تقارير

مظاهرات وإحتجاجات الأرومو والأمهرا بإثيوبيا.. صورة عن قرب. تقرير / عادل كلر

15-Aug-2016

عدوليس ـ نقلا عن الأيام السودانية

تطورات المشهد الأخير بإثيوبيا باتت تنذر بإتساع نطاق المظاهرات التي يقودها قوميتي الأرومو والأمهرا، وذلك في أعقاب سقوط سبعة قتلى من بين المتظاهرين الذين نقلوا التظاهرات إلى قلب العاصمة أديس أبابا، مطلع الإسبوع الماضي.ونقلت تقارير لمنظمة هيومانس رايتس ووتش على أن السلطات الأثيوبية وقوات الأمن قتلت أكثر من (400) شخص من قومية الأرومو في موجة المظاهرات الأخيرة وأوردت المنظمة في تقريرها أسماء أكثر من (300) شخص من بين القتلى. وبدورها أعترفت الحكومة الأثيوبية بمقتل متظاهرين لكنها علقت على تقرير هيومان رايتس ووتش بأنه “كان سخياً جداً في الأعداد التي ذكرت”. وتعود أسباب إنتفاضة أبناء الأرورمو إلى الخطة التي أعلنتها حكومة أديس في نوفمبر الماضي لتوسيع العاصمة التي تقع بقلب أقليم أروميا، وتخوُّف سكان الإقليم من التغوُّل الحكومي على أراضيهم الزراعية.ويقول مسئولون في هيومان رايتس ووتش أن رد فعل الحكومة لم يكن مستغربا، بالنظر إلى تاريخها في استخدام القوة المفرطة في التعامل مع التظاهرات. ومنذ نوفمبر الماضي، الشهر الذي شهد إنطلاق تظاهرات قومية الأرورمو، والمطالب تزداد حدة ورقعة التظاهرات آخذة في الإتساع من إقليم أروميا لتصل إلى أقليم الأمهرا الذي خرجوا في مظاهرات حاشدة بمدينة “قوندر” في نهاية يوليو الماضي، وبمدينة “بحر دار” التي نالت حظها من المظاهرات أيضاً.

جذور ومنابع الأزمة:ويقول الصحفي والمحلل السياسي جمال همد لـ(الأيام) أن الخطورة في ما يجري حالياً بأثيوبيا حالة التضامن الماثلة بين قوميتي الأرومو والأمهرا اللتين تشكلا نسبة عالية من إجمالي عدد السكان، وقال بأن هذا التحالف هو الأول من نوعه، مشيراً إلى الطبيعة النوعية لهذا التحالف المشكل من قومية الأرومو التي ينتمي غالب أبنائها إلى الدين الإسلامي، والأمهرا التي يتبع غالب أبنائها الكنيسة الآرثوذكسية الأثيوبية، وأكد بأن هذا التحالف بمقدوره لعب دور كبير في تشكيل الخريطة السياسية في أثيوبيا مستقبلاً على أعتبار أنهما معاً يشكلان أكثر من (70%) من السكان.ولإعطاء نظرة فاحصة لطبيعة ما يجري، يقول همد بأن الحركة المطلبية بدأت في أقليم أروميا منذ سنوات، وكانت هذه الحركة ترفض التدخل الحكومي في الشأن الديني الخاص بقومية الأرومو، والذين هم في غالبهم يتبعون المذهب الشافعي، لكن مع دخول طائفة “الأحباش” وهي طائفة كانت قد نشأت في إثيوبيا على أيام الأمبراطور هيلاسلاسي لكنهم طردوا بقيادة الشيخ عبد الله الهرري إلى لبنان، حيث كون هناك عدداً من الأتباع تحت التكوين السني، ويضيف جمال بأن طائفة “الأحباش” عادوا وأقنعوا الحكومة الأثيوبية بأن يكونوا جزءاً من التحالف الحاكم وصاروا يتدخلون في مجلس الأوقاف الإسلامي الخاص بالأرومو، وصارت المساجد الممنوحة للأرومو متاحة لهم.ويتابع جمال بالقول، بأن الإحتجاجات صارت في مرحلة لاحقة تدور حول الإستثمارات الأجنبية حول أديس أبابا، حيث حاولت الحكومة الإستيلاء على أراضي الأرومو على أن يتم تتبيعها للإقليم الخاص بالعاصمة دون التراضي مع السكان وأصحاب الأرض.صراع مستتر بين القوميات:وفيما يتعلق بمظاهرات ومطالب قومية الأمهرا، قال جمال همد بأن الأمهرا لا يزالون يعتقدون أن الرئيس الراحل “ميليس زيناوي” فرَّط في وحدة إثيوبيا عندما سمح للأرتيريين بنيل أستقلالهم، ويتهمون النظام الحاكم بالتدخل في شئون الأقليم الخاص بهم وعاصمته التاريخية مدينة “قندر”، وذلك رغماً عن كونهم موجودين بالتمثيل في التحالف الحاكم ولديهم البرلمان المحلي الخاص بهم، ويتهم الأمهرا نظام أديس بأنه ألحق أقليمهم بأقليم التقراي حتى يكون منفذاً إلى السودان، وأشار جمال إلى وجود حركة مسلحة بالأقليم في السابق تدعى (7 قمبوت) وهي متواجدة بأرتيريا وخاضت عمليات عسكرية ضد أثيوبيا، ومعلوم أن النظام الأرتيري يدعم الحركات المسلحة الأثيوبية. بيد أنه أشار إلى نجاح النظام الأثيوبي في تفكيل التنظيم العسكري الخاص بـقومية العفر والتنظيك العسكري الخاص بالتقراي “حركة تحرير إقليم تقراي”.ويقول جمال بأن هذه هي الأشكالات التي دفعت الأرومو والأمهرا للثورة، وعلى الحكومة الأثيوبية إتخاذ خطوات تصالحية معهما، مشيراً إلى أن الأزمة الحالية تبين مدى فقدان أثيوبيا إلى حنكة ومقدرات الراحل “ميليس زيناوي” الذي كان معتمداً طوال سنوات حكمه على الحوار والقوة في آن واحد، ونجح إلى حد بعيد في تهدئة الأقاليم وتطمين القوميات وإدخالهم في الحكم بدلالة أنه جاء بـ”هيلا ماريا ديسالين” من الأقليم الجنوبي ومن قومية مهمشة نائباً للرئيس وهو الآن رئيس التحالف الحاكم في أثيوبيا. ويردف، بأن رمي الإتهامات إلى الخارج وبخاصة أرتيريا لا يفيد النظام الحاكم في أديس أبابا الذي عليه محاولة إيجاد حلول، وموضوع دعم نظام أسمرا للحركات المسلحة الأثيوبية والسودانية والجيبوتية والشباب الصومالي، لا يخفى على أحد.سياسة عنق الزجاجة:ويفرض النظام الإثيوبي قيوداً كبيرة على حرية التعبير والحقوق السياسية في البلاد، بجانب شنِّه لحملات قمعية على الحركات الإحتجاجية والمطلبية، بجانب المحاكمات السياسية لرموز هذه الحركات، الأمر الذي يشكل المحرك الرئيسي لموجات الفرار والهروب من البلاد نحو البلدان المجاورة وعلى رأسها السودان، على الرغم من نجاح النظام الاثيوبي في جذب رؤوس أموال أجنبية ضخمة في الجانب الصناعي، لتتحول من مجتمعات زراعية منهكة بالمجاعات إلى واحدة من أفضل الأقتصادات في القارة السوداء، حيث تعدت معدلات النمو فيها نسبة (10%) خلال العقد الماضي.ويقول يوسف بادوازا من منظمة فريدام هاوس الحقوقية تعليقاً على المظاهرات إنه لا يوجد أي شكل من أشكال المعارضة في البرلمان، والناس خرجوا إلى الشوارع ليعبروا عن أنفسهم، ليواجهوا بالرصاص الحي من قبل قوات الأمن الحكومية، وقد أنكر وزير الاتصالات الأثيوبي –في بداية التظاهرات- قتل أي من المتظاهرين، مؤكداً أن المتظاهرين المسلحين هم من أجبروا قوات الأمن على إطلاق النار. وفي سيناريو شبيه بما جرى في الشقيقة مصر إبان إندلاع ثورة (25) يناير، قطعت الحكومة الأثيوبية خدمة الأنترنت وحظرت مواقع التواصل الإجتماعي في إقليم أروميا الذي يقطنه حوالي (40%) من إجمال سكان البلاد.أزمة حكم عميقة:وتشير الإعلامية والمحللة السياسية الأرتيرية آمال علي إلى جانب مهم في الأزمة الأثيوبية وهو المتعلق بالموقف الدولي، وقالت لـ(الأيام) بأن الولايات المتحدة الأمريكية تغاضت عن الأزمة سابقاً لأنها كانت تبحث عن حليف إثيوبي مستقر، لكن تحالف الأرومو والأمهر قد يغير مجرى الأمور والموقف الأمريكي، والذي سيكون ليس في مصلحة النظام الحالي، وسيكون النظام الأرتيري أيضاً من أكبر المستفيدين وفقاً لكونه من أكبر داعمي المعارضين الأمهرا والأرومو.وتضيف آمال بأن ما يحدث في إثيوبيا من تظاهرات واحتجاجات من قبل كل من الأورومو والأمهرا يكشف عن أزمة حكم عميقة للنظام الأثيوبي، فالأرومو أحد أكبر القوميات في اثيوبيا ويشكلون نسبة ثلثي السكان بتعداد يصل الى حوالي الـ(٢٥) مليون شخص، ومع ذلك كانوا على مدى تاريخ اثيوبيا منذ عهد منليك الى امبراطورية هيلي سيلاسي ومرورا بكل من نظام منقستو هيلي ماريام الى حكومة الثورة التي تترأسها أقلية من قومية التقراي؛ وكانوا يعانون من التهميش المستمر والاضطهاد الممنهج على أساس عرقي بحت، ولم تنجح حكومة زيناوي التي تبنت في بداياتها مشروع سياسي يكفل حقوق القوميات الاثيوبية على أسس حكم ذاتي فيدرالي، في تطبيق ذلك بل مارست سياسة الهيمنة والتدخل السافر في شؤون الاقليم الذي لم تشمله مشاريع النهضة الاثيوبية. وقالت بأن كل ذلك تضاف إليه، التضييق المباشر على الحريات وملاحقة النخب الأرومية الناشطة والمطالبة بتحسين ظروف الاقليم والكف عن سياسة التوطين التي تمارسها حكومة التقراي عليهم. ديكتاتورية متعنتة:وأوضحت آمال علي أن الاضطرابات ازدادت حدتها في السنوات الأخيرة بشكل واضح، وما نشهده الآن من تعامل عنيف يصل الى حد قتل المتظاهرين، واعتقال قرابة الـ(1000) متظاهر يدل على ان الأمور تسير نحو احتمال انهيار حقيقي في اثيوبيا، كل ذلك في ظل سياسة التعتيم والإنكار التي يمارسها حكام اثيوبيا، حيث يصف البعض الأزمة بأنها محاولة انفصالية وتهديد لوحدة اثيوبيا، من جهة ثانية ارتفاع صوت قومية الأمهرا التي تعاني ايضاً من تهميش واضطهاد مباشر من حكومة الأقلية التقراوية على خلفية اتهامهم بالشوفينية التي كانت تدعم نظام الامبراطور وتتحصل على امتيازات عالية على حساب الآخرين، هذا النهوض الأمهراوي قد يخلق نوع من التحالف على أساس المصالح المشتركة مع قومية الأرومو وربما يشكل تهديداً حقيقيا لحكومة هيلي ماريام ديسالينج اذا لم تسارع على الاعتراف بجذور الازمة وتعمل على احتواءها سريعاً.وأضافت بأن النظام الحاكم في إثيوبيا الآن تحول الى نوع من الديكتاتورية المتعنتة التي تدفن رأسها في الرمال وتسعى الى تصدير أزمتها الى الخارج في صراعها مع النظام في اسمرا، وكلاهما يمارس السياسات نفسها على حساب المصالح الحقيقية لشعوبهم، أضافة الى ذلك، الصراع حول مراكز السلطة والأزمة الحقيقة التي تفاقمت داخل تنظيم جبهة تحرير تقراي الحاكم بعد وفاة الرئيس ملس زيناوي العقل المفكر والسياسي المحنك الذي كان أكثر قدرة على التعامل مع تناقضات الواقع في اثيوبيا الى حد كبير.مصر.. حالة من الترقب:مع إنطلاق المظاهرات في نوفمبر الماضي، تفاعل الإعلام والميديا المصرية مع الحدث بصورة كبيرة جداً على خلفية الصراع الأثيوبي المصري حول سد النهضة الذي تسعى مصر لإيقاف بنائه، وأدعت حينها صحيفة (الوفد) أن المتظاهرين الإثيوبيين يرفعون العلم المصري “علم الربيع العربي”! الأمر الذي دفع بالخارجية المصرية إعلان دعمها لإستقرار أثيوبيا وأعتبرت ما يجري “شأناً داخلياً”. بيد أن لمصر فرص في تحقيق مكاسب إستراتيجية في حال نجاح تحالف الأرومو والأمهرا في فرض شروطه على اللعبة السياسية في إثيوبيا، ومنها تحقيق مكاسب في ملف سد النهضة وقطع الطريق أمام تمدد النفوذ القطري التركي في أثيوبيا. ويقول أستاذ الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة د. حمدي عبد الرحمن أن ما يحدث يعكس عملية غضب متراكم لدي شعب الاورومو، ويضيف بأنه توجد أزمة في بنية الحكم في اثيوبيا ويمكن تنحدر في أسوأ السيناريوهات الي الحرب الاهلية، لأن التقراي يستخدمون مفهوم الفيدرالية العرقية لضرب الجماعات العرقية ببعضها وهو ما يظهر في عدم مشاركة الجماعات الأخرى في ثورة الاورومو، ويقول بأن المعارضة في الداخل والخارج لاتزال ضعيفة وغير قادرة على التوحد تحت برنامج سياسي واحد، بيد أنه لا يتوقع أن تصل الاحتجاجات إلى حد الربيع الأفريقي بسبب القبضة الحديدية للحزب الحاكم والدعم الأمريكي والغربي، إلا أنه يؤكد أن مكمن الخطورة يتمكن في إمكانية انقسام التحالف الحاكم واستمرار ثورة الاورومو ومشاركة الجماعات العرقية الأخرى في المطالب الديموقراطية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى