهيك أن يمتد هذا الاختفاء لما يقارب الشهر. فتحركات رؤوساء الدول عادة ما تكون معلومة ومتاح متابعتها من خلال وسائل الإعلام حيث تعد شأناً عاماً يهم مواطني الدولة، وإلى حد ما، العالم الخارجي. الوضع في إريتريا مختلف تماماً فبما أن النظام لا يعترف أصلا بمبداً أن السلطة مصدرها الشعب وأنه ينوب عنه في إدارة شؤون الدولة فهو لا يهتم بإعلام الشعب بشؤونها.
المسألة الأخرى هي أن النظام يستخدم العزلة كأداة لضمان استمرار هيمنته فهو لا يعزل المواطنين عما يجري في بلادهم وفقط بل أيضاً عما يجري في العالم حتى لا يتأثروا به، ويعزل العالم عما يجري في الداخل حتى يضمن عدم وجود أي تأثير للعالم على هذا الداخل. وكان لا بد أن يثير اختفاء رأس هذا النظام كل هذه المدة وفي ظل تطور تكنولوجيا المعلومات وازدياد أعداد الإرتريين الذين يستخدمون الإنترنت، كان لا بد أن يثير تكهنات كثيرة، بما فيها احتمال موته، وأن تنتشر هذه التكهنات على نطاق واسع. ولأن الأمر غير طبيعي فقد اهتمت به وسائل الإعلام الدولية (صوت أمريكا،رويترز، البي بي سي وغيرها). أنا لا اعتقد أن النظام تعمد تضليل الرأي العام كل ما في الأمر أنه تصرف بطبيعته فيما يتعلق بالصمت حيال اختفاء رئيسه. لقد قال وزير إعلام النظام ” إنه ليس من ثقافتنا السياسية إحضار الرئيس للتلفزيون للرد على الشائعات) وبعد ساعات انهار جدار العزلة هذا وأُعلن بأن المختفي سيظهر في التلفزيون وهذا ما كان. قال رئيس الدولة، في إطار تبريره لاختفائه الطويل، أنه كان في رحلة عمل خارجية استغرقت ثلاثة أيام لكنه لم يقل في أية دولة كان، ولماذا زارها. فإذا صدقنا هذه الرواية لا بد أن نتساءل لماذا كانت الرحلة سرية ولماذا لم يعلن الديكتاتور عن اسم الدولة التي زارها؟ بما أن القضية الرئيسة للنظام هي العلاقة مع إثيوبيا والتي ازادات توتراً منذ مطلع هذا العام بسبب عملية قتل واختطاف السواح الغربيين وبعدها بسبب الغارة الإثيوبية على الأراضي الإريترية وبالعودة للخبر الذي أوردته ( الإنديان أوشن) في أكتوبر الماضي من أن إيطاليا اقترحت على إريتريا وإثيوبيا استضافة اجتماع سري بين أفورقي وزيناوي، فهل كانت الرحلة السرية لمقابلة زيناوي او أي مفاوض إثيوبي آخر؟ أم أن أسياس زار بلداً ما طلباً لدعمه في مواجهة إثيوبيا؟في هذه الحالة ستكون الرحلة الداخلية – المكملة لرواية الاختفاء- والتي أتت مباشرة بعد الرحلة الخارجية المزعومة، ستكون غالباً من أجل ضمان قبول قيادات الجيش أو تنويرها بمضمون ما توصل إليه الديكتاتور في مفاوضاته أو طلبه المساعدة؟الفرضية الثانية هي أن رئيس النظام لم يقل الحقيقة أي أنه لم يكن في زيارة عمل بل كان مريضاً يستشفى في الداخل في دولة ما، في هذه الحالة فإن غيابه كل هذه المدة للعلاج يؤشر إلى أن مرضه، وبغض النظر عن خطورته، يدحض ادعاءته المستمرة بأنه في أتم الصحة.وأي كان السبب الذي جعل رئيس الدولة يختفي كل تلك المدة فالذي لا شك فيه أن ظهوره على النحو الذي تم به دليل على أنه لم يعد بمقدور النظام أن يتجاهل، بعد الآن، الرأي العام الإريتري والعالم الخارجي. لقد حدث أول ثقب في جدار العزلة الذي فرضه النظام على الإرتريين عندما رضخ رئيسه وظهر على التليفزون للرد على ما تناقلته وسائل الإعلام عن مرضه أو موته. أم الدرس الذي يفترض أن تستخلصه المعارضة من هذه التجربة فهو أن مركز عملية التغيير في إريتريا يوجد في الداخل وليس في أي مكان آخر في العالم وأن غياب رأس النظام سيعني الكثير بالنسبة لهذه العملية وبما أنه بشر فهو قد لا يعود للظهور من عملية اختفاء أخرى، إذا صح مرضه أو إذا كان، كما يدعي هو ويدعي وزير إعلامه، أنه في أتم الصحة.