مقالات

السودان الدور الأفريقي الغائب! : هاشم علي حامد*

21-Jun-2008

المركز

نحن في السودان كنا نستشعر أن لنا رسالة تجاه أفريقيا والعالم العربي, بحكم انتمائنا الأفريقي كأكبر دولة في أفريقيا مساحة, إضافة لما نحظى به من ثروات, وأراضٍ زراعية ومياه, ومعادن قبل اكتشاف البترول.. وبحكم انتمائنا أيضاً للعالم العربي كامتداد جغرافي وتاريخي وثقافي..

والسودان في تطلعات أبنائه ذو رسالة حضارية تجاه أفريقيا والعالم منذ تنسمه أريج الحرية, كان لأبناءه حركة دؤوبة في مؤتمرات عدم الإنحياز في باندونق والجزائر, والقمم العربية والأفريقية.. انعكس ذلك في الحركة الثقافية أدباً وشعراً وجماعات ثقافية – جماعة الغابة والصحراء,وأغاني لأفريقيا والعالم العربي – أغاني الأناشيد القديمة – .. وغناء يحرك المشاعر , ويشعل روح العزة والانتماء على كل المستويات, سياسيين ومدنيين, عمال وموظفين, خاصة الشرائح الطلابية عندما كانت الجامعات مصدر وعي وحركة ثقافية حضارية لا تنضب في عطائها..عندما جاءت الإنقاذ حملت في بدايات عهدها شيئاً من عزة الانتماء, بل تثنى للسودان خلال وقت قصير لعب دور أساسي في التحولات السياسية لبعض دول الجوار في منطقة القرن الأفريقي.. وفي تشاد وكينيا على عهد الرئيس أرب موي, وأفريقيا الوسطى.. كانت الساحة السودانية ترفل بقميص أفريقي ملون يجمع كل ألوان الطيف السياسي لدول الجوار الأفريقي, وكان السودان صوتاً عالياً في قضايا المنطقة, حينها لم يكن السودان أحسن حالاً من الحاضر.. سواء في بناءه السياسي قبل اتفاق الجنوب, أو في واقعه الاقتصادي قبل استخراج البترول.إذا تحدثنا في جزئية الانتماء لأفريقيا وما يفرض علينا ذلك من واجب تجاه شعوب المنطقة, فان الواقع السوداني يعكس حقيقة تردي لا يتناسب وحجم التحديات التي واجهتنا سواء على النطاق الداخلي أو الإقليمي, هذا فضلاً عما كنا نضطلع به من دور ونتحمله من مسؤوليات تجاه تحديات القارة الأفريقية.واقع السودان الآن في النطاق السياسي, وعلى المستوى الاقتصادي خاصة قطع شوطاً لا يستهان به واصبح اسم السودان مادة أساسية في الفضائيات العالمية والمؤتمرات الإقليمية والدولية, سواء في إطار إيجابي أو سلبي _ لا يهم _ ولكن الذي لا يتماشى ومنطق العقل هو حجم الانهزام الداخلي والخطير الذي تجده منعكساً في مجريات السياسة السودانية.. وفي النطاق الإقليمي خاصة, ليس لنا دور على الساحة الأفريقية ولا منطقة القرن الأفريقي التي نحن رقم أساسي في استقرارها, حجب منا الدور, بل اصبح السودان ساحة مناورة لدول المنطقة.. دولة كإريتريا تفرض علينا إخراج معارضتها من الأراضي السودانية, رغم ما كان للسودان من جهد ومثابرة في القضية الإريترية لأكثر من عقدين من الزمان.مشكلة دارفور, وقبلها مشكلة جنوب السودان, وتململات التركيبات السكانية لا تعتبر قضايا كهذه مثبطة في إطار الوعي القومي بقدر ما هي دافعاً محفزاً لعطاء أكثر إيجابية تجاه الداخل والخارج على حد سواء.. حيث لا تخلو دولة من إشكاليات داخلية, خاصة في النطاق القومي السكاني.. دولة بريطانيا العظمى ظلت وهي في عز مجدها تعاني من مشاكل قومية, أكبرها مشكلة ايرلندا الشمالية والى وقت قريب ما كان يعرف بالبوليس السري والجيش الجمهوري.وأمريكا كذلك وفرنسا لا يزالان يعانيان من قضايا السود والملونين – لا يهزم تحدي داخلي شعور أمة بقدر ما يحرك فيها من كوامن مقدرات.. لكن الواقع السوداني يحدث عن غير ذلك.. السودان الآن لا دور له ولا صوت مسموع في الجوار الأفريقي فضلاً عن النطاق الأفريقي, دولة كإريتريا تتحكم في مجريات السياسة السودانية, ولها صوت مسموع في دارفور رغم عشرات الآلاف من الكيلو مترات التي تبعدها عن حدود الإقليم, بل ولها مستشار خاص داخل القصر الجمهوري ما أن يتنحنح الرئيس الإريتري أسياس أفورقي حتى يركب ذلك المستشار طائرته إلى العاصمة أسمرا استجابة لنحنحة الرئيس!واقع السودان الآن ترسمه مخططات أجنبية تلعب دوراً مباشراً على الساحة السياسية السودانية وأجهزتنا السياسية مشغولة بالتنافس في حصد جنيه البترول, لينعكس ذلك – ومن واقع ما تحظى به من امتيازات وإعفاءات – على الحركة التجارية فساداً وغلاء وتضييقاً على المواطن السوداني.. حتى طلاب الجامعات الذين من المفترض أنهم حماة الهوية والطموح.. الكثير من قطاعاتهم ومسمياتهم أصبحت مشغولة في أنشطة تجارية تتنافس فيما بينها هي أيضاً على – جنيه البترول- بحجة دعم مناشطها في غفلة النسيان.السودان ينبغي ألا يغيب عن قضايا أفريقيا, والدور الذي ينتظر منه حالياً هو أكبر من دوره في السابق بحكم تجاربه, وإمكانياته, بل ينبغي وكما هناك دول جوار تحمل ملفات مشاكلنا بحجة التوسط ولم الشمل, فنحن أولى بالاحتفاظ بملفات مشاكلها أيضاً بحجة التوسط.. ليس أقل من تحقيق توازن الضغوط, وليس أكثر من الحفاظ على مصالحنا القومية في إطار السلام, ولا دون استحضار واجب انتمائنا الأفريقي لشعوب المنطقة الذي غاب حتى من ترانيم الأغاني ومنابر طلابنا في الجامعات! .* صحيفة الأحداث السودانية – 20 يونيو 2008م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى