مقالات

لاجئو إريتريا عالقون بين نيران صديقة ورصاص الحرب في تيغراي

محمود أبو بكر  صحافي مختص في شؤون القرن الافريقي

بواسطة اندبندنت عربي

سقطوا ضحايا للنظام الذين فروا من ويلاته وتداعيات المعارك تطاردهم كوقود بشري ومسؤولون: نسعى لحمايتهم قدر المستطاع

يتعرض اللاجئون الإريتريون في إقليم تيغراي الإثيوبي إلى محنة كبيرة، حيث تحولوا إلى جزء من آلة الحرب الدائرة وربما وقودها البشري، فمن جهة لم ينجوا من تداعيات الحرب كبشر يقيمون في مناطق غير آمنة، ومن أخرى أضحى النظام الذي فروا من ويلاته جزءاً من الجهة المسيطرة على المخيمات التي يقيمون فيها.

كما عجزت المفوضية الأممية للاجئين، التي من المفترض أن توفر لهم الحماية عن فعل ذلك، فيما تعمل قوات الدفاع التيغراوية بشكل ممنهج على جعلهم جزءاً من وقود حربها مع الجيشين الإريتري والإثيوبي، سواء عبر عمليات “التجنيد القسري” للشباب منهم، أو عبر السطو على المساعدات الإنسانية التي ظلت تقدم لهم من قبل المنظمات الدولية المعنية باللاجئين.

وفي ظل التجاهل الدولي لمخاطر الخطف التي يتعرض لها اللاجئون الإريتريون من قبل جيش بلادهم واقتيادهم إلى المعتقلات داخل إريتريا، وبين أن يصحبوا جزءاً من الصراع الذي لا ناقة لهم فيه ولا جمل، عملت جهات عدة إريترية مستقلة كمنظمات المجتمع المدني في الخارج على تسليط الضوء على هذه المأساة المضاعفة، كما تبنى عدد من الأحزاب السياسية الإريترية المعارضة قضية اللاجئين، وحاولت عكس معاناتهم لدى الجهات الدولية ذات التأثير. 

معلومات شحيحة وأخطار كبيرة  

يقول الصحافي الإريتري رئيس تحرير موقع “عدوليس” الإخباري جمال همد، في إفادته لـ”اندبندنت عربية”، “من الصعوبة بمكان متابعة أوضاع اللاجئين الإريتريين في إثيوبيا، وتحديداً في إقليم تيغراي، نظراً للتعتيم الإعلامي الذي تفرضه الأطراف المتصارعة هناك، فضلاً عن غياب دور فاعل للجهة القانونية المسؤولة عن حمايتهم وضمان سلامتهم، وهي مفوضية الأمم المتحدة للاجئين”. ويضيف “نلاحظ أيضاً غياب وكالات الأنباء والصحافة العالمية في هذه المنطقة مما يزيد الأمر تعقيداً”. 

ويؤكد همد “أن ما يصلهم من معلومات حول وضع اللاجئين خلال الجولتين الأخيرتين للحرب يعد قليلاً وغير مطمئن ولا يمكن الوثوق فيه، لكونه في الأغلب تسريبات يطلقها طرف من الأطراف المتصارعة لأغراض سياسية”، ويشير أيضاً إلى “أن وجود مخيمات اللاجئين في الإقليم الذي يشهد حرباً مفتوحة منذ عامين أدى إلى هذه المأساة الإنسانية المسكوت عنها”، موضحاً “لقد تعرض قاطنو تلك المخيمات لانتهاكات جسيمة من قتل وسحل وحرق من قبل كل الأطراف المتوترة والمتطرفة من ميليشيات أمهرة وتيغراي، وحتى الجيش الفيدرالي الإثيوبي”.

ويتابع، “حسب بعض التقارير الدولية وما يصلنا من معلومات من مصادر عديدة، فإن الجيش الإريتري استطاع الوصول إلى المخيمات في الجولة الأولى، واقتاد عدداً من النشطاء المدنين إلى داخل الأراضي الإريترية ولا يعرف مصيرهم حتى الآن”، ويضيف، “لست متأكداً من تجنيد إجباري ضمن صفوف جيش تيغراي، لكن ما هو مؤكد أن جميع الأطراف ارتكبت جرائم في حق اللاجئين الإريتريين”، الذين أصبحوا ضحايا لكل الأطراف. 

مآسي اللاجئين قديمة وتضاعفت مع الحرب

من جهته يقدر يوحنس اسملاش، مسؤول العلاقات الخارجية للجبهة الإريترية المتحدة، “أن عدد اللاجئين الإريتريين في تيغراي قبل اندلاع المعارك كان في حدود 120 ألفاً، حسب إحصاءات مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، متوزعين في حوالى ثلاثة مخيمات شمال تيغراي، ومخيم آخر في إقليم العفر”.

وأفاد في تصريح خاص، أن هذا العدد كان “يزيد وأحياناً يقل بسبب الهجرات غير الشرعية نحو السودان وليبيا وصولاً إلى إيطاليا، كما أن عدداً من هؤلاء أعيد توطينهم من قبل المفوضية في دول غربية عدة بينها كندا”. 

52.jpg

يوضح “أن مآسي اللجوء قبل الحرب الأخيرة كانت تتمثل في انعدام فرص التعليم والعمل، فضلاً عن غياب المرافق الصحية، إضافة إلى انقطاع فرص التواصل مع ذويهم في إريتريا، وعملت المؤسسات الإغاثية والأحزاب السياسية الإريترية المعارضة التي كانت تقيم في أديس أبابا، أثناء فترة حكم الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، على تذليل الصعوبات بالتنسيق مع الإدارة الإثيوبية.

 ويشير “لقد تمكنا بعد حوار طويل من توفير فرص التعليم لعدد من اللاجئين في الجامعات الإثيوبية، كما تم تأهيل عدد آخر في مهن مختلفة بمساعدة من منظمات إريترية مستقلة”. 

بدوره يقول إسماعيل موسى، مسؤول العلاقات العامة لـ”التنسيقية الإريترية لحقوق الإنسان”، إن حوالى “20 ألف لاجئ إريتري اختفوا من إقليم تيغراي بعد بداية الحرب في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، ويُعتقد أن جزءاً منهم نزحوا نحو الأقاليم الإثيوبية الأخرى، والآخر يعد من المختفين قسرياً”، ويضيف “أن جزءاً من هؤلاء تم اقتيادهم إلى داخل إريتريا من قبل الجيش الإريتري، ولا تعلم حتى الآن وجهتهم الأخيرة”.

الاتفاقيات الدولية لا تطبق في تيغراي 

يؤكد إسماعيل، “في عام 2020 تعرضت مخيمات اللاجئين في الإقليم إلى حملات انتقام واسعة، من قبل ميليشيات تيغراوية غاضبة، قتل فيها العشرات وأصيب عدد آخر، كما أحرقت بعض جوانب المخيمات”، مما اضطر “مفوضية الأمم المتحدة إلى فتح معسكر جديد في إقليم أمهرة المجاور”. 

ويفيد إسماعيل أن “تنسيقيته تواصلت مع الهيئة الإثيوبية لحقوق الإنسان من أجل حماية اللاجئين، وقد توصلت إلى “أن عدداً منهم نزح بالفعل نحو العاصمة الإثيوبية أديس أبابا”، مؤكداً “أن هؤلاء كانوا أكثر حظاً ولم يتعرضوا لأي معاملة سيئة، وهم في أمان نسبي”. 

ويفصل إسماعيل مجموعة المطالب التي ترفعها التنسيقية الإريترية لحقوق الإنسان إلى الهيئات الدولية وعلى رأسها مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، أهمها، “حصر عدد اللاجئين وإعداد قوائم المختفين قسرياً لمتابعة مصيرهم، ثانياً تقديم ضمانات الحماية والسلامة الجسدية للمتبقين داخل الإقليم المشتعل وتقديم المواد الإغاثية اللازمة لهم وفقاً للاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية اللاجئين في مناطق النزاعات، ثالثاً فتح طريق آمن لإجلائهم خارج الإقليم في مناطق أكثر أمناً، وأخيراً العمل على إعادة توطينهم في دول أخرى تماشياً مع الاتفاقيات ذات الصلة”. 

ولا يخفي إسماعيل امتعاضه كناشط حقوقي من التمييز الذي يمارس ضد مواطنيه اللاجئين في تيغراي، مؤكداً، “أن بعض المنظمات الدولية تتعامل مع القضايا الأفريقية بنوع من عدم الاهتمام، ويعتقد العاملون فيها أن اللجوء والمآسي جزء من تاريخ القارة وجزء من نصيب سكانها”.

ويضيف بنوع من المرارة، “إن هناك نظرة تمييز وعنصرية في التعاطي مع ملفات اللجوء في أفريقيا”، مشيراً إلى الحملات الدولية الكبرى، التي شهدها العالم في بداية حرب أوكرانيا قائلاً، “كحقوقي أشيد بالهبة الكبيرة لاستضافة اللاجئين الأوكرانيين وتذليل الصعوبات، لكني أتمنى كأفريقي أن نشهد مثلها في قارتنا، بخاصة تجاه قضايا اللاجئين الإريتريين في تيغراي”. 

ويفسر إسماعيل تلك الازدواجية في التعاطي الدولي مع أزمة اللاجئين، بأن “المنظمات في الأغلب تنفذ أجندات الدول المسيطرة عليها”، بالتالي لا يمكن فصل السياسة عن العمل الإنساني. 

51.jpg

رحلة البحث عن وطن ثالث 

من جهته يؤكد يوحنس اسملاش، أن “المنظمات الإريترية المعنية باللاجئين بخاصة المؤسسة وفقاً للقوانين الأوروبية تعمل بشكل مستقل لتوفير الحماية لهؤلاء الضحايا، وتخاطب المجتمع الدولي، كما تتواصل مع حكومة تيغراوية لضمان سلامة اللاجئين الإريتريين، وإيجاد طريق آمن لخروجهم من مناطق النزاع”. 

ويقول يوحنس، “لست متأكداً، ما إذا كان إجلاؤهم إلى العاصمة الإثيوبية سيجعلهم في مأمن من الاختطاف” فحسب اعتقاده، إن “إثيوبيا ككل لم تعد مكانا آمناً،” والحل في رأيه هو “إيجاد بلد ثالث كملاذ، حتى تتم إعادة توطينهم من قبل المفوضية الأممية وفقاً للأولويات”. 

وهو مطلب يتفق إسماعيل موسى على تنفيذه، مؤكداً “لكل إقليم في إثيوبيا ميليشيات تعيث قتلاً وهتكاً، بالتالي فإن المطلب الأساس بعد إجلائهم من داخل تيغراي، هو ترحيلهم نهائياً من إثيوبيا وإلى دول تضمن حمايتهم”.

يوضح يوحنس من ضمن أولوياتنا الآن إضافة إلى مخاطبة المجتمع الدولي والمنظمات المعنية باللاجئين، إطلاق حملات تضامن واسعة لتسليط الضوء على مأساتهم، وجمع التبرعات لتوفير الغذاء والدواء حتى يحين موعد إعادة توطينهم، ويكشف “أن هناك صعوبة كبيرة لإيصال المساعدات إلى الإقليم المحاصر، فحتى المبالغ التي تجمع من قبل متبرعين لا نجد طريقة لإيصالها لمستحقيها”، فالإجراءات المفروضة من الحكومة المركزية في أديس أبابا تحذر تحويل أي مبالغ إلى تيغراي، كما لا توجد خدمات البنوك من وإلى الإقليم. 

ويلخص يوحنس نشاط المنظمات الإريترية في الخارج، “نحاول جاهدين أن نكون صوتاً لمن لا صوت لهم من مواطنينا الذين فروا من بلادهم فلاحقتهم المآسي حتى في موطن لجوئهم”.

ويشير إلى أن صمت العالم تجاه هذه المأساة أضحى مريباً للغاية، قائلاً “نشعر بنوع من المرارة تجاه هذا الصمت، الذي يكشف عن تمييز واضح”. ويتطلع يوحنس إلى أن يعير المجتمع الدولي اهتماماً بوضع الإريتريين في تيغراي الذين يتعرضون إلى أخطار كبيرة، وأن يعمل على تفعيل المعاهدات الدولية الخاصة باللاجئين وعلى رأسها اتفاقيتا 1951 و1967.  

وكانت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، أصدرت بياناً عن “وجود آلاف اللاجئين الإريتريين العالقين في تيغراي وسط اشتداد حدة القتال بين المتمردين والقوات النظامية، وهم يفتقرون إلى المعونات الإنسانية”.

وقالت المفوضية في بيانها بعد اندلاع المعارك في تيغراي، “إن اللاجئين يتعرضون للترهيب والعنف، ويعيشون في وضع من الخوف المستمر دون الحصول على المساعدات الإنسانية اللازمة”، وأوضحت أنها “تلقت تقارير تفيد بقتل العشرات على يد مسلحين اقتحموا أحد المخيمات”. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى