مقالات

اسمرا .. انتحار الثورة على أسوار المدينة : ماليليا بخيت

26-Dec-2009

المركز

ترتبط عندي أسمرا بذلك الموسم الذي وطأتها قدماي لأول مرة كحلم جميل ..يجعلك تلطم خديك لتتبين صدقيته ..كان ذلك في بدايات التسعينيات حيث تركت باريس خلفي تكاد ان تختنق من طقس الصيف الذي بدامختلفا ًوقاسياً هذه المرة بالذات .

كانت الرحلة عبر سماوات “فرانكفورت ” ثم نحو “اسمرا” التي لم يكن لي سابق عهد برؤيتهاسوى عبر نذر “الوالد” التي لا تتحقق ، و حكايا “الجدة” التي لا تعشق سواها.هكذا بدت لي الرحلة جزء من مغامرة ..كان الصباح طفلاً بريئاً عندما حطت الطائرة في مرابض المطار الصغير حجماً .. الحيوي ديناميكية ، وتواضعا ،من قبل جميع منتسبيه الذين بدوا لي في البدء إنهم منتقين خصيصا لتلك الخدمة المتميزة ،والتواضع الجم.لحظات قليلة وكنا خارج أسوار المطار .. استقبلتنا اسمرا بدموع الفرح ، حيث كان الطقس يحبونا بالرذاذ المنعش ، فتسقط علينا حباته مداعبة اجسادنا المتعبة من السفر ومن حرارة باريس ..( نعم حرارة باريس .. وارجوك ان تصدق) !.لذلك بدت “الرحلة ” مخملية إن لم أقل شق من الحلم المسافر في المخيلة حد الوله!احتضننا المستقبلون(من الاهل ) بدفء كنا نحتاجة كمعادل للطقس البارد ، الذي باغتنا على حين غرة .تحركت السيارة نحو “ترافلوا” المرابط بالقرب من المطار ، حيث الأهل الذين نعرف عنهم كل شيء ولا نعرفهم!نظافة المدينة وطقسها الآخاذ جعلاني اتساءل بصدق هل نحن بالفعل في عاصمة افريقية ؟! لاسيما وإنني سافرت كثيرا وحطت بي الرحال في عواصم مختلفة دون أن تقودني نحو مدينة هي”المبتدأ” والمآل . ساعة ونصف كانت كافية لنفض “متاعب السفر ” ، وللتطلع نحو اكتشاف آغوار المدينة .. سألني”عبده” هل أنت متعجلة إلى هذه الدرجة ؟!قلت بل أكثر يا بن العم .. فالآن فقط اكتشفت كم تأخرت ياعبده!اصطحبني في سيارته “الفيات” ، ودلفنا نحو قلب البلد “كومشتاتو” وياله من شارع مسكون بالهوى ..وعلى “كوفي شوب ” يستلقي على قارعة ذات الشارع ارتشفنا “الماكيتو” الفاخر ذو الرغوة الايطالية ..لكننا ارتشفنا معه عشق مدينة لا تنجح إلا في جعلك رقماً في خارطة مولهيها .هنا “الآذان” يعانق أجراس الكنائس ، فتتداخل الأصوات لترتل لحناً فريدا قد لا تسمعه بذلك الإتقان سوى في أسمرا .. وهنا الناس لا ينظرون إلى بياض يدك ” أنت القادم من الشمال” بحثاً عن “إكرامية مستحقة”، بل يغرقونك في “بياض قلوبهم” وحفاوة استقبالهم ،وإيثار أنفسهم العزيزة جدا . هل هذه “اسمرا يا عبده ” ؟ سألته مولعةً بالجمال .. أجابني والفرحة ترتسم في عيناه ” أنها المدينة المسقية بالدماء الزكية ” ، بدت لي الإجابة ذكية وموحية ..وافقت دون تردد .. وعدت مرة أخرى لاكتشاف ما تبقى من المعالم..قبل أن تباغتنا مرة أخرى أمطار الظهيرة التموزية .ذلك الشعور ما زال كامنا في الفؤاد رغم “التقادم” الذي لا يسقط “قضية” الهوى أبدا وإن سقطت كثيرا من “الثوابت” كأرواق التوت في موتها الموسمي ..حيث أصبحت اسمرا نفسها عنواناً “لإنتحار الثورة” على أسوار المدينة. أجل .. المدينة بما تشكله من معالم والدولة بما تفترضه من قيم ، سقطت المدينة”الجميلة” وانتحل المقاتل دور “المخاتل” حين اختار أن يرابط في “الفنادق” مُطلقاً قيم “الخنادق”.وحين اصبح “الجند” في المدينة مجرد “بيادق” لمعركة لا يملكون منطق استرخائها على الاريكة.. دون أن “*يهدهدوا اطفالها كي يناموا ” حينها فقط اصبحت المدينة شاهدا على”إنتحار الحلم ” في الأسوار . لم تعد أسمرا تلك “السمراء” التي تشرع أبوابها للقادمين على مواقيت العشق ،ولا تلك العاصمة التي أنتصرت فيها “إرادة الكادحين” .!بدت كعنوان جديدة “لغطرسة الفاتحين” الذين لا يرون في اللوحة سوى ذواتهم المريضة بـ”الآنا” المتضخمة حد الجنون .كل ذلك مرَ أمامي كشريط متخم “بالآسى” وأنا أشاهد “مسلسل إجهاض الحلم” على شاشة الذات.. الحلم الذي بدا “كابوسا” حين نعوا المدينة للمارة على الطرقات . . ولم يبقى في ذاكرة الحلم سوى “شيئ من إرتجاج الروح “* .هامش : • اشارة الى قصيدة للشاعر الارتري محمد مدني *إشارة الى قصة للقاص الارتري جمال همد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى