مقالات

وطـنَُُُ يفتقد إلى رؤية ! ..بقلم / د. مسفن بخيت

22-Jan-2007

المركز

لم أخفي أبدا تضامني التام بل وضم صوتي لأصوات مجموعة مرموقة من المثقفين والأكاديميين الارتريين الذين كسروا جدار الصمت إثر الحرب الارترية الإثيوبية الأخيرة ، فيما يعرف بمجموعة ألـ (ثلاثة عشر ) مطالبين بالشفافية وبسط الفرصة للاستحقاقات الانتخابية وإفصاح الحريات العامة ،

كما تشرفت بحضور ندوة مماثلة عقدها تيار نظير من الإثيوبيين المقيمين في الدول الأوربية أيضا طالبوا حكومتهم بالمساءلة حول ألأسباب الموضوعية التي زجت بالبلاد نحو أتون حرب ضروس مع توفر إمكانية تفاديها تماما فضلا عن مطالب أخرى تتعلق بالحريات والمسيرة السياسية ..وبينما تقاطعت تطلعات المثقفين والعقلاء في كل من ارتريا وإثيوبيا فمن مفارقات الأمور أن تقاطعت اتهامات النظاميين الارتري و الإثيوبي تجاه المجموعتين تصريحا أو تلميحا ، حيث قام النظام الارتري بتلفيق تهم –في وقت متأخر – على المجموعة بعمالتها لإثيوبيا كما فعلت أديس أبابا الأمر نفسه تجاه منتقديها ..والواقع أن الظرف الذي طرح فيه المثقفون مبادرتهم يكاد يكون هو الأهم في تاريخ الدولة الارترية ،ففي اعتقادي أن للتوقيت دور مهم في عملية التغيير او طرح المشاريع ، ولعل من البديهي التأكيد، أن الظرف الأنسب لإحداث تحولات جوهرية في أي نظام سياسي هو مرحلة ما بعد الأزمة حيث يبدو النظام السياسي أقل تماسكا وأكثر استعدادا للتجاوب –ولو شكليا – مع المبادرات .. وهذا الأمر ذو أهمية خاصة لمن يجيد قراءة التاريخ ويستوعب التجارب الإنسانية .. ولعلنا نتذكر جيدا كيف أن الحجر الذي ألقاه المثقفون في تلك البركة الآسنة حرك ما ظل متجمدا حتى النخاع إلى الدرجة التي جعلت رأس النظام ولأول مرة –وربما هي المرة الأخيرة – التي يعرب فيها عن تفهمه للمطالب التي تضمنتها وثيقة المثقفين بل ودعاهم لزيارة اسمرا والتباحث مع وفد منهم –قبل أن يتهمهم لا حقا بالعمالة لإثيوبيا عبر أبواقه – ..كما أن مبادرة المثقفين – كما أود أن اسميها دوما – قد فتحت الباب واسعا أمام بروز تيار آخر من داخل النخبة الحاكمة للكشف –ولأول مرة أيضا- عن التخلخل الذي يعيشه النظام ، والذي عجلت نتائج الحرب المأساوية بكشف عوراته بشكل تام .وإذ أشير إلى هذه المجموعة التي تسمي بالإصلاحية -والتي ربما بعض من رموزها الموجود بالخارج قد طور مواقفه من النظام مؤخرا- ، ..قد يتذكر القارئ موقفي المعلن تجاه “بيان “تلك المجموعة، الذي أضحى يعتبره البعض وكأنه ” الوعد الديمقراطي المقدس ” .. بينما لا زلت أعتبر “البيان” الذي حظي بتوقيع عدد مقدر من قيادات الصف الأول للجبهة الشعبية ، مجرد رسالة داخلية تعني الحزب الحاكم ، وهيئاته وهياكله وربما تعني أيضا قاعدته (مع وضع خطوط عريضة على الكلمة ) .وفي الآن نفسه اقدر تماما مواقف بعض من تلك القيادات في الفترة التي وصفت بأنها “فترة اختبار للحديث بصوت مسموع “ولا أقول حرية التعبير ، كما أتضامن تماما وأدافع عن كل المعتقلين السياسيين وعلى رأسهم تلك المجموعة المعتقلة منذ الثامن عشر من أيلول وما قبلها وبعدها من سجناء الرأي والضمير .والواقع أنني عدت اليوم للحديث في هذه المسالة بعد ملاحظتي غياب الدور الجوهري للمثقفين والأكاديميين الارتريين في الساحة أمام سيطرة كل ما هو سياسي وهيمنة “اليومي” والظرفي في تناولنا للأمور ..في الوقت الذي نلاحظ فيه غياب تام ومشهود للدراسات المعمقة وللنظرة البعيدة والمتوسطة المدى التي يمكن أن تبنى عليها إستراتيجية المواجهة وطرح البديل الأمثل ..وعلى كثرة المنظمات والفصائل السياسية الارترية المعارضة وتعددها لم نشاهد أي منها يتحرك في اتجاه إرساء دعائم هذا العمل الأكاديمي ، او يخصص مركزا مختصا للبحوث والدراسات السياسية والاجتماعية والثقافية لما لها من أهمية ومركزية في عملية تحليل وتشريح المنتظم السياسي ، اللهم إلا القسم الذي قيل انه للدراسات أثناء المؤتمر الأول للحزب الديمقراطي، ضمن تقسيمات هياكله – وحتى الآن لم نقرأ له أي بحوث مكتوبة أو إصدارة مطبوعة – ، بل أن حتى بعض المراكز ألتي أنشأها أفراد – بصرف النظر عن واقع مؤهلاتهم أو إمكانياتهم – وسميت “بمراكز دراسات” لا تنتج سوا مجموعة أخبار متوسطة المستوى تنشر على مواقع الإنترنيت ، بينما يغيب العنوان / أو الجوهر ..المتمثل في الدراسات والبحوث العلمية ، التي تلتزم بالمنهج المعرفي الأكاديمي ،فتقرأ الواقع بعين ثاقبة عبر منهاج سوي يفحص المعطيات الموضوعية ماضيا وحاضرا ويستشرف المستقبل.ولا أنكر أن هذه المهمة وما تفترضه من مسئوليات غير محصورة على التنظيمات والفصائل الارترية ، بل على العكس من ذلك فإن ألجهة الأكثر نزاهة لتحمل تلك المسئولية هي جمعيات المجتمع المدني الأهلية المتعافية عن حمي الأيدلوجيات والتعصب الحزبي .وهي دعوة للمثقفين والأكاديميين والصحفيين الارتريين لا سيما من ينشطون ضمن مراكز بحوث ودراسات ومعاهد علمية أو جهات إعلامية عربية أو أجنبية للعمل في اتجاه بلورة عمل ارتري طوعي معرفي يساهم في عملية تحليل الظواهر والمعضلات وبالتالي يستشرف حلولها في ذات الوقت الذي يضع صيغ مناسبة لعملية المواجهة مع النظام الجاثم على صدر شعبنا .والمفارقة الثانية أن النظام – الذي يدعي انه علماني وتقدمي –يفتقد هو الآخر إلى ذات الآلية ، حيث لم يؤسس منذ تاريخ وصوله إلى سدة الحكم سوا مركزا يتيماً “للدراسات الإستراتيجية” العضو الأوحد فيه هو الدكتور أحمد دحلي!! وبمجرد انتقاله إلى باريس كسفير للنظام أغلق المركز أبوابه ، فأصبحت البلاد دون رؤية إستراتيجية .. !! أحد الأساتذة الذين يعرفون دحلي جيدا –ومن رفقاء دراسته –كتب إلي منذ فترة قائلا : ” أخيرا أصبحنا محررين من رؤية دحلي الإستراتيجية ..لعلها الفرصة السانحة للخروج من الأزمة “!! .. وهنا لا أصوغ هذه العبارة للتقليل من شأن الدكتور دحلي والتندر عليه – فتلك ليست من شيمي ولا من مهامي فعليا- ، ولكني أصوغ العبارة للإشارة إلى واقع وطن يعيش دون رؤية في عصر الثورة العلمية والحراك المعرفي .وأخيرا : هل من المعقول أن نفتقد إلى بديل معرفي يريحنا من حكم الجهلة ؟ ، سؤال يجب ان نكرره ألآلاف المرات حين نكتشف أن منافذنا الإعلامية تطفح بالكثير من المقالات الممجوجة والقاصرة التي تفتقد إلى الحد الأدنى من الرؤية الموضوعية ، ناهيك من أن تلم بقواعد المنطق و تسلك مناهج البحث العلمي للوصول الى نتائج ملموسة في الطرح المفترض ..لا أقول ذلك للإساءة إلى أحد – لا سمح الله – ولكن الساحة تشهد ومنذ الانطلاقة الأولى لموقع مسكرم .نت مدشنا بذلك “عهد إعلام العنكبوت ” ، ونحن لا ندور إلا في ذات الدائرة المفرغة التي لا يجيد أصحابها إلا إعادة إنتاج ذاتهم بشكل مجهض المضامين ..عدد من الكتبة والترجمانات و”عرض الحالجية ” .. وهنا لا نعمم حيث توجد حتما أقلام رائعة تدفعنا دوما الى إبقاء علاقتنا مع هذه المنافذ .. ولكن لنعقد مقارنة موضوعية بين سيل تلك المقالات وإطلالة أصحاب الفكر والأقلام المستنيرة ، حتىنستبين الفكرة جيدا و نضع النقاط فوق الحروف. وكان الله في عون هذا الشعب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى