مقالات

العلاقات السودانية الإريترية هل تجاوزت الخصومة إلى التطبيع؟؟ .. تقرير : سعاد عبدالله

8-Jun-2006

المركز

السوداني
الرئيس الاريتري اسياس افورقي الشاب الذي ظل يقود النضال في بلاده ردحا من الزمن ظل فيها محاربا متأبطا سلاحه ومنتعلا (الشدة) تعبيرا عن حياة الميدان والتقشف، ايضا قضى جزءا كبيرا من عمره في ربوع السودان،

وتحديدا في الحي الشعبي الجريف غرب الذي اشتهر بكثافته السكانية من الاخوة الاريتريين وظل افورقي يمارس حياته وسط الشعب السوداني حتى لحظة مغادرته الخرطوم الذي زفته رئيسا لاريتريا الدولة الوليدة في مايو1992م لتسهر يومها الخرطوم حتي الصباح ابتهاجا باحتفالات الاريتريين باستقلالهم وتشاركهم الرقص وتقاسمهم الفرحة وتظل العلاقات بين الدولتين في حالة شهر عسل لمدة قاربت العام، حتي هبت عليها رياح الخلافات منذ منتصف العام1993م عندها بدأت افواج المعارضة السودانية تدفقها على اريتريا ومعها من الزاد ما اوغرت به صدر اريتريا عن خبايا نظام الانقاذ وغرس بذرة الشك وفقدان الثقة وسرعان ما اصاب العلاقة بين الدولتين التصدع والانهيار الذي بلغ مداه في نهاية عام1994م عندما اتهمت اريتريا السودان علانية بسعيه لاسقاط نظام حكمها واقتلاع الرئيس افورقي من سدة الرئاسة التي توجته عليها رئيسا بهدف استبداله ببعض رموز المعارضة الاريترية من ذوي الميول والتوجهات الاسلامية من خلال التضامن والتنسيق مع اسلاميين اجانب لتنفيذ ذلك المخطط المزعوم، وتوالت الاحداث عاصفة بطرد اريتريا للدبلوماسيين السودانيين ولم يقتصر التوتر على هذا الحد بل وصل مداه عندما سلمت اريتريا مبنى السفارة السودانية بأسمرا للمعارضة السودانية في خطوة لم يسبقها عليها احد من قبل في كل دول العالم!. وظللت الاتهامات المتبادلة سماء العلاقة بين الجارتين لسنوات تجاوزت العشرة مارست خلالها كل دولة على حدة أقصى درجات الخصومة من خلال الدعم المتبادل لمعارضي الدولتين حيث ظلت اريتريا تحتضن المعارضة السودانية وتقدم لها كل المعينات حيث كانت تنطلق العمليات العسكرية ضد السودان من داخل العمق الاريتري وتؤرق مضاجع اهلنا في الشرق للحد الذي تمكنت فيه المعارضة بمعاونة اريتريا من احتلال مدينة كسلا لبضع سويعات ليستمر مسلسل التأزيم الى مابعد توقيع اتفاق نيفاشا حيث بدأت بعض سحب الخلاف بالانقشاع تدريجيا بتبادل بعض الزيارات المحدودة لمسؤولي الدولتين. وفي ابريل المنصرم نجحت الزيارة التي قام بها د. لام اكول وزير الخارجية السوداني ممثل الحركة الشعبية في حكومة الوحدة الوطنية لاسمرا في تعبيد الطريق وازالة المتاريس وتحطيم القيود التي ظلت مكبلة للعلاقة حيث استقبلته اسمرا بالاحضان وهي فخورة بان الجميل الذي قدمته للحركة الشعبية ابان معارضتها نظام الخرطوم لم يذهب ادراج الرياح. فقد مهدت هذه الخطوة من د. لام لزيارة النائب الاول لرئيس الجمهورية الفريق سلفاكير ميارديت لاسمرا في ذات الشهر مذيبة بذلك ما تبقى من جليد، وبادرت من جانبها اسمرا بفتح سفارتها في الخرطوم الذي تزامن مع زيارة المستشار السياسي لأفورقي للخرطوم. وفي ظل تصاعد وتيرة الاهتمام المتبادل بين الدولتين بضرورة ترميم الشرخ الذي أصاب العلاقة قاد الاستاذ على عثمان محمد طه نائب الرئيس السوداني يرافقه السادة وزراء الخارجية والحكم الاتحادي والارشاد ورئيس جهاز المخابرات الوطني والامين العام للمؤتمر الوطني السابق وياسر عرمان الى اسمرا للمشاركة في احتفالات اريتريا بالذكرى الخامسة عشرة لاستقلالها الذي انطلق من السودان. وكان لحضور السودان لهذا الحدث بهذه التشكيلة التي ربما هدفت لبث الطمأنينة في نفس افورقي بنجاح حكومة الوحدة الوطنية وانسجام الشريكين، وفي هذا التوقيت حملت الزيارة الكثير من الدلالات والتفسيرات حول التطور الايجابي الذي طرأ على المشهد السياسي السوداني الاريتري في اعقاب الخصومة كما وجد هذا الانفراج الترحيب والقبول من الشعبين اللذين تربطهما اواصر المصاهرة والجوار فالشعب الاريتري يكن الكثير من الود والعرفان للشعب السوداني الذي ظل ومازال يقاسمه (اللقمة) والمأوي. هذه الزيارة اعتبرها المهتمون بالشأن السوداني الاريتري من اهم المداخل لتسوية قضية الشرق وتمزيق ملفات الخلاف بين الحكومة والحركات المسلحة في الشرق والتي تتخذ من اريتريا مقرا لها، ووصف طه الزيارة لاريتريا بانها تأتي في اطار تطوير العلاقات الثنائية من اجل الشعبين اللذين تكبدا معا المعاناة وجنبا الي جنب وذهب طه اكثر من ذلك بقوله نتطلع لدور اريتري كبير حيث كانت اريتريا شريكة لنا في مفاوضات نيفاشا وابوجا ونطمع الآن في مساهمات لطي ملف الشرق بما لاريتريا من علاقات وطيدة وتلاحم مع السودان. وحتي تبرهن اريتريا على حسن النوايا سارعت بارسال سفيرها الى الخرطوم الذي قبل الرئيس البشير اوراق اعتماده في بحر هذا الاسبوع. وامس استضافت اسمرا مجموعة من قيادات الحركات المسلحة بدارفور ضمت د.خليل ابراهيم من حركة العدل والمساواة وعبد الواحد محمد نور ود.احمد ابراهيم دريج بحضور د. مصطفي عثمان اسماعيل مستشار رئيس الجمهورية في اطار المساعي الجارية لاقناعهم بالتوقيع واللحاق بركب اتفاق سلام دارفور فهل كل هذه المستجدات تصب في اطار تطبيع العلاقات بين الدولتين؟. د. قطبي المهدي قال في حديثه لـ(السوداني) انه يعتقد ان الحوار والتفاهم مع النظام الاريتري مستحيل مالم تتغير العقلية الاريترية مشيرا الى ان الحكومة السودانية تقبل هذا الموقف، وتأمل في ان تتوصل لحل مشكلة الشرق عن طريق التفاهم مع اريتريا، مؤكدا ان الاتصالات لم تنقطع في هذا الخصوص، وحسب افادات السفير عثمان السيد لصحيفة ايلاف فانه يعتقد ان عودة السفير الاريتري للخرطوم لاتعني الرغبة الاريترية الاكيدة في فتح صفحة جديدة مع السودان وانما تأتي في اطار مشكلة تواجهها هذه الحكومة الاريترية ونأمل ان تكون فرصة لتحسين العلاقات بين البلدين وخلق علاقات تحفظ للدولتين امنهما واستقرارهما، ولكنه اردف بالقول ان من الاشياء التي دفعت النظام الاريتري لتحسين علاقاته مع السودان هو فتح الطريق بين كسلا واريتريا من اجل حصول الاخيرة على المواد التموينية والبترول. اما الخبير الأمني حسن بيومي فيرى ان قبول الرئيس لأوراق اعتماد السفير الاريتري يأتي في اطار تطبيع العلاقات وازالة التوتر لان تطورات اقليمية ومحورية تحتم ان تلعب اريتريا دورا محوريا حول ازمة الشرق ولكنه اعرب عن مخاوفه من المفاجآت التي ربما يفجرها وجود المعارضة الاريترية في الاراضي السودانية مشيرا الى ان ليس من مصلحة الدولتين تأجيج الصراع بينهما. والايام القادمة كفيلة بوضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بتطوير وتطبيع العلاقة الذي تحتمه المتغيرات السياسية الراهنة في الدولتين والضغوط الدولية والاقليمية من اجل احلال السلام والاستقرار في المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى